دَعْوَةُ الأَحْبَابِ وَمُجَانَبَةُ الصَّوَابِ
الْحَمْدُ للهِ الْمَحْمُودِ
عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ حَالِ أَهْلِ الضَّلَالِ، وَأَشْهَدُ أَنْ
لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ، وَأَشْهَدُ
أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ جَبَلَهُ رَبُّهُ عَلَى جَمِيلِ الْفِعَالِ
وَكَرِيمِ الْخِصَالِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ خَيْرِ صَحْبٍ
وَآلٍ، وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الْمَآلِ.
أَمَّا بَعْدُ، فَيَا
عِبَادَ اللهِ:
تَقْوَى اللهِ عَزَّ
وَجَلَّ وَصِيَّتُهُ سُبْحَانَهُ لِعِبَادِهِ، يَقُولُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ:
(وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا
الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ)، فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ، وَاعْلَمُوا رَحِمَكُمُ
اللهُ ؛ بِأَنَّ الدَّعْوَةَ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ لَهَا فَضْلٌ عَظِيمٌ عِنْدَ
رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَمَكَانَةٌ سَامِيَةٌ فِي الشَّرْعِ وَالدِّينِ، يَقُولُ تَبَارَكَ
وَتَعَالَى: ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا
مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ
الْمُسْلِمِينَ )، فَلَا
أَحَدَ أَحْسَنَ كَلَامًا وَطَرِيقَةً وَحَالَةً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللهِ عَزَّ
وَجَلَّ، وَلِمَكَانَةِ الدَّعْوَةِ إِلَى اللهِ وَفَضْلِهَا، وَعُلُوِّ مَكَانَتِهَا
وَسُمُوِّ مَنْزِلَتِهَا، صَارَتْ وَظِيفَةَ الرُّسُلِ وَالْأَنْبِيَاءِ، وَسَبِيلَ
الْمُؤْمِنِينَ الْأَوْلِيَاءِ، يَقُولُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي
أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ
اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ )، الْآيَةُ قَاعِدَةٌ فِي الدَّعْوَةِ إِلَى اللهِ عَزَّ
وَجَلَّ، فَمَنْ أَرَادَ أَنْ تَنْجَحَ وَتَنْفَعَ دَعْوَتُهُ، وَيَسْتَفِيدَ مِنْهَا
فِي دُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ: أَنْ يَجْعَلَ هَذِهِ الْآيَةَ نُصْبَ عَيْنَيْهِ، وَقَانُونًا
يَمْشِي عَلَيْهِ، وَضَابِطًا لِأَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَأَفْكَارِهِ، وَكُلِّ
مَا يَتَعَلَّقُ بِدَعْوَتِهِ.
النَّبِيُّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْهَجُهُ وَطَرِيقَتُهُ فِي الدَّعْوَةِ إِلَى اللهِ
عَزَّ وَجَلَّ عَلَى بَصِيرَةٍ، يَقُولُ الْبَغَوِيُّ: وَالْبَصِيرَةُ: هِيَ
الْمَعْرِفَةُ الَّتِي يميّز بِهَا بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَمَنِ اتَّبَعَنِي؛
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَعْنِي أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كَانُوا عَلَى أَحْسَنِ طَرِيقَةٍ وَأَقْصَدِ هِدَايَةٍ، مَعْدِنَ
الْعِلْمِ وَكَنْزَ الْإِيمَانِ وَجُنْدَ الرَّحْمَنِ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
مَسْعُودٍ: مَنْ كَانَ مُسْتَنًّا فَلْيَسْتَنَّ بِمَنْ قَدْ مَاتَ، فَإِنَّ
الْحَيَّ لَا تُؤْمَنُ عَلَيْهِ الْفِتْنَةُ أُولَئِكَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا أَفْضَلَ هَذِهِ الْأُمَّةِ، أَبَرُّهَا
قُلُوبًا وَأَعْمَقُهَا عِلْمًا وَأَقَلُّهَا تَكَلُّفًا، قَوْمٌ اخْتَارَهُمُ
اللَّهُ لِصُحْبَةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِإِقَامَةِ
دِينِهِ، فَاعْرِفُوا لَهُمْ فَضْلَهُمْ، وَاتَّبِعُوهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ
وَتَمَسَّكُوا بِمَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ أَخْلَاقِهِمْ وَسِيَرِهِمْ؛ فَإِنَّهُمْ
كَانُوا عَلَى الْهُدَى الْمُسْتَقِيمِ.
فَالدَّعْوَةُ إِلَى
اللهِ ــ أَيُّهَا الْإِخْوَةُ ــ هَذِهِ مَكَانَتُهَا، وَتِلْكَ مَنْزِلَتُهَا، وَلَكِنْ
لَا يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ كَذَلِكَ إِلَّا بِشَرْطَيْنِ هُمَا: الْإِخْلَاصُ وَالْمُتَابَعَةُ،
الْإِخْلَاصُ: أَنْ تَكُونَ خَالِصَةً لِوَجْهِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالْمُتَابَعَةُ:
أَنْ تَكُونَ مُوَافِقَةً لِسُنَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
أَمَّا إِذَا فَقَدَتْ شَرْطًا مِنْ هَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ، فَهِيَ دَعْوَةٌ مُنْحَرِفَةٌ
بَاطِلَةٌ فَاسِدَةٌ لَا خَيْرَ فِيهَا، بَلْ هِيَ دَعْوَةٌ لَا تَخْلُو مِنَ الرِّيَاءِ
وَالشِّرْكِ وَالْبِدَعِ . الدَّاعِيَةُ الَّذِي يَفْقِدُ الْإِخْلَاصَ فِي دَعْوَتِهِ،
تَكُونُ دَعْوَتُهُ لِغَيْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، إِمَّا يَدْعُو لِنَفْسِهِ أَوْ
لِحِزْبِهِ أَوْ لِجَمَاعَتِهِ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ، وَمِثْلُهُ الَّذِي يَترُكُ
سَبِيلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالِاقْتِدَاءَ بِهِ، تَكُونُ
دَعْوَتُهُ لِلسُّبُلِ الْمُخَالِفَةِ لِسَبِيلِهِ صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ،
وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ
مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ
دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ
لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا ))، الْبِدْعَةُ ضَلَالَةٌ ، وَالدَّلِيلُ قَوْلُ النَّبِيِّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : (( فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ
الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الْأُمُورِ
مُحْدَثَاتُهَا وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ)).
فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ
اللهِ، وَخَاصَّةً مَعْشَرَ الدُّعَاةِ إِلَى اللهِ تَعَالَى، تَفَقَّدُوا دَعْوَتَكُمْ،
رَاجِعُوا أَنْفُسَكُمْ، احْرِصُوا عَلَى هَذِهِ الْعِبَادَةِ الْعَظِيمَةِ، وَاحْذَرُوا
وَحَذِّرُوا مِنْ دُعَاةِ جَهَنَّمَ، دُعَاةِ الْبِدَعِ، دُعَاةِ الْأَحْزَابِ وَالْجَمَاعَاتِ،
الَّذِينَ يَدْعُونَ إِلَى أَنْفُسِهِمْ وَجَمَاعَاتِهِمْ وَأَحْزَابِهِمْ.
أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ
الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ:
(وَأَنَّ هَذَا
صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ
بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) .
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ ، وَنَفَعَنِي
وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ ، أَقُولُ
قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ ، فَإِنَّهُ
هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ .
|