تعميم الأخطاء
الحمد لله القائل : }وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى { .
أحمده حمدا يليق بكريم وجهه ، وبعظيم سلطانه ، جعل مع كل عسر يسرا .
وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وصفيه وخليله ، وخيرته من خلقه ، به عرج وأسرى . صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ، وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد ، عباد الله :
اتقوا الله U ، } وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى { ، } وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً { ، } وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً { ، } وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً { جعلني الله وإياكم من عباده المتقين .
أيها المسلمون :
في الجمعة الماضية ، كان الحديث عن البطانة ، عن قول النبي r : (( مَا بَعَثَ اللَّهُ مِنْ نَبِيٍّ وَلَا اسْتَخْلَفَ مِنْ خَلِيفَةٍ إِلَّا كَانَتْ لَهُ بِطَانَتَانِ ، بِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ ، وَبِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالشَّرِّ وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ ، فَالْمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَ اللَّهُ تَعَالَى )) وكان الهدف من طرح ذلك الموضوع ، هو إخراس بعض الألسنة ، التي تحاول الطعن في ولاة أمرنا ، وتمزيق وحدتنا ، وتفريق كلمتنا ، الذين لا يبالون فيما حرم الله ، من الغيبة والهمز واللمز ، لا يقلُّون حظا عن الذين أشار الله U إليهم بقوله : } وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُواْ مِنْهَا رَضُواْ وَإِن لَّمْ يُعْطَوْاْ مِنهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ { هذه الآية ـ أيها الأخوة ـ فضح الله U بها المنافقين ، حيث كانوا يعيبون على النبي r قسم الصدقات ، ولكنهم إذا نالهم شيء من القسمة يرضون ، فغضبهم من أجل الدنيا ، يسخطون من أجل دنيا فانية ، فحال أصحابنا ، ليست ببعيدة عن حال هؤلاء ، فهمزهم ولمزهم وغيبتهم ، لمطامع أنفسهم الدنيئة .
أيها الأخوة المؤمنون :
ومن الأمور التي وقع بها هؤلاء ؛ تعميم الأخطاء ، فإذا وجد أحدهم خطأ عممه ، ولذلك تحدثت عن البطانة ، وتعميم الأخطاء ، قضية خطيرة ، وظاهرة سيئة ، من بلي بها فهو على خطر عظيم ، يقول تبارك وتعالى : } وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً { الذين ينسبون إليهم ما هم براء منه ، ويتهمونهم بشيء لم يفعلوه ولم يعملوه ، } فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً { يستحقون العذاب والنكال .
أيها الأخوة :
إن هذه الظاهرة السيئة ، فيها مخالفة لأمر الله U ، ومخالفة لسنة رسوله r ، يقول تبارك وتعالى : } وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ { أي كل مطالب بأمر نفسه ، } كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ { كما في سورة الطور ، يقول ابن كثير في تفسيره : أي مرتهن بعمله لا يحمل عليه ذنب غيره من الناس ، سواء كان أبا أو ابنا كما قال تعالى : } كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ { .
بعض الناس ـ أيها الأخوة ـ لجهله أو لفساد عقله ، أو لخبث نفسه ، كما يقولون : يصطاد بالماء العكر ، يستغل أخطاء فردية ، ويعممها على شريحة من الناس ، فمثلا أخطأ معلم ، تجده يقول المعلمون خطاءون ، بل قد يصل حقده إلى وزارة التربية والتعليم ، ومثله الذين يطعنون في بعض الجهات ، من أجل خطأ فرد من أفرادها ، وهذا أمر كما أسلفت لا يجوز شرعا ، ليس من الإنصاف ولا من العدل أن يؤخذ البريء بجريرة المسيء .
نعم ـ أيها الأخوة ـ النبي r حذر من هذا الأمر ، وبين لنا أنه جريمة عظيمة ، فقد روى البخاري ومسلم ـ رحمهما الله تعالى ـ عن أبي هريرة t أن رسول الله r قال : (( نزل نبي من الأنبياء تحت شجرة فلدغته نملة ، فأمر بجهازه فأخرج من تحتها )) أي من تحت الشجرة (( ثم أمر ببيتها فأُحرق بالنار ، فأوحى الله إليه : فهلا نملة واحدة (( وفي رواية عند مسلم عن أبي هريرةt : (( أن نملة قرصت نبياً من الأنبياء ، فأمر بقرية النمل فأُحرقت ، فأوحى الله إليه أفي أن قرصتك نملة أهلكت أمة من الأمم تسبح (( فعاتب الله U هذا النبي وهو نبي من أنبيائه ، فما بالكم ـ أيها الأخوة ـ بمن يفعل ذلك من أجل دنيا فانية ، وحطام زائل ، يتجرأ على ما حرم الله ، فيغتاب أقواما ويبهت آخرين . لا شك أنه على خطر عظيم ،
اسأل الله U أن يهدي ضال المسلمين ، إنه سميع مجيب ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أيها الأخوة المؤمنون :
إن المسلم معرض للأخطاء ، كما جاء في حديث النبي r : (( كل ابن آدم خطاء ، فخير الخطائين التوابون )) ومن الذي لا يخطئ ـ أيها الأخوة ـ ولكن ينبغي أن لا يعمم الخطأ ، بل ينبغي أن لا يستحل عرض المسلم بسبب خطاء ارتكبه ، ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة t قال : أتي النبي r بسكران فأمر بضربه ، فمنا من يضربه بيده ، ومنا من يضربه بنعله ، ومنا من يضربه بثوبه فلما انصرف قال رجل : ماله أخزاه الله ! فقال رسول الله r : (( لاتكونوا عون الشيطان على أخيكم )) .
فتأمل أخي ـ يا رعاك الله ـ سكران يؤتى به إلى النبي r ، وينهى أن يسب لكي لا يعان الشيطان عليه .
فاتقوا الله ـ عباد الله ـ وكونوا يدا واحده ، واحذروا تعميم الأخطاء ، بل واحذروا أعراض المسلمين في مجالسكم ، وخاصة ولاة أمركم ، ففي الحديث الذي رواه البخاري عن أبي هريرة t قال : قال رسول الله r : (( ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة )) وذكر منهم : (( ورجل بايع إماما لا يبايعه إلا لدنياه إن أعطاه ما يريد وفى وإلا لم يف ))
اسأل الله أن يهدي ضال المسلمين ، وان يرزقنا جميعا الفقه في الدين ، وأن يجعلنا من عباده الصالحين ، إنه سميع مجيب .
اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى ، اللهم أحينا سعداء ، وتوفنا شهداء ، واحشرنا في زمرة الأتقياء ، برحمتك يا أرحم الراحمين .
اللهم إنا نسألك رضاك والجنة ، ونعوذ بك من سخطك والنار .
اللهم إنا نسألك نصر الإسلام وعز المسلمين ، اللهم انصر الإسلام واعز المسلمين ، واحمي حوزة الدين واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين ، اللهم آمنا في أوطاننا ، واستعمل علينا خيارنا ، واجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك ، واتبع رضاك يا رب العالمين . اللهم أيد إمامنا ، خادم الحرمين الشريفين بتأييدك ، اللهم انصر به دينك وكتابك وسنة نبيك يا رب العالمين ، اللهم وفقه لهداك واجعل عمله في رضاك ، وأمد بعمره على طاعتك يا رب العالمين .
اللهم إنا نسألك وأنت في عليائك ، وأنت الغني ونحن الفقراء إليك ، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، اللهم أغثنا ، غيثا مغيثا ، هنيئا مريئا ، سحا غدقا ، نافعا غير ضار ، عاجلا غير آجل ، اللهم اسق بلادك وعبادك وبهائمك ، اللهم انشر رحمتك على بلدك الميت . ] رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [
عباد الله :
] إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [ فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على وافر نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
|