تحريم الغناء والمعازف
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، وصفيه وخليله وأمينه على وحيه ومبلِّغ الناس شرعه ؛ فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد أيها المؤمنون عباد الله : اتقوا الله فمن اتقى الله وقاه وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه . وتقوى الله جلّ وعلا: عملٌ بطاعة الله على نورٍ من الله رجاء ثواب الله ، وتركٌ لمعصية الله على نورٍ من الله خيفة عذاب الله .
أيها المؤمنون : لقد جاء الإسلام بتوجيهاته السمحة وإرشاداته المباركة السديدة بما يحقق للإنسان المؤمن عزه وسعادته ، ويكفل لقلبه راحته وطمأنينته ؛ وإن مما يؤسف له ! أن بعض المسلمين يذهب في طلبه للسعادة وتحصيله للذة إلى مذاهب نهى الإسلام عنها وجاء الدين بتحريمها لما فيها من الأضرار الوخيمة والآثار الجسيمة، ومن ذلكم - أيها المؤمنون عباد الله - : عكوف بعض الناس وانشغالهم بسماع اللهو والطرب والغناء والمعازف، ولربما تعلل بعضهم لنفسه في الاستمرار في ذلك والمضي فيه بفتاوى غير محققة وتقريرات في هذا الباب غير سديدة لكونها غير قائمة على أصل يُعتمد ولا أساس يُبنى عليه ولا أدلة صحيحة من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم .
عباد الله : وفي هذا الزمان ازداد الأمر سوءًا بالتقنيات الحديثة التي جمّلت الأصوات وحسّنت المعازف مما جذب قلوب كثير من الناس إلى سماعها والانشغال بها ؛ مما ترتب على ذلك إضعاف دينهم وتوهين أخلاقهم وصرفهم عن معالي الأمور وإشغالهم بسفسافها ورديئها .
عباد الله : ولقد جاءت شريعة الإسلام بأدلة واضحة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بتحريم الغناء والمعازف وبيان آثارها وأضرارها وأخطارها على المؤمن وعلى قلبه ودينه وأخلاقه :
§ يقول الله تبارك وتعالى : ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ [لقمان:6] قال ابن عباس وابن مسعود وغيرهما من الصحابة والتابعين : هو الأغاني والمعازف. بل قال الحسن البصري -رحمه الله -وهو من أجلة علماء التابعين : إن هذه الآية نزلت في الغناء والمعازف .
§ ويقول الله تبارك وتعالى : ﴿ وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا ﴾ [الإسراء: 64] قال غير واحد من المفسرين من الصحابة والتابعين : صوت الشيطان في هذه الآية المراد به : الغناء.
§ ويقول الله سبحانه وتعالى في ذكر صفات عباد الرحمن : ﴿ وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا ﴾ [الفرقان:72] قال غير واحد من المفسرين من معاني الزور في الآية : الغناء ، ولهذا قال بعضهم في تفسير الآية ببعض أفرادها : لا يشهدون الزور : أي لا يسمعون الغنا.
§ وقال الله تبارك وتعالى : ﴿ أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (59) وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ (60) وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ ﴾ [النجم :59] قال ابن عباس رضي الله عنهما : سامدون أي مغنّون .
§ عباد الله : ومن دلائل السنة ودلائلها في تحريم الغناء كثيرة ما جاء في صحيح البخاري وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ ..)) .
§ وقال صلى الله عليه وسلم : (( لَيَشْرَبَنَّ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ ، يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا ، يُعْزَفُ عَلَى رُؤُوسِهِمْ بِالْمَعَازِفِ ، وَالْمُغَنِّيَاتِ ، يَخْسِفُ اللَّهُ بِهِمُ الأَرْضَ ، وَيَجْعَلُ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ )) وقوله " ليستحلن أقوام" دليل صريح واضح على حرمة الغناء، وفيه دلالة أيضا أن هؤلاء الذين يستحلون هذه المحرمات إنما يستحلونها بتأويلات فاسدة وآراء كاسدة .. لا أنهم يعتقدون حرمتها وتحريم النبي صلى الله عليه وسلم ثم يقولون بحلها ؛ وإلا لما دخلوا في أمته صلوات الله وسلامه عليه.
وروى الترمذي وحسّنه ، والحاكم وصححه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( نَهَيْتُ عَنْ صَوْتَيْنِ أَحْمَقَيْنِ فَاجِرَيْنِ صَوْتٍ عِنْدَ مُصِيبَةٍ خَمْشِ وُجُوهٍ وَشَقِّ جُيُوبٍ وَرَنَّةِ شَيْطَانٍ ))
وتأمل رعاك الله كيف جاءت التأكيدات تلو التأكيدات في النهي عن الغنا وتحريمه في هذا الحديث الصحيح :
أولا : بتصريحه بالنهي عنه والنهي يفيد التحريم .
وثانيا : بوصف الغنا بأنه صوت أحمق .
وثالثا : بوصفه بأنه صوت فاجر .
ورابعا : بوصفه بأنه مزمار من مزامير الشيطان .
ولهذا سمى أهل العلم الغنا رقية الشيطان وبريد المحرمات والآثام .
§ وروى ابن أبي الدنيا في كتابه ذم الملاهي بإسناد صحيح بما له من شواهد وطرق أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( فِي هَذِهِ الأُمَّةِ خَسْفٌ وَمَسْخٌ وَقَذْفٌ )). فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَتَى ذَاكَ قَالَ: (( إِذَا ظَهَرَتِ الْقَيْنَاتُ وَالْمَعَازِفُ وَشُرِبَتِ الْخُمُورُ )) وهو صريح في تحريمها والنهي عنها .
والدلائل على ذلك أيها المؤمنون كثيرة في كتاب الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام وأقاويل أهل العلم المحققين قديماً وحديثاً في تحريم الغناء وبيان مفاسده وأضراره كثيرة جُمعت في مؤلفات مختصرة ومطوَّلة يقف عليها من يطلبها من الناصحين لأنفسهم ولغيرهم .
عباد الله .. وإن الأغاني والمعازف كما هو أثرها وحقيقة حالها تؤثر في القلوب إثارةً تجلب للنفوس الشهوات المحرمة والغرائز الفاسدة وتدعو إلى فعل الحرام والبعد عن الأخلاق الرفيعة العالية ؛ فما يُعرف عباد الله أن إنسانا بسماعه للأغاني والمعازف تحركت في نفسه حب الخيرات أو الإقبال على الصلوات أو الحرص على قيام الليل أو العناية ببر الوالدين وصلة الأرحام أو الإقبال على النفقات والصدقات .. بل إن كثيراً من المبتلين بالأغاني والمعازف يتحدثون عن أنفسهم بأنها جرَّتهم إلى أمور وأمور لا يحمدون عاقبتها ، إضافة إلى ما فيها من الصد عن ذكر الله والصرف عن تلاوة القرآن والصد عن سماع الخير والنصائح والمواعظ وإغلاق القلوب وغفلها وقفلها عن أبواب الخير .. إلى غير ذلك من الأضرار والآثار .
والعاقل - أيها المؤمنون - ينأى بنفسه عن الأمور التي تبعده عن الطاعة وتوقعه في الآثام ، وقد صح في الحديث عن نبينا عليه الصلاة والسلام التعوذ بالله العظيم من منكرات الأخلاق والأهواء والأدواء .
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية :
الحمد لله عظيم الإحسان ، واسع الفضل والجود والامتنان ، وأشهد ن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد عباد الله : اتقوا الله تعالى .
عباد الله تذكرة وعظة ؛ والتذكرة تنفع المؤمنين .
هذه الإجازة ! تذكّر أيها المؤمن أنها معدودة في عمرك ومحسوب وقتها عليك يوم لقاء الله عز وجل ، فعليك أن تتخذها للطاعات سلَّما ، وللخيرات مربحاً ومغنما ، وإياك أن يضيع وقتها الثمين وساعاتها المباركة ولاسيما أن فيها شهر الخيرات شهر رمضان المبارك - نسأل الله عز وجل أن يبلغنا جميعا إياه على خير حال وأحسن حال - .
عباد الله : والكيس من عباد الله من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني ، واعلموا أن أصدق الحديث كلام الله وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ، وعليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة .
وصَلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمّد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾ [الأحزاب:56] ، وقال صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ صَلَّى عَلَيَّ وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا)) ، اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميد مجيد ، و بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميد مجيد.
وارضَ اللَّهم عن الخلفاء الراشدين ، الأئمة المهديين : أبي بكر الصديق ، وعمر الفارق ، وعثمان ذي النورين، وأبي الحسنين علي ، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنا معهم بمنـِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين .
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمّر أعداء الدين واحمِ حوزة الدين يا رب العالمين .
اللهم آمنا في أوطاننا ، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا ، واجعل ولايتنا في من خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين. اللهم انصر من نصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم . اللهم وعليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك .. اللهم إنا نجعلك في نحورهم ، ونعوذ بك اللهم من شرورهم .. اللهم وعليك باليهود المعتدين المجرمين الغاصبين .. اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك .
اللهم أصلح ولاة أمورنا .. اللهم وفق ولي أمرنا لهداك واجعل عمله في رضاك ، ووفق جميع ولاة أمر المسلمين للعمل بكتابك وتحكيم شرعك واتباع سنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم .
اللهم آت نفوسنا تقواها ، زكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها . اللهم إنا نعوذ بك من منكرات الأخلاق والأهواء والأدواء .. اللهم وأصلح لنا شأننا كله . اللهم وأصلح ذات بيننا وألف بين قلوبنا واهدنا سبل السلام وأخرجنا من الظلمات إلى النور وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وأزواجنا وذرياتنا وأموالنا وأوقاتنا واجعلنا مباركين أينما كنا .
اللهم واغفر لنا ذنبنا كله دقه وجله ؛ أوله وآخره ، سره وعلنه ، اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخّرنا ، وما أسررنا ، وما أعلنا وما أنت أعلم به منا ، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت . اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات .
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار . ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ، واغفر لنا إنك أنت الغفور الرحيم ، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم . وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ عبدالرزاق البدر تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catsmktba-125.html
|