( دعوة لاختصار حفلة العرس )
25/7/1433 هـ
إِنَّ الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستَعينُهُ ونستَغفرُهُ، ونعوذُ باللهِ من شرُورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالنا، منْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومنْ يضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، وأشهدُ أن محمّداً عَبدُهُ ورسولُهُ (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )) (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا )) (( يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا )) ، أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة .
عباد الله : يسر قلوب المؤمنين ويفرحها ويبهجها ، ما يرونه ويسمعون عنه هذه الأيام من الزيجات الكثيرة ، فالمؤمن يدرك أن في هذه الزيجات الخير الكثير العائد على الأمة بأسرها ، والمنافع العديدة الراجعة إلى المجتمع المسلم بأكمله ، فضلاً عن منفعة الأزواج وأسرهم .
ففي الزواجات تحصين فروج الشباب والفتيات ، وإكمال لنصف دينهم وكسر لشوكة الشهوات ، فيها افتتاح لبيوت مسلمة جديدة تُكَثِّر الجبهات في الحرب على الشيطان وأهل الكفران ، فيها تكثير لسواد الأمة ، وفيها وفيها .....
غير أنه ومع الفرح ، تحزن القلوب عندما نشاهد أو نسمع ما يصاحب هذه الأفراح من منكرات ومخالفات شرعية يدخل أكثرها تحت دائرتي ( السرف والتبذير ) اللتين يبغضهما الله .
وقع في هذه المنكرات بعض الناس إما جهلاً بحرمتها ، أو غفلة ، أو تقليداً ، أو جرأة على معصية الله ، أو ضعفاً أمام ضغوط النساء ومشياً مع رغباتهن واستحسانهن .
فوجب بذل النصيحة ( فالدين النصيحة ) وتكرار التحذير من التساهل في الأفعال المحرمة ، تذكرة وموعظة ، لعل الله أن ينفع بها أهل الذكرى والخشية ((سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى * وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى)) والذكرى تنفع المؤمنين ، وتبقى حجة على المعرضين .
فأقول أيها المسلمون ..من أكثر هذه المخالفات الشرعية شيوعا وأكبرها ضرراً : [ التكاليف الباهظة الكبيرة لليلة العرس ] ، حيث تصل تكلفتها في الغالب إلى عشرات الألوف من الريالات ، مابين أجرة القصر ، وتكلفة العشاء المبالغ فيها والتي وصلت إلى حد السرف والتبذير الذي يبغضه الله ، وزاد زيادة فاحشة عن كفاية الحاضرين مما سيجعل مصيره لأكوام الزبالات ، حتى ألف الناس منظر تلك الصحون التي لم يجلس عليها أحد لكثرتها . وحدِّث مع الأسى والأسف عما أحدثته النساء عاما بعد عام من مظاهر الترف والسرف في العشاء ، فهذه حلويات تباهين بأنواعها وقيمتها ومصادرها ، وهذه معجنات ، وهذه عصيرات وهذه وهذه ، فضلا على البوفيهات ، وغير ذلك من التكاليف التابعة والمصاحبة والتي يزيدها الناس على أنفسهم تفاخرا وتباهيا . وربنا الرحمن ينهانا فيقول : (( وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا )) ويقول : (( وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ )) .
ويمتدح عباده الطيبين بقوله : (( والذين وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا )) .
فيا أيها الناس : بإمكان الكثير منَا أن يختصر هذه المئونة المالية الكبيرة ، فيجعل الحفل مبسطاً ، فيقيم حفلة العرس في بيته ويقتصر على دعوة الأقربين من الأرحام والجيران والأصدقاء ، ويقدم عشاءً على قدر كفاية المدعوين .
ومما يفرح ويبعث الفأل في النفوس ، أننا بدأنا نسمع عن الزواجات المختصرة العائلية هنا وهناك ، ولولا عدم إلفة الناس لذكرت جملة من أسماء الأسر الكريمة التي أقامت زواجات عائلية ، إشادة بهم وليقتدي بهم الآخرون ، فتحية إجلال وإكبار ودعاء صادق بجزيل المثوبة لأولئك الآباء والأولياء الذين لم يكن نصب أعينهم إلا مراعاة أسباب التوفيق والبركة لأبنائهم وبناتهم ، مستحضرين الأثر المروي : (( أكثر النساء بركة أيسرهن مئونة )) ، فاختصروا حفلات زفافهم ولم يجعلوها على شاكلة حفلات السرف والتبذير .
فيا أيها الأولياء العقلاء : احذوا حذو هؤلاء ، فلم تزل الغلبة لحفلات الإسراف والتبذير والخيلاء ، واتبعوا سنة خاتم الأنبياء ، واختصروا حفلات زواج بناتكم لعل ذلك يكون سببا في مباركة زواجهن واعلموا أن النبي صلى الله عليه وسلم أولم على بعض نسائه بمدٍ من شعير ) رواه البخاري ، وفي الصحيحين قال أنس بن مالك : ( ما أولم النبي صلى الله عليه وسلم على أحد من نسائه ما أولم على زينب ، أولم بشاة ) ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم قادراً على أن يولم بعشر شياه وأكثر ويدعو لها أصحابه والفقراء من أهل الصفة الذين كانوا بأمس الحاجة للقمة من الطعام ، فسل نفسك يا أيها الأب والولي : لماذا لم يفعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ، مع أنه نحر مائة من الإبل في حجة الوداع هدياً متقرباً به إلى الله . السبب في ذلك : أن حفلة الزواج ليست مجالاً لهذا التوسع في الوليمة .
فاتقوا الله أيها الأولياء العقلاء ولا تكونوا من المسرفين المبغَضين لرب العالمين ، ولا تقتدوا بهم ، فلقد قال صالح لقومه الفارهين المترفين : (( فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ * الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ )) فالمسرفون مفسدون للمجتمع ، ولذا استحقوا أن يكونوا هم أصحاب النار .
اللهم إنا نعوذ بك أن نكون من المسرفين ونعوذ بك أن نكون من أصحاب النار .
بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعني الله وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة ، واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي أرسل رسوله ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيداً ، وأشهد أن لا إله لا الله وحده لا شريك له إقراراً به وتوحيداً ، وأشهد أن محمداً عبد ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً مزيداً أما بعد:
عباد الله: سأدخل في عمق وسطنا الاجتماعي وأنبه إلى أمور واقعية لعلها تكون سبباً في اختصار حفلات الزواج وجعلها أعراس عائلية بدل أن تكون مهرجانات عامة .
أول هذه الأمور : تفكر وسل نفسك أيها الولي : من المستفيد من توسيع حفلة العرس وجعله مهرجانا ، وهل يتحقق من وراء ذلك هدف نبيل ؟ سل نفسك : هل أنت مستفيد ؟. هل ابنتك تستفيد ؟ وهل الزوج يستفيد ؟ هل الأسرتان تستفيدان ؟ وأجزم أنك ستصل بعد جوابك عن هذه التساؤلات إلى أن الفائدة إن وجدت هي قليلة جداً ، ولا تستحق أن ينفق عليها كل هذه الأموال ، بل ويشوب هذه الفائدة القليلة إن وجدت كثيرٌ من الأضرار الاجتماعية وغيرها ، فدع مالا فائدة فيه
ثانياً : أن غالب الآباء يقيم حفلة الزواج على حساب مهر ابنته حيث إن نصف أو ثلث ما يدفعه الزوج كمهر للبنت ينفقه أبو البنت أو وليها على أجرة القصر وتكلفة العشاء ويزيد عليه من عنده ليسد النقص ، والواجب عليك أيها الأب والولي أن تدفع جميع المهر للبنت العروس لأنه خالص حقها في شريعة الله ، فهي أحق به وأولى من أن ينفق على عادات ومظاهر منكرة لا تعود عليها ولا على الزوج والأسرة بالنفع. ولن يلومك العقلاء على الاختصار بل سيثنون ويدعون بالبركة ، وإن لامك أحد فاعلم أنه من الحمقى الذين لا يلتفت لرأيهم ، فلا يحزنك قوله .
ثالثاً : أنك أيها الأب والولي تشتكي كغيرك من غلاء الأسعار ، فهلا حاربت هذا الغلاء بترك العادات السيئة كالإسراف ، وإن غلاء الأسعار عقوبة وبلية من أسبابها السرف والترف ، فرشِّد إنفاقك أيها الولي مع هذا الغلاء ، وساهم في تخفيض الأسعار على العباد باختصار حفلة العرس وترك السرف والتبذير فيها .
رابعاً : أصبح الناس يتذمرون من كثرة الزواجات التي يدعون لها ، ففي الليلة الواحدة تجد الشخص الواحد مدعو إلى ثلاث وأربع وربما خمس زواجات ، فتجده يركض من زواج إلى زواج من بعد صلاة المغرب حتى يدرك الجميع ويرضيهم ويجيب دعوتهم وفي قلبه الكراهية والضيق ، ثم يتناول طعام العشاء في عرس واحد ، وقد حسب حسابه في عشاء كل الأعراس الخمسة ، ولو دعي للزواج الأقربون فقط لما حصل هذا التداخل والتعارض البغيض ، فلنكن عقلاء أيها الأولياء .
خامساً : أن غالب الناس في مجالسهم ينتقدون هذا الواقع ويذمونه ويحكون معاناتهم وما شاهدوه من إسراف ، وعند التطبيق تجد خلاف ذلك ، فأين أولئك المستنكرين ؟ لقد ضعفوا واستكانوا أمام الحريم فأوقعنهم في الخلق الذميم (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ )) . فجميع العقلاء يتفقون على ذم السرف في حفلة العرس وتفضيل الاختصار ، فأعقل العقلاء هم الذين بدؤا بالتطبيق وغلبوا النساء بالحق بمقتضى قوامتهم ، فكونوا منهم أيها الأولياء .
سادساً : لو اختصرت حفلات الزفاف لزالت كثير من المظاهر المنكرة وسلم الناس من كثير من العوائد السيئة ، والتي منها : مغالاة النساء ومباهاتهن بالملابس ، والتعري في اللباس ، ومهرجانات الغناء والرقص ، وغير ذلك . فساهم أيها الولي الصالح في إصلاح المجتمع باختصار عرس ابنتك وموليتك (( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ )) .
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد . اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد .
اللهم ارض عن صحابته الكرام وعن تابعيهم بإحسان وعنا معهم يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم أصلح أحوالنا وأعمالنا وقلوبنا ، اللهم اجعلنا صالحين مصلحين هداة مهتدين، اللهم اجعلنا من الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً وفقهاً في دينك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم افتح لنا من خزائن رحمتك وتوفيقك يا خير الفاتحين، اللهم منزل الكتاب مجري السحاب هازم الأحزاب اللهم قاتل الظلمة المعتدين الذين يصدون عن سبيلك ويقاتلون أولياءك، اللهم عليك بهم إنهم لا يعجزونك، اللهم أنزل بهم نقمتك وأرنا فيهم عجائبك اللهم إنهم آذونا في بلادنا وفي إخواننا وفي أموالنا، اللهم إنهم حاربوا دينك ومن تدين به ظاهراً وباطناً اللهم سلّط عليهم من يسومهم سوء العذاب يا قوي يا متين، اللهم أنزل عليهم رجزك وعذابك إله الحق، اللهم أنجِ المستضعفين من المؤمنين، اللهم ارفع البلاء عن المستضعفين من المؤمنين، اللهم فرج عن إخواننا المؤمنين في الشام، اللهم ارحم ضعفهم وتولَّ أمرهم واجبر كسرهم وعجّل بفرجهم ونفّس كربهم، اللهم أحقن دماءهم واستر عوراتهم وآمن روعاتهم اللهم وارحم ميّتهم واشف مريضهم وأطعم جائعهم واكسِ عاريَهم واحمل فقيرهم وثبت أقدامهم وكن لهم عوناً ونصيراً ومؤيداً يا ذا الجلال والإكرام يا أرحم الراحمين يا حيّ يا قيوم، اللهم آمنّا في أوطاننا ودورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا, اللهم وفقهم لما تحب وترضى وخذ بنواصيهم للبر والتقوى يا ذا الجلال والإكرام .
اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين، واقض الدين عن المدنين، ونفس كرب المكروبين واشف مرضانا ومرضى المسلمين، وارحم موتانا وموتى المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين، ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا، ربنا إنك رءوف رحيم، ربنا اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك قريب مجيب الدعوات، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .
عباد الله: اذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
|