البطانة وأهميتها
الحمد لله ، عالم السر والمكنون ، المطلع على عبده أينما يكون ، والمحصي للحركات والسكون ، يعلم ما كان وما يكون } لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ { .
أحمده حمدا يليق بكريم وجهه ، وبعظيم سلطانه } وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيّاً وَحِينَ تُظْهِرُونَ { .
لك الحمد يا ذا الجود والمجد والعلا
تباركت تعطي من تشاء وتمنع
إلهي وخلاقي وحرزي ومؤلي
إليك لدى الإعسار واليسر أفزع
إلهي لئن جلت وجمت خطيئتي
فعفوك عن ذنبي أجل وأوسع
اللهم إنا نسألك مغفرة ذنوبنا ، وستر عيوبنا ، وصلاح قلوبنا ، برحمتك يا أرحم الراحمين .
وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، أرسله رحمة للعالمين ، } فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ { صلى الله عليه ، وعلى آله وصحبه ، ومن سار على نهجه وسلم تسليماً كثيراً .
أما بعد ، عباد الله :
اتقوا الله U ، فقد قال سبحانه : } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ { جعلني الله وإياكم من عباده المتقين.
عباد الله :
روى الإمام البخاري ، في كتابه الصحيح ، الذي هو أصح كتاب ، بعد كتاب الله تعالى ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ r قَالَ : (( مَا بَعَثَ اللَّهُ مِنْ نَبِيٍّ وَلَا اسْتَخْلَفَ مِنْ خَلِيفَةٍ إِلَّا كَانَتْ لَهُ بِطَانَتَانِ ، بِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ ، وَبِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالشَّرِّ وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ ، فَالْمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَ اللَّهُ تَعَالَى )) .
أيها الأخوة :
هذا حديث عظيم ، يبين أهمية البطانة ، ذكره r ليحرص المسلم ، على البطانة الصالحة ، التي تأمره بالمعروف وتحضه عليه وتعينه ، ويحذر من البطانة السيئة ، التي تأمره بالشر ، وتحضه عليه ، والمعصوم ، كما قال r : (( الْمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَ اللَّهُ تَعَالَى )) .
وفي هذا الحديث العظيم أيضا ، يشير r إلى تأثير البطانة الأكيد ، على الإنسان ، ولهذا نهى الله U عن اتخاذ المنافقين بطانة ، كما جاء في سورة آل عمران ، يقول تبارك وتعالى : } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ { ففي هذه الآية ينهى الله U ـ كما جاء في تفسير ابن كثير ـ ينهى عباده المؤمنين ، عن اتخاذ المنافقين بطانة ، وكذلك غيرهم من أهل الأديان ، } لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ { أي من غيركم .
فالإنسان يتأثر ببطانته ، والتأثر يكون على حسب اتجاه البطانة ، وفي الحديث : (( المرء على دين خليله )) فإن كانت بطانته صالحة ، فلا يجد إلا المعروف يؤمر به ويحض عليه ، ويعان على فعله ، وإن كانت ـ والعياذ بالله ـ سيئة ، فلا يجد إلا الشر يزين له ، بل ويدل عليه ، ويحض على فعله ، ولذلك ـ أيها الأخوة ـ في رواية أخرى لحديث البطانة ، في سنن النسائي وصححه الألباني ، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه ، أنه قال: قال رسول اللّه r : (( ما من والٍ إلا وله بطانتان ، بطانة تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر، وبطانة لا تألوه خبالا ، فمن وقي شرها فقد وقي ، وهو من التي تغلب عليه منهما )) .
أيها الأخوة المؤمنون :
ولكي ندرك أهمية اختيار البطانة ، نتأمل قصة نبي من أنبياء الله ، ورسول من أولي العزم من الرسل ، موسى ـ عليه السلام ـ حينما أرسله الله U إلى فرعون فقال : } اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى { فأخذ موسى يسأل الله U أن يشرح صدره ، وييسر أمره ، ويجعلهم يفقهون قوله ، ثم قال موسى : } وَاجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي ، هَارُونَ أَخِي { لو كان أحد يستغني عن البطانة لاستغنى كليم الله موسى !
سأل الله U أن يجعل أخاه من بطانته ، لماذا ـ أيها الأخوة ـ ؟ ليوظف جماعته ، ويرقي أصحابه في الاستراحة ، وينتدب من يطبل له ! لا ، اسمعوا سبب اختياره } كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً ، وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً { هذا هو السبب ، ليعينه على الخير ، على تسبيح الله U ، وذكر الله سبحانه ، لا ليسافر معه أو يقرضه ، أو يكون أول معازيمه } كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً ، وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً { .
وتأملوا ـ أيها الأخوة ـ بطانة السوء ماذا تفعل ، حينما ذهب موسى وأخوه إلى فرعون ، وعند فرعون بطانته ـ وبئس البطانة ـ وعلى رأسهم هامان ، ينقل عن وهب بن منبه أنه قال : قال موسى لفرعون : آمن ولك الجنة , ولك ملكك . قال : حتى أشاور هامان , فشاوره في ذلك فقال له هامان : بينما أنت اله تُعبد , إذ صرت تعبد , فآنف واستكبر وكان من أمره ما كان .
اسأل الله U أن يهدي ضال المسلمين ، إنه سميع مجيب ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً .
أيها الأخوة المؤمنون :
إن البطانة سواء كانت صالحة أو سيئة ، تعرف من صفاتها ، ويحكم عليها من سماتها ،
ومن أبرز هذه الصفات وتلك السمات :
الأنانية ، فإذا كانت البطانة بطانة سيئة ، فإن الأنانية تبلغ منها مبلغا عظيما ، فالرجل من هذه البطانة ، لا يهمه إلا نفسه ، لا تهمه مصلحة غيره ، يقدم مصلحته على كل مصلحة ، ومنفعته على كل منفعة وذاته على كل ذات ، تجتمع فيه آيات المنافق التي ذكر النبي r في الحديث : (( آية المنافق ثلاث : إذا حدّث كذب ، وإذا وعد اخلف ، وإذا اؤتمن خان )) يكذب لأنه يزين الأمور ، ويخفي العيوب ، لكي لا يخسر ثقة مسئوله ، وليظهر أمامه بأنه العامل المخلص ، والموظف المثالي ، لا يتورع عن قلب الحقائق وتزيين القبيح منها ، ويوحي لرئيسه أن كل شيء على ما يرام ، وأن الأمور كما يقولون تمام التمام .
أما الرجل من البطانة الصالحة ، فإنه أبعد الناس عن الأنانية ، وأبعد الناس عن النفاق وآياته ، وذلك لنصحه وأمانته وإخلاصه ، منهجه في عمله قول النبي r في الحديث الذي رواه مسلم عن تَمِيمٍ الدَّارِيِّ أَنَّه r قَالَ : (( الدِّينُ النَّصِيحَةُ قُلْنَا لِمَنْ قَالَ لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ )) .
فاتقوا الله عباد الله ، وليحرص المسئول منكم على البطانة الصالحة ، التي تدله على الخير وتعينه عليه ، وليحذر بطانة السوء .
ألا وصلوا على البشير النذير والسراج المنير فقد أمركم بذلك اللطيف الخبير فقال جل من قائل عليما : } إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً { فاللهم صلي وسلم وزد وبارك على نبينا محمد ، صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر ، وارض اللهم عن صحابته الغرر ، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، وعن بقية الصحابة أجمعين ، وعن التابعين وتابعي التابعين ومن تبعهم بإحسان على يوم الدين ، وعنا معهم بعفوك وجودك وكرمك ورحمتك يا أرحم الراحمين ، اللهم إنا نسألك نصر الإسلام وعز المسلمين ، اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين ، واحمي حوزة الدين واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين ، اللهم آمنا في أوطاننا ، واستعمل علينا خيارنا ، واجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك ، واتبع رضاك يا رب العالمين .
اللهم أيد إمامنا ، خادم الحرمين الشريفين بتأييدك ، اللهم انصر به دينك وكتابك وسنة نبيك يا رب العالمين ، اللهم ارزقه البطانة الصالحة ، التي تدله على الخير وتعينه عليه ، واصرف عنه بطانة السوء من المنافقين والعلمانيين ، اللهم وفقه لهداك واجعل عمله في رضاك ، وأمد في عمره على طاعتك يا رب العالمين .
} رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ {
عباد الله :
} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على وافر نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر و الله يعلم ما تصنعون .
|