الحج والأضحية
اَلْحَمْدُ للهِ اَلْتَّوَّاْبِ اَلْرَّحِيْمِ ، اَلْمَلِكِ اَلْحَقِ } لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ { ، } يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ { ، أَحْمَدُهُ حَمْدَاً يَلِيْقُ بِكَرِيْمِ وَجْهِهِ ، وَعَظِيمِ سُلطَانِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَاْ إِلَهَ إِلَّا اللهُ ، وَحْدَهُ لَاْشَرِيْكَ لَهُ ، } لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ { .
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ ، وَصَفِيُّهُ وَخَلِيْلُهُ ، وَخِيْرَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ ، عَلِيْهِ أَفْضَلُ الْصَّلَاْةِ وَأَتَمُ اَلْتَّسْلِيْمِ ، وَعَلَىْ آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ ، وَمَنْ سَاْرَ عَلَىْ نَهْجِهِ ، وَتَمَسَّكَ بِسُنَتِهِ ، إِلَىْ يَوْمِ اَلْدَّيْنِ .
أَمَّاْ بَعْدُ ، فَيَاْ عِبَادَ اللهِ :
تَقْوَىْ اللهِ U، وَصِيَّتُهُ سُبْحَاْنَهُ لِعِبَاْدِهِ ، فَهُوَ الْقَائِلُ فِي كِتَاْبِهِ: } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ { ، فَلْنَتَقِ اللهَ - أَحِبَتِيْ فِيْ اللهِ - جَعَلَنِيْ اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْ عِبَادِهِ الْمُتَقِيْن .
أَيُّهَا الإِخْوَةُ المُؤمِنُون :
مَاْ هِيَ إِلَّاْ بِضْعَةُ أَيَّاْمٍ، وَنَسْتَقْبِلُ شَهْرَ ذِيْ اَلْحُجّةِ، مَوْسِمُ شَعِيْرَتِيْنِ مَنْ شَعَاْئِرِ اللهِ U ، اَلْأُوْلَىْ : حَجُّ بَيْتِ اللهِ اَلْحَرَاْمِ، وَاَلْثَّاْنِيَةُ: اَلْأُضْحِيَةُ . وَنَشْكُوْا إِلَىْ اللهِ U ، مَاْ تَسَبَّبَ بِهِ ، أَهْلُ اَلْطَّمَعِ وَاَلْجَشَعِ ، مِنْ أَصْحَاْبِ حَمَاْلَاْتِ اَلْحَجِّ ، وَتُجَّاْرِ اَلْمَوَاْشِيْ ، اَلَّذِيْنَ جَعَلُوْا هَاْتَيْنَ اَلْشَّعِيْرَتِيْنِ ، مِنْ اَلْأُمُوْرِ اَلْصَّعْبَةِ عَلَىْ كَثِيْرٍ مِنْ اَلْمُسْلِمِيْنَ ، وَهُمْ بِحَاْجَةٍ لِمَاْ يُقَرِّبُهُمْ لِرَبِّهِمْ ، وَمُضْطَرُوْنَ لِعَمَلِ شَيْئٍ لِآخِرَتِهِمْ .
فَأَمَّاْ اَلْحَجُّ ، فَيَقُوْلُ تَبَاْرَكَ وَتَعَاْلَىْ: } الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ { يَقُوْلُ اِبْنُ سِعْدِي فِيْ تَفْسِيْرِهِ: اَلْمُرَاْدُ بِالْأَشْهُرِ اَلْمَعْلُوْمَاْتِ عَنْدَ جُمْهُوْرِ اَلْعُلَمَاْءِ: شَوَّاْلُ ، وَذُوْ اَلْقِعْدَةِ ، وَعَشْرٌ مِنْ ذِيْ اَلْحَجَةِ، فَهِيَ اَلَّتِيْ يَقَعُ فِيْهَاْ اَلْإِحْرَاْمُ بِالْحَجِّ غَاْلِبَاً .
وَيَقُوْلُ U: } وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ { أَيْ اَلْحَجُّ ، مِمَّاْ أَوْجَبَ اللهُ U ، عَلَىْ اَلْمُسْتَطِيْعِ مِنْ عِبَاْدِهِ اَلْمُؤْمِنِيْنَ ، اَلَّذِيْ يَمْلُكُ زَاْدَاً يَكْفِيْه ، وَرَاْحِلَةً تَحْمِلُهُ ، وَمَحْرَمَاً يَحْمِيْهِ إِنْ كَاْنَتْ إِمْرَأَةً .
فَالْحَجُّ -أَيْهُاْ اَلْإِخْوَةِ- عِبَاْدَةٌ مِنْ أَجَلِّ الْعِبَاْدَاْتِ وَأَفْضَلِهَاْ عَنْدَ اللهِ U بَعْدَ اَلْإِيْمَاْنِ بِهِ ، وَبِرَسُوْلِهِ ، وَاَلْجِهَاْدِ فِيْ سَبِيْلِهِ ، فَفِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t قَالَ سُئِلَ النَّبِيُّ r : أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ r : (( إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ )) ، قِيلَ ثُمَّ مَاذَا ؟ قَالَ : (( جِهَادٌ فِي سَبِيلِ اللهِ )) قِيلَ ثُمَّ مَاذَا ؟ قَالَ : (( حَجٌّ مَبْرُورٌ )) . وَمَعْنَىْ مَبْرُوْر : أَيْ اَلَّذِيْ لَاْ يُخَاْلُطُهُ إِثْمٌ .
فَالْحَجُّ -أَيْهُاْ اَلْإِخْوَةِ- مِنْ اَلْأَعْمَاْلِ اَلْفَاْضِلَةِ ، اَلَّتِيْ أَوْجَبَهَاْ اللهُ U عَلَىْ اَلْمُسْتَطِيْعِ مِنْ عِبَاْدِهِ ، وَهَاْهُوَ مَوْسِمُهُ بَيْنَ أَيْدِيْنَاْ ، وَهُوَ فُرْصَةٌ ، لَاْ يَنْبَغِيْ اَلْتَّفْرِيْطُ فِيْهَاْ ، أَوْ اَلْتَّسْوِيْفُ فِيْ تَأْدِيَتِهَاْ وَتَأْجِيْلِهَاْ ، فَقَدْ صَحَّ فِيْ اَلْحَدِيْثِ عَنْ أَنَسٍ t أنه قَالَ: كُنَّا نُهِينَا أَنْ نَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ r عَنْ شَىْءٍ - يُشِيْرُ t إِلَىْ قَوْلِهِ تَعَاْلَىْ: } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ { - يَقُوْلُ t: وَكَانَ يُعْجِبُنَا ؛ أَنْ يَأْتِيَهُ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ ، فَيَسْأَلَهُ وَنَحْنُ نَسْمَعُ . فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ ! أَتَانَا رَسُولُكَ ، فَزَعَمَ أَنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَكَ قَالَ r : )) صَدَقَ )) . قَالَ : فَمَنْ خَلَقَ السَّمَاءَ؟ قَالَ : (( اللَّهُ )) . قَالَ : فَمَنْ خَلَقَ الأَرْضَ؟ قَالَ : (( اللَّهُ )) . قَالَ : فَمَنْ نَصَبَ هَذِهِ الْجِبَالَ؟ قَالَ : (( اللَّهُ )) . قَالَ : فَمَنْ جَعَلَ فِيهَا هَذِهِ الْمَنَافِعَ؟ قَالَ : (( اللَّهُ )) . قَالَ اَلْأَعْرَاْبِيُ : فَبِالَّذِى خَلَقَ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ ، وَنَصَبَ الْجِبَالَ ، وَجَعَلَ فِيهَا هَذِهِ الْمَنَافِعَ ؛ آللَّهُ أَرْسَلَكَ؟ قَالَ r : (( نَعَمْ )) . قَالَ : وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِى يَوْمِنَا وَلَيْلَتِنَا ! قَالَ : (( صَدَقَ )) . قَالَ : فَبِالَّذِى أَرْسَلَكَ ! آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ : (( نَعَمْ )) . قَالَ : وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا صَدَقَةً فِى أَمْوَالِنَا؟ قَالَ : (( صَدَقَ )) . قَالَ : فَبِالَّذِى أَرْسَلَكَ ! آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ : (( نَعَمْ )) . قَالَ : وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا صَوْمَ شَهْرٍ فِى سَنَتِنَا قَالَ : (( صَدَقَ )) . قَالَ : فَبِالَّذِى أَرْسَلَكَ ! آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا قَالَ : (( نَعَمْ )) . قَالَ : وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا حَجَّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً . قَالَ : (( صَدَقَ )) . قَالَ : فَبِالَّذِى أَرْسَلَكَ ! آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ : (( نَعَمْ )) . قَالَ : وَالَّذِى بَعَثَكَ بِالْحَقِّ ، لاَ أَزِيدُ عَلَيْهِنَّ ، وَلاَ أَنْقُصُ مِنْهُنَّ . فَلَمَّا مَضَى ، قَالَ r: (( لَئِنْ صَدَقَ لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ )) .
فَقُوْلُ اَلْنَّبِيِ r: (( لَئِنْ صَدَقَ لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ )) لِأَنَّهُ قَاْمَ بِأَرْكَاْنِ اَلْإِسْلَاْمِ اَلْخَمْسَةِ ، وَمِنْهَاْ اَلْحَجُّ ، فَفِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ ، يَقُوْلُ r: (( بُنِىَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ : شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ، وَالْحَجِّ ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ )). فَلَنْ يَكْمُلَ إِسْلَاْمُ اَلْمَرْءِ ، إِلَّاْ بِهَذَاْ اَلْرُّكْنِ اَلْعَظِيْمِ ، وَلِذَلِكَ -أَيْهُاْ اَلْإِخْوَةِ - لَمَّا نَزَلَ قَوْلُ اللهِ تَعَاْلَىْ: } وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرِ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ { . قَالَتِ الْيَهُودُ : فَنَحْنُ مُسْلِمُونَ . قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : فَأَخْصَمَهُمْ بِحُجَّتِهِمْ ، يَعْنِى فَقَالَ لَهُمُ النَّبِىُّ r : (( إِنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ حِجَّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً )) فَقَالُوا: لَمْ يُكْتَبْ عَلَيْنَا ، وَأَبَوْا أَنْ يَحُجُّوا . فقَالَ اللَّهُ U: } وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِىٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ {.
فَيَجِبُ عَلَىْ اَلْمُسْلِمِ ، اَلْمُسْتَطِيْعِ ، أَنْ يُبَاْدِرَ فِيْ اَلْحَجِّ ، فَلَاْ يُسَوِّف فِيْ تَأْدِيَتِهِ ، وَلَاْ يَكُوْنُ سَبَبَاً فِيْ حِرْمَاْنِ نَفْسِهِ ، أَجْرَاً عَظِيْمَاً ، جَعَلَهُ اللهُ U ، عَلَىْ هَذِهِ اَلْعِبَاْدَةِ اَلْعَظِيْمَةِ. لَاْ سِيَّمَاْ -أَيْهُاْ اَلْإِخْوَةِ- أَنْ اَلْمَرْءَ إِنْ كَاْنَ فِيْ يُوْمِهِ آمِنًا صَحِيْحًا مُسْتَطِيْعًا ، فَإِنَّهُ لَاْ يَدْرِي مَاْ سَيَحْدُثُ لَهُ فِيْ مُسْتَقْبَلِ أَيَّاْمِهِ، يَقُوْلُ r فِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلَّذِيْ رَوَاْهُ اَلْإِمَاْمُ أَحْمَدُ، عَنْ اِبْنِ عَبَّاَسٍ مَرْفُوْعَاً: (( تَعَجَّلُوا إِلَى الْحَجِّ )) يَعْنِي الْفَرِيضَةَ (( فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي مَا يَعْرِضُ لَهُ )) . وَفِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ t قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ r فَقَالَ: (( أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فُرِضَ عَلَيْكُمُ الْحَجُّ فَحُجُّوا )). فَقَالَ رَجُلٌ : أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ ! فَسَكَتَ ، حَتَّى قَالَهَا ثَلاَثًا . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: (( لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ ، وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ )) . فَلْنَتَّقِ اللهَ -أَحِبَتِيْ فِيْ اللهِ - وَلْيُبَاْدِرْ مَنْ لَمْ يَحُج ، لِتَأْدِيَةِ هَذِهِ اَلْفَرِيْضَةِ اَلْعَظِيْمَةِ ، وَاَلْرُّكْنِ اَلْمُهِم ، مَنْ أَرْكَاْنِ اَلْإِسْلَاْمِ ، فَمَاْ هُوَ إِلَّاْ مَرَّةً فِيْ اَلْعُمُرِ ، وَالْعُمُرُ مِنْ صِفَاْتِهِ ، وَأَبْرَزِ سِمَاْتِهِ ، اَلْنَّقْصُ وَعَدَمُ اَلْزِّيَاْدَةِ .
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِ ذَنْبٍ ، فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيْمُ .
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ عَلَىْ إِحْسَاْنِهِ، وَالْشُّكْرُ لَهُ عَلَىْ تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَاْنِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَاْ إِلَهَ إِلَّاْ اللهُ، وَحْدَهُ لَاْ شَرِيْكَ لَهُ تَعْظِيْمَاً لِشَأْنِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ الْدَّاْعِيْ إِلَىْ رِضْوَاْنِهِ صَلَّى اللهُ عَلِيْهِ وَعَلَىْ آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيْمَاً كَثِيْرَاً .
أَيُّهَا الإِخْوَةُ المُؤمِنُون :
وَأَمَّاْ اَلْأُضْحِيَةُ ، فَهِيَ أَيْضَاً شَعِيْرَةٌ مِنْ شَعَاْئِرِ الْإِسْلَاْمِ اَلْمَشْرُوْعَةِ بِكِتَاْبِ اللهِ U ، وَسُنَّةِ رَسُوْلِهِ r ، وَإِجْمَاْعِ اَلْمُسْلِمِيْنَ. يَقُوْلُ تَبَاْرَكَ وَتَعَاْلَىْ: } فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ { ، وَيَقُوْلُ أَيْضَاً: } قُلْ إِنَّ صَلاَتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى للَّهِ رَبِّ الْعَـلَمِينَ ، لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ { وَالْنُّسُكُ اَلْذَّبْحُ ، قَاْلَهُ سَعِيْدُ بِنُ جُبِيْر، وَقِيْلَ جَمِيْعُ اَلْعِبَاْدَاْتِ وَمِنْهَاْ اَلْذَّبْحُ ، وَهُوَ أَشْمَلُ .
وَيَقُوْلُ U: } وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ { . وَفِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ ، يَقُوْلُ أَنَسُ بِنُ مَاْلِكٍ t : (( ضَحَّى النَّبِيُّ r بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ ، وَسَمَّى وَكَبَّرَ وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا )) ، وَفِيْ حَدِيْثٍ حَسَنِ ، يَقُوْلُ اِبْنُ عُمَرَ t : (( أَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ r بِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ يُضَحِّى )) وَفِيْ صَحِيْحِ اَلْبُخَاْرِي ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ : قَسَمَ النَّبِيُّ r بَيْنَ أَصْحَابِهِ ضَحَايَا فَصَارَتْ لِعُقْبَةَ جَذَعَةٌ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! صَارَتْ لِي جَذَعَةٌ ! قَالَ r : (( ضَحِّ بِهَا )) . فَقَدْ ضَحَّىْ r وَضَحَّىْ أَصْحَاْبُهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ ، وَلِهَذَاْ أَجْمَعَ اَلْمُسْلِمُوْنَ عَلَىْ مَشْرَوْعِيَّتِهَاْ .
فَلْنَتَّقِ اللهَ ـ أَيْهُاْ اَلْإِخْوَةِ ـ وَلْيُبَاْدِرْ اَلْمُسْتَطِيْعُ مِنَّاْ ، لِتَأْدِيَةِ فَرِيْضَةِ اَلْحَجِّ ، وَلْنَحْرِصْ عَلَىْ اَلْأُضْحِيَةِ ، فَهِيَ سُنَّةٌ مَؤَكَّدَةٌ ، وَقَدْ رَأَىْ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِأَنَّهَاْ وَاْجِبَةٌ عَلَىْ مَنْ يَسْتَطِيْعُ عَلَيْهَاْ ، وَلْنَسْتَغِلّ عَشَرَةَ اَلأَيَّاْمِ اَلْأُوْلَىْ مِنْ شَهْرِ ذِيْ اَلْحِجَّةِ ، فَقَدْ أَقْسَمَ اللهُ U بِهَاْ لِفَضْلِهَاْ وَمَكَاْنَتِهَاْ ، فَقَاْلَ U: } وَالْفَجْرِ ، وَلَيَالٍ عَشْرٍ { يَقُوْلُ اِبْنُ عَبَّاْسٍ t: } وَلَيَالٍ عَشْرٍ{ مِنْ أَوْلِ ذَيْ اَلْحِجَّةِ . وَفِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ ، يَقُوْلُ r : (( مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ أَفْضَلَ مِنَ الْعَمَلِ فِي هَذِهِ قَالُوا ، وَلاَ الْجِهَادُ قَالَ ، وَلاَ الْجِهَادُ إِلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ )) .
أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُعِيْنَنِيْ وَإِيَّاْكُمْ عَلَىْ ذِكْرِهِ وَشُكْرِهِ وَحُسْنِ عِبَاْدَتِهِ ، إِنَّهُ سَمِيْعٌ مُجِيْبٌ . اللَّهُمَّ آتِ نُفُوسَنَا تَقْوَاهَا ، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا ، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلاَهَا . اللَّهُمَّ اجْعَلْ خَيْرَ أَعْمَالِنَا خَوَاتِمَهَا ، وَخَيْرَ أَعْمَارِنَا آخِرَهَا ، وَخَيْرَ أَيَّامِنَا يَوْمَ أَنْ نَلْقَاكَ ، وَاجْعَلْ آخِرَ كَلاَمِنَا مِنَ الدُّنْيَا لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله .الْلّهُمَّ تَوْلَّنَاْ أَجْمَعِيْنَ بِحِفْظِكَ ، وَمُنَّ عَلَيْنَاْ بِعَفِّوْكَ وَعَاْفِيَتِكِ ، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَاْدَةً لَنَاْ مِنْ كُلِ خَيْرٍ ، وَالمَوْتَ رَاْحَةً لَنَاْ مِنْ كُلِ شَرٍ ، بِرَحْمَتِكَ يَاْ أَرْحَمَ الْرَّاحِمِيْن . } رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ { .
عِبَادَ اللهِ :
}إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ{ فَاذْكُرُوا اللهَ العَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوهُ عَلَى وَافِرِ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُون .
وللمزيد من الخطب السابقة عن موسم الحج وعشر ذي الحجة تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catsmktba-130.html |