الوفاء لورثة الأنبياء
الحمد لله خالق الأرض والسماء ، سامع الدعاء ومحقق الرجاء ، رفع شأن العلماء ، فجعلهم ورثة الأنبياء ، ومرجع العقلاء .
أحمده حمدا يليق بكريم وجهه ، وبعظيم سلطانه ، يهدي من يشاء ويضل من يشاء .
وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وصفيه وخليله ، وخيرته من خلقه ، بعثه رحمة للعالمين ، وقدوة للسالكين ، وأسوة للمتقين ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد ، عباد الله :
تقوى الله U هي وصية الله لنا ولمن كان قبلنا ، يقول سبحانه : } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ { فلنتق الله ـ أحبتي في الله ـ جعلني الله وإياكم من عباده المتقين .
أيها الأخوة المؤمنون :
في الجمعة الماضية ، سمعنا ما تفضل به ولي أمرنا ـ خادم الحرمين الشريفين ـ مما أثلج صدورنا ، وأبهج نفوسنا ، وأكد ولاءنا ومحبتنا وبيعتنا له حفظه الله ونفع به الإسلام والمسلمين .
ومما أمر به ـ وفقه الله ـ عدم التعرض للعلماء والمشايخ بالإساءة والنقد ، والتحذير من المساس بهم في وسائل الإعلام ، لأنهم حماة الدين ، وفضلهم على غيرهم كفضل النبي r على أدنى رجل من أمته ، كما قال r في الحديث الذي في السنن وصححه الألباني ـ رحمه الله ـ لما ذكر له رَجُلاَنِ أَحَدُهُمَا عَابِدٌ وَالآخَرُ عَالِمٌ ، فَقَالَ r : (( فَضْلُ العَالِمِ عَلَى العَابِدِ كَفَضْلِى عَلَى أَدْنَاكُمْ )) ، ثُمَّ قَالَ r : (( إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الخَيْرَ )) .
فأمر خادم الحرمين ، جاء ـ أخوتي في الله ـ انطلاقا من إيمانه الصادق ـ حفظه الله ـ واستشعاره لقيمة العلماء والمشايخ والدعاة في هذه البلاد ، وخاصة منهم الذين هم على منهج السلف الصالح ، الذين ينهلون من معين الكتاب الكريم ، والسنة المطهرة ، ولم يحيدوا عن المحجة البيضاء ، التي ليلها كنهارها ولا يزيغ عنها إلا هالك ـ كما قال النبي r ـ .
أيها الأخوة :
إن هذه البادرة الكريمة ، لخادم الحرمين ، لا تستغرب في بلد قام على الدين ، وحكمه قادته بشرعة رب العالمين ، وهذا هو ما ورثه العلماء عن النبي r ، وهو ما لا يتمناه من مسخت فطرهم ، ولوثت عقولهم بالشهوات والشبهات ، من ألبراليين والمنافقين ، الذين لم يجدوا سبيلا إلى مآربهم ، وتحقيق رغباتهم من اختلاط ورياضة نساء وسفور وفجور ، إلا أن يطعنوا بمن يقوم مقام النبي r ، لأحداث الخلاخل في المجتمع ، وتشكيك الجهلة بعلماء العصر ، الذين يمثلون صمام الأمان في طريق الفساد والضلال ، فميراث النبي هو دستور هذه البلاد ، وهو مرجع أحكامها ، ولا يوجد إلا عند العلماء ، كما قال r في الحديث الصحيح : (( وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض والحيتان في جوف الماء وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب وإن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما إنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر )) يقول شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ : فيجب على المسلمين - بعد موالاة الله تعالى ورسوله r - موالاة المؤمنين كما نطق به القرآن . خصوصا العلماء , الذين هم ورثة الأنبياء الذين جعلهم الله بمنزلة النجوم , يهتدى بهم في ظلمات البر والبحر.
وقد أجمع المسلمون على هدايتهم ودرايتهم.
إذ كل أمة - قبل مبعث نبينا محمد r - فعلماؤها شرارها ، إلا المسلمين فإن علماءهم خيارهم ؛ فإنهم خلفاء الرسول r في أمته ، والمحيون لما مات من سنته . بهم قام الكتاب , وبه قاموا , وبهم نطق الكتاب وبه نطقوا.
فتوجيه خادم الحرمين ـ أيها الأخوة ـ هو أقل ما يقدم لعلمائنا ومشايخنا ، فلا خير في مجتمع لا يحفظ حق علمائه المخلصين ، ودعاته الغيورين على دين ربهم U ، وسنة نبيهم r ، الذين لم تلعب بهم الأهواء ، ولم تأثر بهم الشهوات وحب الدنيا ، ولكي ندرك دور علمائنا ، ننظر إلى غيرهم ، ممن يحسب على العلماء ، وكيف ورطوا غيرهم بفتاوى غير موفقه ، في أعمال مخالفة لهدي الكتاب والسنة .
فالشيعة الرافضة لهم علماء ، والتكفيريون الإنتحاريون لهم علماء ، وكذلك المبتدعة وأصحاب الأفكار المنحرفة لهم علماء ، بل ما تشاهدونه في هذه الأيام ، وما تنقله وسائل الأعلام من أشلاء تمزق ، ودماء تهرق ، وأعراض تنتهك ، وراؤه علماء ودعاة ضلالة ضلوا بأنفسهم ، وأضلوا غيرهم ، ولكن علماؤنا عملوا على حفظ ديننا ، وأفتوا حسب شريعة ربنا ، ولم تأخذهم في الله لومة لائم ، فبقى لنا أمننا ، وتوحدت كلمتنا ، وقوية شوكتنا ، نسأل الله أن يديم علينا ذلك .
أيها الأخوة :
إن أمر ولي أمرنا ، الخاص بالعلماء والمشايخ ، لم يأت من فراغ ، ولكنه بعد أن تطاول عليهم بعض السفهاء ، في أعمدة صحفهم ، وفي بعض قنواتهم ومنتدياتهم ، إلى درجة أن بعضهم ، وهو من أساقط القوم ، ينال بقلمه أو بلسانه من عالم فاضل ، ويتجرأ على تشويه صورته عند عامة الناس ، ولذلك أتى أمر خادم الحرمين ، كالدواء لهذه الظاهرة النشاز ، والجريمة النكراء ، فحفظ الله لنا ولي أمرنا ، وجعله ذخرا للإسلام والمسلمين .
اسأل الله لي ولكم علما نافعا ، وعملا خالصا ، وسلامة دائمة ، إنه سميع مجيب ، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فإنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أيها الأخوة المؤمنون :
إن من النعم العظيمة ، التي أنعم الله بها U على بلادنا ، وجود العلماء الربانيين ، وهو ما فقنا به غيرنا ، وتميز به هذا الوطن الغالي على نفوسنا ، وهم قوم رفع الله قدرهم فقال : } يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ { ولهم مكانة عالية بين الناس عند الله سبحانه ، يقول U عنهم : } إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ { فقوم هذه صفاتهم ، رفع الله مكانتهم ، وأعلى بين الملأ منزلتهم ، وهم الأكثر خشية لربهم ، والله لا خير في من تطاوعه نفسه للنيل منهم ، أو الإساءة إليهم ، فهنيئا لبلادنا بعلمائنا ، وهنيئا لعلمائنا برجل عرف قدرهم ، وأنصفهم شيئا من حقهم ، وقد صدق ـ أطال الله بعمره على طاعته ـ : هم أهل العلم ، وحراس العقيدة ، وَمَنْ حباهم الله بحُسن الهَدْي ، وعلو السّمْت ، على جادة شرعنا المُطهر، بوسطيته واعتداله ، وسعة أفق حَمَلَتِهِ ، في مشمول ما أكدوا عليه في فتاواهم ، وقراراتهم ، وبياناتهم ، ومحاضراتهم ، فمثلوا ـ بحمد الله ـ الامتداد العلمي لسلفنا الصالح ، في سياق مبارك لا نستغربه من عُلمائنا الموفقين بفضل الله عليهم للنهل من معين الكتاب والسنة ، بعيداً عن مزالق البدع والأهواء ، والغلو والتطرف ، على محجة بيضاء ، ليلها كنهارها ، لا يزيغ عنها إلا هالك. فلا فض فوك يا خادم الحرمين .
اسأل الله أن يحفظ لنا ولاة أمرنا ، ويديم علينا أمننا ، ويوفق علماءنا إنه سميع مجيب ، اسأل الله أن يهدي ضال المسلمين ، وان يفقهنا جميعا في هذا الدين ، وأن يجعلنا من عباده الصالحين .
اللهم إنا نسألك نصر الإسلام وعز المسلمين ، اللهم واحمي حوزة الدين ، واجعل بلدنا هذا آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين .
اللهم احفظ إخواننا في تونس ومصر وليبيا وجميع بلاد المسلمين ، اللهم احقن دماءهم ، واحفظ أعراضهم ، وأمن روعتهم ، اللهم جنبهم الفتن ما ظهر منها وما بطن .
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه ، وارنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه واجعلنا من الراشدين ، برحمتك يا أرحم الراحمين .
اللهم إنا نسألك وأنت في عليائك ، وأنت الغني ونحن الفقراء إليك ، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، اللهم اسقنا غيثا مغيثا هنيئا مريعا سحا غدقا عاجلا غير آجل ، اللهم غيثا تغيث به البلاد والعباد ، وتسقي به الحاضر والباد ، برحمتك يا أرحم الراحمين .} رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ {
عباد الله :
} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { فاذكروا الله العظيم يذكركم ، واشكروه على وافر نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
|