مَحَبَّةُ النبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم، والوقُوفُ
أمامَ حَمْلَةِ أَعْداءِ الإسلامِ ضِدَّه
إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ
باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ
فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا
اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ،
صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد،
عباد الله: اتقُوا اللهَ تعالى، واعْلَمُوا
أَنَّ مَحَبَّةَ النبيِّ صلى اللهُ عليه وسلمَ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الإيمانِ، وشَرْطٌ مِن شُروطِ شهادةِ أَن محمدًا رسولُ الله، قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه
وسلم: ( لا يُؤْمِنُ أحَدُكُم حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ
وَوالِدِهِ والناسِ أَجْمَعِين ).
وهذه
المحبةُ تابِعَةٌ لِمَحَبَّةِ اللهِ وَلَيْسَت مُساوِيَةً، لِأَنَّ الشَّخْصَ إذا
ساوَى مَعَ اللهِ أحَدًا في المحبةِ فَقَدْ كَفَر وأَشْرَكَ، لِقَولِه تعالى عن
المشركين بَعْدَ دُخُولِهِم النار: ( تاللهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِين *
إذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ العالَمِين )، وقال تعالى: ( وَمِن النَّاسِ مَنْ
يَتَّخِذُ مِن دونِ اللهِ أَنْدادًا يُحِبُّونَهُم كَحُبِّ اللهِ والذِينَ آمَنُوا
أَشَدُّ حُبًا لله ).
وَمَحَبَّةُ النبيِّ صلى اللهُ عليه وسلمَ
لا تَكْتَمِلُ حَتى تَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ النَّفْسِ والأَهْلِ والمالِ والوَلَدِ
والناسِ أجْمَعِين، لِمَا سَمِعْتُم في الحديثِ، ولِمَا رواه البخاريُّ عَن عُمَرَ
رضي اللهُ عنه أَنَّه قال: واللهِ يا رسولَ اللهِ لَأَنْتَ أَحَبُّ إليّ مِنْ
كُلِّ شَيْءٍ إلا مِنْ نَفْسِي. قال: حَتَّى مِنْ نَفْسِكَ يا عُمَرَ، قال: حَتَّى
مِنْ نَفْسِي يا رسولَ الله، فقالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ( الآنَ يا عُمَرَ
). أيْ: الآنَ يَكْتَمِلُ الإيمانُ، والمُرادُ أَنَّه: لا يُؤْمِنُ الإيمانَ
الكامِلَ حَتَّى تُوجَدَ في قَلْبِه هذه الخَصْلَةُ العَظِيمةُ، وإِلا فَأَصْلُ
المَحَبَّةِ لا بُدَّ أَنْ يُوجَدَ في قَلْبِ العبدِ.
وهذهِ المَحَبَّةُ، لَيْسَتْ مُجَرَّدَ دَعْوَى تُقالُ بالِّلسانِ،
بَلْ لَها علاماتٌ لابُدَّ مِنْ تَحَقُّقِها في العبدِ:
أَوَّلُها:
تَقْدِيمُ مُرادِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وأوامِرِه على هَوَى النفسِ، وعلى
مُرادِ وَأوامِرِ أَيِّ أَحَدٍ كائِنًا مَنْ كان.
الثانية:
دِراسةُ السُّنَّةِ وتَطْبِيقُها.
الثالثة:
الحِرْصُ على نَشْرِ السنةِ وبَيانِها والدعوةِ إليها.
ومِن
الدعوةِ إليها: الدِّفاعُ عَنْها وعَنْ صاحِبِها، ونُصْرَتُه في الأَحْوالِ
والمَوَاطِنِ التي تَتَطَلَّبُ الدفاعَ والنَّصْرَ، فَإِنَّ ذلك مِنْ أَوْجَبِ
الواجباتِ، بَلْ هُوَ مِن الجِهادِ في سَبِيلِ اللهِ. وما يَقُومُ بِه العُلَماءُ
والدُّعاةُ والمسلمونَ اليّوْمَ، مِنْ بَيانِ عِظَمِ حَقِّ رسولِ اللهِ صلى الله
عليه وسلم، والوُقُوفِ أَمَامَ حَمْلَةِ أَعْداءِ الإسلامِ ضِدَّ سَيِّدِ
البَشَرِ، لَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ علاماتِ الإيمانِ وَصِدْقِه.
إِنَّ مِثْلَ هذِه الحَمْلَةَ التي يَقُومُ
بِها أَعْداءُ الإسلامِ، وإنْ كانت شَرًّا لا يَسُوغُ لِمَنْ عِنْدَه ذَرَّةُ
إيمانٍ أَنْ يَسْكُتَ عَنْها، إِلا أَنَّه قَدْ ظَهَرَ بِسَبَبِها خَيْرٌ كَثيرٌ
لِلأُمَّةِ الإسلامية، وكما قال الله تعالى: ( لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ
هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ )، وَأَوَّلُ هذا الخَيْرِ:
إِفْلاسُ المَذاهِبِ الغَرْبِيَّةِ وانْحِطاطُ حَضارَتِهِم المَزْعُومَةِ،
خُصُوصًا عِنْدَ شُعُوبِهِم وَعِنْدَ مَنْ يُعْجَبُ بِهِم مِنْ ضُعفاءِ الإيمانِ.
ولا أَدَلَّ عَلَى ذلك مِنْ سُلُوكِهِم مَسالِكَ السُّخْرِيَةِ والاسْتِهْزاءِ
والكَذِبِ والاِفْتِراءِ، لا سِيَّمَا وأَنَّها تَتَغَنَّى باحْتِرامِ الأدْيانِ
وتَدُعُو إلى الْتِقاءِ الثقافاتِ والحَضاراتِ، قال تعالى: ( قَدْ بَدَتْ
الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ )، ولِأَنَّه
دَلِيلٌ واضِحٌ عَلَى إِفْلاسِهِم وانْهِزامِهِم وسُقُوطِ مَبادِئِهِم وقِيَمهِم
إِنْ كانَ لَهُمْ قيَمٌ ومَبادِئ.
الثاني:
تَذْكِيرُ كَثيرٍ مِن المسلمين الذين غَفَلُوا عَنْ سُنَّةِ نَبِيِّهِم صلى الله
عليه وسلم وَمَعْرِفَتِها وصَحْوَةِ قُلُوبِ كَثيرٍ مِن المسلمينَ الذينَ
أَشْغَلَهُم حُبُّ الدنيا عَنْ حُبِّ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم, وتَقْديمِ
مَحَبَّتِه على مَحَبَّةِ مَنْ سِواهُ مِن المَخْلُوقِين.
الثالث: اجْتِهادُ
العلماءِ والدعاةِ والوُعَّاظِ في بيانِ حُقُوقِ سَيِّدِ البَشَرِ, ونَشْرِ
سِيرَتِه وسُنَّتِهِ وشَمائِلِه بَيْنَ الناسِ، وأَدَلُّ دليلٍ على ذلك: هذه
الحَرَكَةُ الدَّعَوِيَّةُ الدَّؤُوبُ عَبْرَ الوَسائِلِ المَرْئِيَّةِ
والمَسْمُوعَةِ والفَضائِيَّةِ وَوَسائِلِ التَّواصُلِ، في نُصْرَةِ السنةِ
وصاحِبِها، فَجَزى اللهُ كُلَّ مَنْ ساهَمَ في ذلك خَيْرَ الجَزاء.
الرابع:
الحِرْصُ على كِتابَةِ شَمائِلِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم وسِيرَتِه وحَقِيقَةِ
دَعْوَتِه مُتَرْجَمَةً بِعِدَّةِ لُغاتٍ ونَشرِها في ديارِ أعداءِ الإسلامِ، مِمَّا يَكُونُ مُحَفِّزًا في مَعْرِفَةِ ما عَلَيْهِ هذه الأُمَّةُ مِنْ حَقٍّ
يَجِبُ اتِّباعُه.
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي
وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا
تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ
ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الْحمدُ
للهِ ربِّ العَالَمِين، وَالعَاقِبةُ للمُتّقِين، وَلا عُدوانَ إِلا عَلَى
الظَّالِمين، وَأَشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشهدُ
أَنَّ مُحَمّداً عَبدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ
وَصَحْبِهِ وَسَلّمَ تَسلِيماً كَثِيراً. أما بعد:
عبادَ الله: يَقُولُ النبيُّ صلى الله عليه
وسلم: ( مَنْ رآنِي في المَنامِ فَقَدْ رآنِي فَإِنَّ الشَّيْطانَ لا يَتَمَثَّلُ
في صُورَتِي ). والمُرادُ بالرؤيةِ في الحديثِ:
هِي رُؤْيا النبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم بِأَوْصافِه المَنْقُولَةِ إِلَيْنا، وَأَمَّا مَنْ رَأَى شَخْصًا عَلَى أَنَّه رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَلَكِن
عَلَى خِلافِ صِفاتِه المَعْرُوفَةِ، فَإِنَّه لَمْ يَرَه.
وَعَلَى هذا فَيَنْبَغِي
لِلْمُسْلِمِ: أَنْ يَعْرِفَ صِفاتَ رسولِ اللهِ صلى اللهِ عليه وسلمَ
الخَلْقِيَّةَ المَنْقُولَةَ عَن الصحابةِ رضي الله عنهم، وَهِيَ ثابِتَةٌ في
الصحيحينِ وغَيْرِهِما عَنْ جَماعةٍ مِن الصحابةِ: مِنْ أَنَّه كانَ رِبْعَةً مِن
الرِّجالِ، أَيْ مُتَوَسِّطًا: لَيْسَ بالطَّوِيلِ البائِنِ ولا بالقَصيرِ،
وَأّنَّه أَبْيِضُ مُشْرَبٌ بِحُمْرَة وَوَجْهُهُ كالقَمَرِ مُسْتَدِيرٌ، وَلَه
شَعْرٌ يَضْرِبُ إلى شَحْمَةِ أُذُنِهِ، أَوْ ما بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِهِ
وعاتِقِه، وَأَّنَّه عَريضُ المَنْكِبَيْن، وكانَ ضَلِيعَ الفَمِ، أَيْ: عَظِيمَ
الفَمِ، طَوِيلَ المَسْرُبَةِ، أَيْ: أَنَّ شَعْرَ صَدْرِه دَقيقُ وَطَويلٌ إِلى
سُرَّتِه، وكان إذا مَشَى أَسْرَعَ، وكان كَثَّ اللِّحْيَةِ، وتُوُفِّيَ وَلَيْسَ
في شَعْرِ رأسِهِ وَلِحْيَتِه عِشْرُونَ شَعْرَةً بَيْضاءَ. صَلَواتُ اللهِ وسَلامُه
عَلَيْه.
نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنا مِن أَتْباعِه ظاهراً وباطنا،
وَنَسْأَلُه أَنْ يَحْشُرَنا فِي زُمْرَتِه، وَأَنْ يَجْعَلنا مِمَّن يَرِدُ
حَوْضَه فَنَشْرَبُ مِنْه شَرْبَة هَنِيئَةً لا نَظْمَأُ بَعْدَها أَبَدا يا ذا الجلال والإكرام. اللهم
احفظنا بالإسلام قائمين واحفظنا بالإسلام قاعدين واحفظنا بالإسلام راقدين ولا
تُشمت بنا أعداء ولا حاسدين، اللهم أصلح أحوال المسلمين، اللهم أصلح أحوال
المسلمين حكاماً ومحكومين، اللهم ألّف بين قلوب المؤمنين وأصلح ذات بينهم واهدهم
سبل السلام وأخرجهم من الظلمات إلى النور يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أرهم الحق
حقاً وارزقهم اتباعه وأرهم الباطل باطلاً وارزقهم اجتنابه، اللهم احقن دماء
المسلمين، اللهم احقن دماءهم وولّ عليهم خيارهم، واجعل ولايتهم فيمن خافك واتقاك
واتبع رضاك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم احفظ بلادنا من كيد الكائدين وعدوان
المعتدين، اللهم أخرجها من الفتن والشرور والآفات ومن هذا البلاء، واجعلها أقوى
مما كنت، وأمكن مما كانت، وأغنى مما كانت، وأصلح مما كانت، اللهم أصلح أهلها
وحكامها واجمع كلمتهم وألف بين قلوبهم يا أرحم الراحمين، اللهم اغفر للمسلمين
والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات،
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث واجعل ما
أنزلت لنا قوةً وبلاغاً إلى حين، اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً، هنيئاً مريئاً، سحاً
غدقاً، نافعاً غير ضار، عاجلاً غير آجل، اللهم اسق بلادك وعبادك وبهائمك، وانشر
رحمتك وأحيي بلدك الميت، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أنزل
علينا من السماء ماء مباركاً تُغيث به البلاد والعباد وتعُمَّ به الحاضر والباد،
اللهم إنا نستغفرك ونتوب إليك، اللهم إنا نستغفرك ونتوب إليك من جميع ذنوبنا،
اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد .
وللمزيد من
الخطب السابقة للشيخ أحمد العتيق تجدها هنا :
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=119
|