الدراسة وأنفلونزا الخنازير
الحمد لله ، الكريم الجواد ، اللطيف بالعباد ، المتفرد بالخلق والإيجاد ، المنزه عن الأضداد والأنداد ، } يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ { ، } وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ { .
سبحانه من إله ، يغفر الزلات ، وينقذ من الهلكات ، ويرفع الدرجات ، ويرسل الآيات تخويفا للعباد .
جَلَّ ربٌ أحاطَ بالأشياءِ
واجدٌ ماجدٌ بغيرِ خفاء
جلَّ عن شِبْهٍ له ونظيرٍ
وتعالى حقا عن القُرَنَاءِ
عالم السرِ كاشفُ الضرِّ يعفو
عن قبيحِ الأفعالِ يومَ الجزاءِ
مَا عَلَى بابهِ حِجَابٌ ولكنْ
هو من خلقهِ سميعُ الدُّعَاءِ
لذ به أيها الغفولُ وبادِرْ
تحظَ من فضلِهِ بنيلِ العطاءِ
اللهم إنا نسألك الأمن في أوطاننا ، والصحة في أبداننا ، برحمتك يا أرحم الراحمين .
وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده المتصرف بشئون العباد ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، خير نبي وهاد ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم التناد .
أما بعد :
اتقوا الله ـ عباد الله ـ وتزودوا لآخرتكم فإن تقوى الله خير زاد ، } لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ { جعلني الله وإياكم من عباده المتقين .
أيها الأخوة المؤمنون :
الدراسة ووباء الخنازير ، قضية هي حديث الناس في هذه الأيام ، فقد وافق بدء العام الدراسي ، هذا الوباء الخطير ، وفي هذه المناسبة ، حديثنا في هذا اليوم ، عن هذه القضية ، فهذا المرض الذي انتشر ، يجب التعامل معه على ضوء الشرع وحسب توجيهاته وتعليماته ، لأن الإسلام دين عظيم ، ما ترك خيرا إلا ودل عليه ، وما ترك شرا إلا وحذر منه ، وهو الدين الصالح لكل زمان ومكان ، وداء الخنازير ، داء تحدث الأطباء عن خطورته ، وبينوا ضرره على الإنسان ، وقد سمعنا ـ أيها الأخوة ـ بأعداد من ماتوا بسبب هذا الداء ، والحق يقال ؛ نحن في دولة ـ ولله الحمد ـ تحرص على سلامة أبنائها ، بل وحتى المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ، فلم تألوا جهدا ، ولم تدخر وسعا ، في مجال مكافحة الأمراض ، وسلامة الأرواح ، وصحة الأبدان ، وهذا الأمر الأول ؛ الذي يبعث على الاطمئنان ، فلا داعي للهلع ، ولا مجال لأصحاب الدعايات المغرضة ، ومروجي الإشاعات ، والذين يصطادون بالماء العكر والمرجفين . وأما الأمر الآخر ، فهو حديث النبي r الذي رواه الإمام مسلم عن ثوبان t قال : قال رسول الله r : (( إن الله زوى لي الأرض ، فرأيت مشارقها ومغاربها ، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها ، وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض )) يعني الذهب والفضة (( وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة عامة ، وأن لا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم ، فيستبيح بيضتهم ، وإن ربي قال يا محمد : إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد ، وإني أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة عامة ، وأن لا أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم ، يستبيح بيضتهم ، ولو اجتمع عليهم من بأقطارها ـ أو قال من بين أقطارها ـ حتى يكون بعضهم يهلك بعضا ، ويسبي بعضهم بعضا )) .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : وكان من حكمته ورحمته ـ سبحانه وتعالى ـ لما أرسل محمداً ، أن لا يهلك قومه بعذاب الاستئصال كما أهلكت الأمم قبلهم ، بل عذب بعضهم بأنواع العذاب كما عذب طوائف ممن كذبه بأنواع من العذاب .
أيها الأخوة :
و تنوع الأمراض ، وكثرة البلايا والطواعين نوع من أنواع العذاب ، الذي يعذب به الله U الأمم المتجبرة الكافرة أو المسلمة العاصية ، كما قال النبي r في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن أسامة بن زيد قال : قال رسول الله r : ((الطاعون رجسٌ أرسل على طائفة من بني إسرائيل أو على من كان قبلكم)) وقد توعد الله فيه عصاة الأمم ، فيما جعل الطاعون رحمة وشهادة لهذه الأمة كما في حديث النبي r الذي رواه ابن ماجه والحاكم : ((لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا)) يقول القرطبي في تفسيره : الله لا يغير ما بقوم من النعمة والعافية حتى يغيروا ما بأنفسهم بالإصرار على الكفر، فإن أصروا حان الأجل المضروب ونزلت بهم النقمة .
أيها الأخوة :
فلنتق الله U ، ولنتوكل عليه ، ونحذر أسباب وقوع مثل هذا الداء ، من ظلم وكفر وطغيان ، ومن معاصي ومنكرات ، ومن ترك للأمر بالمعروف ونهي عن المنكر ، ومن عتو وكبر وغرور ، ومن غلو في الدين ، ومن كفران للنعم ، فهذه الأشياء تسبب غضب الله وسخطه ، وتجلب عقوبته وأخذه ، فلنتق الله يا عباد الله ، ولنحذر ، فليس بيننا وبين الله نسب ولا واسطة .
أسأل الله U أن يهدي ضال المسلمين ويرزقنا جميعا الفقه في الدين إنه سميع مجيب ، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيراً .
أيها الأخوة المؤمنون :
وبمناسبة الدراسة وهذا الوباء ، نتذكر ما رواه البخاري ومسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ t خَرَجَ إِلَى الشَّامِ حَتَّى إِذَا كَانَ بِسَرْغَ لَقِيَهُ أُمَرَاءُ الأَجْنَادِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ وَأَصْحَابُهُ ، فَأَخْبَرُوهُ أَنَّ الْوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِأَرْضِ الشَّامِ ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : فَقَالَ عُمَرُ : ادْعُ لِي الْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ ، فَدَعَاهُمْ فَاسْتَشَارَهُمْ وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ الْوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِالشَّامِ فَاخْتَلَفُوا . فَقَالَ بَعْضُهُمْ : قَدْ خَرَجْتَ لأَمْرٍ ، وَلاَ نَرَى أَنْ تَرْجِعَ عَنْهُ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : مَعَكَ بَقِيَّةُ النَّاسِ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ r وَلاَ نَرَى أَنْ تُقْدِمَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَبَاءِ ، فَقَالَ : ارْتَفِعُوا عَنِّي ، ثُمَّ قَالَ : ادْعُوا لِي الأَنْصَارَ ، فَدَعَوْتُهُمْ فَاسْتَشَارَهُمْ ، فَسَلَكُوا سَبِيلَ الْمُهَاجِرِينَ ، وَاخْتَلَفُوا كَاخْتِلاَفِهِمْ ، فَقَالَ : ارْتَفِعُوا عَنِّي ، ثُمَّ قَالَ : ادْعُ لِي مَنْ كَانَ هَا هُنَا مِنْ مَشْيَخَةِ قُرَيْشٍ مِنْ مُهَاجِرَةِ الْفَتْحِ ، فَدَعَوْتُهُمْ ، فَلَمْ يَخْتَلِفْ مِنْهُمْ عَلَيْهِ رَجُلاَنِ ، فَقَالُوا : نَرَى أَنْ تَرْجِعَ بِالنَّاسِ ، وَلاَ تُقْدِمَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَبَاءِ ، فَنَادَى عُمَرُ فِي النَّاسِ : إِنِّي مُصَبِّحٌ عَلَى ظَهْرٍ ، فَأَصْبِحُوا عَلَيْهِ ، قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ : أَفِرَاراً مِنْ قَدَرِ اللَّهِ ؟ فَقَالَ عُمَرُ : لَوْ غَيْرُكَ قَالَهَا يَا أَبَا عُبَيْدَةَ ! ، نَعَمْ نَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ إِلَى قَدَرِ اللَّهِ ، أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لَكَ إِبِلٌ هَبَطَتْ وَادِيًا لَهُ عُدْوَتَانِ ، إِحْدَاهُمَا خَصِبَةٌ ، وَالأُخْرَى جَدْبَةٌ ، أَلَيْسَ إِنْ رَعَيْتَ الْخَصْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللَّهِ ، وَإِنْ رَعَيْتَ الْجَدْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللَّهِ ، قَالَ : فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ - وَكَانَ مُتَغَيِّبًا فِي بَعْضِ حَاجَتِهِ - فَقَالَ : إِنَّ عِنْدِي فِي هَذَا عِلْمًا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ : (( إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلاَ تَقْدَمُوا عَلَيْهِ ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلاَ تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ )) .
قال ابن حجر رحمه الله : وَفِي هَذَا الْحَدِيث : جَوَاز رُجُوع مَنْ أَرَادَ دُخُول بَلْدَة فَعَلِمَ أَنَّ بِهَا الطَّاعُون ، وَأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ الطِّيَرَة ، وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ مَنْع الْإِلْقَاء إِلَى التَّهْلُكَة ، أَوْ سَدّ الذَّرِيعَة ... وَفِي الْحَدِيث أَيْضاً : مَنْع مَنْ وَقَعَ الطَّاعُون بِبَلَدٍ هُوَ فِيهَا مِنْ الْخُرُوج مِنْهَا .
فاتقوا الله ـ يا عباد الله ـ } ومَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً { وتوكلوا عليه : }وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ { واحذروا الإشاعات المغرضة ، وأحاديث المرجفين ، ودعايات المضللين ، كونوا يدا واحدة ، } وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ { .
ألا وصلوا على البشير النذير والسراج المنير فقد أمركم بذلك اللطيف الخبير فقال جل من قائل عليما : } إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً { فاللهم صلي وسلم وزد وبارك على نبينا محمد ، صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر ، وارض اللهم عن صحابته الغرر ، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، وعن بقية الصحابة أجمعين ، وعن التابعين وتابعي التابعين ومن تبعهم بإحسان على يوم الدين ، وعنا معهم بعفوك وجودك وكرمك ورحمتك يا أرحم الراحمين ، اللهم إنا نسألك نصر الإسلام وعز المسلمين ، اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين ، واحمي حوزة الدين واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين ، اللهم آمنا في أوطاننا ، واستعمل علينا خيارنا ، واجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك ، واتبع رضاك يا رب العالمين .
اللهم أيد إمامنا ، خادم الحرمين الشريفين بتأييدك ، اللهم انصر به دينك وكتابك وسنة نبيك يا رب العالمين ، اللهم ارزقه البطانة الصالحة ، التي تدله على الخير وتعينه عليه ، واصرف عنه بطانة السوء من المنافقين والعلمانيين ، اللهم وفقه لهداك واجعل عمله في رضاك ، وأمد في عمره على طاعتك يا رب العالمين .
} رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ {
عباد الله :
} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على وافر نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر و الله يعلم ما تصنعون .
|