قافلة الحرية وأعداء الإنسانية
الحمد لله القوي القهار ، العزيز الجبار ، ذي الملك والملكوت ، والعز والجبروت ، سبحانه هو الحي الذي لا يموت ، قاهر المتجبرين ، وجابر المنكسرين ، ومغيث الملهوفين ، } اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ { .
وأشهد أن لا إله إلا هو } الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ { وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وصفيه وخليله ، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه الأطهار ، ما تعاقب الليل والنهار .
أما بعد ، عباد الله :
اتقوا الله U فقد أمركم بذلك ربكم فقال : } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ {. جعلني الله وإياكم من عباده المتقين .
أيها الأخوة المؤمنون :
لا يخفى عليكم ، ما أشغل الناس الحديث عنه في هذه الأيام ، وما أثار العالم بأسره ، مسلمه وكافره ، فحادثة قافلة الحرية ، واعتداء يهود إسرائيل عليها ، وعلى من كان فيها ، وقتل عدد من الذين أرادوا مساعدة المسلمين في غزة فلسطين المحاصرة ، حادثة بلغ صداها مشارق الأرض ومغاربها ، وعلم بها القريب والبعيد ، وبلغت العدو والصديق ، وتحدث عنها العامة والخاصة ، وهي حادثة جديرة بالاهتمام والعناية ، وقد ساءنا نبأ هذه الحادثة ؛ ولكننا ـ أيها الأخوة ـ لسنا كغيرنا ، فنحن مسلمون لنا ولاة أمر ، أمرنا الله بالسمع والطاعة لهم بالمعروف ، لا سيما في مثل هذه الأمور ، والمسلم ـ أيها الأخوة ـ يحكم دينه ، ويرجع إلى شرع ربه ، بكل حادثة تحدث بين يديه ، وبكل نازلة تنزل به ، وهذا ما أشار الله إليه U بقوله : } وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا { فالله U عاتب الذين ينشرون الأحداث ، ويتكلمون عنها مخطئين ومصوبين ، على حسب أهوائهم ، عاتبهم لأنهم لم يرجعوا إلى ولاة أمرهم من العلماء والأمراء ، فالمسلم الذي يرجوا الله والدار الآخرة ، لا يخوض بأمر عام يهم المسلمين ، بل يتركه للمعنيين به ، وأول من يستفيد من ذلك هو نفسه ، فقد كفاه الله مؤنة إذاعة الأخبار والأحداث ، وجعلها بمسؤولية غيره .
أيها الأخوة :
وأنا أقول ذلك ، لأنه يوجد بين المسلمين ، من يصطاد بالماء العكر ، فيستغل مثل هذه الحادثة ، ويوظفها لأهدافه الخبيثة ، فيوغر صدور العامة على ولاة أمرهم ، ويجعل المسلم يحقد على أناس يقومون بواجبهم ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا ، ويؤدون ما عليهم بما يضمن له ولغيره السلامة والنجاة بإذن الله تعالى .
أيها الأخوة المؤمنون :
أما ما قام به إخوان القردة والخنازير ، فو الله لا يستغرب من أمثالهم ، لأنهم أعداء للمسلمين ، ويحاولون جاهدين أن لا يصل خير لمسلم ، كما قال تبارك وتعالى : } مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ ِ { فالخير الذي ينزل من الله U يكرهونه ويتمنون أن لا يصل ، ويعملون جاهدين على منعه ، والحيلولة دونه ، وذلك من منطلق عداوتهم للإسلام وأهله ، يقول تبارك وتعالى : } لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا { فاليهود هم أكثر الناس عداوة لمن تبع دين محمد e . ولهذا ـ أيها الأخوة ـ ما قام به هؤلاء تجاه القافلة ، يستغرب لوكان من غيرهم ، أما من هؤلاء الحثالة ، فهو ليس بغريب ، لأن هذا طبعهم ، وهذا منهجهم في الحياة ، فهم أهل حقد وحسد ، وشعب لؤم وخسة ، وأرباب غدر وخيانة ، هم كما وصفهم الله : ) وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ( .
إذا كانوا ـ أيها الأخوة ـ قد تطاولوا على الله U الذي خلقهم و أوجدهم وأنعم عليهم ، فكيف ببشر أمثالهم !
أتدرون ـ أيها الأخوة ـ ماذا قالوا عن الله U ؟
اسمعوا إلى ما قالوا ، من قول الخبير بهم ، العليم بأحوالهم ، الكاشف لخستهم ونذالتهم ؛ يقول تبارك وتعالى : } وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ .. { وقالوا عنه أيضا : } إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ { بل وصلت بهم الجرأة والوقاحة ، بأن يكذبوا عليه سبحانه ! ويجعلوا له ولدا من البشر ، فقالوا : } عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ { ، تعالى الله عن قولهم } لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا {.هؤلاء هم اليهود ، عليهم من الله ما يستحقون .
أيها الأخوة :
إن قتل اليهود لمسلم جاء ليساعد إخوانه المسلمين المحاصرين في غزه ، ولآخر دفعته الإنسانية ، عندهم أمر طبيعي ، بل من المألوف بينهم ، لأن القتل من طبعهم ومن منهجهم ، بل هو مبدأ من مبادئهم الضالة الفاسدة ، فقد قتلوا أنبياء الله ، والقتل من المحبوبات عندهم ، بل عيسى عليه السلام نبي الله ، من باب حبهم للقتل ؛ يفتخرون ويزعمون أنهم قتلوه وهم لم يقتلوه ، كما قال تعالى : } فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلا قَلِيلا ، وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا ، وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا { .
فماذا يرجى ممن هذه حالهم ، يتطاولون على الله ، ويقتلون الأنبياء ، ويتهمون من برأه الله ! ماذا يرجى من هؤلاء ؟ أيحفظون لمسلم حرمه ؟ أم يراعون فيه ذمة ؟ لا ، والذي نفسي بيده .
اسأل الله U أن لا يحقق لهم غاية ، وان يجعل كيدهم في نحورهم إنه سميع مجيب ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أيها المسلمون :
مما لا شك فيه أن تسلط اليهود ، لم يأت من فراغ إنما هو بسبب الذنوب والمعاصي ، نعم بسبب ذنوبنا ومعاصينا ، الذنوب والمعاصي ـ أيها الأخوة ـ دمرت أمما ، وأبادت شعوبا ، وخربت ديارا ، وقضت على حضارات ، والله U يقول : } وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ { ، ويقول سبحانه : } أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ { فالمتأمل لنصوص الكتاب والسنة ، يتبين له من أين أصيبت هذه الأمة ، ويعرف مصدر الداء ، ومنبع البلاء .
صحيح ـ أيها الأخوة ـ أن اليهود جبناء أذلاء ، كما قال تعالى : } ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ { فهم أذلاء جبناء يقول الله عنهم : } لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ { فالجبن والذل من صفاتهم ، لذا سيطرتهم ليست بسبب شجاعتهم ، إنما هي بسبب بعدنا عن الله ، بسبب أننا غثاء كغثاء السيل ، بسبب أننا أخذنا بأذناب البقر ، وتبايعنا بالعينة ، وتركت الأمة الجهاد الحقيقي في سبيل الله ، هذا ما أخبر به النبي e ففي الحديث الذي رواه أبو داوود عن ثَوْبَانَ ، قال : قال رَسُولُ الله r : (( يُوشِكُ الأُمَمُ أنْ تَدَاعى عَليْكُم كَمَا تَدَاعى الأكَلَةُ إلَى قَصْعَتِهَا ، فقالَ قَائِلٌ : وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟ قالَ : بَلْ أنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثُيرٌ، وَلَكِنَّكُم غُثاءُ كَغُثاءِ السَّيْلِ، وَلَيَنْزِ عَنَّ الله مِنْ صُدُورِ عَدُوكُمْ المَهَابَةَ مِنْكُمْ، وَلَيَقْذِفَنَّ الله في قُلُوبِكُم الَوَهْنَ ، فقالَ قَائِلٌ : يَا رَسُولَ الله وَمَا الْوَهْنُ ؟ قالَ : حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ المَوْتِ )) .وفي مسند الإمام أحمد عن ابن عمر ، عن النبيّ r قال : (( لَئِنْ تَرَكْتُمْ الجِهادَ ، وَأَخَذْتُمْ بِأَذنابِ البقرِ، وَتَبايَعْتُمْ بالعِينَةِ ، لَيُلْزِمَنَّكُمْ الله مَذَلَّةً في رِقابِكُمْ ، لا تَنْفَكّ عَنْكُمْ حَتّى تَتُوبوا إِلَى الله وَتَرْجِعُوا على ما كُنْتُمْ عَلَيْهِ )) .
أيها الأخوة :
} إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ { فعلى المسلمين كافة ، في فلسطين وغير فلسطين أن يوحدوا صفوفهم ، ويعودوا إلى كتاب ربهم ، وسنة نبيهم ، ومنهج سلفهم الصالح . على المسلمين أن ينصروا الله لينصرهم ، ويكونوا مع الله ليكن معهم ، ويؤمنوا بالله ليدافع عنهم ، ويكونوا أولياء له سبحانه ليقضي على عدوهم : أليس الله هو القائل :} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ { . والقائل : } وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ { والقائل : } وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ { . والقائل : } إنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ { .
بلى والله ، فاللهم إنا نسألك وأنت في عليائك ، أن تنصر الإسلام وتعز المسلمين ، وأن تخذل الشرك والمشركين ، وأن تدمر أعداء الدين .
اللهم عليك باليهود المعتدين ، والنصارى الحاقدين ، ومن كره الإسلام والمسلمين ، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك ، اللهم شتت شملهم وأوهن عزمهم ، اللهم أرنا بهم عجائب قدرتك ، وفجاءة نقمتك ، وأليم عذابك ، إنك على كل شيء قدير .
اللهم إنا نسألك تفريج كرب إخواننا في فلسطين ، اللهم كن معهم ، ودافع عنهم ، اللهم سدد رميهم ، وقوي شوكتهم ، وانصرهم على عدوهم ، اللهم أشف مرضاهم ، وداوي جرحاهم ، وتقبل شهداءهم ، يارب العالمين . اللهم احفظ بلادنا وولاة أمرنا وعلماءنا ودعاتنا ، اللهم وحد كلمتنا وقوي شوكتنا يا رب العالمين . اللهم } رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ { .
عباد الله : } إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على وافر نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
|