استقبال الضيف الكبير
شهر
رمضان
27/ شعبان/ 1442
إن الحمد لله نحمده ونستعينه
ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن
يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده
ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصاحبه وسلم تسليما كثيراً ،،
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ))
أما بعد: فإن أحسن الحديث
كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة
بدعة، وكل بدعة ضلالة.
أيها المسلمون : أقبل علينا الضيف الكبير
الذي بحلوله يفتح الله الكريم له أبواب السماء، وأبواب الرحمات، وأبواب الجنات، ويغلق
بقدومه أبواب النار فلا يفتح منها باب، ويربط الشياطين ومرده الجن بالسلاسل والأغلال،
وينادي مناديه: يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر.
إنه شهر رمضان سيد شهور العام
وأبركها.
((شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي
أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ)) وفرض الله فيه الصيام، وشرع فيه التهجد والقيام وتلاوة
القرآن وإطعام الصُّوَّام
إنه رمضان الذي فيه أفضل ليالي
العام (لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ)، الليلة المباركة
التي هي خير من ألف شهر، خير ليالي الدهر.
إنه رمضان المبارك الذي يحمل
معه لعباد الله المؤمنين، النفحات الربانية، والرحمات والفضائل والخيرات الكثيرة.
فيا عباد الله: كيف يُستقبلُ الضيوفُ الكبار؟
وكيف يستعد لمقدمهم؟
إنهم يستقبلون بما يليق بمقامهم
وعظيم مكانتهم؟
لذا يستقبل المؤمنون رمضان؟
أولاً: بالإيمان بفرضية صيامه، واليقين
بأن صيامه ركن من أركان الإسلام العظام، والعزم على أداء الفرض على الوجه الأكمل، و(من
صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه).
وثانياً: نستقبل رمضان بالتعظيم والاجلال
والاحترام له، فإنه من شعائر الله المعظمة ((وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا
مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ))
وهذا التعظيم يثمر للمؤمن
احترام نهار رمضان وليله، وساعاته ولحظاته، وتعطيرها بالصالحات، وتنزيهها عن اقتراف
المحرمات.
وثالثا: نستقبل رمضان بالمحبة له
لأن الله يحبه ولذا فرض الصيام فيه وأحب الاعمال إلى الله الفرائض.
ومن حب الله، حب ما يحبه الله،
وقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم (اللهم إني أسألك حبك، وحب من يحبك، وحب
عمل يقربني إلى حبك) حديث حسن صحيح
رابعاً: نستقبل رمضان بالفرحة به،
والانشراح لمقدمه، لما فيه من الفضائل والرحمات، وقد قال الله جل وعلا: ((قُلْ بِفَضْلِ
اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا))
فهو شهر العفو والمغفرة والعتق
من النار وشهر المضاعفة وإجابة الدعوة، وشهر التعويض عن التقصير وقصر الأعمار.
وخامساً: نستقبل رمضان بالنية الصالحة،
والعزيمة الصادقة على تحقيق التوحيد بالعبودية لله وحده بصيام رمضان كاملا، وفي الصيام
يتجلى الإخلاص. والنية والعزيمة الصادقة بطلب مرضات الله في ليله ونهاره، والاجتهاد
والتشمير فيه بأنواع الصالحات، ومجاهدة النفس ومصابرتها على ترك المحرمات والمكروهات،
والمسارعة والمسابقة إلى المغفرة والجنات.
كل ما تقدم عباد الله عبودياتٌ
قلبية جليلة لرب العالمين، وأعمال القلب أعظم وأجل من أعمال الجوارح.
وهي تثمر الإحسان في عمل الجوارح،
وتقود إلى تهيئة النفس وأهل البيت لصيامه وقيامه والفوز بفضائله وبركاته.
عباد الله:
سادساً: جميل أن نستقبل رمضان بإنابة
وتوبة صادقة ناصحة، ليدخل علينا رمضان ونحن أصفياء أنقياء، وهذا مدعاة للتوفيق في رمضان
لنيل فضائله وبركاته.
فكما قيل: التصفية قبل التربية،
وحتماً التوبة قبل طلب المغفرة.
سابعاً: نستقبل رمضان بالتفقه في
أحكام الصيام وآدابه، ومعرفه الحكم التي من أجلها كتب علينا الصيام، وهي تحقيق العبودية
لله بطاعته، وامتثال أمره، وأداء فرضه، وتحقيق تقواه التي أدنى ما تتحقق به هو: فعل
الواجبات وترك المحرمات.
لتتحقق لنا التقوى بخصالها
المتعددة، فنواصل السير إلى الله بما يحبه ويرضاه طيلة عامنا.
فتتدرب نفوسنا فيه قوة العزيمة
وكبح جماح النفس وترك عوائدها.
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ
لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ))
اللهم عونك وهداك وتقواك،
اللهم أعنا على ذكرك، اللهم أعنا على شكرك، اللهم أعنا على حسن عبادتك. اللهم زدنا
إيماناً وتسليماً وانقياداً ومحبة وتعظيماً لفريضتك ، اللهم ارزقنا نيةً للخير صادقة
صالحة عازمة ، اللهم صلّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
الخطبة
الثانية
الحمدُ للهِ الدَّائمِ توفيقُه، المتواترِ عطاؤُه وتسديدُه، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلاَّ الله وحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ
تَعظِيماً لشأنه، وَأَشْهَدُ أنَّ مُحمّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي لِرِضْوَانِهِ،
وَالْهَادِي إِلَى إِحْسَانِهِ، صَلّى اللهُ عَلْيِهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ
وَسلّمَ تَسْلِيماً كَثِيْراً إِلَى يِوْمِ لِقَائِهِ . أما بعد:
أيها المسلمون: قال الله جل وعلا: ((التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ
الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ
وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ))
السائحون في هذه الآية هم الصائمون، في قول عبدالله
بن مسعود وعبدالله بن عباس وأبي هريرة وجمع من التابعين من تلاميذ الصحابة، قال ابن
كثير: وهو أصح الأقوال وأشهرها.
فالصيام سياحة إيمانية روحية
روحانية، لما يجده المؤمن فيها من لذة الروح وأنسها وانشراحها بالإخلاص والتوحيد وترك
المحبوبات للحبيب الأول سبحانه.
فرمضان شهر سياحة الروح الإيمانية.
فاحذروا عباد الله من شياطين الإعلام التي تنطلق
وتنشط في رمضان، الذين يريدون ان يشوشوا عليكم روحانية رمضان ((وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ
يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا
مَيْلا عَظِيمًا)) يستهدفون رمضان ويستعدون له طيلة العام بأعمال ضخمه مشوقه ومثيرة.
اسألوا أنفسكم عباد الله لماذا رمضان بالذات؟ ثم أعيدوا قراءة الآية السابقة
مرة أخرى ((وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلا عَظِيمًا))
الهدف هو اختطاف رمضان منكم
وسلبكم روح رمضان وروحه وأنسه وسكينته
والتشويش على قلوبكم وأسماعكم
وأبصاركم حتى لا يقوى الإيمان ولا تتحقق التقوى والقرب من الله جل وعلا.
ولا أشكُ أن هذا الاستهداف
لرمضان بأزٍّ وتزيين من الشيطان الرجيم الأكبر الأصغر طيلة العام، فإذا سُلْسِل هو
وجنوده في رمضان فإذا جنوده من الإنس مستعدون ويعملون ليل نهار على إفساد رمضان على
عباد الله الصائمين القائمين.
عباد الله: ومن حرم خير رمضان
حرم الخير كله، فلا يسرق منكم رمضان، ومن أدرك رمضان ولم يغفر له دعا عليه جبريل أن
يبعده الله وأمن محمد صلى الله عليه وسلم.
فجاهدوا أنفسكم على ترك الشهوات
التي تؤثر على قلوبكم.
وما لم تشاهدوه في رمضان يمكنكم
مشاهدته بعد رمضان إن كان مما تباح مشاهدته
فالذي يشاهد الأفلام في رمضان
حتما سيسمع الموسيقى، ويرى المرأة المتبرجة بل وفي مواقف خادشة للحياء ومثيرة للغريزة،
فيتلطخ في رمضان بالحرام، فأين التقوى التي من أجلها شرع الصيام.
عباد الله: نفوسنا في شوق لصلاة التراويح
والقيام في المساجد، لأننا حرمنا منها رمضان الماضي، فلنُرِ الله من أنفسنا خيراً،
بالعناية بحضورها نحن وأبناؤنا ولتقبل على الله فيها قلوبنا ونتدبر كلام ربنا.
وإن من واجبنا أن نلتزم بالاحترازات
الوقائية التي تطلب منا لنحمي أنفسنا ونحفظ إخواننا، سواء كان في المساجد أو في
غيرها.
اللهم بلغنا رمضان ، اللهم
بلغنا رمضان ، اللهم بلغنا رمضان، اللهم أنلنا شرف إدراكه ونعوذ بك أن نكون من المحرومين
خيره وبركته يا ذا الجلال والإكرام .
اللهم ارزقنا صيامه
وقيامه إيماناً واحتساباً، اللهم وفقنا لاستغلال أيامه ولياليه بالعمل الصالح الذي
ترضاه يا حي يا قيوم، واجعلنا فيه من المقبولين يا أرحم الراحمين، اللهم اجعل شهرك
هذا شهر نصر للإسلام والمسلمين وشهر عزة وتمكين للمسلمين في كل مكان يا أرحم
الراحمين.
اللهم آمنّا في أوطاننا
ودورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا, اللهم وفقهم لما تحب وترضى وخذ بنواصيهم للبر
والتقوى وبصّرهم بأعدائهم والمتربصين بهم يا ذا الجلال والإكرام .
اللهم ادفع عن بلادنا الوباء
وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم احفظ علينا أمننا وإيماننا وصحة أبداننا وعافية
أجسادنا، اللهم اشف مرضانا وعاف مبتلانا واجعل آخرتنا خير من دنيانا، للهم احفظ بلادنا
من كيد الكائدين وعدوان المعتدين ومن كل شر وفتنة يا خير الحافظين، اللهم من أراد بلادنا
وبلاد المسلمين بسوء وفتنة فاجعل كيده في نحره يا قوي يا عزيز، يا حيّ يا قيوم . ربنا
اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنُوا ربنا
إنك رءوف رحيم . ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ، ربنا
لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ، ربنا اغفر لنا
ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك
قريب مجيب الدعوات.
عباد الله: اذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ،
ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
وللمزيد من الخطب السابقة في استقبال شهر رمضان تجدها هنا:
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=164 |