ذِكرُ الله والسَّبْقُ إلى الجنة
إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد،
أيها الناس: اتقوا الله تعالى, وراقبوه, واذكروه كثيرا لعلكم تفلحون. فإنه لا حياةَ للقلبِ إلا بذلك, فهو غذاءُ الروحِ ونورُ القلب, وسَبَبُ جَلائِه وسعادتِه وطُمأنِينَتِه. بِخلافِ غذاءِ البدن, فإنه لا ينبغي الإكثارُ منه, لأن في ذلك ضرراً على القلبِ والبدن. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما مَلأ آدميٌّ وِعاءً شرَّاً من بطنِه, بِحَسْبِ ابنِ آدمَ أكلاتٌ يُقِمنَ صُلْبَه, فإن كان لا مَحَالَة, فَثُلُثٌ لِطعامِه، وثلُثٌ لِشَرَابِه, وثُلُثٌ لِنَفَسِه ).
وأما ذِكْرُ الله فإنه ينبغي الإكثارُ منه, وكُلما كَثُر زادت حياةُ القلب وانشراحُه وفَرَحُه, وكلما نقصَ نَقَصت حياةُ القلب, وإذا انعدمَ مات القلب, قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ( مَثَلُ الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مَثَلُ الحيِّ والميت ). وقال أيضاً: ( ألا أُنَبِّئُكم بخيرِ أعمالكم، وأزكاها عند مَلِيكِكُم، وأرفعُها في درجاتِكم، وخيرٌ لكم من إنفاق الذهبِ والوَرِق، وخيرٌ لكم مِنْ أَنْ تَلْقَوا عَدُوَّكم، فتضربوا أعناقَهم ويضربوا أعناقَكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله, قال: ذِكْرُ الله ). وقال أيضاً: ( سَبَقَ المُفَرِّدون, قالوا: وما المُفَرِّدون يا رسول الله؟ قال: الذاكرون الله كثيراً والذاكرات ). والمرادُ بِسَبْقِهِم: أنهم سبقوا الناس, بِنَيلِ الزُّلْفَى والدرجاتِ العُلا, والسَّبْقِ أثناء المرورِ على الصِّراط الممدودِ على متنِ جهنم, فَهُمْ مِن أسرعِ الناسِ مُرُورا, وَوُصولا إلى الجنة.
وقد يقول قائل: لماذا لا أَلْزَمُ الذكرَ بلساني, وأُشْغِلُ نفسي به ما دامت هذه فضائلُه, خصوصا وأنه خفيفٌ على اللسان, لا يتطلب مجهودا بَدَنِيّا, ولا مالاً, ولا يستطيعُ أحدٌ أن يشغلني عنه, حيث أستطيع أنْ أذكرَ الله وأنا وحدي, في بيتي, وسيارتي, وعلى فراشي, وكرسي وظيفتي, وكذلك أستطيع أن أذكرَ اللهَ وأنا مع الناس, ومع أصحابي وجلسائي.
إن من أعجب العجاب يا عباد الله, أنك ترى هذا الذِّكْرَ مَعَ خِفَّتِه وسُهُولَتِه, وعَدمِ وجودِ ما يَحُولُ بين المرءِ وبَيْنَه, إلا أَنَّك ترى قِلَّةَ الذاكِرِين, وكَثْرَةَ المنشغلين باللغو أو ما لا فائدة فيه.
ولا شك أن لذلك أسبابا كثيرة, فَمِنْ تِلْكُمُ الأسباب:
غفلةُ القلب: فإن القلبَ إذا غَفَلَ, سَرَى ذلك إلى اللسانِ والجوارِح, فلابد أن يظهرَ منه ما يدل على غفلته, لأن القلبَ مَلِكُ الجوارحِ وسَيِّدُها, وهو الآمِرُ الناهي لها, فإذا غَفَلَ, غَفَلَتْ جوارِحُه, وإذا فَجَرَ فَجَرَت جوارِحُه. وإذا صَلَحَ صَلَحَت جوارحه.
ومِنْ أسبابِ قِلَّةِ ذِكْرِ الله: تَعَلُّقُ القلبِ ومحَبَّتُه, فإنَ مَن أحبَّ شيئاً أَكْثَرَ مِن ذِكْرِه. واللسانُ مِغْرافُ القلب, ودليلُه, لأنه لا يتحرك إلا بالأوامر. والقلبُ أَعْظَمُ الآمِرِين, فإذا أَحبَّ قلبُه شيئا أو تعلَّق بشيء, لابد وأن يُكْثِرَ مِن ذِكْرِهِ بِلسانه, فإذا تعلق بالدينار والدرهم, صارَ حَدِثُه عن الدنيا ومَطامِعِها في كُلِّ وقتٍ وحال. وإذا تعلق قلبه بالفضول ومراقبة الناس, انشغل قلبه بهم, وبخصوصياتهم وغِيبَتِهِم ونَشْرِ مَعايِبِهِم وإلصاقِ التُّهَمِ بِهم. وإذا تعلق بالنساء والصور والمناظر, صارَ ذلِكَ شُغْلَهُ الشاغِل.
ومن أسبابِ قِلَّةِ الذِّكْر: عَدَمُ وُجودِ المُعِينِ على الذكرِ والتلاوةِ ومجالسِ العلم. حتى في بيوتِنا لا تكادُ ترى ما يُعِينُ على الإنشغال بالذكر والطاعة إلا من رحم الله. فلا تكادُ تجدُ مكتبةً في البيت تحوي كتبَ التفسير والحديث والعقيدة والسيرة والعلمِ النافِع. بل إنك ترى ما هو ضد ذلك: فترى في كُلِّ زاويةٍ أو مجلسٍ في البيت شاشةً متصلةً بصحنِ الدش تتلقى الفتن والقنوات الفضائية. وترى في أيدي الكثيرِ من الناس صغارا وكبارا, وذكورا وإناثا, هذه الأجهزةَ التي تقضي على الأوقاتِ, وتُفْسِدُ السلوكِياتِ, وتُشْغِلُهُم عن مصالِحِهم وأسبابِ حياةِ قلوبِهم.
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ عَلى إِحسانِهِ، وَالشكرُ لَهُ عَلى تَوفِيقِهِ وَامتِنَانِهِ، وَأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وَأشهدُ أنَّ مُحمّداً عَبدُهُ وَرسولُهُ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلمَ تسليماً كثيراً. أَمّا بَعدُ،
عباد الله: روى مسلم في صحيحه, عن سَمُرَةَ بنِ جُنْدَبٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أَحَبُّ الكلامِ إلى الله أربع, سبحان الله, والحمد لله, ولا إله إلا الله, والله أكبر, لا يضرك بِأيِّهِن بدأت ). وثواب هذا الذكرِ عظيمٌ وكَثير, لأنه متضمن للتوحيد بأنواعه. وهو غراس الجنة, بِنَصِّ حديثِ رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهو الذكر الذي يأتي في الفضل بعد القرآن. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إنَّ اللهَ اصطفَى من الكلامِ أربعًا: سبحانَ اللهِ والحمدُ للهِ ولا إلهَ إلَّا اللهُ واللهُ أكبرُ, فمن قال سبحانَ اللهِ كُتِبتْ له عشرون حسنة, وحُطَّتْ عنه عشرون سيِّئةً, ومن قال اللهُ أكبرُ فَمِثْلُ ذلك, ومن قال لا إلهَ إلَّا اللهُ, فمثلُ ذلك, ومن قال الحمدُ للهِ ربِّ العالمين مِنْ قِبَلِ نَفْسِه, كُتِبَ له ثلاثون حسنةً وحُطَّتْ عنه ثلاثون سيِّئةً ).
فيا له من فضل عظيم لهذا الذكر الذي غَفَلَ عنه أكثرُ الناس, مع سهولته, وخفته على اللسان.
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم استعملنا في طاعتك وجنبنا ما يسخط علينا، اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك وفُجاءة نقمتك وجميع سخطك، اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل، اللهم احفظنا بالإسلام قائمين واحفظنا بالإسلام قاعدين واحفظنا بالإسلام راقدين ولا تُشمت بنا أعداء ولا حاسدين، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين وأذلَّ الشرك والمشركين واحمِ حوزةَ الدين، وانصر عبادك المؤمنين في كل مكان، اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاماً ومحكومين، اللهم ألّف بين قلوب المؤمنين وأصلح ذات بينهم واهدهم سبل السلام وأخرجهم من الظلمات إلى النور يا ذا الجلال والإكرام، اللهم احقن دماء المسلمين، اللهم انصر المستضعفين من المؤمنين، اللهم ارحم المستضعفين من المؤمنين في كل مكان، اللهم ارفع البلاء عن المستضعفين من المؤمنين في كل مكان، اللهم نج المستضعفين من المؤمنين في كل مكان، اللهم كن لهم عوناً ونصيراً ، اللهم احفظهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ومن فوقهم ومن تحت أرجلهم، اللهم اربط على قلوبهم وانصرهم على عدوك وعدوهم يا قوي يا عزيز، اللهم عليك بالرافضة والبعث العلويين الذين آذوا إخواننا في بلاد الشام، وعليك باليهود الذين استحلوا بلادنا ودماء إخواننا في فلسطين، وعليك بالوثنيين البوذيين الذين استحلوا دماء وأعراض إخواننا في بورما، اللهم عليك بهم, فإنهم لا يعجزونك. اللهم اشدد وطأتك عليهم واطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم وأنزل عليهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين. اللهم زلزل الأرض من تحت أقدامهم، واقذف الرعب في قلوبهم وسلط عليهم منْ يسومهم سوء العذاب يا قوي يا متين، اللهم احفظ لهذه البلاد دينها وعقيدتها وأمنها وعزتها وسيادتها، اللهم احفظها ممن يكيد لها يا رب العالمين، اللهم وفق حكامها وأعوانهم لما فيه صلاح أمر الإسلام والمسلمين، وبصّرهم بأعدائهم يا حيّ يا قيوم، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ أحمد العتيق تجدها هنا :
http://www.islamekk.net/catsmktba-119.html
|