الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره؛ ونعوذ بالله من شرور أنفسنا؛ ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له؛ ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:-
عباد الله: اتقوا الله تعالى واعلموا أن الإيمان باليوم الآخر هو أحد أركان الإيمان الستة التي لا يصح الإيمان إلا بها قال تعالى: ( ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين ) ولما سأل جبريلُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم عن الإيمان قال: ( أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره )
ولما كان ذلك اليوم مسبوقا بعلامات تدل على قرب وقوعه – وهي أشراط الساعة – ناسب أن نعرفها لأن الإيمان بها واجب وهو من صلب العقيدة، قال تعالى: ( اقتربت الساعة وانشق القمر )، وقال تعالى: ( فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها ) أي: علاماتها. ولما كان أمر الساعة شديدًا كان الاهتمام بشأنها أكثر من غيرها. ولهذا أكثر النبي صلى الله عليه وسلم من بيان أشراطها ونبه أمته وحذرهم ليتأهبوا لذلك.
وأما وقت مجيئها فهو مما انفرد الله بعلمه وأخفاه على العباد لأجل مصلحتهم ليكونوا على استعداد دائم. كما أخفى سبحانه عن كل نفس وقت حلول أجلها لتكون على أهبة الاستعداد, وألا تتكاسل عن العمل. وقد جاء في كتاب الله ما يدل على أن وقت وقوع الساعة من خصائص علم الله، ولذا فإنه لم يطلع أحداً على وقوعها، لا ملكا مقرب، ولا نبيا مرسلاً. قال تعالى: ( يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل أنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السموات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة يسألونك كأنك حفي عنها قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون )، وقال تعالى:( يسألك الناس عن الساعة قل إنما علمها عند الله وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا ).
وهذه الآيات واضحة الدلالة على أن الوقت الذي تكون فيه الساعة لا يعلمه إلا الله. وأنها تأتي بغتة. وأن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يدري متى هو. بل لما قال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم: متى الساعة ؟ قال عليه الصلاة والسلام: ( ما المسؤول عنها بأعلم من السائل ) فالبحث في هذا الأمر والزعم أن الساعة ستقع في عام بعينه تقوٌّلٌ على الله بغير علم. والذين يبحثون في هذا المجال يظنون أنه يمكنهم أن يعلموا ما لم يعلمه الرسول صلى الله عليه وسلم وجبريل عليه السلام! وكفى بذلك واعظاً ورادعاً لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد. والنبي صلى الله عليه وسلم لم يخبر إلا عن أشراطها والعلامات الدالة على قربها. وأما وقت مجيئها فقد سكت عنه لعلمه أنه من خصائص الله عز وجل.
والكلام عن أشراط الساعة مهم جدا
ويمكننا أن نوجز الفوائد التي نحصل عليها من وراء دراسة الأخبار التي تحدَّثُ عن أشراط الساعة والمغيبات المستقبلية في الأمور التالية:
1ـ أن الإيمان بالأخبار التي ورد فيها ذكر أشراط الساعة هو من الإيمان بالغيب وقد قال تعالى: ( ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين* الذين يؤمنون بالغيب ).
2ـ وقوع تلك المغيبات على النحو الذي حدثت به الأخبار يثبِّت الإيمان ويقويه. فالمسلمون يشاهدون في كل عصر شيئا من الأحداث التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن وقوعها.وهذا مما يثبت الإيمان ويقويه. وقد يكون ذلك مدخلا لدعوة الآخرين إلى هذا الدين الذي جاءنا من ربنا.
3ـ هناك وقائع وأحداث تقع في آخر الزمان يخفى على المسلمين وجه الحق فيها. لو تُرِكَ المسلمون إلى اجتهادهم فإنهم قد يختلفون وقد لا يهتدون إلى الصواب. بين الرسول صلى الله عليه وسلم وجه الصواب فيها وما ينبغي أن يفعله المسلمون عند وقوعها. فمن ذلك مثلا إخباره عن حقيقة الدجال وبيان ما يأتي به من الشبهات وما هو التصرف الأمثل حيالها من أنه – أي الدجال – يمكث في الأرض أربعين يوما: ( يوم كسنة, ويوم كشهر, ويوم كأسبوع، وبقية أيامه كأيامنا ) وقد سأل الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم عن تلك الأيام الطويلة أتكفي في الواحد منها صلاةُ يوم؟ فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( أقدروا له قدره ) ولو وُكِلَ العبادُ إلى اجتهادهم لاقتصروا على الصلوات الخمس عند الأوقات المعروفة في غير هذه الأيام.
ويكفي أن الإيمان بأشراط الساعة وما ورد فيها من أخبار هو من الإيمان بالله ورسوله إذ كيف نؤمن بالله ورسوله ثم لا نصدق بما جاء عنهما في ذلك ؟
4 ـ تذكير المؤمنين بأن المستقبل للإسلام وأن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون. خصوصا في هذا الزمان الذي قويت فيه شوكة الكفار وضعفت فيه قوة المؤمنين. خاصة إذا قرأ المؤمن الأخبار التي ورد فيها الانتصار على الروم واليهود والدجال.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ؛ ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ؛ أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:-
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:-
فإن أشراط الساعة التي ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم قسمها أهل العلم إلى ثلاثة أقسام:
* القسم الأول: ظهر وانقضى وهي الأمارات الصغرى: كانشقاق القمر وموت النبي صلى الله عليه وسلم , ومثل تقارب الزمان وتتابع الفتن.
* القسم الثاني: ظهر ولم ينقض: بل لا يزال في زيادة وبعضه لم يظهر. وهي الأمارات الوسطى.
* القسم الثالث: الأمارات الكبرى والتي تعقبها الساعة وهي تتابع كنظام خرزات انقطع سلكها. وأولها ظهور المسيح الدجال.
اللهم ثبتنا بقولك الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ، اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن.