خطبة
أسئلة القبر الثلاثة
والعناية بمقرر التوحيد في المرحلة الابتدائية
13/11/1436هـ
إِنَّ الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستَعينُهُ ونستَغفرُهُ، ونعوذُ باللهِ من شرُورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالنا، منْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومنْ يضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، وأشهدُ أن محمّداً عَبدُهُ ورسولُهُ (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )) (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا )) (( يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ))، أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة .
أيها المسلمون : ( القبر أول منازل الآخرة ) فاستعدوا له ، ولا تغفلوا عنه ، واجعلوه هو منزلكم الذي تعمرونه خير عمارة ولا تقدمون على عمارته شيئاً .
فـــ : لا دار للمــرء بعد المــوت يسكنـها
إلا التـــي كان قبـل المـوت يبنيــها
فمــن بنـــاها بخيــرٍ طــاب مسكنـه
ومـن بنــاهــا بشرٍ خــاب بانيــــها
عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَنَازَةِ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَانْتَهَيْنَا إِلَى الْقَبْرِ وَلَمَّا يُلْحَدْ ، فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ كَأَنَّمَا عَلَى رُءُوسِنَا الطَّيْرُ ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ ، فَقَالَ : «اسْتَعِيذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ» «مَرَّتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثًا » ثم تحدث صلى الله عليه وسلم عن خروج روح المؤمن والصعود بها إلى السماء ثم رجوعها إلى جسد الميت في قبره وما يحصل له في القبر إلى أن قَالَ صلى الله عليه وسلم : « وَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ فَيَقُولَانِ له : مَنْ رَبُّكَ ؟ فَيَقُولُ: رَبِّيَ اللَّهُ ، فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا دِينُكَ ؟ فَيَقُولُ : دِينِيَ الْإِسْلَامُ ، فَيَقُولَانِ لَهُ : مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ ؟ " قَالَ: " فَيَقُولُ: هُوَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَيَقُولَانِ : وَمَا يُدْرِيكَ ؟ فَيَقُولُ: قَرَأْتُ كِتَابَ اللَّهِ فَآمَنْتُ بِهِ وَصَدَّقْتُ ، فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: { يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة } ، فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ : أَنْ قَدْ صَدَقَ عَبْدِي ، فَأَفْرِشُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى الْجَنَّةِ ، وَأَلْبِسُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ ، فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا وَطِيبِهَا وَيُفْسَحُ لَهُ فِيهَا مَدَّ بَصَرِهِ» وفي صحيح مسلم من حديث أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه : « فَيُقَالُ لَهُ : انْظُرْ إِلَى مَقْعَدِكَ مِنَ النَّارِ، قَدْ أَبْدَلَكَ اللهُ بِهِ مَقْعَدًا مِنَ الْجَنَّةِ ، فَيَرَاهُمَا جَمِيعًا » .
عباد الله : إقعاد الميت في قبره وتوجيه الأسئلة له من قبل ملكين اسمهما منكر ونكير ، تسمى ( فتنة القبر) .
والإيمان بفتنة القبر واجب باتفاق أهل السنة والجماعة ، فهو جزء من الإيمان باليوم الآخر ، لأن القبر أول منازل الآخرة كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم .
قال في العقيدة الطحاوية : ( و[نؤمن بـ ] عذاب القبر لمن كان له أهلا ، وسؤال منكر ونكير في قبره عن ربه ودينه ونبيه، على ما جاءت به الأخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وعن الصحابة رضوان الله عليهم ) آهـ.
وقال السفاريني: ( والإيمان بمنكر ونكير واجب شرعي لثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم في عدة أخبار يبلغ مجموعها مبلغ التواتر ) آهـ .
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت ، وقف عليه وقال : « استغفروا لأخيكم ، وسلوا له التثبيت ؛ فإنه الآن يسأل » حديث صحيح أخرجه أبو داود وغيره .
أيها المسلمون : أسئلةُ القبر الثلاثة والجوابُ عنها ، هي الأصول الثلاثة العظيمة التي عليها مدار الدين ، ويجب على كل مؤمن تَعَلُّمُ فقهِهَا ومسائلِها ، ولذا جاء في الحديث أن الملكين يقولان للميت : «وَمَا يُدْرِيكَ ؟» [يعني : من أين علمت هذا الجواب] وفي رواية : «ما علمك ؟» [يعني من أين أخذت علم هذا الجواب] «فَيَقُولُ : قَرَأْتُ كِتَابَ اللَّهِ فَآمَنْتُ بِهِ وَصَدَّقْتُ» .
فلا ينفع التقليد في علم أجوبة هذه الأسئلة ، فقد جاء في حديث البراء أيضاً في جواب الفاجر المرتاب الخاسر أنه يقول : «هاه ، هاه لا أدري سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته» .
ويجب أن يؤخذ علم وفقه جواب الأسئلة الثلاثة من الكتاب ، والسنة المبينة للكتاب . لقول المؤمن في جوابه : « قَرَأْتُ كِتَابَ اللَّهِ فَآمَنْتُ بِهِ وَصَدَّقْتُ » .
اللهم ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم وبسنة سيد المرسلين ، ونفعني الله وإياكم بما فيهما من الآيات والذكر الحكيم ، واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية :
الْحمدُ للهِ ربِّ العالَمِينَ الرّحمنِ الرّحيمِ مَالكِّ يَومَ الدِّينِ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الحق المبين، وأشهد أنَّ محمدًا خاتم النبيّين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين . أما بعد :
يا أهل الإيمان : التوفيق للصواب في الجواب عن أسئلة القبر هو بوابة الفوز والفلاح والسعادة الأبدية .
أفلا تستحق هذه الأسئلة وجوابها العناية والاهتمام ؟ بلى والله تستحق أن يتعلمها ويحفظها الصغار والكبار والرجال والنساء ويعملوا بمقتضاها
أيها الناس : وإن من توفيق الله للإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله - في دعوته ولنصحه للأمة ، أن ألّف كتاباً خاصا في بيان فقه هذه الأسئلة الثلاثة بأدلتها وسماه : ثلاثة الأصول وأدلتها ، فتلقاه أهل الإسلام أهل السنة من بعده بالقبول ، واعتنوا به عناية فائقة حفظاً وشرحا وترداداً ، وخاصة في هذه البلاد حيث كانت تحفظ في المساجد للصغير والكبير
ويشرحها العلماء وطلبة العلم في دروسهم ومجالسهم ، حتى يكرر شرحه في دروس الشيخ الواحد مرات وكرات .
ثم بعد ذلك، ولما افتتحت المدارس النظامية قُرِرَ محتواها في مقرر التوحيد للصفوف الابتدائية ، وكان يُفرض على الطلاب والطالبات حفظها ، وهذا من عناية ولاة أمر هذه البلاد بالتوحيد وتربية الناس عليه جزاهم الله عنا خير الجزاء .
من أجل هذا أوجه نداء لإخواننا الفضلاء معلمي المرحلة الابتدائية : أيها المعلمون والنداء يشمل المعلمات ، لقد كان من قبلكم من المعلمين يحرصون على تحفيظ طلابهم مقررات التوحيد وتقريب معانيها لهم ، ولا يتهاونون في ذلك ، لعلمهم بأنها هي أصل معتقد أهل الإسلام الذي يجب أن يتقنه الأبناء والبنات في صغرهم قبل كبرهم ، فسيروا بسيرة أولئك ، واقتفوا أثرهم .
ونحن وإياكم نلمس ضعف أثر التعليم على الأبناء والبنات ، مع أننا في زمن نحتاج فيه لتحصين أبنائنا عقائديا وفكرياً وسلوكياً من خلال التعليم وغيره ، لكثرة الأخطار والفتن والمضلات من حولهم .
فحفّظوا أبناءنا مقرر التوحيد وبسطوا معانيه لهم وحببوا لهم العقيدة والتوحيد وقدموا لهم المحفزات في ذلك ، فهو أول لبنة أساس نضعها في طريق تحصين أبنائنا من الأفكار الضالة والعقائد الزائغة والاغترار بأهلها ، وأجزم أن نظام التقويم المستمر معين لكم على ذلك .
وأنتم يا أولياء الأمور : كونوا عونا للمعلمين على تحقيق الهدف ، وشجعوا الأبناء على الاهتمام بمقررات التوحيد وإن رأيتم تقصيراً من المعلم فلا تلقوا باللائمة وتتركوا واجبكم ، سدوا الخلل أنتم ، ثم ناصحوا .
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمت أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا واجعل الدنيا زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر، اللهم حببّ إلينا الإيمان وزيّنه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين.
اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، اللهم متعنا بأسماعنا، وأبصارنا، وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا فى ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، وﻻ مبلغ علمنا، وﻻ تسلط علينا من ﻻ يرحمنا، اللهم أنت ربنا لا إله إلا أنت، خلقتنا ونحن عبيدك، ونحن على عهدك ووعدك ما استطعنا، نعوذ بك من شر ما صنعنا، نبوء لك بنعمتك علينا، ونبوء بذنوبنا، فاغفر لنا، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت. اللهم أعنا ولا تعن علينا، وانصرنا ولا تنصر علينا، وامكر لنا ولا تمكر علينا، واهدنا ويسر الهدى لنا، وانصرنا على من بغى علينا، اللهم اجعلنا لك شاكرين.. لك ذاكرين.. لك راغبين.. لك راهبين. اللهم تقبل توبتنا، واغسل حوبتنا، وثبت حجتنا، واهد قلوبنا، ويسر أمورنا، وطهر قلوبنا، واسلل سخيمة قلوبنا، برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم إنا نسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد، والغنيمة من كل بر، والسلامة من كل إثم، والفوز بالجنة والنجاة من النار، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم احفظ علينا ديننا وأمننا وجماعتنا واستقرارنا ، اللهم احفظ بلادنا من شر الأشر وكيد الفجار، اللهم آمنّا في أوطاننا ودورنا ، اللهم آمنّا في أوطاننا ودورنا ، اللهم آمنّا في أوطاننا ودورنا، اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا, اللهم وفقهم لما تحب وترضى وخذ بنواصيهم للبر والتقوى وبصّرهم بأعدائهم والمتربصين بهم يا ذا الجلال والإكرام .
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ، ربنا اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك قريب مجيب الدعوات.
عباد الله: اذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ صلاح العريفي تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catsmktba-121.html
|