أهمية النصيحة
الحمد لله رب العالمين ، الرحمن الرحيم ، مالك يوم الدين ، له : } الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ { . أحمده حمدا يليق بكريم وجهه ، وبعظيم سلطانه ، أوجب النصيحة بين المسلمين .
وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، } هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ { .
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وصفيه وخليله ، وخيرته من خلقه ، بعثه رحمة للعالمين ، وجعله نبيا للأنس والجن أجمعين ، صلى الله عليه ، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد ، عباد الله :
تقوى الله U وصية الله لخلقه ، الأولين والآخرين ، يقول سبحانه : } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ { فلنتق الله ـ أحبتي في الله ـ جعلني الله وإياكم من عباده المتقين .
أيها الأخوة المؤمنون :
كلنا ندرك أهمية النصيحة ، ودورها الفعال للحد من انتشار كثير من المخالفات ، وأنها وسيلة مهمة للقضاء على التجاوزات الدينية والدنيوية ، وأنه لا غنى لأحد من الناس عنها ، وخاصة في هذا الزمان ، ولكن : هل الناس اليوم يقبلون النصيحة ، ويحبون الناصحين ؟ إذا رأى أحدنا جاره أو قريبا من أقربائه ، يرتكب أمرا خاطئا ، هل يتجرأ على تقديم النصيحة له ؟ أم يتردد ، ويترك نصحه ، كي يكسب وده ومحبته ورضاه عنه ؟ في مجتمعنا اليوم ، ماهي نسبة من يقبلون النصيحة من غيرهم ؟
اسألة ـ أيها الأخوة ـ أضن أجابتها واضحة ، تجعلنا نسأل سؤالا آخر : أنت أخي المسلم ، هل أنت من الذين يقبلون النصيحة ؟ أم من هؤلاء الذين استعرضتهم بمخيلتك ، ووجدت أنهم ، لا يقبلون النصيحة ، ولا يحبون الناصحين .أخي المسلم ؛ ما موقفك حينما يمسك بيدك أخوك المسلم ، ويخبرك ناصحا ، بأمر ما عن أحد أبنائك ، أو أهل بيتك ، أو زوجتك ، أو إحدى بناتك ؟
أخي المسلم : عندما يمسك بيدك أخوك المسلم ، لينصحك عن حلق لحيتك ، أو إسبال ثوبك ، أو هجرك لصلاة الجماعة ، أو عندما يترجاك لترك أمر فيه هلاكك ، ماهو شعورك تجاهه ، وما هو موقفك منه ؟
أنت أخي ، عندما يمسك بيدك أحدهم ، لينصحك عن جاهليتك ، واحتقارك للناس من أجل ألوانهم ، أو جنسياتهم ، قل لي بربك ، ما هي نظرتك إليه عند ذلك .
أنت أخي ، يا من عنست بناتك ، وحرمتهن الزواج ، من أجل حسب أو نسب ، أو مكانة أو شهادة ، عندما يقدم لك أحدهم نصيحة ، بينك وبينه ، هل تقبل نصحه أم لا ؟
أراك الآن غضبت ، من مجرد كلام افتراضي ، فكيف لو كان الأمر حقيقة ، وواقعا ملموسا !!!!
إن الذي تشعر به ـ أخي ـ الآن ، وقد يكون ملأ صدرك غيضا وغضبا ، هو حال كثير من الناس ، عندما يأتيهم ناصح ، أو تقدم لهم نصيحة ما .
أيها الأخوة المؤمنون :
إن هذه المقدمة ، التي حركت مشاعرنا ، وأثارت شيئا ما في نفوسنا ، أردت منها ، أن لا نحول ما سنسمع ، في هذا اليوم ، إلى غيرنا ، ولندرك أهمية ما سنسمعه ، ولنعلم بأننا أحوج الناس إليه .
أيها الأخوة :
إنها النصيحة ، التي جعلها الله U لأهميتها ، شعارا لرسله وأنبيائه ، ومبدأ من ابرز مبادئ رسالاته ، كما ذكر U عن نبيه نوح ـ عليه السلام ، حيث قال لقومه : } قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ { وكذلك نبيه هود ـ عليه السلام ـ حيث قال لقومه : } قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ { وأيضا نبي الله صالح ـ عليه السلام ـ حيث قال لقومه : } فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ { فالأنبياء بعثهم الله U لنصح أقوامهم ، فلما أعرضوا ولم يلقوا بالا لنصحهم ، وأبغضوهم بسبب ذلك ، ماذا فعل بهم الله U ؟ جعل الهلاك لهم في الدنيا والعذاب في الآخرة ، وكما قال تبارك وتعالى : } فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ { .
فشأن النصيحة ـ أيها الأخوة ـ شأن عظيم ، بل هي الدين ، كما جاء في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم عن تميم بن أوس الداري t ، أن النبي r قال : (( الدين النصيحة ، الدين النصيحة ، الدين النصيحة )) يقول تميم t : قلنا : لمن يا رسول الله ! . قال r : (( لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم )) . فالنصيحة لعامة المسلمين ، محبة الخير لهم ، وإرشادهم إلى ما فيه صلاح دينهم ودنياهم ، وعدم غشهم .
أيها الأخوة المؤمنون :
عندما نتأمل في واقعنا اليوم ، وحالنا مع النصيحة ، ومدى حبنا للناصحين ، نجده واقعا مريرا ، فالنصيحة صارت شيئا غير مألوف ولا مقبول إلا عند من رحم الله ، صار أحدنا يرى أخاه وهو بحاجة لنصيحته ، ولكنه لا يستطيع أن يقدم النصيحة له خوفا من رفضه وعدم قبوله ، بل خوفا من بغضه له وكرهه ، فأكثر الناس ، حالهم ليست بعيدا عن الذين قال فيهم الله U على لسان نبيه صالح ـ عليه السلام ـ } وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ { .
تأملوا ـ أيها الأخوة ـ ما يكتبهم بعضهم ، وما يتحدث به السفهاء في مجالسهم ، عن رجال هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ! تأملوا ـ أيها الأخوة ـ عندما يسمع بعضهم بخطبة أو موعظة تلمس واقعه ، وتشعره بجرمه وخطيئته ! فالنصيحة لم تعد مقبولة ، عند كثير من الناس ، صار أكثرهم ، يحب من يزين له باطله ، ويكره ناصحه . بل ويعاديه ، ويبغضه ، وقد يغتابه في مجالسه ، هذه حقيقة ـ أيها الأخوة . بل بعض الناس ، عندما تقدم نصيحة له ، يحاول جاهدا بالانتقام منك ، فلا يجد وسيلة إلا ذكر معايبك ، فإذا أردت أن تعرف مكانتك ومنزلتك عند أحد من هؤلاء ، فعليك بنصحه ، تجده يسرد لك قائمة من المعايب والمثالب ، كان ساكتا عنها قبل نصحك له ، وهذا من الفهم الخاطئ للنصيحة ، والجهل الخطير بقيمتها .
فينبغي لنا ، بل يجب علينا ، أن نراجع وضعنا ، ونحاسب أنفسنا ، وخاصة في مجال النصيحة ، ومحبة الناصحين ، بل يجب علينا بذل النصح لإخواننا المسلمين ، ولا نتردد أبدا عندما نرى من هو بحاجة للنصيحة ، فالنصح واجب من أهم الواجبات ، ففي الحديث الذي رواه البخاري ، يقول جرير بن عبدالله t : بايعنا رسول اللهr على إقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم .
فلنتق الله ـ عباد الله ـ فقد كان سلفنا الصالح رضي الله عنهم يتناصحون فيما بينهم ويقبلون النصيحة ولو كان الناصح دونهم في السن أو العلم أو الجاه . ولنحذر من رد النصيحة ، يقول ابن مسعود t في تفسير قوله تعالى : } وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ { هو الرجل ينصح أخاه فيقول : عليك نفسك أو مثلك لا ينصحني .
اسأل الله أن يهدي ضال المسلمين ، إنه سميع مجيب ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب ، فإنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أيها المسلمون :
وقد يكون لبعض الناصحين دورا في إعراض كثير من الناس عن النصيحة ، وعدم محبة الناصحين ، ولذلك إليكم بعض آداب النصيحة ، التي ينبغي للناصح أن يتأدب بها ، ويراعيها عندما يقدم النصح لإخوانه .
أولها ـ أيها الأخوة - الإخلاص لله تعالى ، فيجب على الناصح ، أن يكون مخلصا لله U في نصيحته ، محبا للخير لإخوانه ، لا للشماتة بهم ، ولا للفرح بأخطائهم وعيوبهم .
وثانيها ـ أيها الأخوة ـ وهو أهم أمر في النصيحة ، أن تكون سرا بينه وبينهم ، يقول بعض السلف : من نصح أخاه سراً فقد نصحه وزانه ، ومن نصحه علانية فقد فضحه وشانه.
وقال الإمام الشافعي رحمه الله:
تعمدني بنصحك في انفراد
وجنبني النصيحة في الجماعة
فإن النصح بين الناس نوع
من التعيير لا أرضى استماعه
وثالث آداب النصيحة ـ أيها الأخوة ـ : أن يبحث الناصح ، عن أفضل الطرق ، وأنفع الوسائل التي يرجى من خلالها استجابة المنصوح ، وهذا ما أرشدنا إليه نبينا r ، فقد كان يقول : (( ما بال أقوام يفعلون كذا )) .
وقد يسر الله U السبل والطرق ، التي يمكن من خلالها ، تبليغ النصيحة إلى من هو بحاجتها ، فقد يبلغ المسلم نصيحته عن طريق كتاب أو شريط أو رسالة جوال أو نحو ذلك .
أيها الأخوة :
فالنصيحة أمر واجب ، ولها شأن عظيم ، والناس بحاجتها ، والحرص عليها دليل على صلاح واستقامة المرء ، فينبغي أن نهتم بها ، ولنبحث عن شتى الوسائل والطرق والأساليب للقيام بها ، ولنختار الوقت المناسب لها ، لكي لا نعين الشيطان على إخواننا . ولنحذر ـ أيها الأخوة ـ فعل الجبناء ، الذين يرون عيوب إخوانهم ، ولا ينصحون لهم إنما يجعلونهم فاكهة لمجالسهم ، بفضيحتهم وغيبتهم ، فهذا الأمر كبيرة من كبائر الذنوب ، وفي الحديث الذي صححه الألباني ـ رحمه الله ـ عن أنس t أن النبي r قال : (( لما عُرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم فقلت : من هؤلاء يا جبريل ؟ قال : هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم )) .
اسأل الله U لي ولكم علما نافعا ، وعملا خالصا ، وسلامة دائمة ، إنه سميع مجيب .
اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى ، اللهم أحينا سعداء ، وتوفنا شهداء ، واحشرنا في زمرة الأتقياء ، يا أرحم الراحمين .
اللهم إنا نسألك رضاك والجنة ، ونعوذ بك من سخطك والنار ، اللهم اغفر لنا وارحمنا ، اللهم تجاوز عن سيئاتنا ، اللهم ألطف بنا ، واجعلنا هداة مهتدين ، لا ضالين ولا مضلين يارب العالمين .
اللهم طهر قلوبنا ، وحصن فروجنا ، واحفظ أعراضنا ودماءنا وأموالنا ، وارحم اللهم موتانا ، واشف مرضانا ، واسترنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض ، برحمتك يا أرحم الراحمين .
اللهم إنا نسألك نصر الإسلام وعز المسلمين ، وذل الشرك والمشركين ، اللهم اجعل بلدنا هذا آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين . اللهم آمنا في أوطاننا ، واستعمل علينا خيارنا ، واجعل اللهم ولايتنا في عهد من خافك واتقاك واتبع رضاك ، برحمتك يا أرحم الراحمين .
اللهم من أرادنا أو أراد نساءنا بسوء ، اللهم اشغله بنفسه ، واجعل كيده في نحره ، واجعل تدبيره سببا لتدميره يارب العالمين .
} رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ { .
عباد الله :
} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ {
فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على وافر نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
|