فضائل الصحابة ومناقب معاوية رضي الله عنهم
إن الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستَعينُهُ ونستَغفرُهُ، ونعوذُ باللهِ من شرُورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالنا، منْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومنْ يضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، وأشهدُ أن محمّداً عَبدُهُ ورسولُهُ، صلى اللهُ عليه وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد، عباد الله: اتقوا الله تعالى واعلموا أن من أهم مسائل العقيدة التي اعتنى بها أهل العلم بيان منزلة الصحابة رضي الله عنهم وما يجب على المسلمين تجاههم, وما ذاك إلا لأنهم أفضل البشر على الإطلاق بعد الأنبياء والرسل صلوات الله وسلامه عليهم. ولقد أثنى الله تعالى على صحابة رسوله صلى الله عليه وسلم في مواضع عديدة من كتابه الكريم وامتدحهم بأحسن الأوصاف وأكملها قال الله تعالى: ﴿ وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾. وقال تعالى: ﴿ مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ ﴾. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( النجوم أمنة للسماء فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما توعد ). وقال ابن مسعود رضي الله عنه: " إن الله نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد خير قلوب العباد فاصطفاه لنفسه وابتعثه برسالته ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد صلى الله عليه وسلم فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد فجعلهم وزراء نبيه يقاتلون على دينه ". فوجودهم في ذلك الزمان ليس صدفةً وإنما هو اختيار من الله واصطفاء .
عباد الله: إن لأهل السنة في هذا الباب أصولاً يجب على المسلم اعتقادها, والعمل بمقتضاها.
أولها: سلامة القلوب من الغل والحقد والبغض وسلامة الألسن من الطعن واللعن والسب لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الإمام أحمد: ( إذا رأيت رجلاً يذكر أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بسوء فاتهمه ُعلى الإسلام ).
الأصل الثاني: أنهم يرتبون الصحابة في الفضل بحسب خَيْرِيَّتِهِم وسبْقِهِم إلى الإسلام والجهاد والهجرة, فأفضل الصحابة بإجماع أهل السنة: أبو بكر الصديق, ثم عمر الفاروق, ثم عثمان بن عفان, ثم علي رضي الله عنهم, ثم بعد ذلك بقية العشرة المبشرين بالجنة. ثم بعد العشرة أهل بدر, ثم أهل بيعة الرضوان, ثم من أسلم من قبل الفتح وقاتل, ثم من أسلم من بعد الفتح وقاتل. ويقدمون المهاجرين على الأنصار.
الأصل الثالث: الإمساك عما شجر بين الصحابة, وذلك بالكف عن البحث فيه, وعدم الخوض فيه, لما في ذلك من توليد الحقد على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, وذلك من أعظم الذنوب. فطريق السلامة هو السكوت عن ذلك وعدم التحدث فيه, لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا ذُكِرَ أصحابي فأمسكوا ). وهذا الأصل متفق عليه لم ينازع فيه أحد من أئمة السلف. فمن لم يلتزم به فهو أحد ثلاثة: إما جاهل, وإما صاحب غرض فاسد, وإما رافضي خبيث.
الأصل الرابع: محبة زوجات النبي صلى الله عليه وسلم, والإيمان بأنهن أزواجه في الآخرة, وأنهن أمهات المؤمنين.
الأصل الخامس: محبة أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم, وتَوَلِّيهِم, وحِفظُ وصيةِ رسول الله عليه وسلم فيهم حيث قال: ( أُذَكِّرُكُم الله في أهل بيتي ). وقال لعمه العباس: ( والذي نفسي بيده لا يؤمنون حتى يحبوكم لله ولقرابتي ).
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ عَلى إِحسانِهِ، وَالشكرُ لَهُ عَلى تَوفِيقِهِ وَامتِنَانِهِ، وَأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وَأشهدُ أنَّ مُحمّداً عَبدُهُ وَرسولُهُ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلمَ تسليماً كثيراً . أَمّا بَعدُ
فاعلموا يا عباد الله, أنه لا يجوز لأحد أن يقارن من بعد الصحابة بالصحابة رضي الله عنهم من حيث الفضل, مهما بلغت مكانته في الأمة, لأن الصُّحبةَ وحدها لها مزية مستقلة لا تعدلها أي مزية. ولذلك لما سُئِلَ ابن المبارك: عمر بن عبدالعزيز أفضل أم معاوية؟ فقال: " غبارُ دخل في أنف فرس معاوية حين قاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من كذا عمر بن عبد العزيز ". وسُئِلَ المعافى بنُ عمران: معاوية أفضل أو عمر بن عبدالعزيز؟ فقال: " كان معاوية أفضل من ستمائة مثل عمر بن عبدالعزيز ". والسبب في ذلك أنه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فكيف إذا أضيف إلى هذا الفضل, أنه خال المؤمنين؟ قيل للإمام أحمد: أقول معاوية خال المؤمنين. وابن عمر خال المؤمنين؟ قال: نعم, معاوية أخو أم حبيبة, وابن عمر أخو حفصة. وقيل له: ما تقول فيمن قال: لا أقول بأن معاوية كاتب الوحي, وخال المؤمنين؟ فقال: يُجانبون ولا يجالسون ونبين أمرهم للناس. أي: نحذر منهم. فهو خال المؤمنين, وأحد كتاب الوحي, وهذه منقبة زائدة لو اجتمع لها التابعون وأتباعهم وألفوا من كتب العلم ما شاؤوا, لم يبلغوا ما بلغ رضي الله عنه, لأنه شرفه بأن جعله من كتاب الوحي الذين أستأمنهم النبي صلى الله عليه وسلم. وزد على هذا كله, دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: ( اللهم عَلّم معاوية الكتابَ والحسابَ وقهِ العذابَ ). وقال أيضاً: ( اللهم اجعله هاديا مهديا واهد به ).
نسأل الله أن يجعلنا من أتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم ظاهرا وباطنا وأن يحشرنا في زمرتهم يا رب العالمين، اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم أرِنا الحقَّ حقًّا وارزقنا اتباعه، وأرِنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تُلبسه علينا فنضلّ يا أرحم الرحمين، اللهم اغفر لنا ذنوبنا كلها, دقها وجلها, أولها وآخرها, علانيتها وسرها، اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل, ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل، اللهم آتِ نفوسنا تقواها وزكّها أنت خير من زكاها, أنت وليّها ومولاها، اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاماً ومحكومين، اللهم عليك بالكفرة والملحدين الذين يصدون عن دينك ويقاتلون عبادك المؤمنين اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك اللهم زلزلهم وزلزل الأرض من تحت أقدامهم اللهم سلط عليهم منْ يسومهم سوء العذاب يا قوي يا متين، اللهم انصر المستضعفين من المؤمنين، اللهم ارحم المستضعفين من المؤمنين في كل مكان، اللهم ارفع البلاء عن المسلمين في كل مكان، اللهم أصلح إخواننا المسلمين في بلاد الشام، في سوريّا وفلسطين، اللهم ارفع البلاء عن إخواننا المستضعفين في سوريّا، اللهم ارفع البلاء عنهم، اللهم ارحم موتاهم، واشفِ مرضاهم، وفك أسراهم واربط على قلوبهم واحفظ من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ومن فوقهم ومن تحتهم، وأبدلهم بولاية عادلة صالحة رحيمة تحكم بهم بكتابك وسنة رسولك يا قوي يا عزيز، اللهم حررّ الأقصى من أيدي اليهود، اللهم حررّ الأقصى من أيدي اليهود، اللهم حررّ الأقصى من أيدي اليهود، اللهم مكّن المؤمنين منهم يا قوي يا عزيز يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ .
|