أهمية الصلاة وميزاتها عن بقية العبادات
الخطبة الأولى:-
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:
عباد الله : اتقوا الله واعلموا أن الصلاة آكـد أركان الإسلام بعد الشهادتين, وُضعت على أكمل وجوه العبادة وأحسنها وتضمنت كثيراً من أنواع العبادة من ذكر الله وتلاوة لكتابه وقيام بين يديه وركوع وسجود ودعاء وتسبيح وتكبير، وهي رأس العبادات البدنية ولم تخل منها شريعة رسول من الرسل صلوات الله وسلامه عليهم .
وتتميز الصلاة عن غيرها من الواجبات بميزاتٍ كثيرة منها:
أولا: أنها الركن الثاني بعد الشهادتين وأوجب ما فرض الله على عباده بعد شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله .
ثانياً: أنها أول ما يُحاسب عنه العبد يوم القيامة فإن صلحت صلح سائر عمله وإن فسدت فسد سائر عمله .
ثالثاً: أن الله تعالى فرضها في السماء بخلاف غيرها من الفرائض، وكان ذلك ليلة الإسراء والمعراج قبل الهجرة إلى المدينة بثلاث سنين عندما جاءه جبريل عليه السلام ومعه طست من ذهب ممتلئٌ حكمةً وإيماناً ومعه ملك آخر فأخذه إلى بئر زمزم فشَقّ جبريل عليه السلام صدر النبي صلى الله عليه وسلم فغسله بماء زمزم ثم أفرغ على صدرِهِ من الطّست ثم أطبقه. وهذا هو الشقّ الثاني الذي حصل للنبي صلى الله عليه وسلم، وأما الأول عندما كان صغيراً عند مرضعته حليمة السعدية، والثاني ليلة الإسراء والمعراج .
رابعاً: أن الله تعالى فرضها على النبي صلى الله عليه وسلم بلا واسطة، وأما بقية الفرائض فإنها بواسطة الملَك .
خامساً: أنها خمس بخمسين فمن صلى خمس صلوات في اليوم والليلة فكأنما صلى خمسين صلاة .
سادساً: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة .
سابعاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( بين المرء وبين الكفر والشرك ترك الصلاة) .
ثامناً: أن من أقامها نهته عن الفحشاء والمنكر كما قال الله تعالى: ( وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر..) الآية .
ونلاحظ هنا:
أن الله تعالى أمر بها بلفظ الإقامة حيث قال: ( وأقم الصلاة ) ولم يأمر بمجرد الفعل الظاهر لأن مجرد الفعل والأداء الظاهر يحصل من المؤمن والمنافق والبر والفاجر، وأما الإقامة فإنها لا تحصل إلا من المؤمن.
والإقامة يا عباد الله تنقسم إلى قسمين :
إقامة باطنة لا يعلمها إلا الله، وإقامة ظاهرة تظهر على الجوارح، وأنت أيها المؤمن لا تكون ممن يقيمون الصلاتين إلا بهاتين الإقامتين.
الإقامة الأولى: هي الباطنة التي بينك وبين الله؛ فيدخل فيها
أولاً: الإخلاص لوجه الله تعالى .
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن الله إذا أمر الناس بالسجود يوم القيامة سجد من كان يصلي خالصاً لوجه الله، وأما من كان يصلي رياء وسمعة فيكون ظهره طبقاً واحداً لا يستطيع السجود ثم تلا النبي صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: ( يوم يُكشف عن ساق ويُدعون إلى السجود فلا يستطيعون ) .
ومن الإقامة الباطنة:
تدبر أذكار الصلاة منذ أن تكبر تكبيرة الإحرام إلى أن تنصرف، ومن ذلك سورة الفاتحة أعظم سورة في القرآن والتي نقرؤها في كل صلاة بل هي ركن في كل ركعة، فينبغي لك أيها المؤمن أن تتدبر سورة الفاتحة وهذا لا يحصل لك إلا بعد معرفة تفسيرها.
ومن الإقامة الباطنة: أن تستشعر دائماً وأنت تصلي أنك قائمٌ بين يدي الله تُناجيه لأن المصلي إذا قام ليصلي فإنه يناجي ربه فهذه يا عباد الله هي الإقامة الباطنة.
وأما الإقامة الثانية: فهي الظاهرة التي تظهر على جوارحك؛
وهي أن نُصلي كما صلى الرسول عليه الصلاة والسلام ويلزم من هذا أن تتعلم أحكام الصلاة وما يتعلق بشروطها وأركانها وواجباتها ومبطلاتها، وما يتعلق بأحكام سجود السهو
وإن مما يُؤسف له أن كثيراً من المسلمين اليوم يجهلون أحكام الصلاة وإذا أردتم أن تتأكدوا من ذلك فاطرحوا مسائل الصلاة في مجالسكم وانظروا ضعف كثير من المسلمين في أحكامها .
ولابد أن تعلم أيها المسلم أنك بسبب الجهل بأحكام الصلاة قد تصلي صلاة غير مقبولة: يقول عليه الصلاة والسلام: ( إن الرجل ليصلي ستين سنة ولا تُقبل منه صلاة لعله يتم الركوع ولا يتم السجود أو يتم السجود ولا يتم الركوع ) .
ولا يخفى عليكم يا عباد الله حديث المُسيء صلاته والذي قال له الرسول صلى الله عليه وسلم: ( ارجع فصل فإنك لم تصل فاتقوا الله يا عباد الله وأصلحوا أعمالكم خصوصاً الصلاة فإنها أول ما يُحاسب عنه العبد يوم القيامة ) .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ؛ ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ؛ أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عُدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد:-
عباد الله ومن الإقامة الظاهرة:
أن تصلي مع الجماعة قال الله تعالى: ( في بُيوتٍ أذن اللهُ أن ترفعَ ويُذكرَ فيها اسمه يُسبح له فيها بالغُدو والآصال رجالٌ لا تُلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ) والمراد بالبيوت في الآية المساجد .
ويكفي في وجوب صلاة الجماعة:
قصة الرجل الأعمى الذي قال له الرسول صلى الله عليه وسلم: ( أتسمع النداء؟ فقال: نعم؛ قال: ما أجدُ لك رخصة ).
وكاد عليه الصلاة والسلام أن يُحرّق بيوت الذين لا يشهدون الصلاة مع الجماعة لولا النساء والصبيان.
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: ( ولقد علمتنا وما يتخلف عنها إلا منافق أو مريض ) .
ومن هنا نعلم: أن الذي يتخلف عن صلاة الجماعة هو أحد الأربعة المذكورين في هذين الحديثين وهم:
النساء والصبيان والمنافقون والمرضى.
فإذا تخلفت عن الصلاة في جماعة يا عبد الله فاسأل نفسك وقل لها:
من أي الأصناف الأربعة أنتِ؟؟
من النساء أو الصبيان أو المنافقون أو المرضى؟؟
وعلى رب الأسرة أن يأمر من تحت ولايته من زوجة وبنين وبنات بالصلاة وأن يأخذ أبناءه معه إلى المسجد إذا بلغوا السن السابعة لقوله تعالى: ( وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها )، ولقوله عليه الصلاة والسلام: ( مُرُوا أبناءكم بالصلاة لسبعٍ واضربوهم عليها لعشر ).
اللهم أعنّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم أصلح لنا أبنائنا وبناتنا ونسائنا واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين إنك أنت الغفور الرحيم، اللهم احفظنا بالإسلام قائمين واحفظنا بالإسلام قاعدين واحفظنا بالإسلام راقدين ولا تُشمت بنا أعداء ولا حاسدين، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمت أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الدنيا زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر .
|