كل يوم هو في شأن
الحمد لله الرحيم الرحمن ، الكريم المنان ، أحق من حمد ، وأحق من عبد ، وأحق من ذكر : } يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ {
وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، } رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ ، فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ { . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وصفيه وخليله ، وخيرته من خلقه ، أرسله رحمة للأنس والجان ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ، وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد ، عباد الله :
أوصيكم بما أوصي به نفسي ، تقوى الله U ، وصية الله للأولين والآخرين ، يقول سبحانه : } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ { فلنتق الله ـ أحبتي في الله ـ جعلني الله وإياكم من عباده المتقين .
أيها الأخوة المؤمنون :
تحدثنا عن كثرة الفتن في آخر الزمان ، وذكرنا تحذير النبي r ، وأمره لنا بالمبادرة بالأعمال الصالحة ، قبل أن تقع تلك الفتن التي معها لا يستطيع المسلم العمل ، أو تتغير حاله إلى ما لا تحمد عقباه كما قال r : (( بادروا بالأعمال الصالحة ، فستكون فتن كقطع الليل المظلم ، يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا ، ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا ، يبيع دينه بعرض من الدنيا )) .
فالمبادرة إلى العمل الصالح ـ أيها الأخوة ـ أمر مطلوب شرعا ، وتأخير العمل الصالح وتأجيله كارثة قد لا تعوض . لأن العمر لا يضمن ، والدنيا لا تؤمن .
بعض الناس قد بلغ من العمر عتيا ، وهو منذ كان شابا وهو يقول بنفسه ، إن شاء الله سوف أتوب وسوف ألتزم شرع الله ، وسوف أقلع عن المعاصي والذنوب ، وسوف أحافظ على الصلاة ، ومن ذلك الوقت وإلى يومنا هذا وهو على ما كان عليه ، وقد يحل أجله وهو يسوف ، ولذلك قال النبي r في الحديث الذي حسنه الترمذي : (( بادروا بالأعمال سبعاً فهل تنتظرون إلا فقراً منسياً أو غنى مطغياً أو مرضاً مفسداً أو هرماً مقيداً أو موتاً مجهزاً أو الدجال فشر غائب ينتظر أو الساعة والساعة أدهى وأمر )) .
أيها الأخوة :
يقول تبارك وتعالى في سورة الرحمن : } يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ، فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَان { تأملوا معي قوله تعالى في هذه الآية : } كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ { يقول ابن القيم ـ رحمه الله ـ : فكل يوم ؛ يغفر ذنباً ، ويفرج هماً ، ويكشف كرباً ، ويجبر كسيراً ، ويغني فقيراً ، ويعلم جاهلاً ، ويهدي ضالاً ، ويرشد حيراناً ، ويغيث لهفاناً ، ويفك عانياً ، ويشبع جائعاً ، ويكسو عارياً ، ويشفي مريضاً ، ويعافي مبتلىً ، ويقبل تائباً ، ويجزي محسناً ، وينصر مظلوماً ، ويقصم جباراً ، ويقيل عثرةً ، ويستر عورةً ، ويؤمن روعةً ، ويرفع أقواماً ، ويضع آخرين ، لا ينام ولا ينبغي له أن ينام ، يخفض القسط ويرفعه ، يرفع له عمل الليل قبل النهار ، وعمل النهار قبل الليل ، حجابه النور لو كشفه لأحرقت سُبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه .
أيها الأخوة المؤمنون :
إننا والله العظيم ، بحاجة لمراجعة إيماننا بالله U ، لأن الإيمان بالله ركن من أركان الإيمان ، فالنبي r لما سأله جبريل ـ عليه السلام ـ عن الإيمان ! قال r : (( هو أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسوله وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره )) فالإيمان بالله هو أول ركن من أركان الإيمان ، والكارثة ـ أيها الأخوة ـ كل منا يدعي الإيمان ، ويزعم أنه في مقدمة المؤمنين الكمل ، ولكن عندما تنظر في أعمال بعضنا ، تجد مالا يصدق ذلك .
أيها الأخوة :
إننا في حاجة لحقيقة قولنا ، وبرهان زعمنا ،} كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ { لنجعل هذا الأمر العظيم نصب أعيننا :
دع المقادير تجري في أعنتها
ولا تبيتن إلا خالي البالِ
ما بين غمضة عين وانتباهتها
يغير الله من حال إلى حالِ
أين أصحاب الحاجات ، أين أنتم يا من تضعون حاجتكم بين يدي من لا يملك حاجته ، ربكم كل يوم هو في شأن ، روى البخاري ومسلم ، أن النبي r قال : (( ينزل الرب تبارك وتعالى ، كل ليلة إلى السماء ، حين يبقى ثلث الليل الأخير .. فيقول : أنا الملك ؛ من يدعوني فأستجيب له ، من يسألني فأعطيه ، من يستغفرني فأغفر له )) .
أيها الأخوة المؤمنون :
يقول تبارك وتعالى : } وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ { فمن نسي الله أنساه الله نفسه ، عاقبه الله U بترك مصالح نفسه ، فلنحذر ذلك ـ أحبتي في الله ـ ولنكن دائما مع الله سبحانه ، طاعة وشكرا وذكرا ، فهو في كل يوم هو في شأن كما جاء في الآية الكريمة ، يغير من حال إلى حال ، فلنلجأ إليه ، ونجعل حوائجنا بين يديه ، فإذا سأل البشر بشرا مثلهم فلنسأل الله ، وإذا لجأ الناس إلى أناس مثلهم فلنلجأ إلى الله ، وإذا انتظر الخلق عطاء خلق مثلهم ، فلننتظر عطاء الله جل جلاله . } أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ، أَمْ مَنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ {.
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فإنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أيها الأخوة المؤمنون :
} كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ { روى ابن ماجه أن النبي r فسر هذه الآية بقوله : (( يغفرُ ذنبًا ويكشفُ كربًا ويرفع قومًا ويضع آخرين )) فالله U في كل يوم يغيّر أحوال العباد من مرض إلى صحّة ومن فساد إلى صلاح ومن فقر إلى غنى ومن غنى إلى فقر على حسب المشيئة الربانية الأزلية.
أيها الأخوة :
أيوب عليه السلام عانى من المرض زمنا طويلا ، فلما أراد الله له الشفاء ، سأل ربه فشفاه ، كما قال تعالى : } وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ ، ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ { أي : اضرب الأرض بها ، لينبع لك منها عين تغتسل منها وتشرب ، فيذهب عنك الضر والأذى ، ففعل ذلك ، فذهب عنه الضر، وشفاه اللّه تعالى .
يوسف عليه السلام ـ أيها الأخوة ـ يلقى في غيابة الجب ، وتلقطه السيارة ، ويباع في مصر ، وتراوده امرأة العزيز ، ويسجن ، وفي النهاية تنتهي إليه خزائن الأرض ، فيأتيه من ألقاه ، ويحتاج إليه من قلاه ، والله في علاه : } كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ { .
اسأله U أن يمن علينا بفضله ، ويسبغ علينا نعمه ويرحمنا برحمته إنه سميع مجيب .
اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى ، اللهم أحينا سعداء ، وتوفنا شهداء ، واحشرنا في زمرة الأتقياء برحمتك يا أرحم الراحمين .
اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل ، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل ، اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين ، اللهم واحمي حوزة الدين ، اللهم آمنا في أوطاننا واستعمل علينا خيارنا واجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك واتبع رضاك يا أرحم الراحمين .
اللهم إنا نسألك وأنت في عليائك ، ,انت الغني ونحن الفقراء إليك ، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطيبن ، اللهم اسقنا غيثا مغيثا هنيئا مريعا سحا غدقا عاجلا غير آجل ، اللهم غيثا تغيث به البلاد والعباد ، وتسقي به الحاضر والباد ، برحمتك يا أرحم الراحمين .} رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ {
عباد الله:} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { فاذكروا الله العظيم يذكركم ، واشكروه على وافر نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
|