أعمال تعتقك من النار أو تحرم جسدك عليها
3/شوال/1437هـ
إِنَّ الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستَعينُهُ ونستَغفرُهُ، ونعوذُ باللهِ من شرُورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالنا، منْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومنْ يضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، وأشهدُ أن محمّداً عَبدُهُ ورسولُهُ (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )) (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا )) (( يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ))، أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة .
أيها المسلمون :
لا شك أنه من مقاصد وغايات كل امرئ من أهل الإيمان : فكاك نفسه من النار ، وهو يعمل الطاعات في الليل والنهار ، (( فَكُلُّ النَّاسِ يَغْدُو )) كل الناس يعملون (( فَبَايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا )) رواه مسلم . (( فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ )).
عباد الله :
لقد أرشدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أعمالٍ صالحةٍ إذا قمنا بها كانت سبباً لعتق رقابنا من النَّار أو تحريم أجسادنا عليها ، أذكر شيئاً منها .
فأولها : الثبات على التوحيد والإخلاص حتى الممات :
ففي الصحيحين يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ )) . والتوحيد الخالص يثمر تعبداً وتعلقاً بالرب المعبود جل جلاله .
ثانياً : ذكر التوحيد
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: (( مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ أَوْ يُمْسِي: اللَّهُمَّ إِنِّي أَصْبَحْتُ أُشْهِدُكَ وَأُشْهِدُ حَمَلَةَ عَرْشِكَ وَمَلَائِكَتَكَ، وَجَمِيعَ خَلْقِكَ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ أَعْتَقَ اللَّهُ رُبُعَهُ مِنَ النَّارِ، فَمَنْ قَالَهَا مَرَّتَيْنِ أَعْتَقَ اللَّهُ نِصْفَهُ، وَمَنْ قَالَهَا ثَلَاثًا أَعْتَقَ اللَّهُ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهِ، فَإِنْ قَالَهَا أَرْبَعًا أَعْتَقَهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ )) رواه أبو داود والبخاري في الأدب المفرد وحسنه ابن باز .
ثالثاً : إدراك تكبيرة الإحرام للصلوات الخمس أربعين يوماً :
قال صلى الله عليه وسلم : (( مَنْ صَلَّى لِلَّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا فِي جَمَاعَةٍ يُدْرِكُ التَّكْبِيرَةَ الأُولَى كُتِبَتْ لَهُ بَرَاءَتَانِ: بَرَاءَةٌ مِنَ النَّارِ وَبَرَاءَةٌ مِنَ النِّفَاقِ )) رواه أحمد والترمذي وابن خزيمة وغيرهم وحسنه الألباني وغيره .
ومن شريف الفرائض الخمس : البردان صلاتي الفجر والعصر ، فقد قال صلى الله عليه وسلم : قال صلى الله عليه وسلم : (( لَنْ يَلِجَ النَّارَ أَحَدٌ صَلَّى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا يَعْنِي الْفَجْرَ وَالْعَصْرَ )) رواه مسلم
ومن شريف أركان الصلاة وأفعالها : السجود ، حيث إن الله حرم على النار مواضع السجود ، فقد جاء في حديث البخاري الطويل : (( ومَنْ كَانَ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، يأَمَرَ الله المَلائِكَةَ أَنْ يُخْرِجُوهُمْ من النار ، فَيَعْرِفُهُم الملائكة بِعَلامَةِ آثَارِ السُّجُودِ ، وَحَرَّمَ اللَّهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ مِنَ ابْنِ آدَمَ أَثَرَ السُّجُود )).
رابعاُ : الصيام:
فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( الصُّومُ جُنَّةٌ يَسْتَجِنُّ بِها العبدُ من النَّارِ )) رواه الطبراني في الكبير وحسنه الألباني (3867) في صحيح الجامع .
وفي الصحيحين عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (( مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، بَعَّدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا )).
خامساً : المحافظة على أربع ركعات قبل صلاة الظهر وأربعاً بعده :
قال صلى الله عليه وسلم : (( مَنْ حَافَظَ عَلَى أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ وَأَرْبَعٍ بَعْدَهَا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ )) حديث صحيح رواه أبو داود والترمذي والنسائي وصححه الترمذي والألباني وغيرهم .
سادساً : البكاء من خشية الله تعالى :
قال صلى الله عليه وسلم : (( لا َيَلِجُ النَّارَ رَجْلٌ بَكَى مِنْ خَشْيَةِ اللَّه حَتَّى يَعُودَ اللَّبَنُ في الضَّرْع )) ، فاسأل الله خشيته في الغيب والشهادة وخذ بأسباب تقوية الخشية في القلب ، كمعرفة أسماء الجلال ونعوت العظمة والكمال لله ، وتذكُّر الآخرة ومعرفة أحداث القيامة .
وتعوّذ بالله دائماً من عين لا تدمع من خشيته ومن قلب لا يخشع .
اللهم أعتقنا من النار ... اللهم أعتقنا من النار ... اللهم أعتقنا من النار ...
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ الدَّائمِ توفيقُه, المتواترِ عطاؤُه وتسديدُه, وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلاَّ الله وحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ تَعظِيماً لشأنه، وَأَشْهَدُ أنَّ مُحمّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي لِرِضْوَانِهِ، وَالْهَادِي إِلَى إِحْسَانِهِ، صَلّى اللهُ عَلْيِهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسلّمَ تَسْلِيماً كَثِيْراً إِلَى يِوْمِ لِقَائِهِ . أما بعد:
سابعاً من أسباب العتق من النار: لين الجانب مع المؤمنين :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( مَنْ كَانَ هَيِّنًا لَيِّنًا قَرِيبًا، حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ )) رواه الحاكم، وصححه الألباني (1745) في صحيح الترغيب .
وهذا في جانب الأخلاق ، فيا طالب الفِكِاك من النار كُن سمحاً هيناً ليناً في معاملتك مع إخوانك المؤمنين ، باشاً في وجوههم ، حليماً ، غير غضوب ، لين الجانب ، طيب الكلم . وفي جانب الأخلاق والحقوق أيضاً:
ثامناً : الذب عن عرض المسلم:
قال صلى الله عليه وسلم : (( مَنْ ذَبَّ عَنْ عِرْضِ أَخِيهِ بِالْغَيْبِ، كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُعْتِقَهُ مِنْ النَّارِ )) رواه الإمام أحمد والطبراني وصححه الألباني (6240) في صحيح الجامع
فاجتنبوا مجالس الغيبة ، وإن اغتيب في مجالسكم أحد من إخوانكم المسلمين فذبوا عن أعراضهم ليصرف الله عنكم نار جهنم يوم القيامة .
تاسعاً : الدعاء :
فقد ذكر الله في صفات عباده الأبرار أنهم يدعونه فيقولون : (( رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا )).
وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( مَا اسْتَجَارَ رَجُلٌ مُسْلِمٌ مِنَ النَّارِ ثَلاَثاً إِلاَّ، قَالَتِ النَّارُ: اللَّهُمَّ أَجِرْهُ منِّي )) رواه الإمام أحمد وصححه الألباني (5630) في صحيح الجامع.
كان سفيان الثوري يستيقظ من الليل ويقول : شغلني ذكر النار عن النوم والشهوات ، ثمَّ يتوضأ ويقول : اللهم إنَّك عالم بحاجتي غير مُعلَّم ، وما أطلب إلا فكاك رقبتي من النَّار . الحلية (7/60).
فادع ربك وسيدك أن يتفضل عليك بالعتق من النار ، واسع لرضاه واجتنب سخطه وغضبه .
اللهم اجعلنا من عتقائك من النار إنك أنت العزيز الغفار ، اللهم حرم أجسادنا على النار.
اللهم أجرنا من النار، اللهم أجرنا من النار، اللهم أجرنا من النار يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام. اللهم نجنا ووالدينا وذرياتنا والمسلمين من النار يا أرحم الراحمين
رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام ألّف بين قلوب المؤمنين وأصلح ذات بينهم ، اللهم إنا نبرأ إليك ممن سفك دماء المؤمنين وأزهق النفس الزكية بغير حق , اللهم انتقم ممن سفك دما محرما ، اللهم أدر دائرة السوء عليه , اللهم اجعل كيده في نحره , اللهم سلط عليه من يأخذ الحق منه للمظلومين من عبادك المؤمنين .
اللهم ادفع عن بلادنا مضلات الفتن ، اللهم من أراد بلادنا وبلاد المسلمين بسوء وفتنة فاجعل كيده في نحره يا قوي يا متين .
اللهم آمنّا في أوطاننا ودورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا, اللهم وفقهم لما تحب وترضى وخذ بنواصيهم للبر والتقوى وبصّرهم بأعدائهم والمتربصين بهم يا ذا الجلال والإكرام .
اللهم احفظ رجال أمننا وقوي عزائمهم وأعذهم من شر الأشرار وكيد الفجار يا ذا الجلال والإكرام .
اللهم يا حي يا قيوم انصر جُندنا المرابطين على حدود بلادنا، اللهم سدد رميهم واربط على قلوبهم وثبت أقدامهم وأنزل عليهم النصر من عندك يا قوي يا متين، اللهم من مات منهم فتقبله في الشهداء يا رب العالمين ، ومن أصيب فألبسه ثياب الصحة والعافية يا لطيف يا رحيم يا كريم.
اللهم تقبل منا إنك أنت السميع العليم واغفر لنا إنك أنت الغفور الرحيم .
عباد الله: اذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ صلاح العريفي تجدها هنا:
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=121 |