الحمدُ لله اللطيفِ الرؤوفِ
المَنَّانِ، الحَلِيمِ الكَرِيم الرحيم الرحمن، الأوَّلِ فلا شَيْءٍ قبلَه،
الاخِرِ فلا شَيْء بعده، الظَاهرِ فلا شَيْء فوْقَه، الباطِن فلا شَيْءٍ دُونَه،
وأشهد أن لا إله إلاَّ الله وحْدَه لا شريكَ له
المَلِكُ الدَّيَّان، وأشهد أنَّ محمداً عَبْدُهُ ورسولُهُ المبعوثُ إلى الإِنس
والجان، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعينَ لهم بإحسان ما توالت
الأزمان، وسلَّم تسليماً.
أما بعد
فتقوى الله خير الزاد ليوم المعاد
عباد الله : لقد أظَلَّنَا شهرٌ كريم، وموسمٌ عظيم،
يُعَظِّمُ اللهُ فيه الأجرَ ويُجْزلُ المواهبَ، ويَفْتَحُ أبوابَ الخيرِ فيه لكلِ
راغب، شَهْرُ الخَيْراتِ والبركاتِ، شَهْرُ المِنَح والْهِبَات، {شَهْرُ رَمَضَانَ
الَّذِى أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى
وَالْفُرْقَانِ}، شهرٌ مَحْفُوفٌ بالرحمةِ والمغفرة والعتقِ من
النارِ، اشْتَهَرت بفضلِهِ الأخبار، وتَوَاتَرَت فيه الاثار، ففِي الصحِيْحَيْنِ:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «إِذَا جَاءَ
رمضانُ فُتِّحَت أبوابُ الجنَّةِ، وغُلِّقَتْ أبوابُ النار، وصُفِّدتِ
الشَّياطينُ». وإنما تُفْتَّحُ أبوابُ الجنة في هذا الشهرِ لِكَثْرَةِ الأعمالِ
الصَالِحَةِ وتَرْغِيباً للعَاملِينْ، وتُغَلَّقُ أبوابُ النار لقلَّة المعاصِي من
أهل الإِيْمان، وتُصَفَّدُ الشياطينُ فَتُغَلُّ فلا يَخْلُصونُ إلى ما يَخْلُصون
إليه في غيرِه.
كان النبي صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه يقول:
"قد جاءكم شهر رمضان شهر مبارك كتب الله عليكم صيامه فيه تفتح أبواب الجنان
وتغلق فيه أبواب الجحيم وتغل فيه الشياطين فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها
فقد حرم" رواه أحمد والنسائي قال بعض
العلماء: هذا الحديث أصل في تهنئة الناس بعضهم بعضا بشهر رمضان كيف لا يبشر المؤمن
بفتح أبواب الجنان كيف لا يبشر المذنب بغلق أبواب النيران كيف لا يبشر العاقل بوقت
يغل فيه الشياطين من أين يشبه هذا الزمان زمان.
بلوغ شهر
رمضان وصيامه نعمة عظيمة على من أقدره الله عليه ويدل عليه حديث الثلاثة الذين
استشهد اثنان منهم ثم مات الثالث على فراشه بعدهما فرؤي في المنام سابقا لهما فقال
النبي صلى الله عليه وسلم: "أليس صلى بعدهما كذا وكذا صلاة وأدرك رمضان
فصامه؟! فوالذي نفسي بيده إن بينهما لأبعد مما بين السماء والأرض" خرجه
الإمام أحمد
عباد
الله : ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: "كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف قال عز وجل:
إلا الصيام فإنه لي وأنا الذي أجزي به "
فإن الصيام من الصبر وقد قال الله تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ
أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}, والصبر ثلاثة أنواع: صبر على طاعة الله وصبر عن
محارم الله وصبر على أقدار الله المؤلمة. وتجتمع الثلاثة في الصوم ,
واعلموا أنه لا يتم التقرب إلى
الله تعالى بترك هذه الشهوات المباحة في غير حالة الصيام إلا بعد التقرب إليه بترك
ما حرم الله في كل حال من الكذب والظلم والعدوان على الناس في دمائهم وأموالهم
وأعراضهم ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من لم يدع قول الزور والعمل
به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه" خرجه البخاري قال بعض السلف: (أهون
الصيام ترك الشراب والطعام) وقال جابر:( إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب
والمحارم ودع أذى الجار وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك ولا تجعل يوم صومك ويوم
فطرك سواء).
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ
لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ
وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ،
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ:
معاشر
المؤمنين: إن سلامة الصدر ، خَصلة من خصال البر العظيمة، فحري بالمسلم أن يولِيَها
عنايته واهتمامه، وخاصة في هذه الأيام، ونحن نستقبل شهر الصيام شهر الرحمة شهر
التآلف عن أبي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «صَوْمُ شَهْرِ الصَّبْرِ وَثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ
كُلِّ شَهْرٍ صَوْمُ الدَّهْرِ، وَيُذْهِبُ مَغَلَّةَ الصَّدْرِ» قَالَ: قُلْتُ:
وَمَا مَغَلَّةُ الصَّدْرِ؟ قَالَ: رِجْسُ الشَّيْطَانِ )) رواه الإمام أحمد في
مسنده.
قال الخطابي رحمه الله: “مغلُّ الصدر ما يجده
الواجد في صدره من الغل والفساد”.
نَقِّ
قلبَكَ يُغْفَرْ ذنبُكَ، ففي (صحيح مسلم) أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: " تُفْتَحُ أَبْوَابُ
الْجَنَّةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ
مُؤْمِنٍ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا، إِلَّا رَجُلٌ كَانَتْ بَيْنَهُ
وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ فَيُقَالُ: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا،
أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا".
فاحذر عبدالله من القطيعة والهجر والبغضاء بينك
وبين أخيك أو جارك أو أي مسلم فمهما عملت من الصالحات صيام أو غيره فإنه لا
يًرفع لك ما دمت كذلك ,,, عياذا بالله
اللهم أصلح فساد قلوبنا واهدنا سبل السلام وجنبنا
الفواحش والفتن
اللهم يا حي ياقيوم بلغنا شهر رمضان وأعنا فيه على
الصيام والقيام
اللَّهُمَّ
إنَّا نَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَمَا قرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، وَنَعُوذُ
بِكَ مِنَ النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِن قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، بِرَحْمَتِكَ
يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
اللَّهُمَّ
طَهِّرْ قُلُوبَنَا مِنَ النِّفاقِ، وَأَعْمَالَنَا مِنَ الرِّياءِ، وَأَعْيُنَنَا
مِنَ الخِيَانَةِ يَا ذا الجَلالِ والإكْرَامِ. اللَّهُمَّ أَعِنَّا على ذِكرِك
وشُكرِك وحُسْنِ عبادَتِك، اللهُمَّ أَعِنَّا على ذِكرِك وشُكرِك وحُسْنِ عِبَادتِك
يا رَبَّ العالَمِينَ. اللهم لا تكِلْنَا إلى أنفُسِنا طَرْفَةَ عَيْنٍ، وأصْلِحْ
لَنَا شأنَنا كلَّهُ.
اللَّهُمَّ
وَفِّقْ وَلِيَّ أمْرِنَا لِمَا تُحبُّ وَتَرْضَى، اللَّهُمَّ وَفِّقْهُ لهُدَاكَ،
واجْعَلْ عَمَلَهُ فِي رِضَاكَ، وَأَعِنْهُ على كُلِّ خَيْرٍ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ،
وَسَدِّدْ آرَاءَهُ، اللَّهُمَّ وَفِّقْهُ وَوَفِّقْ بِطانَتَهُ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى
بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، اللهُمَّ ارْزُقْهُ الصِّحَّةَ والعَافِيَةَ،
إنَّكَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. اللَّهُمَّ احْفَظْ بِلادَنا، اللَّهُمَّ احْفَظْ
بِلادَنا وَحُدُودَنا مِنْ كُلِّ شَرٍّ ومَكْرُوهٍ يَا رَبَّ العالَمِينَ، اللَّهُمَّ
عليكَ يَا ذا الجَلالِ والإِكْرَامِ بِمَنْ كَادَ للإِسْلاَمِ والمُسْلِمِينَ بِرَحْمَتِكَ
يَا أرْحَمَ الرَّاحِمينَ. رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حسَنَةً وفي الآخِرَةِ حَسَنَةً
وقِنَا عَذَابَ النَّارِ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ
عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .
وللمزيد
من الخطب السابقة للشيخ الوليد الشعبان تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=129
|