اَلْإِبَاْنَةُ لِخَطَرِ اَلْخِيَاْنَة
} الْحَمْدُ لِلَّهِ ، الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ ، وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا { ، أَحْمَدُهُ حَمْدَاً يَلِيْقُ بِكَرِيْمِ وَجْهِهِ، وَعَظِيْمِ سُلْطَاْنِهِ، } لَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا ، مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ ، وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ، فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا {، وَأَشْهَدُ أَنْ لَاْ إِلَهَ إِلَّاْ اَللهُ وَحْدُهُ لَاْ شَرِيْكَ لَهُ، } خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ، ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ، الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا { ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ، أَرْسَلَهُ بِاَلْحَقِّ } شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ، وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا {، صَلَّىْ اَللهُ عَلَيْهِ، وَعَلَىْ آلِهِ وَاَصْحَاْبِهِ ، وَسَلَّمَ تَسْلِيْمَاً كَثِيْرَاً .
أَمَّاْ بَعْدُ ، فَيَاْ عِبَاْدَ اَللهِ :
أُوْصِيْكُمْ وَنَفْسِيْ، بِوَصِيَّةِ اَللهِ لَكُمْ ، وَلِمَنْ كَاْنَ قَبْلَكُمْ ، تَقْوَىْ اَللهِ U : } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ { فَــ : } اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ { جَعَلَنِيْ اَللهُ وَإِيَّاْكُمْ مِنْ عِبَاْدِهِ اَلْمُتَّقِيْن .
أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ اَلْمُؤْمِنُوْنَ :
خِيَاْنَةُ اَلْمُسْلِمِيْنَ، وَوَطَنِهِمْ اَلَّذِيْ يُحْكَمُ بِاَلْدِّيْن، وَوَلِيِ أَمْرِهِمْ اَلْمُقِيْمِ لِشَرْعِ رَبِّ اَلْعَاْلَمِيْنَ، مِنَ اَلْأَخْلَاْقِ اَلْمَذْمُوْمَةِ شَرْعَاً وَعَقْلَاً ، وَمِنَ اَلْصِّفَاْتِ اَلْسَّيِّئَةِ اَلْمَمْقُوْتَةِ عُرْفَاً وَطَبْعَاً، وَهِيَ صِفَةٌ لَاْ يَتَّصِفُ بِهَاْ إِلَّاْ ضِعَاْفُ اَلْإِيْمَاْنِ، وَلَاْ يَتَجَرَّأُ عَلَيْهَاْ إِلَّاْ خُبَثَاْءُ اَلْنُّفُوْسِ، وَهِيَ مِنَ اَلْجَرَاْئِمِ اَلَّتِيْ حَذَّرَ اَلْإِسْلَاْمُ مِنْهَاْ، وَنَفَّرَ بِنُصُوْصِهِ عَنْهَاْ ، لِخَطَرِهَاْ وَشِدَّةِ أَثَرِهَاْ وَعَظِيْمِ ضَرَرِهَاْ ، وَسُوْءِ عَوَاْقِبِهَاْ عَلَىْ اَلْأُمَّةِ واَلْفَرْدِ وَاَلْمُجْتَمَعِ، وَلِذَلِكَ يَقُوْلُ U: } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ ، وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ، وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ ، وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ { يَقُوْلُ إِبْنُ كَثِيْرٍ فِيْ تَفْسِيْرِهِ: أُنْزِلَتْ فِي أَبِي لُبابة بْنِ عَبْدِ الْمُنْذِرِ، حِينَ بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ e إِلَى بَنِي قُرَيْظة ، لِيَنْزِلُوا عَلَى حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ e ، فَاسْتَشَارُوهُ فِي ذَلِكَ ، فَأَشَارَ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ - وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى حَلْقِهِ - أَيْ : إِنَّهُ الذَّبْحُ ، ثُمَّ فَطِنَ أَبُو لُبَابَةَ، وَرَأَى أَنَّهُ قَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَحَلَفَ لَا يَذُوقُ ذَوَاقًا حَتَّى يَمُوتَ أَوْ يَتُوبَ اللَّهُ عَلَيْهِ ، وَانْطَلَقَ إِلَى مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ ، فَرَبَطَ نَفْسَهُ فِي سَارِيَةٍ مِنْهُ ، فَمَكَثَ كَذَلِكَ تِسْعَةَ أَيَّامٍ، حَتَّى كَانَ يَخِرُّ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ مِنَ الْجَهْدِ، حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ تَوْبَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ، فَجَاءَ النَّاسُ يُبَشِّرُونَهُ بِتَوْبَةِ اللَّهِ عَلَيْهِ ، وَأَرَادُوا أَنْ يَحُلُّوهُ مِنَ السَّارِيَةِ ، فَحَلَفَ لَا يَحُلُّهُ مِنْهَا إِلَّا رَسُولَ اللَّهِ e بِيَدِهِ ، فَحَلَّهُ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ : إِنِّي كُنْتُ نَذَرْتُ أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً ، فَقَالَ : (( يَجْزِيكَ الثُّلُثُ أَنْ تَصدَّقَ بِهِ )) .
فَخِيَاْنَةُ وَلِيِ أَمْرِ اَلْمُسْلِمِيْنَ، اَلَّذِيْ فِيْ اَلْأَعْنَاْقِ بَيْعَتُهُ، وَأَوْجَبَ اَللهُ بِاَلْمَعْرُوْفِ سَمْعَهُ وَطَاْعَتَهُ، جَرِيْمَةٌ مِنْ أَخْطَرِ اَلْجَرَاْئِمِ ، وَكَبِيْرَةٌ مِنْ كَبَاْئِرِ اَلْذُّنُوْبِ ، إِنْ لَمْ يَتُبْ مَنْ بُلِيَ بِهَاْ فَإِنَّهُ عَلَىْ خَطَرٍ عَظِيْمٍ، وَأَيُ خَطَرٍ أَعْظَمُ مِنْ مَقْتِ اَللهِ U وَغَضَبِهِ وَعَدَمِ مَحَبَّتِهِ، } إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ { وَ } إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا { وَ } إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ { ، فَاَلْخِيَاْنَةُ جُرْمٌ خَطِيْرٌ، لَاْ يُحِبُ اَللهُ U مِنَ اِتَّصَفَ بِهَاْ ، وَلِذَلِكَ نَهَىْ U نَبِيَّهُ أَنْ يُدَاْفِعَ عَنْ أَهْلِهَاْ ، فَقَاْلَ U: } وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً { بَلْ لِشِدَّةِ خَطَرِهَاْ ، وَسُوْءِ نَتَاْئِجِهَاْ ، نَهَىْ اَلْدِّيْنُ عَنْ اَلْتَّعَاْمُلِ بِاَلْمِثْلِ مَعَ أَهْلِهَاْ ، فَفِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ ، يَقُوْلُ e : (( أَدِّ الأَمَانَةَ إِلَى مَنْ ائْتَمَنَكَ ، وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ )) فَحَتَّىْ اَلْخَاْئِنِ اَلْمُجْرِمِ ، لَاْ تَجُوْزُ خِيَاْنَتُهُ ، وَهَذَاْ مِمَّاْ يَدُلُّ عَلَىْ خَطَرِ اَلْخِيَاْنَةِ فِيْ اَلْمُجْتَمِعِ اَلْمُسْلِمِ .
أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ اَلْمُؤْمِنُوْنَ :
رَوَىْ اَلْاِمَاْمُ أَحْمَدُ فِيْ مُسْنَدِهِ عَنْ أَبِيْ أُمَاْمَةَ t قَاْلَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ e: (( يُطْبَعُ الْمُؤْمِنُ عَلَى الْخِلَالِ كُلِّهَا ، إِلَّا الْخِيَانَةَ وَالْكَذِبَ )) فَاَلْخِيَاْنَةُ لَيْسَتْ مِنْ طِبَاْعِ اَلْمُؤْمِنِيْنَ، اَلْمُؤْمِنُ يَسْتَحِيْلُ أَنْ يَخُوْنَ وَطَنَاً نَشَأَ عَلَىْ أَرْضِهِ، وَتَغَذَّىْ عَلَىْ طَعَاْمِهِ وَشَرَاْبِهِ ، أَيْنَ اَلْإِيْمَاْنُ مَمَّنْ يَجْعَلُ وَلَاْءَهُ وَمَحَبَّتَهُ ، لِغَيْرِ مَنْ أَوْجَبَ اَللهُ عَلَيْهِ سَمْعَهُ وَطَاْعَتَهُ.
اَلْمُؤْمِنُ ـ أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ ـ لَاْ يَشِقُّ عَصَىْ اَلْطَّاْعَةِ عَنْ وُلَاْتِهِ، وَلَاْ يَنْقِضُ بَيْعَةَ مَنْ وَلَّاْهُ اَللهُ أَمْرَهُ، وَلَاْ يُعِيْنُ عَدُوَهُ عَلَىْ مَآرِبِهِ وَمَقَاْصِدِه، وَلَاْ يَكُنْ أَدَاْةً قَذِرَةً، بِأَيْدِيْ مَنْ يَعْمَلُوْنَ عَلَىْ زَعْزَعَةِ أَمْنِ وَطَنِهِ . } لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ، يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ، وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ ، أَوْ أَبْنَاءَهُمْ، أَوْ إِخْوَانَهُمْ ، أَوْ عَشِيرَتَهُمْ {، فَوَلَاْءُ اَلْمُؤْمِنِ وَمَحَبَّتُهُ وَطَاْعَتُهُ ، يَجِبُ أَنْ تَكُوْنَ لِرَبِهِ U وَرَسُوْلِهِ e ، وَوَلِيْ أَمْرِهِ ، كَمَاْ قَاْلَ ـ تَبَاْرَكَ وَتَعَاْلَىْ ـ : } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا { . فَاَلَّذِيْ يَفْعَلُهُ بَعْضُ اَلْنَّاْسِ اَلْيَوْمَ ـ أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ ـ مَنْ اَلْتَّأْثُّرِ بِأَفْكَاْرِ اَلْجَمَاْعَاْتِ اَلْتَّكْفِيْرِيَّةِ، كَجَمَاْعَةِ اَلْإِخْوَاْنِ اَلْمُجْرِمِيْنَ، اَلَّتِيْ أَعْلَنَتِ اَلْدُّوْلَةُ حَضْرَهَاْ، وَاَلْعَمَلِ بَمَنْهَجِ اَلْصُّوْفِيَةِ، كَجَمَاْعَةِ اَلْتَّبْلِيْغِ اَلْخَاْرِجِيْنَ، اَلَّتِيْ مَنَعَتْ اَلْدَّوْلَةُ تَوَاْجِدَهَاْ، هُوَ - وَاَللهِ- مِنَ اَلْخِيَاْنَةِ لِلْإِسْلَاْمِ وَاَلْمُسْلِمِيْنَ، وَنَزْعِ اَلْبَيْعَةِ اَلَّتِيْ أَوْجَبَ رَبُّ اَلْعَاْلَمِيْنَ، وَلَاْ أَدَلُّ عَلَىْ خَيَاْنَتِهِمْ ، مِنَ اَلْأَحْدَاْثِ وَاَلْمَصَاْئِبِ اَلَّتِيْ حَلَّتْ بِمُجْتَمَعِنَاْ بِسَبَبِهِمْ .
وَمِمَّاْ يَدُلُّ عَلَىْ خِسَّةِ وَدَنَاْئَةِ وَلُؤْمِ وَحَقَاْرَةِ خُوَّاْنِنَاْ اَلْمُجْرِمِيْنَ، وَسَوْءِ مَقَاْصِدِهِمْ، سُكُوْتُهُمْ وَعَدَمُ إِعْلَاْنِ تَوْبَتِهِمْ، وَخَاْصَةً بَعْدَ اِنْكِشَاْفِ عَوَاْرِهِمْ، فَقَدْ تَسَبَّبُوْا فِيْ تَوْرِيْطِ شَبَاْبِنَاْ، وَتَفْجِيْرِ مَسَاْجِدِنَا، وَقَنْصِ رِجَاْلِ أَمْنِنَاْ، وَاَلْتَّهْوُيْنِ مِنْ شَأْنِ عُلَمَاْئِنَاْ ، وَاَخْتِطَاْف تَعْلِيْمِنَاْ ، وَتَلْوُيْثِ أَفْكَاْرِ بَعْضِنَاْ ، وَإِيْجَاْدِ مَنْ يَحْقِدُ عَلَىْ وَلِاْةِ أَمْرِنَاْ، وَإِقْصَاْءِ مَنْ يَنْصَحُ لِأَئِمَّتِنَاْ وَعَاْمَتِنَاْ، وَمَاْ زَاْلُوْا بَيْنَنَاْ، أَزَاْلَ اَللهُ آثَاْرَهُمْ ، وَهَتَكَ أَسْتَاْرَهُمْ .
أَبُوْ لُبَاْبَةَ t، مُجَرَّدُ إِشَاْرَةٍ إِلَىْ حَلْقِهِ ، رَبَطَ نَفْسَهُ تِسْعَةَ أَيَّاْمٍ فِيْ سَاْرِيَةِ مَسْجِدِ رَسُوْلِ اَللهِ e، نَاْدِمَاً عَلَىْ فِعْلَتِهِ، مُعْلِنَاً لِتَوْبَتِهِ، حَتَّىْ تَاْبَ اَللهُ U عَلَيْهِ، فَحَرِيٌ بِهِمْ، أَنْ يُعْلِنُوْا تَوْبَتَهُمْ ، وَأَنْ يَعْتَذِرُوْا عَنْ أَخْطَاْئِهِمْ ، وَأَنْ يُجَدِّدُوْا وَلَاْءَهُمْ ، وَيَتَبَرَّءُوْا مِنْ جَمَاْعَاْتِ أَسْيَاْدِهِمْ ، وَلْيَحْذَرُوْا أَنْ يَقَعَ بِحَقِّهِمْ قَوْلُهُ U : } وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ ، وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ ، وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ { .
بَاْرَكَ اَللهُ لِيْ وَلَكُمْ بِاَلْقُرَّآْنِ اَلْعَظِيْمِ ، وَنَفَعَنِيْ وَإِيَّاْكُمْ بِمَاْ فَيْهِ مِنَ اَلْآيَاْتِ وَاَلْذِّكْرِ اَلْحَكِيْمِ ، أَقُوْلُ قَوْلِيْ هَذَاْ وَاَسْتَغْفِرُ اَللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِ ذَنْبٍ ، فَإِنَّهُ هُوَ اَلْغَفُوْرُ اَلْرَّحِيْمُ .
الخطبة الثانية
اَلْحَمْدُ لِلهِ عَلَىْ إِحْسَاْنِهِ، وَاَلْشُّكْرُ لَهُ عَلَىْ تَوْفِيْقِهِ وَاَمْتِنَاْنِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَاْ إِلَهَ إِلَّاْ اَللهُ، وَحْدَهُ لَاْ شَرِيْكَ لَهُ تَعْظِيْمَاً لِشَأْنِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ اَلْدَّاْعِيْ إِلَىْ رِضْوَاْنِهِ، صَلَّىْ اَللهُ عَلِيْهِ ، وَعَلَىْ آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ ، وَسَلَّمَ تَسْلِيْمَاً كَثِيْرَاً إِلَىْ يَوْمِ اَلْدِّيْنِ .
أَمَّاْ بَعْدُ ، فَيَاْ عِبَاْدَ اَللهِ :
إِنَّ مِنَّاْ مَنْ يُبَاْلِغُ فِيْ إِحْسَاْنِ ظَنِّهِ ، فَيَسْتَبْعِدْ وُجُوْدَ اَلْخَوَنَةِ فِيْ مُجْتَمَعِهِ ، وَهَذَاْ مِمَّاْ يَتَسَبَّبُ فِيْ وُجُوْدِ اَلْخَاْئِنِيْنَ ، وَيُسَاْعِدُ عَلَىْ تَمْكِيْنِهِمْ مِنَ اَلْإِسَاْءَةِ إِلَىْ بِلَاْدِ اَلْمُسْلِمِيْنَ، اِبْنُ اَلْعَلْقَمِيِ ـ أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ ـ رَاْفِضِيٌ خَبِيْثٌ مُنَاْفِقٌ ، كَاْنَ وَزِيْرًا لِلْخَلِيْفَةِ اَلْعَبَّاْسِيِ: اَلْمُسْتَعْصِمِ بِاَللهِ ، وَكَاْنَ لَهُ اَلْدُّوْرَ اَلْكَبِيْرَ فِيْ دُخُوْلِ اَلْتَّتَرِ إِلَىْ بَغْدَاْدَ، وَسُقُوْطِ اَلْخِلَاْفَةِ اَلْعَبَاْسِيَّةِ فِيْهَاْ، وَاَلْمَذَاْبِحِ اَلْمُرَوِّعَةِ اَلَّتِيْ نَتَجَتْ عَنْ ذَلِكَ ، فَقَدْ كَتَبَ اِبْنُ اَلْعَلْقَمِيِ هَذَاْ، إِلَىْ هُوْلَاْكُوْ مَلِكِ اَلْتَّتَرِ، يُبْدِيْ لَهُ اِسْتِعْدَاْدَهُ أَنْ يُسَلِّمَهُ بِغْدَاْدَ إِذَاْ حَضَرَ بِجَيْشِهِ إِلَيْهَاْ ، فَكَتَبَ هُوْلَاْكُوْ لِاِبْنِ اَلْعَلْقَمِي: إِنَّ عَسَاْكِرَ بَغْدَاْدَ كَثِيْرَةٌ ، فَإِنْ كُنْتَ صَاْدِقًا فَيْمَاْ قُلْتَ لَنَاْ، وَدَاْخِلاً تَحْتَ طَاْعَتِنَاْ فَفَرِّقَ اَلْعَسْكَرَ، فَلَمَّاْ وَصَلَ اَلْكِتَاْبُ إِلَىْ اِبْنِ اَلْعَلْقَمِيِ دَخَلَ عَلَىْ اَلْمُسْتَعْصِمِ ، وَزَيَّنَ لَهُ أَنْ يُسَرِّحَ خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفِ فَاْرِسٍ مِنْ عَسْكَرِهِ؛ لِأَنَّ اَلْتَّتَرَ قَدْ رَجَعُوْا إِلَىْ بِلَاْدِهِمْ، وَلَاْ حَاْجَةَ لِتَكْلِيْفِ اَلْدَّوْلَةِ كُلْفَةَ هَؤُلَاْءِ اَلْعَسَاْكِرِ ، فَاَسْتَجَاْبَ اَلْخَلِيْفَةُ لِرَأْيِهِ ، وَأَصْدَرَ أَمْرًا بِذَلِكَ، فَخَرَجَ اِبْنُ اَلْعَلْقَمِيِ بِنَفْسِهِ وَمَعَهُ اَلْأَمْرُ، وَاَسْتَعْرَضَ اَلْجَيْشَ وَاَخْتَاْرَ تَسْرِيْحَ أَفْضَلِهِمْ، وَأَمَرَهُمْ بِمُغَاْدَرَةِ بَغْدَاْدَ وَكُلَّ مُلْحَقَاْتِهَاْ اَلْإِدَاْرِيَّةِ ، فَتَفَرَّقُوْا فِيْ اَلْبِلَاْدِ .
سُبْحَاْنَ اَللهِ - أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ - إِقْصَاْءُ وَإِبْعَاْدُ وَتَشْوُيْهُ سُمْعَةِ اَلْمُخْلِصِيْنَ لِدِيْنِهِمْ وَوَطَنِهِمْ وَمُجْتَمَعِهِمْ وَوَلِيِ أَمْرِهِمْ، هُوَ أَوْلَىْ وَأَهَمُّ عَمَلٍ يَقُوْمُ بِهِ اَلْخَوَنَةُ ، وَيَحْرِصُوْنَ عَلَيْهِ .
فَاَبْنُ اَلْعَلْقَمِيِ، سَرَّحَ أَفْضَلَ مَنْ فِيْ اَلْجَيْشِ، وَبَعْدَ عِدَّةِ أَشْهُرٍ زَيَّنَ لَلْخَلِيْفَةِ أَنْ يُسَرِّحَ أَيْضًا عِشْرِيْنَ أَلْفًا فَاَسْتَجَاْبَ لِطَلَبِهِ، وَفَعَلَ اِبْنُ اَلْعَلْقَمِيِ كَمَاْ فَعَلَ فِيْ اَلْأُوْلَىْ ، فَاَخْتَاْرَهُمْ عَلَىْ عَيْنِهِ، كَاْنَ هَؤُلَاْءِ اَلْفُرْسَاْنِ اَلَّذِيْنَ سُرِّحُوْا - كَمَاْ يَقُوْلُ اَلْمُؤَرِّخُوْنَ - بِقُوَّةِ مِائَتِيْ أَلْفِ فَاْرِسٍ .
وَلَمَّاْ أَتَمَّ مَكِيْدَتَهُ كَتَبَ إِلَىْ هُوْلَاْكُوْ بِمَاْ فَعَلَ، فَرَكِبَ هُوْلَاْكُوْ وَقَدِمَ بِجَيْشِهِ إِلَىْ بَغْدَاْدَ، وَأَحَسَّ أَهْلُ بَغْدَاْدٍ بِمُدَاْهَمَةِ جَيْشِ اَلْتَّتَرِ لَهُمْ، فَاَجْتَمَعُوْا وَتَحَاْلَفُوْا وَقَاْتَلَ اَلْمُسْلِمُوْنَ بِبَسَاْلَةٍ، وَحَلَّتْ اَلْهَزِيْمَةُ بِجَيْشِ اَلْتَّتَرِ، ثُمَّ عَاْدَ اَلْمُسْلِمُوْنَ مُؤَيَّدِيْنَ مَنْصُوْرِيْنَ، وَنَزَلُوْا فِيْ خِيَاْمِهِمْ مُطْمَئِنِّيْنَ، فَلَمَّاْ جَاْءَ اَلْلَّيْلُ أَرْسَلَ اَلْوَزِيْرُ اِبْنُ اَلْعَلْقَمِيِ جَمَاْعَةً مِنْ أَصْحَاْبِهِ اَلْمُنَاْفِقِيْنَ اَلْخَوَنَةِ، فَحَبَسُوْا مِيَاْهَ دِجْلَةَ، فَفَاْضَ اَلْمَاْءُ عَلَىْ عَسَاْكِرِ بَغْدَاْدَ وَهُمْ نَاْئِمُوْنَ فِيْ خِيَاْمِهِمْ، وَصَاْرَتْ مُعَسْكَرَاْتُهُمْ مَغْمُوْرَةً وَمُحَاْطَةً بِاَلْوَحْلِ.
وَكَاْنَ اِبْنُ اَلْعَلْقَمِيِ قَدْ أَرْسَلَ إِلَىْ هُوْلَاْكُوْ يُعْلِمُهُ بِمَكِيْدَتِهِ، فَعَاْدَ هُوْلَاْكُوْ بِجَيْشِهِ وَعَسْكَرَ حَوْلَ بَغْدَاْدَ، فَلَمَّاْ جَاْءَ اَلْصُّبْحُ دَخَلَ جَيْشُ اَلْتَّتَرِ بَغْدَاْدَ وَوَضَعُوْا اَلْسَّيْفَ فِيْ أَهْلِهَاْ، وَقَتَلُوْا اَلْخَلِيْفَةَ وَاَبْنَهُ قَتْلَةً شَنِيْعَةً، وَأَفْسَدُوْا أَشَدَّ اَلْفَسَاْدِ. ثُمَّ دَعَاْ هُوْلَاْكُوْ بِاِبْنِ اَلْعَلْقَمِيِ لِيُكَاْفِئَهُ، فَحَضَرَ اَلْخَاْئِنُ بَيْنَ يَدِيْهِ، فَوَبَّخَهُ عَلَىْ خِيَاْنَتِهِ لِسَيِّدِهِ اَلَّذِيْ وَثِقَ بِهِ ، ثُمَّ قَاْلَ: لَوْ أَعْطَيْنَاْكَ كُلَّ مَاْ نَمْلِكُ مَاْ نَرْجُوْ مِنْكَ خَيْرًا، فَمَاْ نَرَىْ إِلَّاْ قَتْلَكَ، فَقُتِلَ شَرَّ قِتْلَةٍ ، وَصَدَقَ اَللهُ U، } وَلاَ يَحِيقُ ٱلْمَكْرُ ٱلسَّيّئ إِلاَّ بِأَهْلِهِ {.
فَلْنَتَّقِ اَللهَ - أَحِبَتِيْ فِيْ اَللهِ - وَلْنَحْذَرْ اَلْخَوَنَةَ وَاَلْمُنَاْفِقِيْنَ ، وَلْنَتَذَكَّرْ قَوْلَ اَلْنَّبِيِ e ، فِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ: (( سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ سَنَوَاتٌ خَدَّاعَاتُ ، يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ ، وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الْأَمِينُ ، وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ ))، قِيلَ: وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ ؟ قَالَ e : (( الرَّجُلُ التَّافِهُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ ))، وَفِيْ رِوَاْيَةٍ : (( اَلْسَّفِيْهُ يَتَكَلَّمُ فِيْ أَمْرِ اَلْعَاْمَّةِ )).
أَسْأَلُ اَللهَ U أَنْ يَجْعَلَنِيْ وَإِيَّاْكُمْ مِنَ اَلَّذِيْنَ يَسْتَمِعُوْنَ اَلْقَوْلَ فَيَتَّبِعُوْنَ أَحْسَنَهُ ، إِنَّهُ سَمِيْعٌ مُجِيْبٌ . أَلَاْ وَصَلُّوْا عَلَىْ اَلْبَشِيْرِ اَلْنَّذِيْرِ ، وَاَلْسِّرَاْجِ اَلْمُنِيْرِ ، فَقَدْ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ اَلْلَّطِيْفُ اَلْخَبِيْرُ ، فَقَاْلَ جَلَّ مِنْ قَاْئِلٍ عَلِيْمَاً : } إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا { وَفِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ ، يَقُوْلُ e : (( مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا )) فَاَلْلَّهُمَّ صَلِيْ وَسَلِّمْ وَزِدْ وَبَاْرَكْ عَلَىْ نَبِيِّنَاْ مُحَمَّدٍ، وَعَلَىْ آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ أَجْمَعِيْنَ ، وَاَرْضِ اَلْلَّهُمَّ عَنِ اَلْتَّاْبِعِيْنَ وَتَاْبِعِيْ اَلْتَّاْبِعِيْنَ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَاْنٍ إِلَىْ يَوْمِ اَلْدِّيْنِ، وَعَنَّاْ مَعَهُمْ بِعَفْوِكَ وَكَرَمِكَ وَجُوْدِكَ وَرَحْمَتِكَ يَاْ أَرْحَمَ اَلْرَّاْحِمِيْن . اَلْلَّهُمَّ إِنَّاْ نَسْأَلُكَ نَصْرَ اَلْإِسْلَاْمِ وَعِزَّ اَلْمُسْلِمِيْنَ، اَلْلَّهُمَّ أَعِزَّ اَلْإِسْلَاْمَ وَاَنْصُرَ اَلْمُسْلِمِيْنَ ، وَاَحْمِيْ حَوْزَةَ اَلْدِّيْنَ ، وَاَجْعَلْ بَلَدَنَاْ آمِنَاً مُطْمَئِنَاً وَسَاْئِرَ بِلَاْدِ اَلْمُسْلِمِيْنَ .
اَلْلَّهُمَّ عَجِّلْ بِنَصْرِ جُنُوْدِنَاْ اَلْمُجَاْهِدِيْنَ، وَاَحْفِظْهُمْ بِحِفْظِكَ اَلْمَكِيْن، وَرُدَّهُمْ إِلَىْ ذَوِيْهِمْ سَاْلِمِيْنَ غَاْنِمِيْنَ مُنْتَصِرِيْنَ ، وَاَهْزِمْ اَلْحُوْثِيِّيْنَ وَمَنْ مَعَهُمْ مِنَ اَلْخَاْئِنِيْنَ، وَاَجْعَلْ دَاْئِرَةَ اَلْسَّوْءِ عَلَىْ اَلْصَّفَوُيِّيْنَ اَلْحَاْقِدِيْنَ، يَاْقَوُيَ يَاْ عَزِيْزَ . اللّهُمّ أَنْتَ اللّهُ لَا إلَهَ إلّا أَنْتَ ، تَفْعَلُ مَاْ تَشَاْءُ وَمَاْ تُرِيدُ ، وَأَنْتَ اَلْغَنِيُّ اَلْحَمِيْدُ ، وَنَحْنُ اَلْفُقَرَاءُ وَاَلْعَبِيْدُ ، اَلْلّهُمّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا الْغَيْثَ وَلَاْ تَجْعَلْنَاْ مِنْ اَلْقَاْنِطِيْنَ ،اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا مَرِيعًا طَبَقًا غَدَقًا غَيْرَ رَائِثٍ ، نَافِعًا غَيْرَ ضَارٍّ ، اللّهُمّ أَغِثْنَاْ ، اللّهُمّ أَغِثْنَاْ ، اللّهُمّ أَغِثْنَاْ .
} رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ { .
عِبَاْدَ اَللهِ :
} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { فَاذْكُرُوا اللهَ العَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوهُ عَلَى وَافِرِ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُون .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ عبيد الطوياوي تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=120
|