فضل شهر شعبان وبعض خصائصه
إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد،
عباد الله: اتقوا الله تعالى، واعلموا أَنَّ كُلَّ يومٍ تُدْرِكُونَه في هذه الدنيا الفانيةِ والظِّلِّ الزائِل، غَنِيمَةٌ لَكُم، تَتَزَوَّدون فيهِ من الطاعات، وتُحاسِبونَ فيهِ أنفُسَكُم، وتَسْتَدْرِكونَ فيه شيئاً مِمَّا فاتَكُم. خُصُوصاً عندما تُدْرِكونَ الأزمِنَةَ التي يكونُ للطاعةِ فيها مَزيَّةٌ عن غيرِها. وَمِنْ تلكُمُ الأزمِنَة، شَهْرُ شعبانَ. فإنه بِمُجَرَّدِ دُخُولِه، تَبْدأُ القُلُوبُ الحَيَّةُ تَتَحَرَّكُ شوقاً لِسَيِّدِ الشُهُورِ وأفضلِها، شّهْرِ رمضان.
وكانت العربُ تُسَمِّي شهرَ شعبان بهذا الاسم: لأنه يأتي بعدَ شهرِ رجب. وشَهْرُ رجَبَ مِنَ الأشهُرِ الحُرُم، حيثُ كانوا يَتَوَقَّفونَ فيه عن القتال، لأن العربَ كانت تُعَظِّمُ الأشهُرَ الحُرُمَ فلا تُقاتلُ فيه، فإذا انقضى شهرُ رَجَب، خرجُوا وتَشَعَّبُوا وتفرَّقُوا في القبائِل مِنْ أجْلِ الغاراتِ والقتال. فَمَنَّ اللهُ عليِهِم بهذا الدين، وبِبِعْثَةِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، فتَغَيَّرتْ نَظْرَتُهُم لِهذا الشهر، حيثُ صارَ مَوْسِماً للعبادةِ والتزَوُّدِ من الطاعةِ والإستِعدادِ لِشَهرِ الخيرِ والرحمةِ.
ويتعلق بشهرِ شعبانَ بَعْضُ الأمورِ التي ينبغي معرفتُها:
أولُها: رَفْعُ أعمالِ العِبَاد، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ذلك شهرٌ يَغْفَلُ الناسُ عنه بين رجبَ ورمضان، وهو شهرٌ تُرْفَعُ فيه الأعمالُ إلى ربِّ العالمين )
ثانيا: الصيام، فقد ثَبَتَ في السنةِ ما يَدُلُّ على عنايةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم بالصيامِ في هذا الشهر، كما في الصحيحين من حديثِ عائشةَ رضي الله عنها، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم: ( كان يصومُ شعبانَ كلَّه ). وفي روايةٍ لمسلم: ( كان يصوم شعبانَ إلا قليلا ). ومعنى ذلك أنه كان تارةً يصومُ شعبانَ كُلَّه، وتارةً يصومُ أكثرَه. وفي سُننِ أبي داودَ عن عائشةَ رضي الله عنها قالت: ( كان أحَبُّ الشهورِ إليه أن يصومَه شعبان، ثم يَصِلُهُ بِرمضان ).
ثالثا: أَنَّ مِنْ أسبابِ العنايَةِ بِصِيامِ شهرِ شعبان، أَنَّه شهرٌ يغفلُ الناس فيه. وهذا يَدُلُّ على استحبابِ عِمارةِ أوقاتِ غَفْلَةِ الناسِ بالطاعة، كما كان طائفةٌ مِنَ السلفِ يَسْتَحِبُّون إحياءَ ما بينَ المغرِبِ والعِشاءِ بالصلاة، ويقولون هي ساعةُ غَفْلَة، ومِثْلُ ذلكَ استحبابُ ذكرِ اللهِ تعالى في السُّوق، لأنه ذِكْرٌ في مَوْطِنٍ تكثُرُ فيه الغفلة. وكذلك قيامُ الليل، فإنَّ أجْرَهْ عظيم، لأنه وَقْتُ النومِ والراحةِ والغَفْلَةِ عن العبادة.
كُلُّ ذلك يَدُلُّ على أنَّ العملَ الصالحَ في أوقاتِ الغَفْلَةِ أشَقُّ على النُّفُوس، والسبَبُ في ذلك: هو أن العملَ إذا كَثُرَ المشاركونَ فيه سَهُل، وإذا كَثُرَت الغَفَلاتُ شَقَّ ذلك على المُتَيَقِّظِين.
رابعاً: لا يجوزُ صيامُ آخرِ يومينِ من شعبان، إلا إذا كان الشخْصُ قد اعتادَ صوماً مُعَيَناً فوافَقَ آخِرَ يومِ أو أخرَ يومين، كَمَن اعتادَ صومَ الاثنين والخميس، فوافقَ ذلكَ آخِرَ شعبان. وكذلك من اعتادَ أن يصومَ آخِرَ ثلاثةِ أيامٍ من كل شهر. أو كانَ عليه قضاءٌ مِن رمضانَ الفائت. وبِهَذِهِ المناسبة، يَنْبَغِي التنبيهُ على أَمْرٍ مُهِم، وهو أن بعضَ المسلمين، يتساهَلُ في قضاءِ رمضان، حتى يضيقَ عليه الوقت، فلا يَتَمَكَّن من قضاءِ ما عليه من أيام. ومِنَ المعلوم أَنَّه لا يجوزُ للمسلِم أنْ يُؤَخِّرَ القضاءَ إلى أن يُدْرِكَه رمضانُ الآخرَ إلا لِعُذر، فَإِنْ أَخَّرَ القضاءَ بِلا عُذْرٍ فَيَجِبُ عليه مع التوبةِ والقضاء، أَنْ يُطْعِمَ عَن كُلِّ يومٍ أَخَّرَهُ مِسكيناً.
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ عَلى إِحسانِهِ، وَالشكرُ لَهُ عَلى تَوفِيقِهِ وَامتِنَانِهِ، وَأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وَأشهدُ أنَّ مُحمّداً عَبدُهُ وَرسولُهُ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلمَ تسليماً كثيراً . أَمّا بَعدُ
عباد الله: ومِنَ الأمورِ التي ذكرها أهلُ العلمِ فيما يتعلقُ بِشَهْرِ شعبان: ما يُرْوَى عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم انه قال: ( إِنَّ اللَّهَ لَيَطَّلِعُ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ )، وروى البيهقي عن أبي ثعلبة الخشني قال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( إذا كان ليلةُ النصفِ مِن شعبان اطَّلَعَ اللهُ إلى خلقِه فيغفرُ للمؤمنين ويُمْلِي للكافرين، ويَدَعُ أهلَ الحِقدِ بِحِقدِهِم حتى يَدَعُوه ). فيجب على المسلمِ أن يحذَرَ من هذه الذنوبِ الثلاثةِ الخطيرة: ( الشركُ، والشحناءُ، والحِقد ).
وأما ما ورد مِنْ مَشروعيةِ صيامِ النصفِ من شعبان، أو أحياءِ ليلةِ النصفِ مِنْهُ بالقيامِ والتلاوةِ والدعاء، فلم يثبت فيه شيءٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم.
اللهم استعملنا في طاعتك، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليّها ومولاها، اللهم أصلح قلوبنا وأعالنا، اللهم خلصنا من حقوق خلقك وبارك لنا في الحلال من رزقك وتوفنا مسلمين وألحقنا بالصالحين، اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاماً ومحكومين، اللهم أنزل على المسلمين رحمة عامة وهداية عامة يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اجمع كلمة المسلمين على الكتاب والسنة، اللهم اجعل كلمتهم واحدة ورايتهم واحدة واجعلهم يداً واحدةً واجعلهم قوة واحدة على من سواهم، ولا تجعل لأعدائهم منةً عليهم يا قوي يا عزيز، اللهم عليك بالكفرة والملحدين الذين يصدون عن دينك ويقاتلون عبادك المؤمنين، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك، اللهم زلزلِ الأرض من تحت أقدامهم، اللهم سلط عليهم مَنْ يسومهم سُوء العذاب، اللهم وفق وُلاة أمرنا لما يرضيك، اللهم وفقهم بتوفيقك، وأيّدهم بتأييدك واجعلهم أنصاراً لدينك, وألف بين قلوبهم واجعلهم رحمة لرعيتهم واجمع قلوب رعيتهم عليهم، اللهم ارزقهم البطانة الصالحة الناصحة وبصّرهم بأعدائهم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم احفظ بلادنا ممن يكيد لنا ويتربص بنا الدوائر يا قوي يا عزيز، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات، ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ أحمد العتيق تجدها هنا :
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=119 |