القائمة الرئيسية احصائيات الزوار لهذا اليوم : 6302 بالامس : 5497 لهذا الأسبوع : 32223 لهذا الشهر : 138348 لهذه السنة : 2713690 منذ البدء : 17377529 تاريخ بدء الإحصائيات : 16-6-2013 |
خطبة رقم (44): باب قول الله تعالى: ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك ... الآية المادة خطبة رقم (44): باب قول الله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا﴾ [النساء: 60]. إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، ومن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102]. ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: 1]. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 70 ، 71]. أما بعد: فاتقوا الله - تعالى - حق التقوى، فمن اتقى ربه وقاه، ومن اتبع هواه أراده. عباد الله: الله - سبحانه - خالق العباد، عليم بمصالحهم، له كمال العلم والعدل والحكمة، وهو الحَكَم وإليه الحُكم في الدنيا والآخرة، فعلى العباد أن يتحاكموا إلى شرعه في جميع شئون حياتهم. قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا﴾ [النساء: 60]. أنكر الله - سبحانه - على من يدَّعي الإيمان بما أنزل الله على رسوله وعلى الأنبياء من قبله، وهو مع ذلك لا يريد أن يتحاكم في فصل الخصومات إلى الكتاب والسنة، بل يريد أن يتحاكم إلى الطاغوت الذي أمر الله عباده المؤمنين أن يكفروا به، وهذا من كيد الشيطان وصده للإِنسان عن طريق الحق. وفي الآية: دلالة على وجوب الرد عند التنازع إلى كتاب الله تعالى وسنة رسوله r، وأن ذلك من واجبات الإيمان بالرسول r، ومن أبى التحاكم إلى الكتاب والسنة فقد كفر. ورد أن سبب نزول هذه الآية: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا﴾ [النساء: 60]. كان بين رجل من المنافقين ورجل من اليهود خصومة، فطمع اليهودي في العدل والحصول على حقه، فطلب الترافع إلى النبي r لعلمه بتمام عدله في الحكم، ونزاهته عن الرشوة ودناءتها، وإن كان هذا اليهودي كغيره من اليهود الذين هم أشد الناس عداوة للنبي محمد r ولأتباعه من المسلمين. أما المنافق فرغب أن يترافع إلى اليهود: لما وُجد عنده من الميل إلى دفع الرشوة لهم، لعلمه أنَّهم قوم جور يقبلون الرشوة، والمنافق يظهر أنه من جملة المسلمين، ومع ذلك أبى الترافع إلى النبي r مع زعمه الإِيمان به. وفي هذا ما يدل على أن من أبى التحاكم إلى الكتاب والسنة فهو من جملة المنافقين، وقد حذَّر الله منهم وفضحهم في كثير من آيات القرآن، وأمر بجهادهم؛ لعظم شرهم على المجتمع المسلم. اتفق اليهودي والمنافق أن يتحاكما إلى كاهن جهينة، وهو طاغوت يتحاكمون إليه كما في سائر أحياء العرب في الجاهلية فنزلت الآية: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ...﴾ فكل من زعم الإِيمان وتحاكم إلى غير الله فهو كاذب. والقول الآخر في نزول الآية: إن رجلين اختصما، فقال أحدهما: نترافع إلى النبي r، وقال الآخر: إلى كعب بن الأشرف، ثم ترافعا إلى عمر - t - فاستثبتهما، ثم قتل الذي لم يرض بحكم رسول الله r، وفي هذا دليل على كفر من احتكم إلى غير شرع الله واستحقاقه للقتل؛ لأنه مرتد عن الإسلام. وقال تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ﴾ [البقرة: 11]. يذكر الله - سبحانه - حال المنافقين: أنهم إذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض بالمعاصي - ومن أشد المعاصي التحاكم إلى غير شرع الله - أجابوا بأن شأننا الإصلاح، وهذا يزعمه كل منافق. ونهى - سبحانه - عباده عن الإفساد في الأرض بالمعاصي بعد إصلاح الله لها بالشرع المنزل على الأنبياء، قال تعالى: ﴿وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا﴾ [الأعراف: 56]، فالعمل بالشرع هو صلاحها، وتركه هو فسادها، ومن تدبر أحوال العالم؛ وجد كل صلاح في الأرض وخير وبركة؛ سببه طاعة الله - تعالى - ورسوله r، وكل شر في العالم، وفتنة، وبلاء، وقحط، وتسليك عدو، وغـير ذلك، فسببه الإِفساد في الأرض بمخالفة أمر الله - تعالى - ورسوله r. عباد الله: يزعم المنافقون في كل مكان وزمان إصلاح المجتمع، فيزخرفون ويزينون أقوالهم وآراءهم الباطلة ويخدعون بها الجهال، ويترتب على قبولها مفاسد كثيرة، وفتن عظيمة في المجتمع المسلم، ومن ذلك الدعوة إلى التحاكم إلى غير شرع الله، الدعوة إلى الاختلاط وإلى تبرج المرأة المسلمة، فالواجب عدم الاقتداء بأقوالهم، والحذر من طاعاتهم والاستماع إليهم لعظم شرهم وضررهم، لأنهم يندسون بين المسلمين، ويحاربون الإِسلام باسم الإِصلاح. والتشريع محض حق الله - عز وجل-، فعلى العباد القبول والانقياد لأوامره لأنه يدل على الإِيمان والتصديق والرضا والتسليم، وقد أنكر الله - سبحانه وتعالى - على من ترك حكمه المشتمل على كل خير وعدل، وأخذ بالقوانين الوضعية القائمة على الجهل والجور، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلال والجهالات فقال سبحانه: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ [المائدة: 50]. ففي الآية دلالة على وجوب تحكيم شرع الله، وأن ما خالفه من الأحكام فهو من حكم الجاهلية. وأضيف للجاهلية: للتنفير منه وبيان قبحه، وأنه مبني على الجهل والضلال. إن الواجب على كل مسلم ألا يتخذ غير الله حكمًا، وأن يرد ما تنازع فيه الناس إلى الله - تعالى - ورسوله امتثالاً لقوله تعالى: ﴿فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾ [النساء: 59]. أيها المسلمون: وفي الحديث عن النبي r أنه قال: «لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئت به» قال النووي: حديث صحيح. بين r أن الإنسان لا يكون مؤمنًا الإِيمان الكامل الواجب، حتى تكون محبته وعمله وتحاكمه موافقًا لما جاء به الرسول من الأوامر والنواهي وغيرها، فيحب ما أمر به r، ويكره ما نهى عنه. وإذا كان الهوى تبعًا لما جاء به النبي r كان محمودًا، وهو من كمال الإِيمان. وإذا كان الهوى مخالفًا لما جاء به النبي r؛ فإنه يكون هوى مذمومًا ويُسمَّى هذا الهوى أيضًا (إلهًا) قال تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ﴾ [الجاثية: 23]. أي: لا يهوى شيئًا إلا ركبه، لا يحجبه عن ذلك دين ولا ورع. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾ [النساء: 59]. بارك الله لي ولكم... الخطبة الثانية إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، - سبحانه - له الحمد في الآخرة والأولى. من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فقد غوى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، عالم السر والنجوى، ,أشهد أن نبينا محمدًا عبده المصطفى ورسوله المجتبى، صلى الله عليه وعلى آله الشرفاء وصحبه النجباء، والتابعين أولي النهى، ومن تبعهم بإحسان وسار على نهجهم واقتفى، وسلم تسليمًا كثيرًا. أما بعد: إن الحكم بما أنزل الله - تعالى - وحده؛ هو إفراد لله - تعالى - بالطاعة، والطاعة نوع من أنواع العبادة، فلا تصرف إلا لله وحده لا شريك له، قال تعالى: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ﴾ [يوسف: 40]. فعبادة الله - تعالى - تقتضي إفراده - عز وجل - بالتحليل والتحريم، وتحقيق هذه الطاعة، وإفراد الله - تعالى - بالحكم والانقياد لشرعه هو حقيقة الإِسلام. وكما قال ابن تيمية - رحمه الله-: فالإِسلام يتضمن الاستسلام له وحده، فمن استسلم له ولغيره كان مشركًا، ومن لم يستسلم له كان مستكبرًا عن عبادته، والمشرك به والمستكبر عن عبادته كافر، والاستسلام له وحده يتضمن عبادته وحده، وطاعته وحده. وقال ابن كثير - رحمه الله - عند قول الله - عز وجل-: ﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا﴾ [النساء: 65]. يقسم - تعالى - بنفسه الكريمة المقدسة أنه لا يؤمن أحد حتى يُحكم الرسول r في جميع الأمور، فما حكم به فهو الحق الذي يجب الانقياد له ظاهرًا وباطنًا. وقال ابن القيم - رحمه الله-: أقسم - سبحانه - بنفسه المقدسة قسمًا مؤكدًا بالنفي قبله على عدم إيمان الخلق حتى يُحكموا رسوله في كل ما شجر بينهم من الأصول والفروع، وأحكام الشرع وأحكام المعاد، ولم يثبت لهم الإيمان بمجرد هذا التحكيم حتى ينتفي عنهم الحرج؛ وهو ضيق الصدر، وتنشرح صدورهم لحكمه كل الانشراح، وتقبله كل القبول؛ ولم يثبت لهم الإِيمان بذلك أيضًا حتى ينضاف إليه مقابلة حكمه بالرضى والتسليم، وعدم المنازعة وانتفاء المعارضة واعتراض. جعلني الله وإياكم ممن يحكم قول الله - تعالى - وقول الرسول r في جميع أموره ويُسلم ويرضى وينشرح صدره به.
التعليقات : 0 تعليق إضافة تعليق جديد المواد روابط ذات صلة
|