اعتصامنا باعتصامنا
الحمد لله القائل : } وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا { أحمده حمدا يليق بكريم وجهه ، وبعظيم سلطانه ، } لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآَخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ { .
وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، } إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ { .
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وصفيه وخليله ، وخيرته من خلقه ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد ، عباد الله :
فاتقوا الله ـ عباد الله ـ فالتقوى وصية الله لكم ولمن كان قبلكم ، يقول سبحانه : } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ { فاتقوا الله ـ عباد الله ـ جعلني الله وإياكم من عباده المتقين .
عباد الله :
اعتصامات ومظاهرات ، ونداءات وشعارات ، إسقاط أنظمة وحكومات ، في بعض بلاد المسلمين ، وخاصة العرب منهم ، وراؤها أصحاب شهوات ، ومحبوا رئاسات وزعامات ، فلو كانت في بلد واحد ، لأحسنا الظن ، ولكنها صارت ظاهرة ، ومتنفسا لما في نفوس حاقدة ، وضمائر فاسدة ، لعبت فيها أمراض حب الدنيا وزخارفها ، وأعماها الانتصار للذات وتحقيق الملذات ، فالمهم عندهم ، إثارة الشعوب على حكامهم ، مهما كانت نوعية الحكام ، ومهما كانت نوعية الشعوب ، فهم مع الرافضة تارة ، ومع الإباضية تارة ، ومع الزيدية تارة ، ومع النصارى تارة ، وهذا يدل على أن وراء الأكمة ما وراءها .
أيها الأخوة :
ولقد وصل شر هؤلاء إلى هذه البلاد ، يريدون إيقاعها بما وقع فيه غيرها ، فاختاروا ميادين لتكون كميدان التحرير والتغيير ، ضنا منهم أننا كغيرنا ، لنعمل عملا تأباه فطرتنا ، ويحرمه ديننا ، بل وترفضه قيمنا وأخلاقنا ومبادئنا ، فاعتصامنا باعتصامنا الذي أمرنا الله U به فقال : } وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ { ومظاهراتنا بوحدتنا واجتماعنا في وجه من أراد أن يفرق كلمتنا ، ويزعزع أمننا ، لقوله r في الحديث الذي رواه الإمام مسلم عنْ عَرْفَجَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ : (( إِنَّهُ سَتَكُونُ هَنَاتٌ وَهَنَاتٌ ، فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُفَرِّقَ أَمْرَ هَذِهِ الأُمَّةِ وَهِيَ جَمِيعٌ فَاضْرِبُوهُ بِالسَّيْفِ كَائِنًا مَنْ كَانَ )) ، وفي رواية السننِ : (( فَمَنْ رَأَيْتُمُوهُ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ ، أَوْ يُرِيدُ يُفَرِّقُ أَمْرَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ r كَائِنًا مَنْ كَانَ فَاقْتُلُوهُ ، فَإِنَّ يَدَ اللَّهِ عَلَى الْجَمَاعَةِ ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ يَرْكُضُ )) .
أيها الأخوة المؤمنون :
إننا في هذه البلاد ، حكاما ومحكومين ، مرجعنا هو كتاب ربنا U ، وسنة نبينا r ، الذي يقول عنهما النبي r في الحديث الذي رواه الحاكم والبيهقي وحسنه الألباني : (( إني قد تَرَكْتُ فيكم شيئين لن تَضِلّوا بعدهما : كتاب الله وسُنَّتِي ، ولن يتفرقا حتى يَرِدا عليّ الحوض )) والمظاهرات والمسيرات والاعتصامات المحدثة ، ليست مما يأمر به كتاب ربنا ولا سنة نبينا ، أي ليست من الدين ، ولو كانت من الدين ، لجعل لها نظاما في هذه البلاد ، كالمحاضرات والندوات ، وحلقات تحفيظ القرآن ، والجمعيات الخيرية ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وغير ذلك مما يأمر به الدين ، وتميزت به بلادنا عن غيرها من البلاد ، ولو كانت من الدين لخرجنا لها تقربا إلى الله كخروجنا لصلاة الاستسقاء والعيدين ، ولكنها من الأمور المحدثة التي تفسد أكثر مما تصلح ، وتسبب زعزعة الأمن ، وسفك الدماء ، وهتك الأعراض ، وتعطيل المصالح ، بل وليس لها داعي في هذه البلاد المتميزة ، فالصلاة تقام ، والحدود تنفذ ، والأعراض تحفظ ، والدماء تصان ، ويؤمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، وتعمر المساجد ، ويخدم الحجاج والمعتمرون ، ويطبع المصحف ويوزع ، والكمال عزيز وهو لله سبحانه فليخسأ كل ناعق .
أيها الأخوة المؤمنون :
إن الدعوة لإقامة المظاهرات ، وخروج المسيرات ، في هذه البلاد ، دعوة مبطنة ، يراد منها زعزعة الأمن ، والأمن مطلب هام ، بفقده تحصل الفتن ، وتهتك الأعراض وتسفك الدماء ، وينقطع الناس عن أعمالهم ، وتتعطل مصالحهم ، والناظر يمنة ويسره يجد ذلك ظاهرا واضحا ، هاهي على أرض الواقع ، يعاني العقلاء من ويلاتها ، ويشتكي المنصفون من تبعاتها ، فما هي إلا متنفس للمفسدين ، ووسيلة للمجرمين ، وطريق لأصحاب الشهوات والشبهات ، وهذا ما لا نرضاه أن يكون بيننا ، ولا نقبله في بلادنا الطاهرة :
هذي هويتنا هذي كرامتنا
اختارها خالق الإنسان مولانا
ونحن لسنا كشعب عاش مضطهدا
أضنته أحزابه هما وأحزانا
لسنا كمن يرفع الرايات في غده
وفي المساء نرى الرايات نيرانا
ليست شعاراتنا في أرضنا صورا
بل جاء حكامنا من قلب شورانا
أبواب حكامنا للشعب مشرعة
في كل حين ، وعند الغير أحيانا
في أرضنا بيعة الإسلام راسخة
ونحن نرضى بها حبا وإيمانا
فنحن شعب تربى خير تربية
نبينا المصطفى بالدين ربانا
ومن أتانا يشق الصف نردعه
حتى وإن كان بين الناس من كان
وليس للمارق المعتوه مكرمة
ولا لمن كان بين الشعب فتانا
فنحن لا نرتضي الغوغاء في بلد
أهدى وأعطى من الخيرات ألوانا
حفظ الله بلادنا ، ورعى أمننا ، وأدام علينا نعمه إنه سميع مجيب ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أيها الأخوة المؤمنون :
يحاول بعض دعاة الضلالة ، جر بلادنا إلى ما انجر إليه غيرها من البلدان ، فهم ينعقون عبر قنواتهم ومنتدياتهم ، ووسائل إعلامهم ، ليجعلوننا خوارج زماننا ، وعصاة أمر ربنا ، ومخالفي سنة نبينا ، وتاركي منهج صالح أسلافنا ، ولكن أخزاهم الله ، ورد كيدهم في نحورهم ، والأيام الماضية خير برهان ، فنداءاتهم لا تزيدنا إلا تمسكا بكتاب ربنا ، وإتباعا لسنة نبينا ، واجتماعا على ولاة أمرنا ، ورجوعا إلى علمائنا ، ونحمد الله على ذلك .
أيها الأخوة :
إننا على إيمان وتصديق فيما يخبرنا به نبينا r ، ولكننا نزداد إيمانا وتصديقا ، كلما وقعت واقعة أخبرنا بها قبل مئات السنين على لسان من لا ينطق عن الهوى .
فدعاة الضلالة ، ومن يعمل على تفريق الكلمة ، ومن يدعو إلى الخروج على الحكام ، ومن يفرق الوحدة ، ومن يفارق الجماعة ، ومن لا يرى البيعة ، ومن يقتل أهل الإسلام ويدع أهل الأوثان ، ومن يقرأ القرآن ولا يتجاوز حنجرته ، وكثرة القتل ، وظهور الفتن ، والصبر على جور الولاة ، ووجوب السمع والطاعة ، كل ذلك مما أخبرنا به نبينا r . فنشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، ورضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا ورسولا . ونبرأ إلى الله من دعاة الضلالة ، ومن أذنابهم ومن يتأثر بهم .
أيها الأخوة :
قد يوجد بعض الجهلة ، الذين لا يدركون عواقب الأمور ، ولا يبالون بالنتائج ، قد تأثر بهم بعض القنوات والمنتديات ، فقد نعرف بعضهم في لحن القول ، فيجب علينا أطرهم على الحق ، وحتى لو وصل الأمر بالإبلاغ عنهم للجهات المختصة ، وذلك لمصلحتهم ومصلحتنا نحن قبلهم .ولنا تجربة في ذلك ، ففي أحداث الخليج قبل عشرين سنة ، وجد من انساق وراء الناعقين ، وانقاد للمصلحين المفسدين ، ومرت الأيام ، وانكشف له الغطاء ، وثبت له صدق العلماء ، فعاد طوعا أو كرها .
اسأل الله أن يهدي ضال المسلمين ، وان يفقهنا جميعا في هذا الدين ، وأن يجعلنا من عباده الصالحين .
اللهم إنا نسألك نصر الإسلام وعز المسلمين ، اللهم واحمي حوزة الدين ، واجعل بلدنا هذا آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين .
اللهم احفظ إخواننا في تونس ومصر وليبيا وجميع بلاد المسلمين ، اللهم احقن دماءهم ، واحفظ أعراضهم ، وأمن روعتهم ، اللهم جنبهم الفتن ما ظهر منها وما بطن .
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه ، وارنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه واجعلنا من الراشدين ، برحمتك يا أرحم الراحمين .
اللهم إنا نسألك وأنت في عليائك ، وأنت الغني ونحن الفقراء إليك ، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، اللهم اسقنا غيثا مغيثا هنيئا مريعا سحا غدقا عاجلا غير آجل ، اللهم غيثا تغيث به البلاد والعباد ، وتسقي به الحاضر والباد ، برحمتك يا أرحم الراحمين .} رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ {
عباد الله:} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { فاذكروا الله العظيم يذكركم ، واشكروه على وافر نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
|