إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره؛ ونعوذ بالله من شرور أنفسنا؛ ومن سيئات أعمالنا؛ من يهده الله فلا مضل له؛ ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْْ اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ . ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ . ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِين ءَامَنُواْ اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾. أما بعد:- فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار.
عباد الله:
لقد اختصكم الله بيوم الجمعة, وهو يوم عظيم, وموسم كريم, يتكرر عليكم كل أسبوع, قد ضلت عنه الأمم قبلكم, وهداكم الله له. ودلت النصوص الصحيحة على أنه خير يوم طلعت عليه الشمس, وأنه اليوم الذي خلق فيه آدم, وفيه تِيبَ عليه, وفيه أُهْبِط, وفيه قبض, وفي صبيحته تقوم ساعة, فيمده الله, فلا يأتي وقتُ القيلولة إلا وأهلُ الجنة في منازلهم كي يَقِيلُوا في قصورهم مع زوجاتهم من الحور العين, لقوله تعالى: ( أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا ). أي: وقت القيلولة. وفي يومِ الجمعةِ ساعةٌ لا يصادفها عبدٌ مؤمنٌ وهو يصلي يسأل الله شيئاً إلا أعطاه, والمراد بقوله: " وهو يصلي ", أي: أنه في المسجد ينتظر الصلاة. والمراد بساعة الإستجابة: آخر ساعة بعد العصر. كما فسر ذلك جماعة من الصحابة رضي الله عنهم.
وكان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم تعظيم هذا اليوم, وتخصيصه بعبادات يختَصُّ بها عن غيره: فكان صلى الله عليه وسلم يقرأ في فجر الجمعة بسورتي السجدة وهل أتى على الإنسان, لاشتمالهما على خلق آدم وذكر يوم القيامة وحشر العباد.
ومن ذلك: استحباب الإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيه وفي ليلته.
ومن ذلك: استحباب الإغتسال والتنظف والتطيب والسواك ولبس أحسن الثياب, لأنه يوم اجتماع المسلمين, وعيد الأسبوع, فينبغي للمسلم أن يكون على أحسن حال. وأما من كان بعيد عهد باغتسال أو بِهِ رائحة فَغُسْلُ الجمعة في حقه واجب.
ومن ذلك: استحباب التبكير بالذهاب لصلاة الجمعة, لقوله صلى الله عليه وسلم: ( من غسَّلَ واغتسل, وبكَّر وابتكر, ودنا من الإمام فأنصت, كان له بكل خطوة يخطوها صيام سنة وقيامها ). وفي الحديث الآخر: ( ومَثَلُ المُهَجِّرِ كمَثَلِ الذي يُهدي بدَنَةً، ثم كالذي يهدي بقرَةً، ثم كَبشًا، ثم دجاجةً، ثم بَيضةً، فإذا خرَج الإمامُ طَوَوْا صُحُفَهم، ويَستَمِعونَ الذِّكرَ ). وبعض الناس هداهم الله لا يدخلون المسجد إلا بعدما تطوي الملائكة صُحُفَها, وهذا من الحرمان وتثبيط الشيطان.
ومن خصائص يوم الجمعة: أن فيه الخطبة التي يُقْصَد بها الثناء على الله وتمجيده والشهادة له بالوحدانية, ولنبيه بالرسالة, وتذكير العباد بأيام الله, وتحذيرهم من بأسه ونقمته, ووصيتهم بتقوى الله. فالخطبة شرط من شروط صحة الجمعة, وحضورها واستماعها أمر مقصود ومتأكد في حق المصلين, ولهذا يُشرَع لمن حضر أن يتجه بسمعه وقلبه إلى الخطبة, فلا يتكلم, ولا يعبث حال الخطبة, ولا يرد السلام, ولا يشمت العاطس, ولا ينصح مَنْ بجانبه. ولا يجوز استعمال السواك, ولا مَسُّ الحصا, ولا ينبغي له كثرة الإلتفات, ومراقبة الحاضرين. وَمَن دخل والإمام يخطب, فإنه لا يجلس حتى يصلي ركعتين خفيفتين, حتى ولو دخل والمؤذن يؤذن للصلاة فإنه ينبغي له أن يصلي ولا ينتظر فراغ المؤذن, كي يتمكن من سماع الخطبة.
ومن خصائص يوم الجمعة: صلاة الجمعة التي هي من آكد فرائض الإسلام ومن أعظم مجامع المسلمين. من تركها مرة متعمداً فقد ارتكب موبقة من الموبقات, ومن تركها ثلاث جُمَع بلا عذر, طُبِع على قلبه والعياذ بالله. فاتقوا الله عباد الله, وعظّموا هذا اليوم وأعطوه حقه من العناية.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ؛ ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ؛ أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كُفُوا أحد، فاطر السماوات والأرض، جاعل الملائكة رسلاً أولي أجنحةً مثنى وثلاث ورباع، يزيد في الخلق ما يشاء، إن الله على كل شيء قدير، ما يفتحِ الله للناس من رحمةٍ فلا مُمسكَ لها، وما يُمسك فلا مُرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد عباد الله:
اعلموا أن من أدرك ركعة من صلاة الجمعة فليضف إليها ركعة أخرى وقد تمت جمعته, ومن بقي عليه أقلُّ من ركعة, فقد فاتته الجمعة, فيدخل بنية الظهر ويصلي أربع ركعات. ومن دخل المسجد والإمام يخطب فلا يجوز له أن يتخطى رقاب الناس لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك حتى ولو وجد فرجة أمامه, ولا يجوز له أن يحجز مكاناً في المسجد ويحرم الناس منه, إلا إذا كان قد سبق إلى المكان وجلس فيه, ثم عرض له عارض فقام ثم عاد قريباً فهو أحق بمكانه, كمن قام ليجدد وضوءه ونحو ذلك من الأعذار.
ثم اعلموا يا عباد الله أنه يجوز السفر يوم الجمعة في أول النهار, إلا لمن سمع النداء للصلاة قبل السفر وهو من أهل البلد فإنه ينتظر حتى يصلى, ما لم يكن قد نوى الصلاة في مسجد في طريقه. وأما غير المقيم فإن له أن يسافر حتى ولو سمع النداء, لأن صلاة الجمعة لا تجب على المسافر.
ثُمَّ اعلموا يا عباد الله: أَنَّ لِلَّهِ عِباداً يُسَمَّوْنَ أَهْلَ الجُمُعَة, بِسَبَبِ عِنايَتِهِم بِهذا اليوم, مِنَ الإغْتِسالِ والتَطَيُّبِ والتبكيرِ وكَثرةِ السُجُودِ وكَثرةِ الصلاةِ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم, وتَحَرِّي ساعةَ الإجابَة. رَوَى ابنُ خُزَيمَةَ عن أبي موسى الأشعرِيِّ رضي الله عنه, عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: ( إن اللهَ يَبْعَثُ الأيامَ يومَ القيامةِ على هيئَتِها، ويبعثُ يومَ الجمعةِ زَهْرَاءَ مُنِيرَة. أَهْلُها يَحُفُّونَ بِها كالعَرُوسِ تُهْدَى إلى كَرِيمِها، تُضِيءُ لَهُمْ، يَمْشُونَ في ضَوْئِها، أَلْوَانُهُم كالثلجِ بَيَاضاً، ورِيحُهُم يَسْطَعُ كالمِسكِ، يَخُوضُونَ في جِبالِ الكافور، يَنْظُرُ إليهِم الثَّقَلانِ، ما يُطْرِقُونَ تَعَجُّباً، حَتى يَدْخُلُوا الجنةَ, لا يُخالِطُهُم أَحَدٌ إلا المُؤَذِّنُونَ المُحْتَسِبُون ).
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وفقهنا في دينك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل، اللهم احفظنا بالإسلام قائمين واحفظنا بالإسلام قاعدين واحفظنا بالإسلام راقدين ولا تشمت بنا أعداء ولا حاسدين يا رب العالمين، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين وأذلَّ الشرك والمشركين واحمِ حوزةَ الدين وانصر عبادك المؤمنين في كل مكان، اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاماً ومحكومين، اللهم أنزل على المسلمين رحمةً عامة وهداية عامةً يا ذا الجلال والإكرام ، اللهم عليك بالكفرة والملحدين الذين يصدون عن دينك ويقاتلون عبادك المؤمنين اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك، اللهم زلزل الأرض من تحت أقدامهم اللهم سلط عليهم منْ يسومهم سوء العذاب يا قوي يا متين، اللهم من أراد بلادنا بسوءٍ فأشغله بنفسه واجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميرًا له يا سميع الدعاء, اللهم وفقّ وُلاة أمرنا لما يرضيك اللهم وفقهم بتوفيقك وأيّدهم بتأييدك واجعلهم أنصاراً لدينك, وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة يا رب العالمين، اللهم حبب إليهم الخير وأهله وبغض إليهم الشر وأهله يا ذا الجلال والإكرام ، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ .
وللمزيد من خطب الشيخ أحمد العتيق تجدها هنا :
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=119 |