أيامُ التشريق
إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد،
عباد الله: اتقوا اللهَ تعالى، واعلمُوا أَن أيامَ التشريقِ مِن أيامِ اللهِ الفاضِلة، التي عَظَّمَ اللهُ شأنَها وذَكَرَها في كتابِه، قال تعالى: ( وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَىٰ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ).
وسُمِّيَت أيامَ التشريق: لأنَّ الناسَ كانوا يُشَرِّقون فيها لُحُومَ الأضاحي، أَيْ يَقَدِّدُونَها، ويَجْعَلُونَها وشائِقَ ويُبْرِزونها للشمس.
وهي ثلاثةُ أيام: اليومُ الأول، هو اليومُ الحادي عَشَر: يُسَمَّى يومَ القَرّ، لأن الحُجاجَ يَسْتَقرُّون فيه بِمِنى بَعْدَ أعمالِ يومِ النَّحْر.
واليومُ الثاني: هو يومُ الثاني عشر، ويٌسمى يومَ النّفرِ الأوّل، ويَجُوزُ النّفْرُ فيه لِمَنْ تَعَجّل.
واليومُ الثالثُ: هو يومُ الثالثِ عشر، ويُسَمَّى يومَ النَّفْرِ الثاني، لِمَن أراد أن يَتَأخَّرَ مِن الحجيج.
وأحكامُ أيامِ التشريقِ تنقسمُ إلى قسمين: أحكامٌ خاصَّة، وأحكامٌ عامَّة. فَأَمّا الأحكامُ الخاصة: فهي الْمُتَعَلقَةُ بالحَجَيجِ، مِن وُجُوبِ المَبِيتِ بِمِنى، ورمْيِ الجِمارِ، وإكمالِ أعمالِ المناسِك.
وأما الأحكامُ العامة: فهي التي يَشْتَركُ فيها الْمسلمونَ عموماً من الحْجَّاجِ وغيرِهم، والتي منها:
أولا: أن التَكبيرَ مُسْتَمرٌّ فيها إلى آخرِ أيامِ التشريق، ويتأكدُ في أدبارِ الصلواتِ.
ثانياً: تَحْريمُ صيامِها: إلا لِمَن لَمْ يَجِدِ الهَديَ مِن الحُجاج. وعلى هذا فَمَن كان عليه قضاءٌ مِن رمضانَ فلا يَجُوزُ له أن يصومَ في هذِه الأيام. وهكذا مَنْ كان عليه كفارةٌ أو نَذْرُ صَوْمٍ مُتَتابِعٍ، فإنه يَقْطَعُ هذا التتابُعَ في يومِ العيدِ وأيام التشريق. وكذلك مَنْ كان يَصُومُ الأيامَ البيض، فإنه لا يجوزُ له أن يَصومَ اليومَ الثالثَ عشرَ, لأنه من أيامِ التشريق.
وذَكَرَ أهلُ العلمِ أَنَّ فِي النَّهْيِ عن صيامِ هذِه الأيامِ سِرًّا حِسِّيًّا وهو: أنَّ اللهَ تعالى لَمَّا عَلِمَ ما يُلاقِي الوافدون إلى بيتِه مِنْ مَشَاقِّ السَّفَرِ وتَعَبِ الإحرام، وجِهادِ النُّفُوسِ على قَضاءِ المناسكِ، شَرَعَ لهم الإقامةَ والراحةَ بِمِنى يومَ النَحْرِ وثلاثةَ أيامٍ بَعْدَه، وأمَرَهُم بالأكلِ فيها مِنْ لُحُومِ الأضاحي، فَهُمْ في ضِيافَةِ اللهِ تعالى لطفاً مِنَ اللهِ تعالى بِهِم ورَحْمَه. وشاركَهُم أيضاً أهْلُ الأمصارِ في ذلك؛ لأنَّ أهلَ الأمصارِ شاركُوهُم في النَّصَبِ لله تعالى والاجتهادِ في عَشْرِ ذي الحِجَّةِ بالصومِ والذِّكْرِ والاجْتِهادِ في العبادات، وفي التَقَرُّبِ إلى اللهِ بإراقةِ دِماءِ الأضاحي، وفي حُصُولِ الْمَغْفِرَةِ، فَاشْتَرَكَ الجميعُ في الراحةِ بالأكلِ والشُّرْبِ، فَصارَ الْمُسلِمونَ كُلُّهم في ضِيافةِ اللهِ تعالى في هذه الأيام، يأكلون مِنْ رِزقِهِ ويَشْكُرونَه على فضلِه.
الثالث: أنَّ أيامَ التشريقِ كُلُّها أيامُ ذَبْحٍ، سواءً الهدي، أو الأضاحي، فإذا انْقَضَتْ، فقد فاتَ وَقْتُ الذبح. فَمَن تَمَكَّن مِن ذَبْحِ الهَدْيِ في هذِه الأيام، فَذَبْحُهُ صحيح. وهكذا مَنْ لَمْ يَنْوِ الأُضْحِيَةَ إلا في أيامِ التشريقِ فإنه يُمْسِكُ عَنْ شَعْرِه وأظفارِه مِن حِينِ نِيَّتِه، ولَهُ أَنْ يُضَحِّي مَا لَمْ تَغْرُبْ شَمسُ اليومِ الثالثِ عَشَر.
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ عَلى إِحسانِهِ، وَالشكرُ لَهُ عَلى تَوفِيقِهِ وَامتِنَانِهِ، وَأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وَأشهدُ أنَّ مُحمّداً عَبدُهُ وَرسولُهُ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلمَ تسليماً كثيراً . أَمّا بَعدُ
عباد الله: وَفِي أَوْسَطِ أيامِ التشريق: خَطَبَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم، وَذَكَّرَ الناسَ وَوَعَظَهُم، وذَكَّرَهُم بِحُرْمَةِ الدِّماءِ والأموالِ والأعراض. وَإِنَّ مِنْ عَجيبِ الأَمْرِ، أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ ذلك في خُطْبَتِه يَوْمَ عَرَفَة، وفي خُطْبَتِه يومَ النحرِ، وفي أوْسَطِ أيامِ التشريق، مِمَّا يَدْلُّ على عِظَمِ الأمْرِ وأهَمِّيَّتِه، وخُطْورتِه. ويَكفِي أن الجُرأةَ على الدماءِ والأموالِ والأعراضِ، سَبَبُ إفلاسِ العبدِ في الآخرة، لأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الْمُفْلِسَ مِن أمَّتي، مَنْ يأتي يَوْمَ القيامةِ بِصلاةٍ وصيامٍ وزكاةٍ، وَيأتي قَدْ شَتَمَ هذا، وقذَفَ هذا، وأكلَ مالَ هذا، وسفَكَ دَمَ هذا، وضَرَبَ هذا. فَيُعطِى هذا مِنْ حسناتِه، وهذا مِن حَسناتِه. فإنْ فَنِيَتْ حسناتُه، قَبْلَ أن يُقْضَى ما عليه، أُخِذَ مِنْ خطاياهُم فَطُرِحت عليه. ثم طُرِحَ في النار ).
اللهم خَلِّصنا مِن حُقُوقِ خلقك، وأصلح لنا أمورنا كلها، وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك. واجعلنا في الآخرة من الصالحين. اللهم أصلحْ لنا ديننا الذي هو عصمت أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا واجعل الدنيا زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر،، اللهم احفظنا بالإسلام قائمين واحفظنا بالإسلام قاعدين واحفظنا بالإسلام راقدين ولا تُشمت بنا أعداء ولا حاسدين، اللهم ألّف بين قلوب المؤمنين وأصلح ذات بينهم واهدهم سبل السلام ونجهم من الظلمات إلى النور وانصرهم على عدوك وعدوهم يا قوي يا عزيز، اللهم يسر للحجيج إتمام حجهم، واحفظهم من كل مكروه، وردهم إلى أهلهم وأوطانهم سالمين غانمين، اللهم اجعل حجهم مبرورا، وسعيهم مشكورا، وذنبهم مغفورا يا ذا الجلال والإكرام، اللهم مَنْ أرادنا وأراد بلادنا بسوءٍ فأشغله بنفسه واجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميره له يا قوي يا عزيز، اللهم احفظ لهذه البلاد دينها وأمنها وعزتها وعقيدتها وسيادتها، اللهم احفظها مما يكيد لها، وأصلح أهلها وحكامها يا أرحم الراحمين، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ أحمد العتيق تجدها هنا :
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=119 |