للمعجبين بقنوات المفسدين
الحمد لله الذي زحزح همم الأولياء ، عن السكون إلى العاجلة ، وشرح صدور السعداء ، لإيثار الآجلة ، المتفرد بالكمال والكبرياء ، والجلال والبقاء ، والعز الذي لا نفاد له .
أحمده من إله ، كريم غفور ، يغفر لمن استغفر ، ويجبر من انكسر ، ويجيب سائله .
لك الحمد يا ذا الجود والمجد والعلى
تباركت تعطي من تشاء وتمنع
إلهي وخلاقي وسؤلي وموئلي
إليك لدى الإعسار واليسر أفزع
إلهي أجرني من عذابك إنني
أسير ذليل خائف لك أخضع
اللهم يا مدعو بكل لسان ، ويا مقصود في كل أوان ’ نسألك فأنت المعروف بالإحسان ، ألا تردنا خائبين ، ولا من عطاياك مفلسين ، ولا عن بابك مطرودين ، وآمنا من فزع يوم الدين , برحمتك يا ارحم الراحمين .
وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وحبيبه وخليله ، أرسله إلى أمة غافلة ، فبين لها كل مشكلة ، وأوضح لها حكم كل نازلة ، صلوات ربي وسلامه عليه ، وعلى آله وصحبه ، صلاة دائمة متواصلة .
أما بعد ، عباد الله :
اتقوا الله U ، } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ { جعلني الله وإياكم من عباده المتقين .
أيها المسلمون :
حادثة يندى لها الجبين ، ولايصدقها عاقل ، بل لا يستسيغها مسلم رضي بالله ربا ، وبمحمد r رسولا ، وبالإسلام دينا ، ولكنها حدثت ـ أيها الأخوة ـ فلا بد من ذكرها ، والتحذير من تبعاتها ، والحذر من سوء نتائجها .
هي باختصار ـ أيها الأخوة ـ حادثة رجل ، جاء بمعلم لأطفاله ونسائه وأهل بيته ، ليستفيدوا منه ، ولكنه ـ وللأسف ـ معلم خبيث ، شره أكثر من خيره ، باشر عمله دون تأخر ، فصار بين أفراد الأسرة الكريمة ، يبذل ما بوسعه في تعليمهم ما يقضي على مستقبلهم ، فتارة يكون درسه لتسميم أفكارهم ، وأخرى لإفساد أخلاقهم ، وأخرى لتنديس عفافهم ، وأخرى لإضعاف ولائهم وبرائهم ، وأخرى لمحاربة دينهم ، بل وصلت به الوقاحة والخبث ، بأن يعرض لهم صورا لأجساد عارية ، ونماذج لسهرات مختلطة ، تدار فيها الخمور ، وينتشر فيها السفور ، بل حتى أطفالهم لم يسلموا من شره ، بسببه وسبب تعليمه صارت عقيدتهم بالله ضعيفة ، وبالغيب مزعزة ، وبالأقدار منحرفة .
أيها الأخوة :
بالله عليكم ، هل هذا الرجل يعتبر عاقلا ؟ من يأتي بمعلم يعلم أهله وفلذات كبده ، ما يكون سببا في شقائهم ، ووسيلة لإفساد أخلاقهم ، هل هذا عاقل ؟ لا شك إن العقل بواد وهو بواد آخر ، إن له نصيب من الجنون ، بل هو المجنون بعينه .
ـ أيها الأخوة ـ من منا من يتمنى أن يكون هو ذلك الرجل ، الساذج الغاش لرعيته ، الذي يخشى أن يُحرمُ اللهُ عليه الجنة ، لأن النبي r في الحديث يقول : (( ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة )) .
لا شك ـ أيها الأخوة ـ أن العاقل يستعيذ بالله ويسأله أن لا تكون حاله في بيته ومع أهله وأسرته ، كحال هذا الرجل . ولكن حقيقة ـ أيها الأخوة ـ إن ذلك الرجل ، صاحب المعلم ، هو كثير من المسلمين اليوم !
إن المعلم ، الذي ذكرت لكم ، إنه قنوات الفساد الموجودة في أكثر بيوت الناس ، ولم يسلم منها إلا من رحم الله تعالى !
قد عملت إحصائية ـ أيها الأخوة ـ على شريحة من الناس ، وخاصة من يتوقع منهم الخير ، ومن يعرف فيهم الحرص على الدين ، فماذا كانت النتيجة ، أقل واحد وجدت عنده ثلاثون قناة ، وبعضهم عنده أكثر من ألف قناة ، وكل باقة من هذه القنوات لها اتجاه وأهداف ومقاصد معينة ، صحيح ـ أيها الأخوة ـ أن من بينها قنوات إسلامية ، تعلم القرآن وتنشر الدين ، ولكنها قلة ، فالنسبة العظمى لقنوات ذات أهداف تجارية أو سيئة ، فمن بين هذه القنوات قنوات لنشر البدع ، ومحاربة السنة الصحيحة ، كقنوات الرافضة والصوفية، وقنوات أخرى لتنمية فكر الخوارج ، كالقنوات التي تدس السم بالعسل ، وتنشر فكر الخوارج بدعوى الجهاد ، ونصرة المسلمين ، وأخرى لنشر الرذيلة والشذوذ ، كقنوات المسلسلات والأفلام والمسرحيات ، وأخرى لهدم العقيدة كقنوات الأطفال ، وأخرى وأخرى ، وهذا ما يتوقع من آلاف القنوات ، وهاهي النتائج واضحة .
اتصلت بي امرأة ، تشتكي من وضع أخت لها ، متأثرة بهذه القنوات ، تقول أنها لا تتكلم إلا بالجهاد ، حتى سموها بالمجاهدة ، هاتفها الجوال مملوء بالمقاطع والأناشيد ، لمن يعرفون بالجهاد ، طبعا الجهاد بمفهوم الخوارج لا بمفهومه الإسلامي الصحيح ، كنّت نفسها بأم البراء ، أسوة بأم الزبير وأم حمزة من زميلاتها ، تقضي جل وقتها أمام قناة من يزعمون الإصلاح .
فهذا نموذج من تأثير هذه القنوات ـ أيها الأخوة ـ الذي سممت أفكار كثير من الناس ، وأفسدت أخلاقهم ولم يسلم من شرها الصغير والكبير والذكر والأنثى ، بل أحدهم ذات مرة في مجلس عام ، وهو كبير في السن ، كان يتخبط في حديث له ، فذكرته بحديث ينسف ما يتحدث به ، فقال لي : هذا حديث لا يصح عن رسول الله r ، فأصابني الشك في نفسي ، فبحثت عن الحديث ، فوجدته في صحيح مسلم ، ولكنهم يضعفونه عبر قنواتهم .
فتأملوا ـ أيها الأخوة ـ فعل هذه القنوات ، وهناك الكثير من الناس ، جعلتهم هذه القنوات يرتكبون الفواحش والمنكرات ، بسبب ما تبثه وتنشره طوال ساعات بثها غير المنقطع ، تقول زوجة أحدهم ، أن زوجها يتصرف معها تصرفات غريبة ، دخيلة على المجتمع المسلم ، والسبب هو ما يشاهده في هذه القنوات ، فهو يطبق ما يرى من باب الإعجاب والتأثر ، نسأل الله السلامة والعافية .
فاحذروا ـ أيها الأخوة ـ هذه القنوات ، اسأل الله أن يهدي ضال المسلمين ، إنه سميع مجيب ، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أيها المسلمون :
إن هذه القنوات ، مصدر شر ، ومنبع خطر ، ففيها نبذ للقيم الدينية ، والعادات الاجتماعية ، وقضاء على اللغة العربية ، وزهد في الآداب الإسلامية ، وهجر للصلوات في المساجد ، وترك للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وتقديس للكفرة والفسقة ، ونشر للفساد بأنواعه ، وتمرد على أحكام الشرع ، وإثارة للشهوات والشبهات ، وإضعاف لعقيدة الولاء والبراء ، وقطع للحواجز بين الكفار والمسلمين ، ودعوة للجريمة ، واستهزاء بالصالحين ، ونشر للأفكار الهدامة ، وتشويه للتاريخ الإسلامي ، كل هذا وغيره تفعله هذه القنوات الخبيثة . فاتقوا الله ـ يا عباد الله ـ واحذروا هذا الخطر المؤكد وتذكروا قول الله تعالى : } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ { ولا يكون أحدكم ، كالذين قال الله تعالى عنهم : } وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ { .
ألا وصلوا على البشير النذير ، والسراج المنير ، فقد أمركم بذلك اللطيف الخبير ، فقال جل من قائل عليما: } إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا { وفي الحديث الصحيح ، قال e : (( من صلى علي صلاةً صلى اللهُ عليه بها عشرا )) . فاللهم صل وسلم وزد وبارك على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، وارض اللهم عن التابعين وتابعي التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنا معهم بعفوك وجودك وكرمك ورحمتك يا أرحم الراحمين . اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين ، اللهم واحمي حوزة الدين ، واجعل بلدنا هذا آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين ، اللهم آمنا في أوطاننا ، واستعمل علينا خيارنا ، واجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.
} رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ {.
عباد الله :
} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ {
فاذكروا الله العظيم يذكركم ، واشكروه على وافر نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
|