شياطين الأنس
الحمد لله الحي العليم القدير ، السميع البصير ، اللطيف الخبير ، الواحد الأحد ، والفرد الصمد ، } يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ{ .
أحمده حمدا يليق بكريم وجهه ، وبعظيم سلطانه ، } لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ { .
وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، البشير النذير ، والسراج المنير ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ، وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد عباد الله :
اتقوا الله U ، فتقوى الله وصية الله لكم ولمن كان قبلكم : } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ { فاتقوا الله ـ عباد الله ـ : } وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً { ، } وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً { ، } وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً { جعلني الله وإياكم من عباده المتقين .
أيها الأخوة المؤمنون :
نسمع بين حين وآخر ، ما يسئ إلى ديننا ، وما ينافي عاداتنا وتقاليدنا الموافقة لشرع ربنا ، من أناس من بني جلدتنا ، يعيشون بيننا ، ويجهل كثير منا هويتهم ، وتخفى على أكثرنا حقيقتهم ، وقد يلبسون لباس الناصح الأمين ، المحب لمجتمعه ، الحريص على مصالح أمته .
تأملوا ـ أيها الأخوة ـ كم نسمع من أناس ينادون بقيادة المرأة ، ومثلهم من ينادي بالرياضة النسائية ، ومثلهم من لا يرى بأسا بالاختلاط والسفور ، ومثلهم من يشن حربا شعواء على الدعاة والعلماء ، هاهي ـ أيها الأخوة ـ منابرهم ، وكتاباتهم ، حتى الساخرين منهم ، لم يسلم مجتمعنا الطاهر من شرهم وكيدهم ، فوسائل الإعلام زاخرة بكيد هؤلاء ، مملوءة بقيئهم ، فضلا عما يدبرونه بالخفاء ، وهؤلاء هم شياطين الأنس ، وجنود إبليس ، اسأل الله أن يجعل كيدهم في نحورهم ، وأن يعيذنا من شرورهم .
أيها الأخوة المؤمنون :
إن هؤلاء ، أشد خطرا وأعظم ضررا من شياطين الجن ، لأن شياطين الجن ، يخنسون ويندحرون بالاستعاذة منهم ، كما قال تعالى : } وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ { وكما قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ في قول الله تعالى : } الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ { قال : الشيطان جاثم على قلب ابن آدم ، فإذا سها وغفل وسوس ، فإذا ذكر الله خنس ، فشياطين الجن ، يندحر كيدهم بذكر الله والاستعاذة ، ولكن هؤلاء لهم من الحيل والأساليب ، ما يخدع كثيرا من الناس ، وخاصة ضعاف الإيمان والجهلة بتعاليم الدين ، ولذلك يقع كثير من المسلمين في شباك هؤلاء ، ويكون منفذا لخططهم ومخططاتهم .
أيها الأخوة المؤمنون :
لقد وقع كثير من المسلمين بما يخطط له هؤلاء ، وقد نجحوا وحققوا أهدافهم ، بنسب كبيرة ـ اسأل الله أن لا يحقق لهم غاية ، ولا يرفع لهم رأيه .
تأمّلوا ـ أيها الأخوة ـ كم من مسلم صار يكره الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ، وكم من مسلمة تتمنى أن لو كانت تنتمي لناد رياضي ، لتفوز ببطولة من البطولات ، بل كم من فتاة تحلم وتنتظر ، أن يكون لها سيارة تقودها بنفسها ، لا لتقضي حوائجها ، ولكن لتذهب بها إلى ما تشاء متى تشاء ، دون حسيب ولا رقيب ، وهذا كله نتيجة ما يخطط له هؤلاء الشياطين ـ نعوذ بالله منهم ومن شرهم .
أيها الأخوة المؤمنون :
إن ما يقوم به هؤلاء ، ما هو إلا نتيجة انحراف في عقولهم ، وتطرف في أفكارهم ، بسبب كثرة ذنوبهم ، وتأثرهم بمن هم أذناب لهم ، من الكفرة والفجرة والفسقة ، وقد صدق النبي r في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه ، عن حذيفة t قال : سمعت رسول الله r يقول : (( تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء حتى تصير على قلبين على أبيض مثل الصفا فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض والآخر أسود مربادا كالكوز مجخيا لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلا ما أشرب من هواه )) .
فهؤلاء ـ أيها الأخوة ـ متطرفون بمناهجهم ، منحرفون بأفكارهم ، ولا يقل خطرهم عن خطر الفئة الضالة ، أهل التكفير والتفجير ، بل هم في الخطر سواء ، وتفجير المبادئ أشد وأخطر من تفجير المباني ، والقضاء على الدين ، أخطر من القضاء على المعاهدين ، ونشر الفساد والفواحش والفجور ، بين المسلمين أضر من هدم الجسور والقصور ، والقضاء على عفاف الطاهرات أخطر من اختطاف الطائرات ، والله الذي لا إله غيره ـ أيها الأخوة ـ لأن يموت المسلم أهون بكثير من أن يهتك عرضه أو يدنس شرفه .
فاتقوا الله ـ عباد الله ـ واحذروا شياطين الأنس ومخططاتهم ، واعملوا على إفشال أهدافهم ، بالتزامكم بدينكم ، والتفافكم حول ولاة أمركم من العلماء والأمراء .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :
} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ { .
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أيها المسلمون :
إن عليكم واجب عظيم ، ولكم دور فعال ، في مجال عدم وصول شياطين الأنس لغاياتهم ، وقطع الطريق أمامهم لعدم تحقيق أهدافهم ، وذلك باستقامتكم على دينكم ، وحرصكم على العمل بسنة نبيكم r ، لأنه r يقول في الحديث : (( تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما : كتاب الله وسنة نبيه )) .
فاحرصوا ـ يا عباد الله ـ على العمل بنصوص الكتاب الكريم والسنة المطهرة ، وإن تنازعتم في شيء ، أو أشكل عليكم أمر ، فردوه إلى الله ورسوله كما قال تبارك وتعالى : } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا { .
أيها الأخوة المؤمنون :
لا تغركم دعاوى هؤلاء ، ولا تخدعكم دموعهم الزائفة على الأمة ، واحذروا أساليبهم الماكرة ، وأقلامهم القذرة ، وأفكارهم المنحرفة ، عبر مقالاتهم المنمقة ، وتذكروا قول الله تعالى عن المنافقين : } وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ { .
اسأل الله أن يهدي ضال المسلمين ، وأن يفقهنا في هذا الدين ، إنه سميع مجيب.
اللهم إنا نسألك وأنت في عليائك ، وأنت على كل شيء قدير ، وبالإجابة جدير ، أن تصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا وأن تصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأن تصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير واجعل الموت راحة لنا من كل شر اللهم اجعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشر برحمتك يا أرحم الراحمين .
اللهم أحفظ بلادنا ، ووفق ولاة أمرنا لكل أمر تحبه وترضاه ، اللهم أيد إمامنا خادم الحرمين بتأييدك ، اللهم انصر به دينك وكتابك وسنة نبيك r وعبادك الصالحين ، اللهم ارزقه البطانة الصالحة التي تدله على الخير وتعينه عليه ، واصرف عنه بطانة السوء يارب العالمين . اللهم من أرادنا بسوء اللهم اشغله بنفسه واجعل كيده في نحره واجعل تدبيره سببا لتدميره يارب العالمين .
اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا ، اللهم اسقنا غيثًا مغيثًا ، هنيئًا مرئيًا ، سحًا مجللاً ، عامًا نافعًا غير ضار، عاجلاً غير آجل ، اللهم تُسقي به البلاد ، وتغيث به العباد ، وتجعله بلاغًا للحاضر والباد ، اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا هدم ولا بلاء ولا غرق ، اللهم اسق عبادك وبلادك وبهائمك ، وانشر رحمتك ، وأحي بلدك الميت . } رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ {
عباد الله : } إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { فاذكروا الله العظيم يذكركم ، واشكروه على وافر نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
|