مختصر البيان في أحكام الأيمان
الحمدُ لله الذي علمَنا ما لم نكنْ نعلمْ وكانَ فضلُهُ علينا عظيماً، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَهُ لا شريكَ له إقراراً به وتوحيداً، وأشهدُ أنّ محمداً عبدُهُ ورسولُهُ بعثَهُ الله بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كريماً.. أما بعد:
فاتقوا الله - عباد الله - وحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وصونوا ألسنتكم إلا من ذكر الله وما ينفعكم في دينكم ودنياكم.
أيها المسلمون: اللسان من نعم الله العظيمة ولطائف صنعه الغريبة، فهو صغير حجمه، عظيم طاعته وجُرمه، إذ لا يتبين الكفر والإِيمان إلا بشهادة اللسان،وبه تحصل عالي الطاعات أو أرذل العصيان..
عباد الله : مَن حَفِظَ لسانه قل خطؤه، وكان أملك لزمام أمره، وأجدر ألا يقع في محذور، وقد ضمن له النبي صلى الله عليه وسلم الجنة حيث قال : «من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه، أضمن له الجنة» رواه البخاري.. وما بين اللَّحيين هو اللسان، وخطره لا يَقِلّ عن خطر ما بين الرِّجلين هو الفرج. فمن استقام لسانه استقامت جوارحه، ومن عصى لسانه وخاض في أعراض الناس عصت جوارحه وانتهكت حرمات الله، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إِذَا أَصْبَحَ ابْنُ آدَمَ فَإِنَّ الأَعْضَاءَ تُكَفِّرُ اللِّسَانَ ، وَتَقُولُ : اتَّقِ اللَّهَ , فَإِنِ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا ، وَإِنِ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا» [رواه الترمذي وحسّنه الألباني] ، ومعنى« تُكَفِّرُ اللِّسَانَ » : أيْ تَذِلُّ وَتَخْضَعُ لَهُ.
وقال يحيى بن أبي كثير:(ما صلح منطق رجل إلا عرفتُ ذلك في سائر عمله ، ولا فسد منطقه إلا عرفتُ ذلك في سائر عمله).
عباد الله : ومما يحدث بين الناس كثيرا بل قد فتنوا به :كثرة اليمين عند أقل سبب وأدنى حاجة والله تعالى يقول: ﴿وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ﴾. فشأن اليمين عند الله عظيم، وخطر التساهل بها جسيم، فليست اليمين مجرد كلمة تمر على اللسان، ولكنها عند الله عهد وميثاق، ولليمين أحكام يجب على المسلم معرفتها والعمل بها فمن ذلك:
- أن الحلف إنما يكون بالله وحده ولا يجوز بغير الله لا برسول الله ولا بولي ولا بالآباء ولا بالأبناء ولا بالأمانة ولا بالذمة. فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أدرك عمر بن الخطاب وهو يسير في ركب يحلف بأبيه فقال: «أَلا إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ ، فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ». قال عمر: «فَوَاللَّهِ مَا حَلَفْتُ بِهَا مُنْذُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاكِرًا ، وَلَا آثِرًا». [رواه البخاري].
- واليمين عند الله عهد وميثاق، يجب على المسلم أن يقف عند حده ويوفيه حق قدره ويصدق فيها مع ربه. فقد قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ حَلَفَ بِاللَّهِ فَلْيَصْدُقْ , وَمَنْ حُلِفَ لَهُ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَلْيَرْضَ , وَمَنْ لَمْ يَرْضَ بِاللَّهِ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ».
وكم من حالف اليوم كذباً على الله وعلى الناس من أجل أمور دنيوية تافهة. فأين تعظيم الله يا من تحلف بالله كاذباً قال تعالى: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ﴾. ويزداد الأمر سوءاً عندما يكون الحالف كاذباً لأجل أكل أموال الناس بالباطل وأكل حقوقهم. فيحلف بالله كاذباً أن ليس لفلان عنده دين، وهو قد استدان منه، يقول صلى الله عليه وسلم: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ يَسْتَحِقُّ بِهَا مَالًا وَهُوَ فِيهَا فَاجِرٌ ، لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ»، وهي اليمين الغموس, التي تغمس صاحبها في الإثم. فليحذر إذاً أولئك الذين يحلفون بالله من أجل أكل أموال الناس بالباطل فالأمر عظيم.
ألا وإن من تعظيم الله وإجلاله حفظ اليمين، فلا يُحلف بالله إلا عند الحاجة ويكون صادقًا ؛ لأن ذلك من كمال التوحيد المستحب.. وقد أمر الله - سبحانه - عباده بحفظ اليمين ، قال تعالى: ﴿وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ﴾، وحفظ اليمين يكون بأمور:
منها عدم الإكثار من الحلف وعدم الحنث فيه: أي التراجع عما حلف عليه، إلا إذا حلف على ترك أمر هو خير.
ومنها: عدم ترك الكفارة عند الحنث فمن المعلوم أن من يُكثر الحلف يكثر حنثه، ويقل تكفيره ليمينه، وكل ذلك من المحرمات المنقصة لتوحيد العبد .
= عباد الله: لغو اليمين هي التي تجري على اللسان بلا قصد في عَرَض الحديث لا كفارة فيها ، مثل قول الرجل: (لا والله ، بلى والله)، وأما اليمين المنعقدة التي تواطأ عليها القلب واللسان فهذه تجب فيها الكفارة عند الحنث وعدم الوفاء بها.
نعوذ بالله من الزلل في القول والعمل ، ونسأله أن يحفظ ألسنتنا عن الحرام، وأن يعيذنا من شر ألسنتنا، أقول هذا القول واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ ، إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إلا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين أما بعد فيا عباد الله:
أيها الناس اعلموا أن اليمين إما أن تكون على شيء ماض قد حدث وانتهى. أو أن تكون على شيء مستقبل لم يحصل بعد. أما اليمين التي تكون على شيء ماض قد حدث مثل أن يقول: والله لقد رأيت فلاناً. وهذه اليمين ليس فيها كفارة إطلاقاً سواء كان صادقاً أم كاذباً. لكن إن كان صادقاً أو ظاناً صدق نفسه فلا إثم عليه. وإن كان كاذباً أو ظاناً كذب نفسه، فعليه إثم وقد أتى كبيرة من كبائر الذنوب وهي من الموبقات عياذاً بالله .
وأما إن حلف على مستقبل مُمكن فلم يفِ بيمينه فعليه الكفارة وهي ثلاث التخيير: إما إطعام عشرة مساكين، لكل مسكين نصف صاع من الأرز ونحوه، أي: ما يعادل كيلو ونصف تقريبًا ، أو كسوة عشرة مساكين ، أو تحرير رقبة، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ، ولا يجوز له أن يبدأ بالصيام حتى يعجز عن أحد هذه الثلاث .
ويشترط في اليمين التي يؤاخذ بها صاحبها أن يكون قاصداً لها عامداً ذاكراً قال تعالى: ﴿لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُّمُ الأَيْمَانَ﴾.
وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها فكفر عن يمينك وأأت الذي هو خير قال تعالى: ﴿وَلاَ تَجْعَلُواْ اللّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصْلِحُواْ بَيْنَ النَّاسِ﴾، وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنِّي وَاللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إِلَّا كَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِي وَأَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ»، فيا من حلفت على هجر أخاك أو أختك أو أحداً من أرحامك كفر عن يمينك وصلهم وسلم عليهم فهو خير لك .
وإذا حلف الشخص وقال: "إن شاء الله" فلا عليه كفارة إذا ترك ما حلف على فعله أو فعل ما حلف على تركه.
= فعظّموا - رحمكم الله - ربَكم واحفظوا أيمانكم ، ولا تحلفوا بالله إلا عند الحاجة ؛ وعلّموا أولادَكم وربّوهم على ذلك ؛ فلقد كان السلف الصالح يؤدّبون أبناءهم على تعظيم الشهادة والحلف بالله؛ لأن من اعتادهما في حال الصغر أدّى به ذلك إلى التساهل بهما في حال الكبر؛ قال إبراهيم النخعي: كانوا يضربوننا على الشهادة والعهد ونحن صغار، فما أحوجنا إلى التأسي بالسلف الصالح في تنشئة الصغار على طاعة ربهم وتعظيم أوامره وترك نواهيه..
اللهم ارزقنا العلم النافع والعمل الصالح، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وذدنا علما، اللهم اجعلنا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه، اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، اللهم متعنا بأسماعنا، وأبصارنا، وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا فى ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، وﻻ مبلغ علمنا، وﻻ تسلط علينا من ﻻ يرحمنا، اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل، اللهم أصلح قلوبنا وأعمالنا وأحوالنا ، اللهم حببّ إلينا الإيمان وزيّنه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين، اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، اللهم ارحم المستضعفين من المسلمين في كل مكان، اللهم ارفع البلاء عن المستضعفين من المسلمين في كل مكان، اللهم احقن دماء المسلمين، واحفظ عليهم دينهم وأمنهم وأعراضهم وأموالهم يا رب العالمين، اللهم اكفنا والمسلمين شر الأشرار وكيد الفجار، اللهم ولّ على المسلمين خيارهم واكفهم شرارهم يا رب العالمين، اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك ويقاتلون أهل دينك اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك, اللهم أنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين يا قوي يا عزيز، اللهم آمنّا في الأوطان والدور، واصرف عنّا الفتن والشرور، وأصلح لنا الأئمة وولاة الأمور، اللهم وفقّ ولاة أمرنا بتوفيقك وأيّدهم بتأييدك واجعلهم من أنصار دينك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم ارزقهم بطانة الصلاح وأهل الخير، وأبعد عنهم أهل الزيغ والفساد، اللهم من أرادنا وأراد ديننا وبلادنا بسوء اللهم فأشغله في نفسه واجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميراً عليه يا رب العالمين، اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات انك سميع قريب مجيب الدعوات.
اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أعلنّا وما أسررنا وما أنت أعلمُ به منا أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت على كل شيءٍ قدير، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلته قوةً ومتاعاً إلى حين، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلته قوةً ومتاعاً إلى حين، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلته قوةً ومتاعاً إلى حين، اللهم أغثنا، غيثاً مغيثاً، هنيئاً مريئاً، سحاً غدقاً، نافعاً غير ضار، عاجلاً غير آجل، اللهم اسق بلادك وعبادك وبهائمك، وانشر رحمتك وأحيي بلدك الميت، اللهم أنزل علينا من السماء ماء مباركاً تُغيث به البلاد والعباد وتعُمَّ به الحاضر والباد، اللهم سقيا رحمة لا سقيا هدم ولا عذاب ولا غرق، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ وليد الشعبان تجدها هنا:
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=129 |