التذكير بمرور الأيام
وقرب حلول شهر رمضان
الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره؛ ونعوذ بالله من شرور أنفسنا؛ ومن سيئات أعمالنا؛ من يهده الله فلا مضل له؛ ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:- عباد الله:
اتقوا الله تعالى, واعتبروا بمرور الأيام, واجعلوا ذلك سبباً لاجتهادكم، ومحفزاً لمحاسبة النفس, والإقبالِ على الله, وتذكرِ الموتِ والبعثِ والحساب. خصوصاً وأننا نلمس تقارب الزمان وسرعة الأيام, مصداقاً لما رواه الترمذي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان وتكون السنة كالشهر، والشهر كالجمعة، وتكون الجمعة كاليوم، ويكون اليوم كالساعة، وتكون الساعة كالضرمة بالنار ) .
عباد الله:
جمعتنا هذه قد تكون آخرَ جمعةٍ من شعبان, نستقبل بعدها شهر رمضان, الذي نسأل الله أن يبلغنا إياه, وأن يجعلنا ممن يصومه ويقومه إيمانا واحتسابا.
وطولُ العُمُر إذا لم يكن على طاعة الله، فإنه وبال على صاحبه, لأن العبد سيُسألُ عن عمره فيما أفناه. وخيرُ المؤمنين من طال عُمُرُه وحَسُنَ عمله.
فينبغي علينا أن نحاسب أنفسنا في ذلك محاسبةً جادة,
وأعظمُ ما يتعلق بمحاسبة النفس:
أولا: أن يتذكر العبد الحكمة من خلق الثقلين, ألا وهي عبادة الله وحده لا شريك الله, وطاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم. قال تعالى: ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ),
فإن العبد متى ما غفل عن ذلك, زاد تعلقه بالدنيا, وزاد إعراضه, وتساهل في الذنوب والمعاصي. ومتى ما تذكر ذلك دائماً هانت عليه الدنيا, وسخر غالب وقتِه فيما يقربه إلى الله. فو الله إن هذه الآية لتُزَهِّد في الدنيا لمن تأملها جيداً, وتذكر أن ما يراه ويشاهده إنما هو من أجل أمر واحد فقط, وأنه ما خرج من بطن أمه إلا من أجل أمرٍ واحد فقط,
ألا وهو عبادة الله وحده لا شريك له, وطاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم.
لا بد وأن يزهد في الدنيا, وتهون في قلبه. ويكفي في ذلك ما رواه الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الدنيا ملعونة, ملعون ما فيها, إلا ذكر الله وما والاه وعالم ومتعلم ).
ثانيا: فيما يتعلق بمحاسبة النفس:
التوبة النصوح من جميع الذنوب والمعاصي, فإن التوبة من العبد مقبولة مهما بلغت ذنوبه متى ما توفرت شروطها .
وشروطها: الإخلاص, والندم, والإقلاع عن الذنب, والعزيمة على عدم العودة إلى الذنب .
وإذا كان على العبد حقوق أو مظالم, فلا بد من التخلص منها, والتحلل من أصحابها, فإن مظالم العباد لا تُتْرَك يوم القيامة, حتى ولو كان الشخص من أعبد الناس, قال صلى الله عليه وسلم: ( من كان لأخيه مظلمة من عرض أو مال, فليتحلله اليوم, قبل أن يؤخذ منه يوم لا دينار ولا درهم, فإن كان له عمل صالح, أُخِِذَ منه بقدر مظلمته, وإن لم يكن له عمل, أُخِذَ من سيئات صاحبه فجعلت عليه ) رواه البخاري. وقال صلى الله عليه وسلم: ( إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة, ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا, وأكل مال هذا, وسفك دم هذا, وضرب هذا, فيعطي هذا من حسناته, وهذا من حسناته, فإن فنيت حسناته قبل أن يُقضَى ما عليه, أُخِذَ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار ) رواه مسلم .
ومما يتعلق بحقوق العباد: الديون, فيجب على المسلم أن يبادر بوفاء دينه وأن لا يتساهل, فإنه من الحقوق التي لا تترك .
ثالثا: فيما يتعلق بمحاسبة النفس:
النظر فيما أوجب الله من الأعمال, والتوبة من التقصير في أدائها أو تركها, كالصلاة مع الجماعة, وأداء الزكاة, وبر الوالدين وصلة الرحم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وتربية الأولاد, فإن تربيتهم على الإيمان والتقوى فرض عين, لا يُعْفَى الشخص عنها, حتى ولو كان الشخص صالحا في نفسه .
ومن ذلك: مجاهدة النفس في ترك الذنوب والمعاصي, والصبر على ذلك, فإن النار حُفَّت بالشهوات التي تحتاج إلى صبر ومصابرة, وعزيمة على تركها .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم؛ ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم؛ أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد:- عباد الله:
إدراك شهر رمضان, نعمة عظيمة لمن أراد استغلالها, ولا يشعر بذلك إلا من عرف أهمية العمل الصالح, وفضل تسخير العُمُر فيه, وقد ورد في ذلك موعظة بليغة يغفل عنها أكثر الناس, موعظة لا يشعُر بِعِظَمِها إلا أصحاب القلوب الحية, التي تعلقت بالله, وعلمت حق اليقين أن طول العُمُر فرصةٌ عظيمة للتزود بالطاعة, خلافاً لمن يجعل طول العمُر فرصةً للتمتع بالدنيا التي لا تزن عند الله جناح بعوضة,
ألا وهي ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم عن ثلاثةِ أصحاب, ذكر: بأن الأول منهم مات شهيداً ثم لحقه الثاني بعده بسنة ثم مات الثالث بعدهم بسنة على فراشه، فـرُؤِيَ متقدماً على صاحبيه، فلما سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك؟ قال: ألم يدرك رمضان؟ ألم يصل كذا وكذا ؟ .
فنسأل الله أن يستعملنا في طاعته, وأن يجعلنا ممن طال عُمُرُه وحسُنَ عملُه ، اللهم بلغنا رمضان ؛ اللهم وفقنا لصيامه وقيامه إيماناً واحتساباً . اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل .
** انتهت الخطبة ** |