اسْتِقْبالُ شَهْرِ رَمَضانَ
إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ،
وَنَعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ
يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ
أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا
عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ
تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد،
عباد الله: اتقُوا اللهَ تعالى،
وتَذَكَّرُوا بِسُرْعَةِ مُرُورِ الأيام، سُرْعَةَ زَوالِ الدُّنيا. وبِتَقارُبِ
الزمانِ، قُرْبَكُم مِن الْمَوْتِ، واعلمُوا أنَّ أعْظَمَ غنيمَةٍ يَغْنَمُها
العَبْدُ، هي اسْتِغْلالُهُ أيَّامَ عُمُرِهِ في مُحاسَبَةِ نَفْسِهِ،
والتَّزَوُّدِ بما يُقَرِّبُهُ إلى الله، خُصُوصًا عِنْدَما يُوَفَّقُ العَبْدُ
لِإِدْراكِ الأزْمِنَةِ الفاضِلَةِ ومَواسِمِ الخيرِ.
وأيُّ زَمانٍ أفْضَلُ مِنْ رَمَضان؟، الذي
يَنتَظِرُ الْمؤمنونَ قُدُومَه بِشَوْقٍ وفَرَح، ويَتَطَلَّعُونَ إلى دُخُولِه
ورُؤْيَةِ هِلالِه. لأنَّ إدراكَه نِعْمَةٌ عَظيمةٌ، فَهُوَ أفضلُ الشُّهُورِ
وأكثرُها بَرَكةً. هُوَ شَهْرُ القرآنِ، وشهرُ التقوى، وشهرُ الصيامِ والقِيامِ
والعبادةِ والدعاءِ والتَضَرُّعِ إلى الله. وشهرُ الْمغفرةِ والعِتقِ مِن النار.
فيهِ
لَيْلَتانِ تَخْتَلِفانِ عن كُلِّ الليالي على الإطلاق.
الليلةُ الأولى: هي أوَّلُ
ليلةٍ مِن رمضان، قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي شَأْنِها: ( إذا كانَ أوَّلُ لَيْلةٍ مِن شَهْرِ رمضان، صُفِّدَت
الشياطينُ ومَرَدَةُ الجِن، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ
مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ،
وَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ
أَقْصِرْ، وللهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ وَذَلِكَ في كُلِّ لَيْلَةٍ ).
وأما
الليلةُ الثانية: فهي ليلةُ القَدْرِ، أفْضَلُ لَيالي السنَةِ، قال
اللهُ تعالى في شأنِها: ( لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ
مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ* تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ
رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ* سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ).
مَنْ صامَ رمضانَ إيمانًا واحتسابا، غُفِرَ
له ما تقدَّم مِن ذَنْبِه، ومَن قامَه إيمانًا واحتِسابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ
مِن ذنبِه، ومَن أدْرَكَ ليلَةَ القدْرِ فقامها إيمانًا واحتسابًا، غُفِرَ له ما
تَقَدَّمَ مِن ذنبِه.
فأَكْثِرُوا مِنْ سُؤالِ اللهِ أنْ
يُبَلِّغَكُم شَهْرَ رمضان، واحْرِصُوا على استقبالِهِ بِما يليقُ به، وإياكُم
والغَفْلَةَ والتفريطَ، فإن إدْراكَ رمضانَ مِنَ الفُرَصِ التي لا تُعَوَّض.
عِبادَ الله:
الْمُسلِمُونَ في هذا الشهرِ، يَحتاجونَ إلى وصايا عامَّةٍ، ووصايا خاصة.
أما الوَصايا العامَّةُ: فهي التذكيرُ
بِتَقوى الله، والتنبيهُ على إخلاصِ العملِ لله، فإن اللهَ تعالى لا يقبَلُ مِنَ
العملِ إلا ما كانَ له خالصًا وابتُغِيَ بِهِ وجهُه. وكذلكَ التَفَقُّهُ في أحكامِ
الصيامِ والقيام، فإنَّ العَمَلَ إذا لم يكُن على السُّنَّةِ فإنه مَرْدُودٌ على
صاحبِهِ، لقولِ النبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم: ( مَنْ
عَمِلَ عَملاً ليس عليهِ أمْرُنا فهو رَدّ ).
ويجبُ على الْمُسلِمِينَ أنْ يَعْلَمُوا بأنَّ
الأعمالَ التي حَرَّمَها اللهُ في غيرِ الصيامِ، يَتَأَكَّدُ تَحْريمُها في
الصيامِ مِن بابِ أولى، لِقولِ النبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم: ( مَنْ لَمْ يَدَعْ قَولَ الزُّورِ والعملَ به والجهل, فليس
لله حاجةٌ أنْ يَدَعَ طعامَه وشرابَه ).
ومِنَ
الوصايا العامّةِ للمسلمين: أنَّ يَعْلَمُوا بأن دُخُولَ الشَّهْرِ لا
يَكونُ إلا بالطَّريقَةِ التي أّمَرَ بها الشارعُ الحكيمُ، وهي رُؤيةُ الهلالِ
بِشهادةِ العُدُولِ، وهذا أمْرٌ مُجْمَعٌ عَلَيهِ، لَمْ يَخْتَلِف فيه أئِمَّةُ
الإسلام، فلا يجوزُ العُدُولُ عنه إلى غيرِه.
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي
وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا
تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ
ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ عَلى إِحسانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوفِيقِهِ
وَامتِنَانِهِ، وَأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وَأشهدُ أنَّ
مُحمّداً عَبدُهُ وَرسولُهُ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلمَ تسليماً
كثيراً . أَمّا بَعدُ
عباد الله:
وأما الوصيةُ الخاصةُ، فإنها لِأعْظَمِ الناسِ مسْؤُولِيَّةً في هذا
الشهرِ، وهًم المُؤَذِّنُونَ وأئِمَّةُ الْمَساجد.
فأما الْمُؤّذِّنون: فإنهم
أُمَناءُ الْمُسلمينَ على صلاتِهِم وسُحُورِهِم وإفْطارِهِم. فَيَجِبُ عليهِم أنْ
يُخْلِصُوا النيةَ للهِ، وأنْ يَتَّقُوه ويُراقِبُوه. فَيُواظِبُوا على الأذانِ
بِأدائِه بألفاظِهِ على الوجهِ الصحيحِ، وأن يَهْتَمُّوا بالوقتِ فلا يُؤَذِّنُوا
قَبْلَهُ ولا بَعْدَه، ولْيَعْلَمُوا أن الناسَ يُمْسِكُون على أذانِهِم،
ويُفْطِرُونَ على أذانِهِم، وأنَّ الناسَ قَدْ يَفْسُدُ صيامُهُم بِسَبَبِ بَعْضِ
الْمؤْذِّنِين الْمُضَيِّعِينَ لأمانَتِهِم.
وأما
الأئِمَّةُ: فيجبُ عليهِم أن يَتَّقُوا اللهَ، وأنْ يتَذَكروا أنهُم
عبيدٌ لله، خاضعونَ لأمرِه، ولَيْسُوا عَبِيدًا لِرغباتِ الناس، فإن ذلكَ مِنْ
أعظمِ ما يُعِينُهم على الإخلاص. ولْيَتَذَكَّرُوا أَنَّ قُدْوَتَهُم هُوَ رسولُ
الله صلى الله عليه وسلم، وهذا مِن أكبرِ ما يُعِينُهُم على مُوافقةِ السُّنَّةِ
في صَلاتِهِمْ وَدُعائِهِمْ.
ثُمَّ
اعْلَمُوا يا عِبادَ اللهِ: أَنَّه يَنْبَغِي اسْتِشْعارُ
مَسْؤُولِيَّةِ الإمامِ والْمُؤَذِّنِ، وَما يُعانُونَهُ طِيلَةَ الشَّهْرِ، وما
يَبْذُلُهُ الإمامُ مِنْ جُهْدٍ وَتَحْضِيرٍ لِصَلاتِهِ وَدُعائِهِ وَوَعْظِهِ
لِلْمُصَلِّين، وَتَفَرُّغِهِ لِهَذِهِ الْمُهِمَّةِ، وَحِرْمانِهِ نَفْسَه بَعْضَ
ما يَتَمَتَّعُ بِهِ الناسُ بَعْدَ إِفْطارِهِمْ. فإِنَّ كَثِيرًا مِنَّا في
غَفْلَةٍ وَعافِيَةٍ مِن هذه الْمَسْئُولِيَّةِ، وَقَدْ يَصْدُرُ مِنْهُ بَعْضُ
النَّقْدِ، وَنِسْيانُ مُعاناةِ الأَئِمَّةِ طِيلَةَ أَوقاتِ هذا الشَّهْرِ،
فَهُمْ بِحاجَةٍ إلى الرِّفْقِ والدُّعاءِ والإِعانَةِ. وَمَنْ رَأَى ما
يَسْتَلْزِمُ النُّصْحَ فَعَلَيْهِ بالرِّفْقِ واللِّينِ وَأَنْ يَكُونَ سِرًّا.
اللهمَّ بَلِّغْنا رَمَضانَ، وارْزُقْنا
صِيامَه وَقِيامَه إيمانًا واحْتِسابًا
اللهم اسْتَعْمِلْنا في طاعتِك، وأعِنَّا على ذكرِك وشكرِك وحسنِ
عبادتِك، اللهم خلصنا من حقوق خلقك وبارك لنا في الحلال من رزقك وتوفنا مسلمين
وألحقنا بالصالحين، واحفظنا بالإسلام قائمين واحفظنا بالإسلام قاعدين، واحفظنا
بالإسلام راقدين ولا تشمت بنا أعداء ولا حاسدين، اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاماً
ومحكومين، اللهم أنزل على المسلمين رحمة عامة وهداية عامة يا ذا الجلال والإكرام، اللهم
وفق وُلاة أمرنا بتوفيقك، وأيّدهم بتأييدك واجعلهم أنصاراً
لدينك، اللهم
ارزقهم البطانة الصالحة الناصحة وبصّرهم بأعدائهم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اغفر للمسلمين
والمسلمات والْمؤمنين والْمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات،
﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ
وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾.
وللمزيد من الخطب السابقة في مناسبة استقبال شهر رمضان:
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=164
قسم خطب شهر رمضان:
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=132
|