أكثر دعاء كان يدعو به النبي صلى الله عليه وسلم
9/6/1437هـ
إِنَّ الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستَعينُهُ ونستَغفرُهُ، ونعوذُ باللهِ من شرُورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالنا، منْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومنْ يضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، وأشهدُ أن محمّداً عَبدُهُ ورسولُهُ (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )) (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا )) (( يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ))، أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة .
عباد الله: (الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ) ، (فَلَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الدُّعَاءِ) ، ( ومَنْ لَمْ يَسْأَلْ اللَّهَ يَغْضَبْ عَلَيْهِ) ، (و أَعْجَزَ النَّاسِ مَنْ عَجَزَ بِالدُّعَاءِ) كل ذلك ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ولقد كان عليه الصلاة والسلام يستحب أن يدعو بالجوامع من الدعاء ، ويأمر بذلك .
والأدعية الجوامع منها ما هي أدعية قرآنية أي أرشد إليها الله في القرآن . ومنها ما هي أدعية نبوية جاءت ألفاظها في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
عباد الله: أتدرون ما أكثرُ دعاء كان يدعو به النبي صلى الله عليه وسلم ؟
الجواب جاء في الصحيحين : فقد أخرج البخاري ومسلم أن قَتَادَةُ سَأَلَ أَنَس بن مالك رضي الله عنه : أَيُّ دَعْوَةٍ كَانَ أَكْثَرَ ما يَدْعُو بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فقَالَ أنس : كَانَ أَكْثَرُ دَعْوَةٍ يَدْعُو بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللهُمَّ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ " متفق عليه .
وأحرص الناس على الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا وفي غيره هم الصحابة رضي الله عنهم ، لذا جاء عن راوي الحديث أنس بن مالك رضي الله عنه في رواية صحيح مسلم : أن أَنَسا رضي الله عنه كَانَ ( إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ بِدَعْوَةٍ دَعَا بِهَا ، فإِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ بِدُعَاءٍ دَعَا بِهَا فِيهِ ) يعني : أضاف هذه الدعوة في دعائه .
ويروي لنا أنس رضي الله عنه ترغيبا آخر بهذا الدعاء فيقول : عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من المسلمين قد خَفَتَ فَصَارَ مِثْلَ الْفَرْخِ - يعني من المرض- فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( هَلْ كُنْتَ تَدْعُو بِشَيْءٍ أَوْ تَسْأَلُهُ إِيَّاهُ ؟ » قَالَ : نَعَمْ ، كُنْتُ أَقُولُ : اللهُمَّ مَا كُنْتَ مُعَاقِبِي بِهِ فِي الْآخِرَةِ ، فَعَجِّلْهُ لِي فِي الدُّنْيَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " سُبْحَانَ اللهِ لَا تُطِيقُهُ ، أَوْ لَا تَسْتَطِيعُهُ - أَفَلَا قُلْتَ : اللهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً ، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ " قَالَ : فَدَعَا اللهَ ، فَشَفَاهُ )) أخرجه مسلم .
ومن المواطن التي ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول فيها هذا الدعاء : بين الركنين اليماني والحجر الأسود في كل شوط من طوافه ، وهو الدعاء الوحيد الثابت عنه عليه الصلاة والسلام في الطواف .
وتطبيق آخر لأنس بن مالك رضي الله عنه لسنة الإكثار من هذا الدعاء ، وتعليم الناس قيمته عمليا ، جاء فيما رواه لنا تلاميذه عنه رضي الله عنه ، فيقول عبد السلام بن شداد : كنت عند أنس بن مالك رضي الله عنه وعنده أصحابه ، فقال له ثابت البناني : إن إخوانك يحبون أن تدعو لهم ، فقال : اللهم آتنا في الدنيا حسنة ، وفي الآخرة حسنة ، وقنا عذاب النار ، قَالُوا: زِدْنَا يَا أَبَا حَمْزَةَ ، فَرَدَّهَا عَلَيْهِمْ ، وتحدثوا ساعة حتى إذا أرادوا القيام ، قال ثابت : يا أبا حمزة ، إن إخوانك يريدون القيام فادع لهم ، فقال أنس رضي الله عنه : تريدون أن أشقق لكم الأمور ؟ إذا آتاكم الله في الدنيا حسنة ، وفي الآخرة حسنة ، ووقاكم عذاب النار فقد آتاكم الخير كله ) أخرجه ابن أبي شيبة وغيره .
باركَ اللهُ لِي وَلكمْ فِي القرآنِ والسنةِ، ونفعنِيِ اللهُ وإيّاكُمْ بِمَا فيهِمَا مِنْ الآياتِ وَالْحكمةِ ، واستغفرُ اللهَ لِي ولكُمْ ولِسائرِ المسلمينَ مِنْ كُلِّ ذنبٍ إنّهُ هُوَ الغفورُ الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ الدَّائمِ توفيقُه, المتواترِ عطاؤُه وتسديدُه, وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلاَّ الله وحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ تَعظِيماً لشأنه، وَأَشْهَدُ أنَّ مُحمّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي لِرِضْوَانِهِ، وَالْهَادِي إِلَى إِحْسَانِهِ، صَلّى اللهُ عَلْيِهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسلّمَ تَسْلِيماً كَثِيْراً إِلَى يِوْمِ لِقَائِهِ . أما بعد:
عباد الله : لماذا هذا الفضل لهذه الدعوة الربانية : ( ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ) ؟ .
أجابنا عن هذا التساؤل راوي هذه الفضائل صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنس بن مالك رضي الله عنه إذ يقول : ( إذا آتاكم الله في الدنيا حسنة ، وفي الآخرة حسنة ، ووقاكم عذاب النار فقد آتاكم الخير كله ) . وصدق رضي الله عنه .
فهذا الدعاء عباد الله على قصره وقلة ألفاظه هو دعاء جامع ، جمع كل خير في الدنيا ، وصرف كل شر ، فإن ( الحسنة في الدنيا ) تشمل كل مطلوب دنيوي ، من عافية ، ودار رحبة ، وزوجة حسنة ، ورزق واسع ، وعلم نافع ، وعمل صالح ، ومركب هنيء ، وثناء جميل ، فإنها كلها مندرجة في الحسنة في الدنيا ، وتقتضي درء سيئاتها .
وأما ( الحسنة في الآخرة ) فأعلى ذلك دخول الجنة وحلول رضوان الله ورؤية وجهه الكريم فيها ، ويتبع ذلك : الأمن من الفزع الأكبر في العرصات ، وتيسير الحساب ، وغير ذلك من أمور الآخرة الصالحة .
وأما الوقاية من النار فهي تقتضي تيسيرَ أسبابه في الدنيا ، من اجتناب المحارم والآثام ، وترك الشبهات والحرام ، والوقاية من الفتن المضلة .
عباد الله: إن أصحاب الحظوظ الدنيوية وأهل الهمم الدنية ، إن سألوا الله اجتهدوا بسؤاله متع الدنيا وغفلوا عن حظوظ الآخرة ، لذا ذم الله من لا يسأله إلا أمر دنياه وغفل عن أخراه فقال تعالى: ((فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ)) أي : ليس له نصيب ولا حظ في الآخرة .
وهذا الذم عباد الله يتضمن التنفير عن التشبه بمن هذا حاله وفعله ، قال عبدالله بن عباس رضي الله عنهما: ( كان قوم من الأعراب يجيئون إلى الموقف - يعني الحج - فيقولون: اللهم اجعله عام غيث وعام خصب وعام وِلاد حسن ، ولا يذكرون من أمر الآخرة شيئا ، فأنزل الله فيهم: ((فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ )) وكان يجيء بعدهم آخرون من المؤمنين فيقولون: ((رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ))، فأنزل الله ((أُولَٰئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ )).
ولهذا امتدح الله من يسأله الدنيا والأخرى ، فخزائن الاثنتين بيده سبحانه وهو الغني الكريم الجواد الوهاب ، فاجتهدوا عباد الله بسؤال الله الخيرين والحسنتين وأكثروا فالله أكثر ، ولا تنسيكم حوائج الدنيا عن حظوظ الآخرة .
واعلموا رحمكم الله أن الله افتتح هذا الدعاء بالتوسل إليه بربوبيته ، وهذه سمة أغلب أدعية القرآن ، كما أن الأغلب في أدعية السنة افتتاحها بالتوسل إلى الله بألوهيته فتفتتح بـ ( اللهم ) .
وجاء في صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جمع بين التوسل بالألوهية والربوبية في هذا الدعاء ، فكان يقول : (( اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار)) وهذا أكمل ، فاستعملوا هذا وهذا ترشدوا .
اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك وفجاءة نقمتك وجميع سخطك، اللهم إنا نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تغفر لنا وترحمنا، وإذا أردت بقوم فتنة فتوفنا إليك، ونحن غير مفتونين برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم آمنا في أوطاننا ودورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا, اللهم وفقهم لما تحب وترضى وخذ بنواصيهم للبر والتقوى يا ذا الجلال والإكرام واجزهم خيراً على ما يقدمونه لخدمة الإسلام والمسلمين يا رب العالمين .
اللهم ادفع عن بلادنا مضلات الفتن ، اللهم من أراد بلادنا وبلاد المسلمين بسوء وفتنة فاجعل كيده في نحره يا قوي يا متين .
اللهم انصر جُندنا المرابطين، اللهم سدد رميهم واربط على قلوبهم وثبت أقدامهم وأنزل عليهم النصر من عندك يا قوي يا متين، اللهم من مات منهم فتقبله في الشهداء يا رب العالمين ، ومن أصيب فألبسه ثياب الصحة والعافية يا لطيف يا رحيم يا كريم.
اللهم يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم أعز السنة وأهلها في كل مكان اللهم قو أهل السنة وكن لهم عوناً ونصيراً ومؤيداً وظهيراً. اللهم كن لهم ولا تكن عليهم وأعنهم ولا تعن عليهم وامكر لهم ولا تمكر عليهم . اللهم ارحم ضعفهم وتولَّ أمرهم واجبر كسرهم وعجّل بفرجهم ونفّس كربهم، اللهم احقن دماءهم واستر عوراتهم وآمن روعاتهم وأطعم جائعهم واكسِ عاريَهم واحمل فقيرهم وثبت أقدامهم يا أرحم الراحمين
اللهم منزل الكتاب مجري السحاب هازم الأحزاب اللهم قاتل الظلمة المعتدين الذين يصدون عن سبيلك ويقاتلون أولياءك ويسعون في إطفاء نورك، وأنت المتم لنورك ولو كره الكافرون، اللهم عليك بهم إنهم لا يعجزونك، اللهم أنزل بهم نقمتك وأرنا فيهم عجائبك اللهم إنهم آذونا في بلادنا وفي إخواننا وفي أموالنا، اللهم إنهم حاربوا دينك ومن تدين به ظاهراً وباطناً اللهم سلّط عليهم من يسومهم سوء العذاب يا قوي يا متين، اللهم أنزل عليهم رجزك وعذابك إله الحق يا قوي يا متين.
ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنُوا ربنا إنك رءوف رحيم .
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.
ربنا اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك قريب مجيب الدعوات.
عباد الله: اذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ صلاح العريفي تجدها هنا:
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=121 |