اَلْصَّوَاْبُ فِيْ تَعْزِيَةِ اَلْمُصَاْبِ
} اَلْحَمْدُ
لِلَّهِ، اَلَّذِيْ لَهُ مَاْ فِيْ اَلْسَّمَاْوَاْتِ وَمَاْ فِيْ اَلْأَرْضِ ، وَلَهُ
اَلْحَمْدُ فِيْ اَلْآخِرَةِ، وَهُوَ اَلْحَكِيْمُ اَلْخَبِيْرُ {، أَحْمَدُهُ حَمْدَاً يَلِيْقُ بِكَرِيْمِ وَجْهِهِ وَعَظِيْمِ سُلْطَاْنِهِ
، } يَقْضِي
بِالْحَقِّ ، وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ، إِنَّ
اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ { .
وَأَشْهَدُ أَنْ لَاْ إِلَهَ
إِلَّاْ اَللهُ وَحْدَهُ لَاْ شَرِيْكَ لَهُ } لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ
الْمَصِيرُ {
، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ، وَصَفِيُّهُ وَخَلِيْلُهُ
،اَلْبَشِيْرُ اَلْنَّذِيْرُ، وَاَلْسِّرَاْجُ اَلْمُنِيْرُ ، صَلَّىْ اَللهُ عَلَيْهِ
، وَعَلَىْ آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ ،
وَسَلَّمَ تَسْلِيْمَاً كَثِيْرَاً إِلَىْ يَوْمِ اَلْدِّيْنِ .
أَمَّا بَعْدُ ، فَيَا عِبَادَ اللَّهِ :
تَقْوَىْ اَللهِ U، وَصِيَّتُهُ سُبْحَاْنَهُ لِعِبَاْدِهِ، يَقُوْلُ U
فِيْ كِتَاْبِهِ: } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا
الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ
{ ، فَلْنَتَّقِ اَللهَ ـ أَحِبَتِيْ فِيْ اَللهِ ـ جَعَلَنِيْ
اَللهُ وَإِيَّاْكُمْ مِنْ عِبَاْدِهِ اَلْمُتَّقِيْنَ .
أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ اَلْمُؤْمِنُوْنَ :
اَلْاِبْتِلَاْءُ سُنَّةٌ
مِنْ سُنَنِ هَذِهِ اَلْحَيَاْةِ، كَمَاْ قَاْلَ تَبَاْرَكَ وَتَعَاْلَىْ: } كُلُّ
نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً
وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ {، وَمِنْ أَنْوَاْعِ اَلْاِبْتِلَاْءِ، اَلَّذِيْ يَبْتَلِيْ اَللهُ
U بِهِ عِبَاْدَهُ، فَقْدُ مَنْ يُحِبُّوْنَ، يَقُوْلُ
e فِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْحَسَنِ اَلْصَّحِيْحِ: (( مَا يَزَالُ البَلَاءُ بِالمُؤْمِنِ
وَالمُؤْمِنَةِ ، فِي نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَمَالِهِ، حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ
وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ )) يَعْنِيْ يُكَفِّرُ اَللهُ U ذُنُوْبَهُ .
فَفَقْدُ اَلْأَحْبَاْبِ مِنْ اَلْأَهْلِ وَاَلْأَقَاْرِبِ
؛ اِبْتِلَاْءٌ مِنْ اَللهِ U، يَبْتَلِيْ بِهِ بَعْضَ عِبَاْدِهِ، لِيُكَفِّرَ
بِهِ مِنْ خَطَاْيَاْهُمْ، وَيَمْحُوْ بِهِ مِنْ سِيِّئَاْتِهِمْ، فَفِيْ اَلْحَدِيْثِ
اَلْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ ، يَقُوْلُ e: (( مَا يُصِيبُ
الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ )) أَيْ تَعَب، (( وَلَا وَصَبٍ )) أَيْ مَرَض ، (( وَلَا هَمٍّ وَلَا حَزَنٍ ، وَلَا
أَذًى وَلَا غَمٍّ ، حَتَّى الشَّوْكَةَ يُشَاكُهَا ، إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ
بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ )) . فَاَلْاِبْتِلَاْءُ لِلْمُسْلِمِ كَفَّاْرَةٌ
- أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ - وَلَكِنْ يَنْبَغِيْ لَهُ أَنْ يَسْأَلَ اَللهَ
اَلْعَاْفِيَةَ .
أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ :
وَهَذَاْ اَلْاِبْتِلَاْءُ
حِيْنَمَاْ يَنْزُلُ أَحْيَاْنَاً، يَكُوْنُ شَدِيْدَ اَلْوَقْع ، فَيُصْدَمُ اَلْمُسْلِمُ
وَ يَذْهَلُ وَيَنْسَىْ مَاْ يَنْبَغِيْ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ، كَمَاْ فِيْ قِصَّةِ
اَلْمَرْأَةِ اَلَّتِيْ مَرَّ بِهَاْ اَلْنَّبِيُّ e؛ وَهِيَ تَبْكِيْ عِنْدَ قَبْرٍ، فَقَاْلَ لَهَاْ كَمَاْ فِيْ
اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ: (( اتَّقِيْ
اللهَ وَاصْبِرِي )). قَالَتْ: إِلَيْكَ عَنِّي ؛ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَبْ
بِمُصِيْبَتِي - وَلَمْ تَعْرِفْهُ -، فَقِيْلَ لَهَا: إِنَّهُ النَّبِيُّ e.
فَأَتَتْ بَابَ النَّبِيِّ e ؛ فَلَمْ تَجِدْ عِنْدَهُ بَوَّابِيْنَ ،
فَقَالَتْ: لَمْ أَعْرِفْكَ ، فَقَالَ e: (( إِنَّمَا
الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُوْلَى )) .
فَأَحْيَاْنَاً يَحْتَاْجُ
اَلْمُسْلِمُ اَلْمُبْتَلَىْ بِاَلْمُصِيْبَةِ، إِلَىْ مَنْ يَقِفْ بِجَاْنِبِهِ مِنْ
إِخْوَاْنِهِ، وَيَحُثُّهُ عَلَىْ اَلْصَّبْرِ، وَيُذَكِّرُهُ بِاَلْأَجْرِ، وِلِذَلِكَ
شُرِعَتْ اَلْتَّعْزِيَةُ، وَجُعِلَتْ عِبَاْدَةٌ يُتَقَرَّبُ بِهَاْ إِلْىَ اَللهِ
U.
أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ :
عِنْدَمَا نَتَأَمَّلُ
فِي حَالِ النَّاسِ فِي مُجْتَمَعِنَا اَلْيَوْمَ نَجِدُ الِاهْتِمَامَ الْبَالِغَ
فِي شَأْنِ التَّعْزِيَةِ، وَهَذَاْ أَمْرٌ يُحْمَدُوْنَ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ
كَثِيرٌ مِنْ الْمُهْتَمِّينَ فِي هَذَا الْجَانِبِ، يَجْهَلُونَ آدَابَ
التَّعْزِيَةِ، وَلَاْ يَعْرِفُوْنَ أَحْكَاْمَهَاْ، حَتَّى أَنَّ بَعْضَهُمْ
صَارَتْ عِنْدَهُ مُجَرَّدَ عَاْدَةٍ اِجْتِمَاْعِيَّةٍ .
يُوجَدُ -أَيُّهَا الْإِخُوَّةُ- مِنْ النَّاسِ
مَنْ يَحْرِصْ عَلَى التَّعْزِيَةِ، فَمَا يَسْمَعُ بِمَيِّتٍ مَاتَ، إِلَّا
وَيُبَادِرُ إِلَى تَعْزِيَةِ أَهْلِهِ، وَالذَّهَابُ إِلَيْهِمْ فِي بَيْتِهِمْ
الَّذِي اجْتَمَعُوا فِيهِ لِلْعَزَاءِ، وَفِي الْوَقْتِ نَفْسِهِ تَجِدْهُ أَبْعَدَ
اَلْنَّاْسِ عَنْ اَلْدِّيْنِ، وَأَتْرَكَهُمْ لِسُنَّةِ سَيِّدِ
اَلْمُرْسَلَيْنَ ، فَلَوْ كَاْنِتِ اَلْتَّعْزِيَةُ عِنْدَهُ عِبَاْدَةً
لَاِهْتَمَّ بِمَاْ هُوَ أَوْجَبُ وَآكَدُ مِنْهَاْ، وَلَكِنَّهَاْ مُجَرَّدُ
عَاْدَةٍ اِعْتَاْدَهَاْ .
فَاَلتَّعْزِيَةُ
جَعَلَهَا كَثِيرٌ مِنْ اَلْنَّاْسِ كَاَلْعَادَةِ ، وَبَعْضُهُمْ يَعْتَبِرُهَا
كَالْمُكَافَأَةِ ، فَيَذْهَبُ إِلَى آلِ فُلَانٍ لِأَنَّهُمْ جَاءُوا إِلَيْهِ
وَهَكَذَا .
اَلْتَّعْزِيَةُ -أَيُّهَا
الْإِخُوَّةُ- لَيْسَتْ عَادَةً، إِنَّمَا هِيَ عِبَادَةٌ، هِيَ سَنَةٌ
ثَابِتَةٌ عَنْ النَّبِيِّ e ، فَعَلَهَا بِنَفْسِه، وَحَثَّ عَلَيْهَا
أَصْحَابَهُ وَأُمَّتَهُ، فَفِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ
قُرَّةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ e
إِذَا جَلَسَ، يَجْلِسُ إِلَيْهِ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَفِيهِمْ رَجُلٌ لَهُ
ابْنٌ صَغِيرٌ، يَأْتِيهِ مِنْ خَلْفِ ظَهْرِهِ، فَيُقْعِدُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ ،
فَهَلَكَ ، فَامْتَنَعَ الرَّجُلُ أَنْ يَحْضُرَ الْحَلْقَةَ لِذِكْرِ ابْنِهِ،
فَحَزِنَ عَلَيْهِ، فَفَقَدَهُ النَّبِيُّ e ، فَقَالَ: (( مَالِي لَا أَرَى فُلَانًا ؟ )) . قَالُوا: يَا
رَسُولَ اللَّهِ ، بُنَيُّهُ الَّذِي رَأَيْتَهُ هَلَكَ، فَلَقِيَهُ النَّبِيُّ e فَسَأَلَهُ عَنْ بُنَيِّهِ ، فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ هَلَكَ ، فَعَزَّاهُ
عَلَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ : (( يَا
فُلَانُ ، أَيُّمَا كَانَ أَحَبُّ إِلَيْكَ ، أَنْ تَمَتَّعَ بِهِ عُمُرَكَ ، أَوْ
لَا تَأْتِي غَدًا إِلَى بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ ، إِلَّا وَجَدْتَهُ
قَدْ سَبَقَكَ إِلَيْهِ يَفْتَحُهُ لَكَ ))، قَالَ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ،
بَلْ يَسْبِقُنِي إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ، فَيَفْتَحُهَا لِي ، لَهُوَ أَحَبُّ
إِلَيَّ، قَالَ: (( فَذَاكَ لَكَ ))
. وَفِيْ رِوَاْيَةٍ: فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ : جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ؛ أَلْهُ خَاصَّةً أَوْ لِكُلِّنَا ؟ قَالَ
: (( بَلْ لِكُلِّكُمْ )) .
وَاَلشَّاهِدُ:
فَعَزَاهُ عَلَيْهِ ، فَالتَّعْزِيَةُ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ e
، بَلْ حَثَّ عَلَيْهَا أُمَّتَهُ ، وَرَغِبَهُمْ فِيهَا ، وَوَعَدَ مِنْ قَامَ
بِهَا بِالْأَجْرِ الْكَثِيرِ، كَمَا فِي اَلْحَدِيْثِ اَلْحَسَنِ ، عَنْ أِنْسِ
بْن مَالِكِ t ، عَنْ النَّبِيِّ e
قَالَ: (( مَنْ عَزَّى أَخَاهُ
الْمُؤْمِنَ فِي مُصِيبَةٍ ، كَسَاهُ اللَّهُ حُلَّةً خَضْرَاءَ ، يُحَبِّرُ بِهَا
يَوْمَ الْقِيَامَةِ )) قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا يُحَبِّرُ ؟ قَالَ :
(( يُغْبَطُ )) .
أَيُّهَا الْأُخُوَّةُ :
وَاَلْتَّعْزِيَةُ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ
الْمُسْلِمِ عَلَى إِخْوَانِهِ، فَالْأُخُوَّةُ الصَّحِيحَةُ، تَكُونُ فِي حَالِ
الشِّدَّةِ ، كَمَا هِيَ فِي حَالِ الرَّخَاءِ ، وَلَنَا فِي رَسُولِ اللَّهِ e أُسْوَةٌ وَقُدْوَةٌ ، فَفِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ ؛ عَنْ بُرَيْدَةَ
عَنْ أَبِيْهِ قَاْلَ: كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيّ e ؛ فَبَلَغَهُ أَنَّ اِمْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ مَاتَ ابْنٌ
لَهَا ، فَحَزِنَتْ عَلَيْهِ ، فَقَامَ نَبِيُّ اللَّهِ e وَمَعَهُ أَصْحَابُهُ، فَلَمَّا بَلَغَ بَابَ الْمَرْأَةِ، قِيلَ
لِلْمَرْأَةِ: إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ e، يُرِيدُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهَا يُعَزِّيهَا،
فَدَخَلَ رَسُولِ اللَّهِ e فَقَالَ: (( أَمَا إِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّكِ جَزِعْتِ عَلَى اِبْنَكِ
)) ، فَقَاْلَتْ يَاْنَبِيَّ اَللهِ! وَمَاْلَيْ لَاْ أَجْزَعُ، وَأَنَاْ
رَقُوبٌ لَاْ يَعِيشُ لِيْ وَلَدٌ . فَقَاْلَ رَسُولُ اللَّهِ e:
(( إِنَّمَا الرَّقُوبُ الَّذِي
يَعِيشُ وَلَدُهَا . إِنَّهُ لَاْ يَمُوْتُ لِاِمْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ ، أَوْ اِمْرِىْءٍ
مُسْلِمٍ نَسَمَةً ))، أَوْ قَالَ : (( ثَلاثَةً مِنَ الْوَلَدِ ، فَيَحْتَسِبَهُمْ ، إلاَّ
وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ ))، فَقَالَ عُمَرt ، وهُو عَلَى يَمِينِ رَسُولِ
اللَّهِ e : بِأَبِي وَأُمِّي ، وَاثْنَيْنِ
؟ قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ e : ((
وَاِثْنَيْنِ )) .
فَالتَّعْزِيَةُ - أَيُّهَا
الْإِخْوَةُ - سُنَّةٌ ثَاْبِتَةٌ، وَعِبَادَةٌ عَظِيمَةٌ .
أَسْأَلُ
اَللَّهَ أَنْ يُعِينَنَا عَلَى ذِكْرِهِ وَشُكْرِهِ وَحُسْنِ عِبَادَتِهِ إِنَّهُ
سَمِيعٌ مُجِيبٌ. أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهُ لِي وَلَكَمَ مِنْ
كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمِ .
اَلْخُطْبَةُ اَلْثَّاْنِيَةُ
اَلْحَمْدُ
لِلهِ عَلَىْ إِحْسَاْنَهُ ، وَاَلْشُّكْرُ لَهُ عَلَىْ تَوْفِيْقِهِ
وَاَمْتِنَاْنِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَاْ إِلَهَ إِلَّاْ اَللهُ وَحْدَهُ
لَاْشَرِيْكَ لَهُ تَعْظِيْمَاً لِشَأْنِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً
عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ اَلْدَّاْعِيْ إِلَىْ رِضْوَاْنِهِ ، صَلَّىْ اَللهُ
عَلَيْهِ ، وَعَلَىْ آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ ، وَسَلَّمَ تَسْلِيْمَاً كَثِيْرَاً .
أَمَّاْ بَعْدُ ، فَيَاْ عِبَاْدَ اَللهِ :
وَبِمَا أَنَّ
التَّعْزِيَةَ عِبَادَةٌ دَلَّتْ عَلَيْهَا اَلْسُّنَّةُ، وَفَعَلَهَاْ قِدْوَةُ
اَلْأُمَّةِ e، فَإِنَّهُ لَاْ بُدَّ أَنْ يَتَوَفَّرَ فِيْهَاْ اَلْإِخْلَاْصُ
وَاَلْمُتَاْبَعَةُ، اَلْإِخْلَاْصُ للهِ U، وَاَلْمُتَاْبَعَةُ لِلْنَّبِيِّ e ، وَمَنْ فَقَدَ اَلْإِخْلَاْصَ وَقَعَ فِيْ اَلْشِّرْكِ ، وَمَنْ
تَرَكَ اَلْمُتَاْبَعَةَ وَقَعَ بِاَلْبِدْعَةِ نَسْأَلُ اَللهَ اَلْسَّلَاْمَةَ
وَاَلْعَاْفِيَةَ .
وَاَلَّذِيْ يَسْتَقْرِيْ
اَلْنُّصُوصَ، وَيَطَّلِعُ عَلَى الْأَدِلَّةِ ، يَجِدُ أَنَّ التَّعْزِيَةَ
لَيْسَ لَهَا وَقْتٌ مُعَيَّنٌ، إِنَّمَا هِيَ مِنْ حِينِ يَمُوتُ الْمَيِّتُ
إِلَى أَنْ يُدْفَنَ وَبَعْدَ اَلْدَّفْنِ ، وَكَذَلِكَ لَيْسَ لَهَا مَكَانٌ
مُعَيَّنٌ ، إِنَّمَا يُعَزِّي الْمُسْلِمُ أَخَاهُ فِي أَيِّ وَقْتٍ ، وَفِي
أَيِّ مَكَانِ سَوَاءٍ فِي الْمَقْبَرَةِ أَوْ فِي الطَّرِيقِ أَوْ فِي
الْمَسْجِدِ أَوْ فِي الْبَيْتِ أَوْ فِي أَيِّ مَكَانٍ يَلْقَاهُ فِيهِ. وَقَدْ
حَذَّرَ الْعُلَمَاءُ أَيُّهَا الْأُخُوَّةُ مِنْ بَعْضِ مَا أُحْدَثَ فِي هَذِهِ
الْعِبَادَةِ، وَلَعَلِّي أَنْقُلُ مَا قِيلَ نَصًّا لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي
التَّأْثِيرِ وَاسْأَلْ اللَّهَ أَنْ يَجِدَ آذَانًا صَاغِيَةً وَقُلُوبًا
وَاعِيَةً .
يَقُوْلُ اِبْنُ اَلْقَيِّمِ
اَلْجَوْزِيَّةِ رَحِمَهُ اَللهُ: وَكَاْنَ مِنْ هَدْيِهِ e
تَعْزِيَةُ أَهْلِ اَلْمَيِّتِ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ هَدْيِّهِ أَنْ يُجْتَمَعَ لِلْعَزَاْءِ،
وَيُقْرَأَ لَهُ اَلْقُرَّآنُ، لَاْ عِنْدَ قَبْرِهِ وَلَاْ غَيْرِهِ، وَكُلُّ هَذَاْ
بِدْعَةٌ حَاْدِثَةٌ مَكْرُوْهَةٌ .
وَيَقُوْلُ اَلْشِّيْخُ
مُحَمَّدُ نَاْصِرُ اَلْدِّيْنِ اَلْأَلْبَاْنِيُّ رَحِمَهُ اَللهُ: وَيَنْبَغِيْ
اِجْتِنَاْبُ أَمْرِيْنٍ وَإِنْ تَتَاْبَعَ اَلْنَّاْسُ عَلَيْهِمَاْ: اَلْأَوْلُ
: اَلْاِجْتِمَاْعُ لِلْتَّعْزِيَةِ فِيْ مَكَاْنٍ خَاْصٍ كَاَلْدَّاْرِ أَوْ اَلْمَقْبَرَةِ
أَوْ اَلْمَسْجِد .
اَلْثَّاْنِيْ : اِتِّخَاْذُ
أَهْلِ اَلْمَيِّتِ اَلْطَّعَاْمَ لِضِيَاْفَةِ اَلْوَاْرِدِيْنَ لِلْعَزَاْءِ . وَذَلِكَ
لِحَدِيْثِ جَرِيْرِ بِنِ عَبْدِ اللهِ اَلْبُجَلَيْ t قَاْلَ: كُنَّاْ نَعُدُّ اَلْاِجْتِمَاْعَ إِلَىْ أَهْلِ اَلْمَيِّتِ
وَصَنِيْعَةَ اَلْطَّعَاْمِ بَعْدَ دَفْنِهِ مِنْ اَلْنِّيَاْحَةِ.
وَاَلْمَقْصُوْدُ بِاَلْطَّعَاْمِ
- أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ - هُوَ أَنْ يَقُوْمَ أَهْلُ اَلْمَيِّتِ بِصُنْعِ اَلْطَّعَاْمِ
لِمَنْ يَفِدُ إِلَيْهِمْ، فَهَذَاْ لَاْ يَجُوْزُ، أَمَّاْ أَنْ يَأْتِيْ اَلْجِيْرَاْنُ
بِاَلْطَّعَاْمِ لِأَهْلِ اَلْمَيِّتِ فَهَذَاْ مِنْ اَلْسُّنَّةِ .
وَقَاْلَتْ اَلْلَّجْنَةُ
اَلْدَّاْئِمَةُ لِلْإِفْتِاَءْ بِاَلْمَمْلَكَةِ: تَعْزِيَةُ اَلْمُصَاْبِ مَشْرُوْعَةٌ،
وَهَذَاْ لَاْ إِشْكَاْلَ فِيْهِ، وَأَمَّاْ تَخْصِيْصُ وَقْتٍ مُعَيَّنٍ لِقَبُوْلِ
اَلْعَزَاْءِ وَجَعْلُهُ ثَلَاْثَةَ أَيَّاْمٍ فَهَذَاْ مِنْ اَلْبِدَعِ ، وَقَدْ
ثَبَتَ عَنْ رَسُوْلِ اَللهِ e أَنَّهُ قَاْلَ : ((
مَنْ عَمِلَ عَمَلَاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَاْ فَهُوَ رَدٌّ )) ، وَقَاْلَ اَلْشَّيْخُ مُحَمَّدُ بِنُ
عُثَيْمِيْنَ ـ رَحِمَهُ اَللهُ ـ : إِنَّ اِجْتِمَاْعَ أَهْلِ اَلْمَيِّتِ لِاِسْتِقْبَاْلِ
اَلْمُعَزِّيْنَ هُوَ أَيْضَاً مِنْ اَلْأُمُوْرِ اَلَّتِيْ لَمْ تَكُنْ مَعْرُوْفَةً
حَتَّىْ أَنْ بَعْضَ اَلْعُلَمَاْءِ قَاْلَ إِنَّهُ بِدْعَةٌ ، وَلِهَذَاْ لَاْ نَرَىْ
أَنَّ أَهْلَ اَلْمَيِّتِ يَجْتَمِعُوْنَ لِتَلَقِّيْ اَلْعَزَاْءِ بَلْ يُغْلِقُوْنَ
أَبْوَاْبَهُمْ وَإِذَاْ قَاْبَلَهُمْ أَحَدٌ فِيْ اَلْسُّوْقِ أَوْ جَاْءَ أَحَدٌ
مِنْ مَعَاْرِفِهِمْ دُوْنَ أَنْ يُعِدُّوْ لِهَذَاْ اَلْلِقَاْءِ عُدَّتَهُ فَإِنَّ
هَذَاْ لَاْ بَأْسَ فِيْهِ.
أَمَّاْ اِسْتِقْبَاْلُ
اَلْنَّاْسِ فِهَذَاْ لَمْ يَكُنْ مَعْرُوْفَاً عَلَىْ عَهْدِ اَلْنَّبِيِّ e
حَتَّىْ كَاْنَ اَلْصَّحَاْبَةُ يَعُدُّوْنَ اِجْتِمَاْعَ أَهْلِ اَلْمَيِّتِ وَصُنْعَ
اَلْطَّعَاْمِ مِنْ اَلْنِيَاْحَةِ .
وَسُئِلَ رَحِمَهُ اَللهُ
سُؤَاْلَاً قَدْ يَتَبَاْدَرُ مِثْلُهُ إِلَىْ أَذْهَاْنِ بَعْضِكُمْ ، قَاْلَ اَلْسَّاْئِلُ:
مَسْأَلَةُ اَلْعَزَاْءِ وَاَلْاِجْتِمَاْعِ عَلَيْهِ ، بَعْضُ اَلْنَّاْسِ لَوْ كَلَّمْنَاْهُمْ
فِيْ هَذَاْ يَقُوْلُ : نَحْنُ نَفْعَلُ هَذَاْ وَلَاْ نَقْصِدُ بِهِ اَلْتَّعَبُّدَ
إِنَّمَاْ نَقْصْدُ بِهِ اَلْعَاْدَةَ . كَيْفَ اَلْرَّدُّ عَلَيْهِمْ ؟
قَاْلَ رَحِمَهُ اَللهُ:
اَلْجَوَاْبُ عَلَىْ هَذَاْ أَنَّ اَلْتَّعْزِيَةَ سُنَّةٌ ، وَاَلْتَّعْزِيَةُ مِنْ
اَلْعِبَاْدَةِ ، فَإِذَاْ صِيْغَتِ اَلْعِبَاْدَةُ عَلَىْ هَذَاْ اَلْوَجْهِ اَلَّذِيْ
لَمْ يَكُنْ مَعْرُوْفَاً فِيْ عَهْدِ اَلْرَّسُوْلِ e صَاْرَتْ بِدْعَة ، وَلِهَذَاْ جَاْءَ اَلْثَّوَاْبُ فِيْ فَضْلِ
مَنْ عَزَّىْ اَلْمُصَاْبَ ، وَاَلْثَّوَاْبُ لَاْ يَكُوْنُ إِلَّاْ عَلَىْ اَلْعِبَاْدَاْتِ
.
وَأَخِيْرَاً -
أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ - قَاْلَ فَضِيْلَةُ
اَلْشِّيْخِ صَاْلِحُ اَلْفَوْزَاْن، عُضْوُ هَيْئَةِ كِبَاْرِ اَلْعُلَمَاْءِ ، لَاْ
يَنْبَغِيْ اَلْجُلُوْسُ لِلْعَزَاْءِ وَاَلْإِعْلَاْنُ عَنْ ذَلِكَ كَمَاْ يَفْعَلُ
بَعْضُ اَلْنَّاْسِ اَلْيَوْمَ .
فَلْنَتَّقِ اَللهَ فِيْ
هَذَهِ اَلْعِبَاْدَةِ اَلْعَظِيْمَةِ ، وَلْنَجْعَلْهَاْ كَمَاْ جَاْءَ عَنْ نَبِيِّنَاْ
e ، وَلْنَحْذَرِ اَلْاِبْتِدَاْعِ فَإِنَّ اَلْبِدْعَةَ شَرٌّ ، فَكُلُّ
بِدْعَةٍ ضَلَاْلَةٍ ، وَكُلُّ ضَلَاْلَةٍ فِيْ اَلْنِّاْرِ .
أَسْأَلُ
اَللهَ أَنْ يَرْزِقُنِيْ وَإِيَّاْكُمْ اَلْإِتِّبَاْعَ وَيُجَنِّبُنَاْ اَلْاِبْتِدَاْعَ
إِنَّهُ سَمِيْعٌ مُجِيْبٌ. اَلْلَّهُمَّ إِنَّاْ نَسْأَلُكَ اَلْفِقْهَ فِيْ اَلْدِّيْنِ
، وَاَلْتَّمَسُّكَ بِاَلْكِتَاْبِ اَلْمُبِيْنِ، وَاَلْعَمَلَ بِسُنَّةِ خَاْتَمِ
اَلْأَنْبِيَاْءِ وَإِمَاْمِ اَلْمُرْسَلِيْنَ بِرَحْمَتِكَ يَاْ أَرْحَمَ اَلْرَّاْحِمِيْنَ.
اَلْلَّهُمَّ إِنَّاْ نَسْأَلُكَ نَصْرَ اَلْإِسْلَاْمِ وَعِزَّ اَلْمُسْلِمِيْنَ،
اَلْلَّهُمَّ أَعِزَّ اَلْإِسْلَاْمَ وَاَنْصُرَ اَلْمُسْلِمِيْنَ، وَاَحْمِيْ حَوْزَةَ
اَلْدِّيْنَ، وَاَجْعَلْ بَلَدَنَاْ آمِنَاً مُطْمَئِنَاً وَسَاْئِرَ بِلَاْدِ
اَلْمُسْلِمِيْنَ. اَلْلَّهُمَّ اَحْفَظْ لَنَاْ أَمْنَنَاْ ، وَوُلَاْةَ
أَمْرِنَاْ ، وَعُلَمَاْءَنَاْ وَدُعَاْتَنَاْ ، اَلْلَّهُمَّ جَنِّبْنَاْ
اَلْفِتَنَ، مَاْ ظَهَرَ مِنْهَاْ وَمَاْ بَطَنَ ، بِرَحْمَتِكَ يَاْ أَرْحَمَ
اَلْرَّاْحِمِيْنَ .
اَلْلَّهُمَّ مَنْ أَرَاْدَنَاْ أَوْ
أَرَاْدَ بِلَاْدَنَاْ أَوْ شَبَاْبَنَاْ أَوْ نِسَاْءَنَاْ بِسُوْءٍ ،
اَلْلَّهُمَّ فَأَشْغِلْهُ بِنَفْسِهِ ، وَاَجْعَلْ كَيْدَهُ فِيْ نَحْرِهِ ،
وَاَجْعَلْ تَدْبِيْرَهُ سَبَبَاً لِتَدْمِيْرِهِ يَاْقَوُيَّ يَاْ عَزِيْز .
} رَبَّنَا آتِنَا فِي
الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ {
عِبَاْدَ
اَللهِ :
} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ ، وَإِيتَاءِ
ذِي الْقُرْبَى ، وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ ،
يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { .
فَاذْكُرُوا اللهَ العَظِيمَ
يَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوهُ عَلَى وَافِرِ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ
أَكبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُون .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ عبيد الطوياوي تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=120 |