فاحشة الزنا
إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد،
أيها الناس: اتقوا الله تعالى, وطَهِّروا قُلُوبَكم وأعمالَكم, فإن الله يُحِب التوابين ويُحِب المُتَطهِّرين. واعلموا أن الطهارةَ أنواع, وأعظَمُها: طهارةُ القلبِ والجَوارِحِ مِن العقائِدِ الباطِلَة, والأفعالِ المُحَرَّمة. ولذلك قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ﴾, أي, بِسَبَبِ شِرْكِهم وكُفرِهم وَصَفَهم اللهُ بذلك. وقال تعالى عن آل لوطٍ عليه السلام: ﴿ إِنَّهم أُناسٌ يَتَطَهَّرون ﴾. أي مِن الكفر واللواط.
أَلا وَإِنَّ مِن أَشَدِّ ما يُفسِدُ قلبَ المرْءِ وأعمالَه وعِرْضَه وشَرَفَه: فاحشةَ الزِّنا, فهو فسادٌ كبير، وَشَرٌ مُسْتَطير، له آثارٌ كبيرة، وتَنْجُمُ عنه أضرارٌ كثيرة، سواءً على مُرْتَكِبِيه، أو على الأمة عامة. لأنه يَجْمَعُ خِلالَ الشرِّ كُلِّها مِن: قِلَّةِ الدِّين، وذهابِ الوَرَعِ، وفسادِ المُروءَةِ، وقِلَّةِ الغَيْرَة، وَوَأْدِ الفَضيلة. ويَسْلُبُ صاحِبَه اسْمَ البِرِّ، والعِفَّة، والعَدْل، ويُعْطيهِ اسمَ الفاجِرِ، والفاسق، والزاني، والخائن. وَيُجَرِّئُ على قطيعةِ الرحِم، وكسبِ الحرام، وظُلْمِ الخَلْق، وإِضاعَةِ الأهلِ والعِيال, ورُبَّما قادَ إلى سَفْكِ الدم الحرام، وربما استعان عليه بالسِّحْرِ والشِّرْكِ وهو يَدْرِي أو لا يدري؛ فهذه المعصية لا تَتِمُّ إلا بأنواعٍ من المعاصي قَبْلَها ومَعَها. والزنا يَذْهَبُ بِكرامَة المرأة, ويَكسوها عاراً لا يَقِفُ عندها، بل يتعداها إلى أسرتِها؛ حَيْثُ تُدْخِلُ العارَ على أهلِها، وزوجِها، وأقارِبِها، وتُنَكِّسُ بِهِ رؤوسَهم بَيْنَ الخلائِق. وهذا يَدُلُّ على أَنانِيَّةِ الزاني وخِيانَتِه وخُلُوِّ جانِبِ الأُخُوَّةِ من قلبِه, لأنه رَضِيَ لِنِساءِ المؤمنين ما لا يرضاه لِنِسائِه. ولكنَّ اللهَ بِالمِرصاد لِكُلِّ ظالِم, لأن الزنى ديْنٌ يُلاحِقُ صاحبَه حتى يَفْضَحُه في قَعْرِ بيتِه والعياذ بالله. فاحذر يا من دَنَّسْتَ أعراضَ الناس, أن يُعَجِّلَ اللهُ لكَ العقوبة فيَجعلُكَ تمشي بين الناس مُهاناً ذليلاً مُطَأْطِئَ الرأسِ جزاءً بما كَسَبَتْ يداك.
والزنا أيضاً سَبَبٌ لِدَمارِ الأمة, وهَلاكِها, قال ابن مسعود رضي الله عنه: " ما ظهر الربا والزنا في قرية إلا أذن الله بإهلاكها".
ومِمَّا يَدُلُّ على عِظَمِ شأنِ الزنا أن الله سبحانه خَصَّ حَدَّه مِن بَينِ الحُدود بِأربعة خَصائِص:
أحدها: القَتلُ فيه بِأشْنَعِ القِتْلات، وهو الرجم بالحجارة حتى الموت بالنسبة للمُحْصَن.
الثاني: أن الزاني البِكْرَ يُعاقَبُ عُقوبَتَيْن, إحداهما في بَدَنِة, وهي مائة جلدة. والثانية على قَلبِه, وهي تَغْرِيبُه عن أهله وأرضه عاما كاملا.
الثالثة: أنه نَهَى عِبادَهُ أن تَأخُذَهم بالزُّناةِ رَأفَةٌ في دِينِه, لقوله تعالى: ﴿ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ ﴾.
الرابعة: أنه سبحانه أَمَرَ أنْ يَكونَ حَدُّهُما بِمَشْهَدٍ مِنَ المؤمنين، لقوله تعالى: ﴿ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾. وذلك أبلغ في مصلحة الحَدِّ، وحِكْمَةِ الزَّجْر.
ثم اعلموا يا عباد الله أن فاحشةَ الزنا تَتَفاوَتُ بِحَسَبِ مَفاسِدِها؛ فالزنى بالمُتَزَوِّجة أشَدُّ من الزنا بالتي لا زَوجَ لها؛ لما فيه من الظُّلمِ، والعُدوانِ عليه، وإفسادِ فِراشِه، وقد يكون هذا أشَدُّ مِن مُجَرَّدِ الزنا. والزنا بَزَوجَةِ الجارِ أعظمُ مِن الزنا بِبَعيدَةِ الدار، لما يَقْتَرٍنُ بِذلك من أذى الجار، وَعَدَمِ حفظ وَصيَّةِ اللهِ ورسولِه صلى الله عليه وسلم. ولِقوله عليه الصلاة والسلام: ( لَأَنْ يَزْنِيَ أحدُكم بِعَشرِ نِسوة أهونُ مِنْ أنْ يَزْني بِحَلِيلَةِ جارِه ). وكذلك الزنا بِذَواتِ المَحارِمِ أعظمُ جُرْماً، وأشنعُ، وأفظَع؛ فهو الهلاك بَعَيْنِه.
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ أهلِ الحمدِ ومستحقِّه, لا إِلَهَ غَيْرُهُ، ولا رَبَّ سِوَاه، وَأَشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ, وَأَشهدُ أَنَّ مُحَمّداً عَبدُهُ وَرَسُولُهُ, صَلَى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلّمَ تَسلِيماً كَثِيراً. أما بعد:
عباد الله: مِنَ المَعلومِ أَن الشارِعَ الحَكيمَ إذا حَرَّمَ شيئا تَحريما شديدا, حَرَّمَ الوَسائِلَ المُؤَدِّيَة إليه. وليس هُناك ذَنْبٌ بَعد الشركِ شَدَّدَ الشارعُ الحكيمُ في تحريمِ وسائِله كما شَدَّدَ في وسائِل الزنا, حيث جَعَلَ اللهُ تعالى سُدُوداً وحَواجِزَ مَنِيعة, متى ما قام بها المؤمنون, نَشَأَ بِسَببِ ذلك مُجْتَمعٌ طاهِرٌ عَفيفٌ سالمٌ مِن كُل ما يَشِينُه ويُدَنِّسُه. فمن ذلك: إقامةُ الحَدِّ على الزاني كما تقدم. وكذلك: أمرُها بالحِجاب, ومَنْعُها مِن السفرِ بِدون مَحْرَم. وأمرُها بالقَرارِ في البيت وعدمِ الخروج المُتَكرِّرِ إلا لِحاجة لابد منها. وكذلك تحريمُ الخَلْوَةِ بالأجنبية, ومنعُ دُخولِ الرجالِ على النساءِ الأجنبيات ولو كانوا من الأقارِب, بل إن الأقاربَ أشدُّ وأخْطَر إلا إذا انْتَفَتِ الخَلْوَة. وكذلك منعُ المرأةِ من الخُضوعِ بالقَوْلِ, والتَّمَيُّعِ بِالكلامِ وتَرقِيقُه وتَلْيِينُه, كي لا يطمعَ الذي في قلبِهِ مَرَض, وكذلك منعُ المرأة من خروجِها مُتَعَطِّرَةً إذا عَلِمَت أَنها سَتَمُر بِحضرة الرجال, وكذلك منعُ المرأةِ أن تقومَ بأي عَمَلٍ يَلْفِتُ أَنظارَ الأجانِبِ إليها حتى لو كان خَفِيّاً, لقوله تعالى: ﴿ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ ﴾. فمنعَ المرأةَ التي تَلبسُ الخِلْخالَ أن تَضْرِبَ بِرِجلِها ضَربا يُظْهِرُ صَوتَه أما الأجانب, فَيطمَعَ الذي في قلبَه مَرَض.
وهذا يَدُلُّ على أن المَرأة هي السببُ الأول في ظهور فاحشةِ الزنا, وأنه إذا ظَهَرَ الزنا وانتشر فهذا دَلِيلٌ على تَساهُلِ أَرْبابِ البيوت والحُكامِ والمسؤولين في شأن المرأةِ وتَربِيتِها, وما يَصُونُ عِفَّتَها.
ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما، اللهم آتِ نفوسنا تقواها وزكّها أنت خير من زكّاها أنت وليّها ومولاها، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنّا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت يا ذا الجلال والإكرام، اللهم ارزقنا تقواك, واجعلنا نخشاك كأننا نراك، اللهم أصلحْ لنا ديننا الذي هو عصمت أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا واجعل الدنيا زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر، اللهم احفظنا بالإسلام قائمين واحفظنا بالإسلام قاعدين واحفظنا بالإسلام راقدين ولا تُشمت بنا أعداء ولا حاسدين، اللهم أصلح أحوال المسلمين، اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاماً ومحكومين، اللهم أرهم الحق حقاً وارزقهم اتباعه وأرهم الباطل باطلاً وارزقهم اجتنابه، وولّ عليهم خيارهم، واجعل ولايتهم فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم احقن دماء المسلمين، اللهم احقن دماء المسلمين، اللهم انصر المستضعفين من المؤمنين، اللهم ارحم المستضعفين من المؤمنين في كل مكان، اللهم ارفع البلاء عن المستضعفين من المؤمنين في كل مكان، اللهم نج المستضعفين من المؤمنين في كلِّ مكانٍ، اللهم انصر المجاهدين الذين يجاهدون في سبيلك في كل مكان، اللهم انصرهم في كل مكان يا قوي يا عزيز، اللهم وفق وُلاة أمرنا لما يرضيك، اللهم وفقهم بتوفيقك، وأيّدهم بتأييدك واجعلهم أنصاراً لدينك, وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة، اللهم حبّب إليهم الخير وأهله وبغّض إليهم الشر وأهله وبصّرهم بأعدائهم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اغفر لموتى المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية ولنبيك بالرسالة وماتوا على ذلك اللهم اغفر لهم وارحمهم وعافهم واعف عنهم ووسع مدخلهم وأكرم نزلهم واغسلهم بالماء والثلج والبرد ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس وارحمنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم صلّ وسلم على نبينا محمد .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ أحمد العتيق تجدها هنا :
http://www.islamekk.net/catsmktba-119.html |