بِاَلْدَّلِيْلِ
أَهَمِّيَةُ اَلْدَّلِيْلِ
اَلْحَمْدُ للهِ، اَلْعَلِيْمِ
اَلْسَّمِيْعِ اَلْبَصِيْرِ، } يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ
وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ {. أَحْمَدُهُ حَمْدَاً يَلِيْقُ بِكَرِيْمِ وَجْهِهِ، وَعَظِيْمِ
سُلْطَاْنِهِ: } إِنْ تُبْدُوا مَا فِي
أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ ، يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ، فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ
وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ، وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {. وَأَشْهَدُ أَنْ لَاْ إِلَهَ إِلَّاْ اَللهُ وَحْدَهُ لَاْ
شَرِيْكَ لَهُ، } رَبُّكُمْ
لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ
شَيْءٍ وَكِيلٌ {.
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ، اَلْبَشِيْرُ اَلْنَّذِيْرُ،
وَاَلْسِّرَاْجُ اَلْمُنِيْرُ، صَلَّىْ اَللهُ عَلَيْهِ، وَعَلَىْ آلِهِ
وَأَصْحَاْبِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيْمَاً كَثِيْرَاً إِلَىْ يَوْمِ اَلْدِّيْنِ .
أَمَّا بَعْدُ ، فَيَا عِبَادَ اللَّهِ :
تَقْوَىْ اَللهِ U وَصِيَّتُهُ سُبْحَاْنَهُ لِعِبَاْدِهِ،
يَقُوْلُ U فِيْ كِتَاْبِهِ: } وَلَقَدْ
وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ
اتَّقُوا اللَّهَ {
، فَلْنَتَّقِ اَللهَ - أَحِبَتِيْ فِيْ اَللهِ - جَعَلَنِيْ اَللهُ وَإِيَّاْكُمْ
مِنْ عِبَاْدِهِ اَلْمُتَّقِيْنَ .
أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ اَلْمُؤْمِنُوْنَ :
مِنْ أَبْرَزِ صِفَاْتِ اَلْمُؤْمِنِيْنَ وَمَعَاْلِمِ
مَنْهَجِ عِبَاْدِ اَللَّهِ اَلْصَّاْدِقِيْنَ: اَلْتَّأَثُّرُ بِاَلْدَّلِيْلِ
اَلْشَّرْعِيِّ. فَأَهْلُ اَلْإِيْمَاْنِ، اَلَّذِيْنَ تَجَرَّدُوْا مِنْ اَلْأَهْوَاْءِ، وَاَسْتَسْلَمُوْا لِلَّهِ بِاَلْتَّوْحِيْدِ، وَاَنْقَاْدُوْا لَهُ بِاَلْطَّاْعَةِ؛
عِنْدَمَاْ يَأْتِيْ اَلْدَّلِيْلُ لِيُثْبِتَ حُكْمًا، أَوْ يَمْنَعُ فِعْلًا،
يَعْمَلُونَ بِهِ، وَلَاْ يَجِدُوا فِيْ أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِنْهُ ،
وَيَسْلَمُوْا تَسْلِيْمًا .
أَمَّاْ وَالْعِيَاذُ
بِاللَّهِ أَهْلُ اَلْكَفْرِ وَاَلْضَّلَاْلِ، وَعُبَّادُ اَلْهَوَىْ وَأَسْرَىْ اَلْشَّهَوَاْتِ،
لَوْ تَأْتِيْ لِأَحَدِهِمْ بِاَلْدَّلِيْلِ تِلْوَ اَلْدَّلِيْلِ، إِنَّمَا هَمْ
كَمَاْ قَاْلَ تَعَاْلَى: } لَهُمْ قُلُوبٌ لَا
يَفْقَهُونَ بِهَا، وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا ، وَلَهُمْ آذَانٌ
لَا يَسْمَعُونَ بِهَا ، أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ، أُولَئِكَ
هُمُ الْغَافِلُونَ {.
لَاْ يَتَأَثَّرُوْنَ بِاَلْدَّلِيْلِ، وَلَاْ يَجِدُ اَلْدَّلِيْلُ أَثَرَاً فِيْ
نُفُوْسِهِمْ، وَصَدَقَ اَللهُ: } فَمَنْ
يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ، وَمَنْ يُرِدْ
أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي
السَّمَاءِ، كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا
يُؤْمِنُونَ { ، تَأْتِيْ إِلَىْ أَحَدِهِمْ تَقُوْلُ يَاْ فُلَاْنُ: إِنَّكَ عَلَىْ خَطَأٍ
وضَلَاْلٍ ، إِنَّكَ عَلَىْ بَاْطِلٍ، وَمَاْ تَفْعَلُهُ هَذِهِ أَدِلَّةُ
تَحْرِيمِهِ، وَمَاْ تَتْرُكُهُ هَذِهِ أَدِلَّةُ وُجُوْبِهِ، فَتَرَاْهُ يَنْظُرُ
إِلَيْكَ كَنَظَرٍ اَلْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ ، كَأَنَّكَ تُخَاْطِبُ جَمَاْدًا، أَوْ
تَنْفُخُ فِي رَمَاْدٍ :
وَقَدْ أَسْمَعَتَ لَوْ نَادَيْتَ حَيًّا
وَلَكِنْ لَاْ حَيَاةَ لِمَـنْ
تُنَادَىْ
اَلْدَّلِيْلُ سَوَاْءً
كَاْنَ مِنْ اَلْقُرْآنِ أَوْ مِنْ اَلْسُّنَّةِ، لَاْ يُؤَثِّرُ فِيْ نُفُوْسِهِمْ،
وَلَاْ يَجِدُ مُوَقِعًا فِيْ قُلُوْبِهِمْ ، تَقُوْلُ لِأَحَدِهِمْ : هَذَاْ
كَلَاْمُ اَللَّهِ، اَللهُ U ، يُرِيْدُ مِنْكَ أَنْ تَفْعَلَ كَذَا وَكَذَا،
وَيُوجِبُ عَلَيْكَ أَنْ تَتْرُكَ كَذَا وَكَذَا، وَتَقْرَأُ عَلَيْهِ اَلْدَّلِيْلَ
ثُمَّ اَلْدَّلِيْلَ، وَتُسْمُعُهُ كَلَاْمَ اَللَّهِ U،
وَكَلَاْمَ رَسُوْلِهِ e، وَلَكِنَّهُ لَاْ يُؤَثِّرُ بِهِ، وَلَاْ يَتَأَثَّرُ مِنْهُ،
وَهَذِهِ وَاَلْعِيَاْذُ بِاَللَّهِ، صِفَةٌ مِنْ صِفَاْتِ اَلْمُشْرِكِيْنَ .
اَلْمُشْرِكُونَ، شَبَهَهُمْ
اَللَّهُ U بِاَلْحَيَوَاْنَاْتِ، اَلَّتِيْ مَهْمَاْ نَاْدَيْتَهَاْ،
وَمَهْمَاْ رَفَعَتَ صَوْتَكَ لِتُسْمَعَهَاْ ، فَإِنَّهَاْ تَسْمَعُ اَلْصَّوْتَ،
وَلَكِنْ لَاْ تَفْقَهُ مَعْنَاْهُ، وَلَاْ تَعْمَلُ بِمَدْلُولِهِ وَمُقْتَضَاْهُ،
يَقُولُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: } وَمَثَلُ
اَلَّذِيْنَ كَفَرُوْا، كَمَثَلِ اَلَّذِيْ يَنْعِقُ بِمَاْ لَاْ يَسْمَعُ إِلَّاْ
دُعَاْءً وَنِدَاْءً ، صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَاْ يَعْقِلُوْنَ {، يَقُولُ ابْنُ كَثِيرٍ
فِي تَفْسِيرِهِ لِهَذِهِ الْآيَةِ: } وَمَثَلُ اَلَّذِينَ كَفَرُوا
{، أَيْ فِيْمَاْ هُمْ فِيْهِ مِنْ اَلْغَيِّ وَاَلْضَّلَاْلِ وَاَلْجَهْلِ، كَاَلْدَّوَاْبِ اَلْسَّاْرِحَةِ اَلَّتِيْ لَاْ تَفْقَهُ مَاْ يُقَاْلُ لَهَاْ، بَلْ إِذَاْ نَعَقَ بِهَاْ رَاعِيْهَاْ، أَيْ دَعَاْهَاْ إِلَىْ مَاْ
يُرْشِدُهَاْ، لَاْ تَفْقَهُ مَاْ يَقُوْلُ وَلَاْ تَفْهَمُهُ، بَلْ إِنَّمَاْ
تَسْمَعُ صَوْتَهُ فَقَطْ. وَقَوْلُهُ: } صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ {، أَيْ صُمٌّ عَنْ سَمَاْعِ اَلْحَقِّ، بُكْمٌ لَاْ يَتَفَوَّهُوْنَ
بِهِ ، عُمْيٌ عَنْ رُؤْيَةِ طَرِيْقِهِ وَمَسْلَكِهِ، } فَهُمْ لَاْ يَعْقِلُونَ { أَيْ لَاْ يَعْقِلُوْنَ شَيْئًا وَلَاْ
يَفْهَمُونَهُ .
فَعَدَمُ اَلْتَّأَثُّرِ
بِاَلْدَّلِيْلِ - أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ - صِفَةٌ مِنْ صِفَاْتِ اَلْمُشْرِكِيْنَ، وَدَلِيْلٌ عَلَىْ عَدَمِ اَلْإِيْمَاْنِ بِرَبِّ اَلْعَاْلَمِيْنَ. } إِنَّمَا
كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ ، إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ
بَيْنَهُمْ، أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ، وَأُولَئِكَ هُمُ
الْمُفْلِحُونَ {
.
نَعَمْ - أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ - اَلَّذِيْ
يَسْمَعُ نَصًّا صَرِيحًا وَاْضِحًا مِنْ كِتَاْبِ اَللَّهِ U،
أَوْ مِنْ سُنَّةِ رَسُوْلِهِ e، وَلَاْ يَتَأَثَّرُ بِهِ، وَلَاْ يَعْمَلُ بِمُقْتَضَاْهُ، هَذَاْ
عَدِيْمُ إِيمَانٍ يَقُولُ تعالى: } فَلَا
وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ، حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ، ثُمَّ
لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ ، وَيُسَلِّمُوا
تَسْلِيمًا { . فَاَلْإِيْمَاْنُ لَهُ دَوْرٌ فَعَّالٌ فِيْ اَلْتَّعَاْمُلِ مَعَ اَلْدَّلِيْلِ
وَاسْمَعُوا إِلَى هَذِهِ الْآيَةِ ؛ يَقُولُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: } قُلْ
هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ، وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي
آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمىً ، أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ
بَعِيدٍ { يَعْنِي قُلْ يَا مُحَمَّدُ: هَذَا الْقُرْآنُ لِمَنْ آمَنَ بِهِ هُدًى
لِقَلْبِهِ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي صَدْرِهِ، أَمَّا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ؛
فَفِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ، لَا يَفْهَمُونَ مَا فِيهِ، وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى ،
أَيْ لَا يَهْتَدُونَ إِلَى مَا فِيهِ مِنْ الْبَيَانِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : } وَنُنَزِّلُ مِنَ
الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ، وَلا يَزِيدُ
الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً {
.
أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ :
مِنْ اَلْأُمُوْرِ اَلْثَّاْبِتَةِ
عَنْ اَلْمُنَاْفِقِيْنَ وَاَلَّتِيْ تُخْرِجُهُمْ مِنْ صُفُوْفِ اَلْمُؤْمِنِيْنَ:
اِتِّبَاْعُ اَلْدَّلِيْلِ بِمَاْ يُوَاْفِقُ شَهَوَاْتِهِمْ ، وَيَتَنَاْسَبُ
مَعَ أَهْوَاْئِهِمْ ، اَلْمُنَاْفِقُ إِذَاْ كَاْنَ اَلْأَمْرُ لِصَاْلِحِهِ،
عَمِلَ بِاَلْدَّلِيْلِ ، وَإِذَا كَاْنَ لَاْ يُوَاْفِقُ هَوَاْهُ ، أَوْ
يَحْرِمُهُ شَهْوَةً مِنْ شَهَوَاْتِهِ اَلْمُحَرَّمَةِ ، أَعْرِضَ عَنْهُ ، وَاَسْتَكْبَرَ
فِي نَفْسِهِ عَنْ اتِّبَاْعِهِ . تَأَمَّلُوْا أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ اَلْآيَاْتِ
اَلْتَّاْلِيَة :
يَقُوْلُ تَبَاْرَكَ وَتَعَاْلَىْ:
} وَيَقُولُونَ آمَنَّا
بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا، ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ
بَعْدِ ذَلِكَ، وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ { ، يَعْنِي إِيمَانُهُمْ مُجَرَّدُ كَلَاْمٍ،
أَمَّاْ أَفْعَالُهُمْ فَهِيَ تُخَالِفُ أَقْوَالَهُمْ } وَإِذَا دُعُوا إِلَى
اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ، إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ { إِذَا طُلِبُوْا إِلَىْ اِتِّبَاعِ اَلْهُدَى،
فِيمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَىْ رَسُولِهِ، أَعْرَضُوا عَنْ اِتِّبَاعِهِ } وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ
الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ { يَقُولُ ابْنُ كَثِيرٍ: إِذَا كَاْنَتِ اَلْحُكُومَةُ
لَهُمْ لَاْ عَلَيْهِمْ جَاءُوا سَاْمِعِيْنَ مُطِيْعِيْنَ ، وَإِذَا كَانَتِ اَلْحُكُومَةُ
عَلَيْهِمْ أَعْرَضُوا . وَهَذَا مَاْ يَقَعُ بِهِ - أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ - كَثِيرٌ
مِنْ اَلْمُسْلِمِينَ، إِذَا كَانَ الْأَمْرُ يُوَافِقُ هَوَاْهُ ، أَوْ يَقْضِيْ لَهُ
بِمَصْلَحَةٍ دُنْيَوِيَّةٍ، قَاْلَ : اَللَّهُ U يَقُوْلُ كَذَا، وَاَلْنَّبِيُّ e
يَقُولُ كَذَا، وَهَذَا حَرَامٌ ، وَهَذَا حَلَالٌ ، وَهَذَا يَجُوزُ وَهَذَا لَا
يَجُوزُ ، وَلَكِنْ تَطْلُبُ مِنْهُ أَمْرًا يُخَالِفُ هَوَاهُ، وَمَا لَا
يُوَافِقُ مَا تُحِبُّ نَفْسُهُ الْأَمَّارَةُ، حَتَّى وَلَوْ كَانَ شَيْئًا
يَسِيرًا ، كَإِعْفَاءِ لِحْيَةٍ ، أَوْ تَقْصِيرِ ثَوْبٍ ، أَوْ عَدَمِ سَمَاعٍ ،
أَوْ تَرْكِ غَيْبَةٍ، أَوْ عَدَمِ غَفْلَةٍ ، أَوْ تَرْكِ دُخَّانٍ، أَوْ صَلَاةِ
جَمَاعَةٍ، أَوْ شُرْبِ خَمْرٍ، أَوْ أَكْلِ مُخَدِّرَاتٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ،
فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مِنْ الْمُذْعِنِينَ، لَا يَمْتَثِلُ لِذَلِكَ الْأَمْرِ،
إِنَّمَا هُوَ مِنْ الْمُخَالِفِينَ الظَّالِمِينَ ، وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى: } أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ،
أَمِ ارْتَابُوا، أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ، بَلْ
أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ، إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا
إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا
وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ { أسْأَلُ اَللَّهَ U
أَنْ يَجْعَلَنَاْ جَمِيْعَاً مِنْ اَلْمُفْلِحِينَ اَلَّذِيْنَ لَهُمْ اَلْبُشْرَى
فِي اَلْحَيَاْةِ اَلْدُّنْيَا وَفِيْ اَلْآخِرَةِ .
أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ
:
} وَالَّذِينَ اِجْتَنَبُوْا
اَلْطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا، وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ، لَهُمُ الْبُشْرَى
فَبَشِّرْ عِبَادِ. الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ،
أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ، وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ { .
بَارَكَ اللَّهُ لِي
وَلَكَمَ بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنْ
الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهُ
لِي وَلَكَمَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمِ.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ عَلَىْ إِحْسَاْنِهِ ، وَالْشُّكْرُ لَهُ عَلَىْ
تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَاْنِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَاْ إِلَهَ إِلَّاْ اللهُ ،
وَحْدَهُ لَاْ شَرِيْكَ لَهُ تَعْظِيْمَاً لِشَأْنِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ
مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ الْدَّاْعِيْ إِلَىْ رِضْوَاْنِهِ صَلَّى اللهُ
عَلِيْهِ وَعَلَىْ آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيْمَاً كَثِيْرَاً .
أَمَّاْ بَعْدُ ، أَيُّهَا الإِخْوَةُ :
اَلْمُؤْمِنُ اَلَّذِيْ
غَمْرَ اَلْإِيْمَاْنُ قَلْبَهُ، إِذَاْ سَمِعَ كَلَاْمَ اَللَّهِ U
أَذْعَنَ لَهُ، وَعَمِلَ بِمُقْتَضَاْهُ، لَاْ يَبْحَثُ عَنْ اَلْحُجَجِ اَلْوَاْهِيَةِ،
وَلَاْ يَلْتَمِسُ اَلْمَخَاْرِجَ اَلْمَسْدُودَةَ ، جَاْءَ أَعْرَاْبِيٌّ إِلَىْ
اَلْنَّبِيِّ e فَأَسْلَمَ ، فَأَمَرَ اَلْنَّبِيُّ e أَحَدَ اَلْصَّحَاْبَةِ أَنْ يُعَلِمَهُ شَيْئًا مِنْ اَلْقُرْآنِ،
فَقَرَأَ عَلَيْهِ سُورَةَ اَلْزَّلْزَلَةِ ، فَلَمَّاْ خَتَمَهَاْ، وَأَرَادَ أَنْ
يَنْتَقِلَ بِهِ إِلَىْ سُورَةٍ أُخْرَىْ، قَالَ اَلْأَعْرَاْبِيُّ: كَفَتْنِي اَلْذَّرَّتَاْنِ،
يُشِيرُ إِلَىْ قَوْلِهِ تَعَالَى: } فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ
ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ { ، فَاكْتَفَىْ بِهَذِهِ اَلْسُّوْرَةِ.
وَهَكَذَاْ هُمْ أَهْلُ اَلْإِيمَاْنِ، يَكْتَفُوْنَ بِاَلْدَّلِيْلِ وَلَوْ كَانَ
آيَةً وَاْحِدَةً ، أَوْ سُورَةً وَاْحِدَةً ، يَقُوْلُ اَلْشَّاْفِعِيُّ عَنْ
سُورَةِ اَلْعَصْرِ: لَوْ مَاْ أَنْزَلَ اَللَّهُ عَلَىْ اَلْنَّاْسِ إِلَّاْ
هَذِهِ اَلْسُّورَةِ لَكَفَتْهُمْ .
أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ :
مِنْ اَلْنَّاْسِ مَنْ
يَتَبَيَّنْ لَهُ اَلْحَقُّ، وَلَكِنَّهُ لَاْ يَقْبَلُهُ، وَهَذَاْ هُوَ اَلْكِبْرُ
اَلَّذِيْ لَاْ يَدْخُلُ صَاْحِبُهُ اَلْجَنَّةَ، كَمَاْ قَاْلَ اَلْنَّبِيُّ e فِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ: (( لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ
ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ )) قَالَ رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ
يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً، قَالَ e:
(( إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ
الْجَمَالَ ، الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ ، وَغَمْطُ النَّاسِ ))، وَمَعْنَىْ
بَطَرِ اَلْحَقِّ : أَيْ رَدُّ اَلْحَقِّ ، وَغَمْطِ اَلْنَّاْسِ : أَيْ اِحْتِقَاْرُ
اَلْنَّاْسِ. فَحَرِيُّ بِالْمُسْلِمِ - أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ- أَنْ يَتَّبِعَ اَلْدَّلِيْلَ،
وَأَنْ يَحْذَرَ مِنْ رَدِّهِ أَوْ اَلْإِعْرَاْضِ عَنْهُ .
أَلَاْ وَصَلُّوْا عَلَىْ اَلْبَشِيْرِ اَلْنَّذِيْرِ ،
وَاَلْسِّرَاْجِ اَلْمُنِيْرِ ، فَقَدْ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ اَلْلَّطِيْفُ
اَلْخَبِيْرُ ، فَقَاْلَ جَلَّ مِنْ قَاْئِلٍ عَلِيْمَاً : } إِنَّ اللَّهَ
وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا { وَفِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ ، يَقُوْلُ e
: (( مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً
وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا )) ، فَاَلْلَّهُمَّ
صَلِيْ وَسَلِّمْ وَزِدْ وَبَاْرَكْ عَلَىْ نَبِيِّنَاْ مُحَمَّدٍ ، وَعَلَىْ
آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ أَجْمَعِيْنَ ، وَاَرْضَ اَلْلَّهُمَّ عَنِ
اَلْتَّاْبِعِيْنَ وَتَاْبِعِيْ اَلْتَّاْبِعِيْنَ ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ
بِإِحْسَاْنٍ إِلَىْ يَوْمِ اَلْدِّيْنِ ، وَعَنَّاْ مَعَهُمْ بِعَفْوِكَ
وَكَرَمِكَ وَجُوْدِكَ وَرَحْمَتِكَ يَاْ أَرْحَمَ اَلْرَّاْحِمِيْن .
اَلْلَّهُمَّ إِنَّاْ نَسْأَلُكَ نَصْرَ اَلْإِسْلَاْمِ وَعِزَّ اَلْمُسْلِمِيْنَ
، اَلْلَّهُمَّ أَعِزَّ اَلْإِسْلَاْمَ وَاَنْصُرَ اَلْمُسْلِمِيْنَ ، وَاَحْمِيْ
حَوْزَةَ اَلْدِّيْنَ ، وَاَجْعَلْ بَلَدَنَاْ آمِنَاً مُطْمَئِنَاً وَسَاْئِرَ
بِلَاْدِ اَلْمُسْلِمِيْنَ . اَلْلَّهُمَّ اَحْفَظْ لَنَاْ أَمْنَنَاْ ،
وَوُلَاْةَ أَمْرِنَاْ ، وَعُلَمَاْءَنَاْ وَدُعَاْتَنَاْ ، اَلْلَّهُمَّ
جَنِّبْنَاْ اَلْفِتَنَ ، مَاْ ظَهَرَ مِنْهَاْ وَمَاْ بَطَنَ ، بِرَحْمَتِكَ يَاْ
أَرْحَمَ اَلْرَّاْحِمِيْنَ .
اَلْلَّهُمَّ مَنْ أَرَاْدَنَاْ أَوْ أَرَاْدَ بِلَاْدَنَاْ
أَوْ شَبَاْبَنَاْ أَوْ نِسَاْءَنَاْ بِسُوْءٍ ، اَلْلَّهُمَّ فَأَشْغِلْهُ
بِنَفْسِهِ ، وَاَجْعَلْ كَيْدَهُ فِيْ نَحْرِهِ ، وَاَجْعَلْ تَدْبِيْرَهُ
سَبَبَاً لِتَدْمِيْرِهِ يَاْقَوُيَّ يَاْ عَزِيْز . اَلْلَّهُمَّ إِنَّاْ
نَسْأَلُكَ وَأَنْتَ فِيْ عَلْيَاْئِكَ ، وَأَنْتَ اَلْغَنِيُّ وَنَحْنُ
اَلْفُقَرَاْءُ إِلَيْكَ ، أَنْ تُغِيْثَ قُلُوْبَنَاْ بِاَلْإِيْمَاْنِ ،
وَبِلَاْدَنَاْ بِاَلْأَمْطَاْرِ ، اَلْلَّهُمَّ أَغِثْنَاْ ، اَلْلَّهُمَّ
أَغِثْنَاْ ، اَلْلَّهُمَّ أَغِثْنَاْ ، اَلْلَّهُمَّ أَسْقِنَاْ اَلْغَيْثَ
وَلَاْ تَجْعَلْنَاْ مِنْ اَلْقَاْنِطِيْنَ ، اَلْلَّهُمَّ اَسْقِنَاْ غَيْثَاً
مُغِيْثَاً هَنِيْئَاً مَرِيْعَاً سَحَّاً غَدَقَاً مُجَلِّلَاً نَاْفِعَاً غَيْرَ
ضَاْرٍ ، عَاْجِلَاً غَيْرَ آجِلٍ ، غَيْثَاً تُغِيْثُ بِهِ اَلْبِلَاْدَ
وَاَلْعِبَاْدَ ، اَلْلَّهُمَّ اَسْقِ بِلَاْدَكَ وَعِبَاْدَكَ وَبَهَاْئِمَكَ ،
بِرَحْمَتِكَ يَاْ أَرْحَمَ اَلْرَّاْحِمِيْنَ .
} رَبَّنَا آتِنَا فِي
الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ {
عِبَاْدَ اَللهِ :
} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ
بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ ، وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى ، وَيَنْهَى عَنِ
الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ ، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { .
فَاذْكُرُوا
اللهَ العَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوهُ عَلَى وَافِرِ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ
وَلَذِكْرُ اللهِ أَكبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُون .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ عبيد الطوياوي تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=120 |