إشارات للتحذير من المظاهرات
الحمد لله رب العالمين ، ناصر المستضعفين ، ومجيب السائلين ، ومغيث المستغيثين ، أحمده من إله ، ينصر من ظلم من عباده ولو بعد حين .
وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، آله الأولين والآخرين .
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، بعثه رحمة للعالمين ، وقدوة للسالكين، وأسوة للمتقين . صلوات ربي وسلامه عليه ، وعلى آله وصحابته الطيبين الطاهرين .
أما بعد ، عباد الله :
تقوى الله U وصية الله لخلقه ، } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ { فلنتق الله ـ عباد الله ـ جعلني الله وإياكم من عباده المتقين .
أيها الأخوة المؤمنون :
يقول تبارك وتعالى : } وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آَدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآَخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ { ففي هذه الآية ، يأمر الله U نبيه r ، بأن يقص علينا خبر أبني آدم ، وهما هابيل وقابيل ، } إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآَخَرِ { أي أخرج كل واحد منهما شيئا من ماله ، ليتقرب به إلى الله سبحانه ، } فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآَخَرِ { فقبل الله قربان أحدهما ولم يقبل قربان الآخر ، فقال الذي لم يقبل الله قربانه لأخيه : } لَأَقْتُلَنَّكَ { فقال له أخوه : } إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ { أي ماهو ذنبي ، وماذا جنيت حتى تقتلني ؟ } لَئِن بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأقْتُلَكَ { إن أقدمت على قتلي فلن أقدم على قتلك لأني : } أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ { لا عجزا ولا جبنا } إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ { أي: إنه إذا دار الأمر بين أن أكون قاتلا أو تقتلني فإني أختار وأفضل أن تقتلني ، فتبوء بالوزرين } فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ { يقول U : } فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ { زينت وأجازت له نفسه قتل أخيه فقتله ، فأصبح من الخاسرين دنيا وأخرى ، ولهذا جاء عن النبي r في الحديث الصحيح : (( ما من نفس تقتل إلا كان على ابن آدم الأول شطر من دمها ، لأنه أول من سن القتل )).
أيها الأخوة المؤمنون :
لقد ذكر الله U هذه القصة في كتابه ، لتكون موعظة وعبرة ، وبيانا لحرمة دم المسلم ، وأن نفس المسلم عند الله U لها قيمة عظيمة ، لا يجوز إزهاقها دون مبرر شرعي ، كما في الحديث الصحيح عن النبي r : (( لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنِّي رَسُولُ الله ، إِلَّا بإحدى ثَلَاثٍ : الثَّيِّبُ الزَّانِي ، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ ، وَالتَّارِكُ لِدِينِه الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَة )) هذه الثلاث فقط هي التي يحل بها دم المسلم ؛ المحصن إذا زنا ، أو قتل نفسا ، أو ترك دينه وفارق جماعة المسلمين ، أما غير هذه الثلاث ، فلا يجوز بحال من الأحوال ، ولذلك يقول تبارك وتعالى : } وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا { خلود في النار ، وغضب من الجبار ، ولعنة وعذاب أليم ـ نسأل الله العافية ـ .
نعم ـ أيها الأخوة ـ روى الترمذي والنسائي عن عبدالله بن عمرو ـ رضي الله عنهما ـ أن النبي r قال : ((لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم ))
أيها الأخوة المؤمنون :
لقد تهاون الناس بالدماء ، والواقع أكبر برهان ، صار القتل أمرا مألوفا ، بل من المسلمين من يتقرب إلى الله بقتل مسلم مثله ، إما لشهوة أو شبهة ، وتلك من المآسي التي حلت بالأمة ، نتيجة الجهل بتعاليم الشرع ، والانسياق وراء الشهوات ، والتأثر بوسائل الإعلام المغرضة ، والاستماع لفتاوى دعاة الضلالة ، الذين حذر منهم النبي r حذيفة t في الحديث ومنه قوله r : ((ثم تنشأ دعاة الضلالة ، فإذا كان لله يومئذ في الأرض خليفة جلد ظهرك وأخذ مالك فالزمْه ، وإلا فمت وأنت عاضّ على جِذل شجرة ، قال : قلت : ثم ماذا ؟ قال : يخرج الدجال بعد ذلك ))
أيها الأخوة المؤمنون :
إننا في هذه البلاد الطاهرة ، التي ليس على وجه الأرض اليوم ، بلاد تماثلها بتحكيم شرع الله ، وتمسك قادتها بالإسلام ، وحرصهم على شرع الله ، وخدمة بيت الله ، ومسجد رسوله r ، يحاول بعض الخبثاء ، والمغرضين السفهاء ، الذين خرجوا من ضئضئ ذي الخويصرة ، الخارجي الذي أنكر على رسول الله r ، يحاولون جعل بلادنا ، كبعض البلاد التي تسفك فيها الدماء ، ويزعزع فيها الأمن ، ويعتدا فيها على الأعراض والأموال والممتلكات ، فينادون إلى أمور ليست من الدين ، بل الدين يحذر منها وينكرها ، وما ذلك إلا لمفاسدها العظيمة ، وأخطارها الكبيرة .
أيها الأخوة :
تسمعون في بعض وسائل الإعلام ، ما يريده بعض الناس في الدول ، التي ثارت فيها الفتن ، وهي الديمقراطية ، والتي من أجلها قامت المظاهرات ، وخرج لها أرباب الشهوات ، أتدرون ماهي الديمقراطية ؟ بعض الناس لجهله يضن أنها الشورى التي أمر الله بها وهي ليست كذلك ، إنها ـ أيها الأخوة ـ تحكيم الشعب وإطلاق الحريات للجميع ، حكم الشعب للشعب ، أي يختار الشعب ما يريد ، فالشعب يكون حاكما ومشرعا ومصدرا لجميع السلطات ، ولهم مطلق الحرية في اختيار ما يريدونه ، ومن ذلك أنهم إذا لم يرضوا بحكم تظاهروا وأعلنوا سخطهم وعدم موافقتهم لذلك الحكم ، وإذا أرادوا حكما ما ، تظاهروا وأعلنوا رغبتهم في ذلك الحكم ، أيا كان هذا الحكم ، فإذا اختار من اختار من الشعب ، الكفر بالله ، فلهم أن يخرجوا في الشوارع منادين بذلك ، وإذا اختار من اختار الشذوذ ، فلهم أن ينادوا بذلك ، وهلم جرا ، فهو تحكيم لأهواء الناس وشهواتهم ، وما جاءت الشريعة إلا لتخليص العباد من عبادة الهوى ، وتعبيدهم لله وحده لاشريك له ، وأن يكون الحكم لله وحده : } إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ { فإذا فُتح هذا الباب ، جاز لكل ضال ومبتدع وصاحب هوى ، أن ينادي بباطله ، بكل جرأة ووقاحة ، فالحكم للشعب ، ما أراده الشعب كان ، وما لم يرده لم يكن .
فلنتق الله ـ أحبتي في الله ـ ولنكن يدا واحدة مع ولاة أمرنا ، نسمع ونطيع ، اسأل الله U أن يديم علينا نعمة الأمن والإيمان إنه سميع مجيب.
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أيها الأخوة المؤمنون :
على كل إنسان في هذه البلاد الطاهرة ، يؤمن بالله واليوم الآخر ، أن يحافظ على ما أنعم الله به U عليه ، من نعم كثيرة لا تعد ولا تحصى ، في مقدمتها نعمة الأمن واجتماع الكلمة ، ووجود علماء فضلاء ، نحسبهم خيرة من حمل العلم الشرعي ، ودعا إليه في هذا الزمان .
أيها الأخوة :
فليعلم أن كل دعوة تحاول المساس في أمن بلادنا ، وراؤها حاقد أو حاسد ، حتى وإن ادعى العلم ، وزعم المصلحة والإصلاح ، فقبله فرعون ، قال لقومه مشككا بنبي الله موسى : } إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ { سبحان الله ، موسى النبي يظهر في الأرض الفساد !!!
أيها الأخوة :
ولكي تعلموا حكم المظاهرات ، ورأي الشرع في صحتها ، اسمعوا إلى ما قال علماؤنا :
يقول ابن باز :ليست علاجا وهي من أسباب الفتن والشرور وظلم الناس.
ويقول آل الشيخ : فوضوية ومن أناس لديهم فساد تصور وقلة إدراك للمصالح ، ويقول ابن عثيمين : أمر حادث لم يكن معروفا بعهد النبي r والخلفاء وهي منكر . ويقول الشيخ الفوزان: ليست من أعمال المسلمين والحقوق يتحصل عليها دون تشويش ، ويقول اللحيدان : أعمال جاهلية ما أنزل الله بها من سلطان يحصل بها تدمير وفساد .
فلنتق الله عباد الله ، ولنحذر ونحذر ممن يحاول إيقاعنا بما وقع به غيرنا ، والسعيد من وعض بغيره .
اللهم احفظ لنا أمننا ، وسدد ولاة أمرنا ، وجنبنا الفتن ماظهر منها وما بطن .
اللهم من أرادنا في بلادنا بسوء اللهم اشغله بنفسه ، واجعل كيده في نحره ، واجعل تدبيره سببا لتدميره يارب العالمين .
اللهم إنا نسألك نصر الإسلام وعز المسلمين ، اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين ، واحمي اللهم حوزة الدين ، واجعل بلدنا هذا آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين ، اللهم آمنا في أوطاننا ، واستعمل علينا خيارنا ، واجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك واتبع رضاك برحمتك يا أرحم الراحمين .
اللهم إنا نسألك وأنت في عليائك ، وأنت الغني ونحن الفقراء إليك ، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، اللهم اسقنا غيثا مغيثا هنيئا مريعا سحا غدقا عاجلا غير آجل ، اللهم غيثا تغيث به البلاد والعباد ، وتسقي به الحاضر والباد ، برحمتك يا أرحم الراحمين .} رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ {
عباد الله:} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { فاذكروا الله العظيم يذكركم ، واشكروه على وافر نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
|