بِاَلْدَّلِيْلِ خَطَرُ نُكْرَاْنِ
اَلْجَمِيْلِ
اَلْحَمْدُ للهِ اَلْعَزِيْزِ
اَلْغَفُوْرِ، وَلِيِّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى
النُّورِ، وَيَمْحُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ
بِذَاتِ الصُّدُورِ .
وَأَشْهَدُ أَنْ لَاْ
إِلَهَ إِلَّاْ اَللهُ وَحْدَهُ لَاْ شَرِيْكَ لَهُ، } لَا يُحِبُّ كُلَّ
خَوَّانٍ كَفُورٍ {.
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ، وَصَفِيُّهُ وَخَلِيْلُهُ، وَخِيْرَتُهُ
مِنْ خَلْقِهِ، صَلَّىْ اَللهُ عَلَيْهِ، وَعَلَىْ آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ،
وَسَلَّمَ تَسْلِيْمَاً كَثِيْرَاً.
أَمَّا بَعْدُ ، فَيَا عِبَادَ اللَّهِ :
تَقْوَىْ اَللهِ U وَصِيَّتُهُ سُبْحَاْنَهُ لِعِبَاْدِهِ، وَهِيَ خَيْرُ زَاْدٍ يَتَزَوَّدُ
بِهِ اَلْعَبْدُ فِيْ حَيَاْتِهِ لِمَعَاْدِهِ، يَقُوْلُ U
فِيْ كِتَاْبِهِ: } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا
الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ
{ وَيَقُوْلُ U مِنْ قَاْئِلٍ: } وَتَزَوَّدُوا
فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى { ، فَلْنَتَّقِ اَللهَ ـ أَحِبَتِيْ فِيْ اَللهِ
ـ جَعَلَنِيْ اَللهُ وَإِيَّاْكُمْ مِنْ عِبَاْدِهِ اَلْمُتَّقِيْنَ .
أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ اَلْمُؤْمِنُوْنَ :
مِنْ اَلْحِكَمِ
اَلَّتِيْ نَحْفَظُهَاْ ، وَيَتَمَثَّلُ بِهَاْ كَثِيْرٌ مِنَّاْ ، قَوْلُ
اَلْشَّاْعِرِ :
إِذَاْ أَنْتَ
أَكْرَمْتَ اَلْكَرِيْمَ مَلَكْتَهُ
وَإِنْ أَنْتَ
أَكْرَمْتَ اَلْلَّئِيْمَ تَمَرَّدَاْ
وَاَلْمَعْنَىْ: أَنَّ
اَلْنَّاْسَ فِيْهِمُ اَلْكَرِيْمُ وَفِيْهِمُ اَلْلَّئِيْمُ ، فِيْهِمُ مَنْ إِذَاْ
أَحْسَنَتَ إِلَيْهِ، شَكَرَكَ وَكَاْفَأَكَ بِاَلْاِعْتِرَاْفِ لَكَ بِجَمِيْلِكَ،
وَفِيْهِمُ مَنْ إِذَاْ أَحْسَنَتَ إِلَيْهِ وَاَنْتَهَتْ مَصْلَحَتُهُ، وَتَمَّتْ
فَاْئِدَتُهُ وَاَنْقَضَتْ حَاْجَتُهُ، تَمَرَّدَ عَلَيْكَ، وَقَاْبَلَ إِحْسَاْنَكَ
بِاَلْنُّكْرَاْنِ وَاَلْنِّسْيَاْنِ وَاَلْجَفَاْءِ ، وَمَاْ أَكْثَرَ هَؤُلَاْءِ
فِيْ هَذَاْ اَلْزَّمَاْنِ، وَهَذَاْ مَاْ يُعْرَفُ بِاَلْشَّرْعِ بِنُكْرَاْنِ اَلْجَمِيْلِ،
وَهُوَ مِنْ اَلْأَخْلَاْقِ اَلْذَّمِيْمَةِ ، وَاَلْصِّفَاْتِ اَلْسَّيِّئَةِ اَلْدَّنِيْئَةِ
، وَاَلْطِّبَاْعِ اَلْفَاْسِدَةِ اَلْرَّدِيْئَةِ ، اَلَّتِيْ لَاْ يُبْتَلَىْ بِهَاْ
إِلَّاْ ضِعَاْفُ اَلْإِيْمَاْنِ ، قَلِيْلُوْ اَلْتَّقْوَىْ .
اَلْمُؤْمِنُ اَلْتَّقِيُّ
ـ أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ ـ يَكُوْنُ وَفِيَّاً شَاْكِرَاً لِمَنْ أَحْسَنَ إِلَيْهِ،
يَحْفَظُ وُدَّهُ ، وَيَرْعَىْ حُرْمَتَهُ، وَلَاْ يَنْسَىْ مَعْرُوْفَهُ، يَبْقَىْ
عَلَىْ ذَلِكَ حَتَّىْ لَوْ طَاْلَ بِهِ اَلْزَّمَنُ، قِدْوَتُهُ فِيْ ذَلِكَ نَبِيُّهُ
e، فَقَدْ كَاْنَ ـ صَلَوَاْتُ رَبِيْ وَسَلَاْمُهُ عَلَيْهِ ـ عَظِيْمَ
اَلْوَفَاْءِ لِمَنْ أَحْسَنَ إِلَيْهِ، تَقُوْلُ عَاْئِشَةُ رضي الله عنها فِيْ اَلْحَدِيْثِ
اَلْصَّحِيْحِ: مَاْ غِرْتُ عَلَىْ أَحَدٍ مِنْ نِسَاْءِ اَلْنَّبِيِّ e
مَاْ غِرْتُ عَلَىْ خَدِيْجَةَ وَمَاْ رَأَيْتُهَاْ ، وَلَكِنْ كَاْنَ اَلْنَّبِيُّ
e يُكْثِرُ ذِكْرَهَاْ ، وَرُبَّمَاْ ذَبَحَ اَلْشَّاْةَ،
ثُمَّ يُقَطِّعُهَاْ أَعْضَاْءً ، ثُمَّ يَبْعَثُهَاْ فِي صَدَاْئِقِ خَدِيْجَةَ، فَرُبَّمَاْ
قُلْتُ لَهُ : كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِيْ اَلْدُّنْيَاْ اِمْرَأَةٌ إِلَّاْ
خَدِيجَةُ ؟ فَيَقُوْلُ: (( إِنَّهَاْ
كَاْنَتْ وَكَاْنَتْ ، وَكَاْنَ لِيْ مِنْهَاْ وَلَدٌ )) ، يُكْثِرُ e
مِنْ ذِكْرِ خَدِيْجَةَ ، وَيَصِلُ وَيَبِرُّ حَتَّىْ صَدِيْقَاْتِهَاْ ، لِمَعْرُوْفِهَاْ
وَنُصْرَتِهَاْ لِدَعْوَتِهِ ، وَمُؤَاْزَرِتِهَاْ لَهُ بِمَاْلِهَاْ وَجَاْهِهَاْ
وَرَأْيِهَاْ فِيْ بِدَاْيَةِ بِعْثَتِهِ ، بَلْ كَاْنَ e يَشْكُرُ حَتَّىْ مَنْ يُحْسِنُ إِلَىْ اَلْنَّاْسِ ، فَقَدْ أَعْتَقَ
اِبْنَةَ حَاْتَمَ اَلْطَّاْئِي ، مُكَاْفَأَةً لِإِحْسَاْنِ أَبِيْهَاْ وَفَضَاْئِلِهِ
عَلَىْ اَلْنَّاْسِ ، وَأَلْبَسَ اَلْمُنَاْفِقَ عَبْدَ اَللهِ بِنَ أَبَيٍّ، قَمِيْصَهُ
كَفَنَاً لَهُ مُكَاْفَأَةً لِمَعْرُوْفِهِ فِيْ إِعْطَاْئِهِ قَمِيْصَهُ لِعَمِّهِ
اَلْعَبَّاْس يَوْمَ أُسِرَ فِيْ بَدْرٍ، وَأَوْصَىْ بِاَلْإِحْسَاْنِ إِلَىْ اَلْأَنْصَاْرَ
وَاَلْتَّجَاْوُزِ عَنْ عَثَرَاْتِهِمْ مُقَاْبِلَ مَاْ بَذَلُوْهُ فِيْ نُصْرَةِ
اَلْدِّيْنِ وَاَلْإِحْسَاْنِ إِلَىْ اَلْمُهَاْجِرِيْنَ ، وَأَوْصَىْ بِأَهْلِ مِصْرَ
خَيْرَاً، لِنَسَبِهِ وَمُصَاْهَرَتِهِ لَهُمْ فِيْ مَاْرِيَةَ اَلْقُبْطِيَّة . فَنُكْرَاْنُ
اَلْجَمِيْلِ، صِفَةٌ رَذِيْلَةٌ لَيْسَتْ مِنْ صِفَاْتِ اَلَّذِيْنَ يُرِيْدُوْنَ
وَجْهَ اَللهِ وَاَلْدَّاْرَ اَلْآخِرَةِ ، إِنَّمَاْ هِيَ مِنْ صِفَاْتِ اَلْكُفَّاْرِ
جُحَّاْدِ اَلْنِّعَمَ ، يَقُوْلُ تَعَاْلَىْ: } وَاللَّهُ
جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا، وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ
بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا، يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ، وَمِنْ
أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ،
وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا، وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ
أَكْنَانًا، وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ، وَسَرَابِيلَ
تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ، كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ
تُسْلِمُونَ، فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ،
يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ { .
أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ :
نُكْرَاْنُ اَلْجَمَيْلِ،
صِفَةٌ قَبِيْحَةٌ، وَعَاْدَةٌ رَذِيْلَةٌ، وَمَاْ أَقْبَحَهَاْ وَمَاْ أَرْذَلَهَاْ،
إِذَاْ كَاْنَتْ لِلْوَطَنِ، إِذَاْ كَاْنَتْ لِمِثْلِ هَذِهِ اَلْبِلَاْدِ اَلْآمِنَةِ
اَلْمُطْمَئِنَّةِ اَلْطَّاْهِرَةِ، اَلْقَاْئِمَةِ عَلَىْ اَلْعَقِيْدَةِ اَلْسَّلِيْمَةِ
وَاَلْمَنْهَجِ اَلْصَّحِيْحِ، وَاَلْعَاْدَاْتِ وَاَلْتَّقَاْلِيْدِ اَلْحَسَنَةِ،
اَلَّذِيْ يَتَمَنَّىْ كُلُّ عَاْقِلٍ عَلَىْ وَجْهِ اَلْأَرْضِ، أَنْ يَكُوْنَ مِنْ
أَهْلِهَاْ، اَلَّذِيْنَ يُوْلَدُوْنَ وَيَعِيْشُوْنَ وَيَمُوْتُوْنَ عَلَىْ أَرْضِهَاْ،
فَإِنْ كَاْنَ نُكْرَاْنُ اَلْجَمِيْلَ كَبِيْرَةٌ مِنْ كَبَاْئِرِ اَلْذُّنُوْبِ
، فَهُوَ لِهَذِهِ اَلْبِلَاْدِ أَكْبَرُ وَأَخْطَرُ ، وَمَنْ بُلِيَ بِهِ، فَهُوَ
يَسْتَحِقُّ أَنْ يُفْعَلَ فِيْهِ مَاْ فَعَلَهُ اَلْنَّبِيُّ e
بِنَفَرِ عُكْلٍ، فَفِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ t
قَالَ : قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ e نَفَرٌ مِنْ عُكْلٍ ، فَأَسْلَمُوا وَاجْتَوَوُا الْمَدِينَةِ ـ أَيْ
كَرِهُوْا اَلْإِقَاْمَةَ فِيْهَاْ ـ فَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ e أَنْ يَأْتُوا إِبِلَ الصَّدَقَةِ فَيَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا
وَأَلْبَانِهَا ، فَفَعَلُوا فَصَحُّوا فَارْتَدُّوا وَقَتَلُوا رُعَاتَهَا
وَاسْتَاقُوا الْإِبِلَ، فَبَعَثَ النَّبِيُّ e فِي آثَارِهِمْ ، فَأُتِيَ بِهِمْ فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ
وَأَرْجُلَهُمْ ، وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ ، ثُمَّ لَمْ يَحْسِمْهُمْ حَتَّى مَاتُوا
. أَيْ تَرَكَهُمْ تَنْزِفُ دِمَاْؤُهُمْ حَتَّىْ فَاْرَقُوْا اَلْحَيَاْةَ .
هَذَاْ ـ أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ
ـ أَقَلُّ مَاْ يَسْتَحِقُّهُ مَنْ يَكْفُرُوْنَ بِنِعَمِ اَللهِ U
فِيْ هَذِهِ اَلْبِلَاْدِ ، وَيُنْكِرُوْنَ فَضْلَهَاْ ، وَيُجَاْزُوْنَهَاْ بِمَاْ
لَاْ يَلِيْقُ بِهَاْ وَلَاْ بِسُمْعَتِهَاْ وَلَاْ بِأَهْلِهَاْ ، وَلَا بِأَمْنِهَاْ
وَلَاْ بِمَبَاْدِئِهَاْ وَقِيَمِهَاْ وَأَخْلَاْقِهَاْ، وَعَلَىْ رَأْسِهِمْ اَلْغُلَاْةُ
وَاَلْجُفَاْةُ، اَلَّذِيْنَ يَجْحَدُوْنَ نِعَمَ اَللهِ U
عَلَىْ بِلَاْدِهِمْ ، وَيَبْذُلُوْنَ مَاْ بِوُسْعِهِمْ ، لَجَرِّ هَذِهِ اَلْبِلَاْدِ
إِلَىْ مَاْ اِنْجَرَّ إِلَيْهِ غَيْرُهَاْ ، فَمِنْهُمْ مَنْ كَفَّرَ أَهْلَهَاْ
، وَخَوَّنَ وُلَاْةَ أَمْرِهَاْ، وَسَخِرَ مِنْ عُلَمَاْئِهَاْ ، وَمِنْهُمْ مَنْ
يَفْعَلُ مَاْهُوَ أَسْوَأَ مِنْ ذَلِكَ، يَهْدِمُ ثَوَاْبِتَهَاْ ، وَيَقْضِيْ عَلَىْ
قِيَمِهَاْ، وَيُفْسِدُ فِيْ أَرْضِهَاْ، وَيَعْبَثُ بِمَاْ حَسُنَ مِنْ عَاْدَاْتِهَاْ
، فَإِنْ كَاْنَتْ سَرِقَةُ اَلْإبْلِ تَسْتَحِقُّ اَلْعُقُوْبَةَ فِيْ اَلْشَّرْعِ،
فَكَيْفَ بِمَنْ يَتَسَبَّبُ فِيْ سَفْكِ دِمَاْءِ اَلْأَبْرِيَاْءِ أَوْ يَتَسَبَّبُ فِيْ نَشْرِ اَلْفَسَاْدِ
بَيْنَ اَلْأَتْقِيَاْءِ ، كَيْفَ بِمَنْ يَسْعَىْ إِلَىْ اِنْحِرَاْفِ
اَلْعُقُوْلِ ، وَكَيْفَ بِمَنْ يَعْمَلُ عَلَىْ هَدْمِ اَلْقِيَمِ وَاَلْأَخْلَاْقِ
، كَيْفَ بِمَنْ يُخَاْلِفُ شَرْعَ اَللهِ U ، اَلَّذِيْ قَاْمَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ اَلْبِلَاْدِ ، وَحَفِظَهَاْ
بِسَبَبِهِ رَبُّ اَلْعِبَاْدِ ، فَمَاْ يَقُوْمُ بِهِ اَلْغُلَاْةُ وَاَلْجُفَاْةُ،
فِيْ هَذِهِ اَلْبِلَاْدِ اَلْطَّاْهِرَةِ ، اَلْمُسْتَقِرَّةِ اَلْآمِنَةِ، هُوَ
وَاَللهِ مِنْ نُكْرَاْنِ اَلْجَمِيْلِ، سُجِيَّةُ اَلْخُبَثَاْءِ، وَطَبِيْعَةُ اَلْلُّؤَمَاْءِ،
وَصِفَةُ اَلْخَوَنَةِ اَلْأَشْقِيَاْءِ، اَلْإِمَاْمُ أَحْمَدُ بِنُ حَنْبَلَ ـ رَحِمَهُ
اَللهُ ـ مَكَثَ أَرْبَعِيْنَ سَنَة ، مَاْ بَاْتَ لَيْلَةً إِلَّاْ وَيَدْعُوْ فِيْهَاْ
لِلْشَّاْفِعِيِّ، وَفَاْءً بِمَعْرُوْفِهِ فِيْ تَعْلِيْمِهِ اَلْفِقْهَ وَاَلْأُصُوْلَ،
وَهَؤُلَاْءِ يَبْذُلُوْنَ مَاْ بِوُسْعِهِمْ ، لِلْنَّيْلِ مِنْ هَذِهِ اَلْبِلَاْدِ
وَأَمْنِهَاْ وَأَهْلِهَاْ، وَمَبَاْدِئِهَاْ وَأَخْلَاْقِهَاْ، بَلْ مِنْ دِيْنِهَاْ
، نَعَمْ مِنْ دِيْنِهَاْ، فَاَلْغُلَاْةُ بِاَلْإِفْرَاْطِ، وَاَلْجُفَاْةُ بِاَلْتَّفْرِيْطِ
، وَلَنْ يَتِمَّ لَهُمْ ذَلِكَ بِإِذْنِ اَللهِ تَعَاْلَىْ: } يُرِيدُونَ
أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ
يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ { .
بَاْرَكَ
اَللهُ لِيْ وَلَكُمْ بِاَلْقُرَّآنِ اَلْعَظِيْمِ ، وَنَفَعَنِيْ وَإِيَّاْكُمْ بِمَاْ
فِيْهِ مِنْ اَلآيَاْتِ وَاَلْذِّكْرِ اَلْحَكِيْمِ ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا ،
وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهُ لِي وَلَكَمَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ ، فَإِنَّهُ هُوَ
الْغَفُورُ الرَّحِيمِ .
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ عَلَىْ إِحْسَاْنِهِ ،
وَالْشُّكْرُ لَهُ عَلَىْ تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَاْنِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَاْ
إِلَهَ إِلَّاْ اللهُ ، وَحْدَهُ لَاْ شَرِيْكَ لَهُ تَعْظِيْمَاً لِشَأْنِهِ ،
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ الْدَّاْعِيْ إِلَىْ
رِضْوَاْنِهِ صَلَّى اللهُ عَلِيْهِ وَعَلَىْ آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ وَسَلَّمَ
تَسْلِيْمَاً كَثِيْرَاً .
أَمَّاْ بَعْدُ ، أَيُّهَا الإِخْوَةُ :
إِنَّ لِنُكْرَاْنِ اَلْجَمِيْلِ مَضَاْرٌّ خَطِيْرَةٌ، وَنَتَاْئِجٌ
مُرَّةٌ، مِنْ أَبْرَزِهَاْ: زَوَاْلُ اَلْنِّعَمِ، وَحُلُوْلُ اَلْنِّقَمِ ، يَقُوْلُ
U: } وَضَرَبَ اللَّهُ
مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا
مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ
الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ { .
وَمِنْهَاْ ـ أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ ـ أَنَّ نُكْرَاْنَ اَلْجَمِيْلِ
دَلِيْلٌ عَلَىْ ضَعْفِ اَلْإِيْمَاْنِ، وَسُوْءِ اَلْأَخْلَاْقِ ، وَلُؤْمِ اَلْطَّبْعِ
، يَقُوْلُ e فِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ: (( أُرِيْتُ النَّارَ ، فَإِذَا أَكْثَرُ أَهْلِهَا النِّسَاءُ
، يَكْفُرْنَ، قِيْلَ : أَيَكْفُرْنَ بِاللَّهِ ؟ قَالَ : يَكْفُرْنَ العَشِيْرَ ، وَيَكْفُرْنَ
الإِحْسَانَ ، لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ، ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ
شَيْئًا ، قَالَتْ : مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ )) .
فَلْنَتَّقِ اَللهَ ـ أَحِبَتِيْ فِيْ اَللهِ ـ وَلْنَحْذَرْ نُكْرَاْنَ
اَلْجَمِيْلِ، وَلْيَكُنْ اَلْوَفَاْءُ عَاْدَةً لَنَاْ، وَصِفَةً نَتَّصِفُ بِهَاْ
فِيْ مُجْتَمَعِنَاْ، لِرَبِّنَاْ أَوْلَاً، وَلِبِلَاْدِنَاْ ثَاْنِيَّاً، وَلِإِخْوَاْنِنَاْ
اَلْمُسْلِمِيْنَ ثَاْلِثَاً ، فَفِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْحَسَنِ، عَنِ النُّعْمَانِ
بْنِ بَشِيرٍ t قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ e
يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ: (( مَنْ
لَمْ يَشْكُرِ الْقَلِيلَ لَمْ يَشْكُرِ الْكَثِيرَ ، وَمَنْ لَمْ يَشْكُرِ
النَّاسَ لَمْ يَشْكُرِ اللَّهَ تَعَالَى ، التَّحَدُّثُ بِنِعْمَةِ اللَّهِ
شُكْرٌ ، وَتَرْكُهَاْ كُفْرٌ ، وَالْجَمَاعَةُ رَحْمَةٌ وَالْفُرْقَةُ عَذَابٌ ))
.
أَسْأَلُ اَللهَ لِيْ وَلَكُمْ عِلْمَاً نَاْفِعَاً ، وَعَمَلَاً
صَاْلِحَاً ، وَرِزْقَاً وَاْسِعَاً ،
إِنَّهُ سَمِيْعٌ مُجِيْبٌ .
اَلْلَّهُمَّ إِنَّاْ نَسْأَلُكَ عِزَّ اَلْإِسْلَاْمِ وَنَصْرَ
اَلْمُسْلِمِيْنَ ، اَلْلَّهُمَّ أَعِزَّ اَلْإِسْلَاْمَ وَاَنْصُرَ اَلْمُسْلِمِيْنَ،
وَاَحْمِيْ حَوْزَةَ اَلْدِّيْنَ، وَاَجْعَلْ بَلَدَنَاْ آمِنَاً مُطْمَئِنَاً
وَسَاْئِرَ بِلَاْدِ اَلْمُسْلِمِيْنَ . اَلْلَّهُمَّ اَحْفَظْ لَنَاْ أَمْنَنَاْ
، وَوُلَاْةَ أَمْرِنَاْ ، وَعُلَمَاْءَنَاْ وَدُعَاْتَنَاْ، اَلْلَّهُمَّ اِحْفَظْ
عَوْرَاْتِنَاْ ، وَآمِنْ رَوْعَاْتِنَاْ ، اَلْلَّهُمَّ جَنِّبْنَاْ اَلْفِتَنَ ،
مَاْ ظَهَرَ مِنْهَاْ وَمَاْ بَطَنَ ، اَلْلَّهُمَّ مَنْ أَرَاْدَنَاْ فِيْ هَذِهِ
اَلْبِلَاْدِ بِشَرٍ أَوْ فَسَاْدٍ ، فاَلْلَّهُمَّ أَشْغِلْهُ بِنَفْسِهِ،
وَاَجْعَلْ كَيْدَهُ فِيْ نَحْرِهِ ، وَاَجْعَلْ تَدْبِيْرَهُ سَبَبَاً
لِتَدْمِيْرِهِ يَاْقَوُيَّ يَاْ عَزِيْز .
} رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا
وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي
قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ { ، } رَبَّنَا هَبْ لَنَا
مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ
إِمَامًا {
.
} رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً
وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ { .
عِبَاْدَ اَللهِ :
} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ
بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ ، وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى ، وَيَنْهَى عَنِ
الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ ، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { .
فَاذْكُرُوا
اللهَ العَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوهُ عَلَى وَافِرِ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ
وَلَذِكْرُ اللهِ أَكبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُون .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ عبيد الطوياوي تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=120
|