فضل ذكر الله تعالى
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد،
معاشر المؤمنين عباد الله، اتقوا الله فإن من اتقى الله وقاه، وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه.
عباد الله، إن أزكى الأعمال وخير الخصال وأحبَّها إلى الله ذي الجلال ذكر الله تعالى، روى الترمذي وغيره عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أخبركم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والورق، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فيضربوا أعناقكم وتضربوا أعناقهم"، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: "ذكر الله تعالى".
الذّاكرون الله تعالى هم السباقون في ميدان السير إلى الله والدار الآخرة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ" قَالُوا: وَمَا الْمُفَرِّدُونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "الذَّا كِرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتُ".
وهؤلاء عباد الله هم الذين أعدّ الله لهم النزل الكريمة والثواب العظيم، ﴿ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب، الآية:35]. ذكر الله عباد الله هو حياة القلوب, فلا حياة لها إلا به، روى البخاري في صحيحه عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت".
وليس للقلوب قرار ولا طمأنينة ولا هناءة ولا لذة، ولا سعادة إلا بذكر الله تعالى، ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ [الرعد، الآية:28].
ذكر الله تعالى هو الفرج بعد الشدَّة، واليسر بعد العسر، والفرح بعد الغم والهم، وهو تفريج الكربات، وتيسر الأمور، وتحقق الراحة والسعادة في الدنيا والآخرة، وما عولج كرب ولا أزيلت شدَّة بمثل ذكر الله تبارك وتعالى، وقد كان نبينا عليه الصلاة والسلام يقول في الكرب: "لا إله إلا الله العظيم، لا إله إلا الله الحليم، لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش الكريم", ويقول عليه الصلاة والسلام: "دعوة ذي النون: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، ما دعا بها مكروب إلا فرَّج الله كربه".
ذكر الله عباد الله، جالب للنعم، جالب للنعم المفقودة, وحافظ للنعم الموجودة، فما استجلبت نعمة وما حفظت نعمة بمثل ذكر الله تبارك وتعالى: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ [إبراهيم، الآية:7].
ذكر الله جلَّ وعلا محطُّ الأوزار وتكفير السيِّئات ورفعة الدرجات، وعلو المنازل عند الله تبارك وتعالى، فما حُطَّت الأوزار بمثل ذكره سبحانه، روى الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما عمل آدمي عملاً أنجى له من عذاب الله من ذكر الله تبارك وتعالى"، وثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: "من قال سبحان الله وبحمده مائة مرة حطت عنه خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر"، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.
وذكر الله تعالى غراس الجنة فما غرست الجنة بمثل ذكره، يقول عليه الصلاة والسلام: "من قال سبحان الله وبحمده غرست له نخلة في الجنة" رواه الترمذي. وروى الترمذي أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لقيت إبراهيم الخليل ليلة أسري بي فقال لي: يا محمد أقرئ أمتك مني السلام وأخبرهم أن الجنة قيعان وأنها طيبة التربة عذبة الماء وأخبرهم أن غراسها: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر".
ذكر الله - عباد الله - كلمات خفيفة على اللسان لاتكلِّف العبد جهدا، ولا يناله منها مشقة، إلا أن لها ثواب عظيم وأجر جزيل، وهي حبيبة إلى الله عزَّ وجلّ روى البخاري في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم".
عباد الله، وذكر الله جلَّ وعلا هو الطارد للشياطين والمخلِّص من وساوسها وشرورها وكيدها وحبائلها، ﴿وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾[فصلت، الآية:36]، ﴿وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ ﴾[المؤمنون، الآية:97-98]، ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ﴾[الأعراف، الآية:201]، ﴿وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ﴾ [الزخرف، الآية:36] .
عباد الله، إن ثمار الذكر على أهله، وفوائده على أصحابه المحافظين عليه لا تعدُّ ولا تُحصى، وهذه نصيحة أقدمها لنفسي ولأخواني، أن نقرأ كتاب: الوابل الصيب في الكلم الطيب للعلامة ابن القيم رحمه الله، فقد عدَّد فيه رحمه الله فوائد عظيمة تزيد على السبعين فائدة لذكر الله تبارك وتعالى، وعندما تقف على هذه الفوائد العظيمة يزداد حرصك وتعظم رغبتك في المحافظة على ذكر الله.
جعلنا الله أجمعين من الذاكرين لله حقّا، والمحافظين على طاعته وعبادته صدقا، وهدانا أجمعين لأقرب من هذا رشدا، إنه تبارك وتعالى سميع وهو أهل الرجاء, وحسبنا ونعم الوكيل.
الحمد لله عظيم الإحسان، واسع الفضل والجود والامتنان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد
عباد الله - اتقوا الله تعالى - عباد الله - لقد تكاثرت النصوص في الكتاب والسنة وتضافرت الدلائل فيهما في الحث على ذكر الله، والأمر بذكره سبحانه بالكثرة وبيان ثواب المكثرين من ذكر الله في آيات كثيرة، وأحاديث عديدة، صحَّت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا﴾ [الأحزاب، الآية:41-43] يقول ابن عباس رضي الله عنهما: "فإذا فعلتم ذلك، أي: أكثرتم من ذكر الله تعالى ، صلى الله عليكم وملائكته". ويقول الله تعالى: ﴿وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾[الأحزاب، الآية: 35]، ويقول الله تعالى: ﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [الأنفال، الآية:45]، إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث التي فيها الحث على الإكثار من ذكر الله والأمر بذكره سبحانه بالكثرة، وهاهنا عباد الله يقول العلماء في كتب التفسير وشروحات الحديث: إن المسلم إذا واظب على أذكار الصباح والمساء وأدبار الصلوات وأذكار النوم، والأذكار التي تقال في الدخول والخروج وعند الركوب وعند الطعام وعند الشراب وبعد الفراغ منه، إلى غيرها من الأذكار الموظفة للمسلم في أيامه ولياليه، مع عناية منه بالذكر المطلق كُتب بذلك من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات الذين أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيماً.
والكيس - عباد الله - من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني، وصلوا وسلموا - رعاكم الله- على إمام الذاكرين، وقدوة الموحدين؛ محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب، الآية:56]، وقال صلى الله عليه وسلم: "من صلى عليَّ واحدة صلى الله عليه بها عشرا"، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واحم حوزة الدين يا رب العالمين، اللهم آمنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاتنا أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتَّقاك واتَّبع رضاك يا ربَّ العالمين، اللهم وفق وليَّ أمرنا لهداك واجعل عمله في رضاك ، وارزقه البطانة الناصحة الصالحة، ووفِّق جميع ولاة المسلمين لما تحب وترضى. اللهم آت نفوسنا تقواها، زكها أنت خير من زكّاها، أنت وليُّها ومولاها، اللهم أصلح ذات بيننا، وألِّف بين قلوبنا، واهدنا سبل السلام، وأخرجنا من الظلمات إلى النور، وبارك لنا في أسماعنا، وأبصارنا، وأزواجنا، وذرِّيّاتنا، واجعلنا مباركين أينما كنّا،
اللهم ارفع عنا الغلا والوبا والزلازل والمحن والفتن كلها ما ظهر منها وما بطن اللهم أصلح لنا شأننا كله، يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اغفر لنا ذنبنا كله، دقَّه وجلَّه، أوَّله وآخره، سرَّه وعلنه، اللهم اغفر لنا، ولوالدينا، وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلَّم وبارك وأنعم على عبد الله ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
فضل ذكر الله تعالى وبيان أنواعه
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله وأمينه على وحيه بلّغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد
معاشر المؤمنين اتقوا الله فإن تقوى الله عز وجل أساس السعادة وسبيل الفوز والفلاح في الدنيا والآخرة.
عباد الله إن خير أمر أمضى فيه المؤمن وقته وصرف فيه أنفاسه وحياته ذكر الله تبارك وتعالى، فذكر الله جل وعلا هو خير أمر صُرفت فيه الأوقات وأُمضيت فيه الأنفاس وأُمِّرَت فيه الأوقات، ذكر الله جلّ وعلا أساس السعادة للعباد سبيل الفوز والفلاح يوم التناد وقد مر معنا قريبا ذكر جملة من الدلائل وطائفة من الشواهد من كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم الدالة على عظيم مكانة الذكر وفضله وعلو شأنه ورفيع قدره وكثرة عوائده وفوائده وآثاره وثماره على العبد الذاكر في دنياه وأخراه.
عباد الله ومما ينبغي أن يعلم هنا أن ذكر الله جلّ وعلا ليس هو مجردَ التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير نعم هذا أجل الذكر وأفضله لكن ذكر الله عز وجل ليس منحصرا في هذا بل ذكر الله جلّ وعلا يتناول أنواعا مهمة جاء تبيانها وإيضاحها في كتاب الله جلّ وعلا وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وكلها داخلة في الذكر لله تبارك وتعالى وهي في الجملة عباد الله ترجع إلى أربعة أنواع فتنبهوا لها رعاكم الله.
أما النوع الأول في ذكر الله تعالى: فهو بإنشاء الثناء عليه تبارك وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى ثناء وتمجيدا وتقديسا وتنزيها ومن ذلكم عباد الله الكلمات الأربع التي وصفهن عليه الصلاة والسلام بأنهن أحب الكلام إلى الله وقال في حديث آخر لأن أقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أحب إلي مما طلعت عليه الشمس وكل ذكر مأثور وثناء وارد في القرآن والسنة على الله جلّ وعلا فهو داخل في هذا النوع.
النوع الثاني عباد الله: الإخبار عن الله تبارك وتعالى بأحكام أسمائه وصفاته فهذا ذكر لله تعالى وأي ذكر، ذكر لله تبارك تعالى عظيم أن تذكره سبحانه بذكر أحكام أسمائه وصفاته فالإخبار عن الله بأنه يسمع ويرى يسمع أصوات العباد ويرى أعمالهم ويعلم أحوالهم وأنه تبارك وتعالى يقبل التوبة من عباده ويعفو عن السيئات وأنه أرحم بالناس من آبائهم وأمهاتهم وأنه يغفر السيئات ويقيل العثرات ويجبر الكسير ويغيث الملهوف إلى غير ذلك من الإخبار عنه جلّ وعلا فكل ذلك ذكر له سبحانه وبهذا نعلم عباد الله أن كتب العقائد المؤلفة على نهج أهل السنة كلها كتب ذكر لله جل وعلا فهي ذكر لله بمعرفته ومعرفة عظمته ومعرفة جلاله وكماله ومعرفة أسمائه الحسنى وصفاته العليا فكل ذلك ذكر لله تبارك وتعالى
النوع الثالث عباد الله: ذكر الله تبارك وتعالى بذكر أمره ونهيه والإخبار عنه جلّ وعلا بأنه أمر بكذا ونهى عن كذا وأحل كذا وحرم كذا ورضي هذا وسخط ذاك فكل ذلك ذكر لله جلّ وعلا قال عطاء الخراساني رحمه الله مجالس الحلال والحرام مجالس ذكر لله كيف تصلي كيف تصوم كيف تحج كيف تبيع وتشتري كيف تنكح وتطلق وأشباه ذلك كل ذلك ذكر لله تبارك وتعالى بذكر أمره جلّ وعلا ونهيه وبهذا نعلم عباد الله أن الكتب المؤلفة في بيان الأحكام وفقه الشريعة وبيان الأعمال وفروع الأعمال كل هذه الكتب ذكر لله جلّ وعلا فمذاكرتها ومدارستها وتعلم الأحكام الواردة فيها كل ذلك من إقامة ذكر الله جلّ وعلا .
النوع الرابع عباد الله: ذكر الله تبارك وتعالى عند أمره ونهيه فاذكره جلّ وعلا عند أمره لتفعل المأمور وتذكره جلّ وعلا عند نهيه لتترك المنهي وتجتنبه وهذا عباد الله يبن لكم خللا يقع فيه كثير من الناس ألا وهو أنهم يذكرون الله بذكر أمره ونهيه فيعلمون أنه أمر بكذا فلا يفعلونه وأنه نهى عن كذا فيقترفونه وذلك لقلة وضعف ذكرهم لله عند أمره ونهيه سبحانه فإذا قام بقلب المسلم ذكر لله تعالى عند الأوامر والنواهي يعظم إقباله على الله عز وجل طاعة وتذللا وخشوعا وخضوعا وانقيادا وامتثالا وحظ العبد من ذلك بحسب حظِّه من الذكر لله جلّ وعلا عباد الله فهذه أنواع أربعة لذكر الله جلّ وعلا مبينة في كتاب ربنا وسنة نبينا عليه الصلاة والسلام وكلها من إقامة ذكر لله عز وجل، وقد أوضح هذه الأنواع إيضاحا عظيما وبينها بيانا شافيا وافيا الإمام العلامة ابن القيم رحمه الله في كتابه الوابل الصيب وهو كتاب عظيم النفع كبير الفائدة لا يستغني عنه كل مسلم وقد ذكر رحمه الله عقب بيانه لهذه الأنواع أن من ذكر الله عز وجل بها فقد أتى بأفضل الذكر و أعظمه وأجله.
جعلنا الله جميعا من الذاكرين له حقا ومن الشاكرين له صدقا ومن العاملين بطاعته على ما يحب سبحانه أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم .
الحمد لله عظيم الإحسان واسع الفضل والجود والامتنان وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد
عباد الله أيها المؤمنون القرآن الكريم كتاب ذكر لله تبارك وتعالى قال الله عز وجل: ﴿وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ﴾ ص:١، وقال جلّ وعلا: ﴿هَذَا ذِكْرٌ﴾ ص:٤٩، والآيات في هذا المعنى كثيرة القرآن الكريم عباد الله كتاب ذكر لله تبارك وتعالى وهو جامع في دلالاته وبيّناته الأنواع الأربعة كلها فكلما كان العبد معتنيا بالقرآن قراءة وتدبرا وتأملا وتطبيقا فهو من أعظم الناس ذكرا لله تبارك وتعالى: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ ص:29، ولهذا عباد الله فإن القرآن أعظم الذكر لله جلّ وعلا وقد جمع للمؤمنين أبواب الهداية وسبل السعادة وطرق الفلاح في الدنيا والآخرة ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا﴾ الإسراء:٩ ، ولهذا وجب على من أراد لنفسه حظا وافرا من الذكر لله أن يُعنى بكتاب الله جلّ وعلا قراءة وتدبرا ومذاكرة وتأملا وعملا وتطبيقا.
واعلموا رعاكم الله أن الكيس من عباد الله من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني واعلموا أن أصدق الحديث كلام الله وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وعليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة وصلوا على إمام الذاكرين وقدوة الموحدين وخير عباد الله أجمعين محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب، الآية:56]، وقال صلى الله عليه وسلم: "من صلى عليَّ واحدة صلى الله عليه بها عشرا"، وجاء عنه عليه الصلاة والسلام الحث من الإكثار على الصلاة والسلام عليه في ليلة الجمعة ويومها فأكثروا من الصلاة والسلام على رسول الله اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وارض اللهم عن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بمنك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين وأحمي حوزة الدين يا رب العالمين اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى وأعنه على البر والتقوى وسدده في أقواله وأعماله يا ذا الجلال والإكرام اللهم وفق جميع ولاة أمر المسلمين لكل قول سديد وفعل رشيد يا ذا الجلال والإكرام اللهم آت نفوسنا تقواها زكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك اللهم اجعلنا لك ذاكرين لك شاكرين لك أواهين لك منيبين إليك مخبتين يا ذا الجلال والإكرام اللهم اقبل توبتنا واغفر زلتنا وتقبل أعمالنا يا ذا الجلال والإكرام اللهم أصلح ذات بيننا وألف بين قلوبنا وأهدنا سبل السلام وأخرجنا من الظلمات إلى النور وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وأزواجنا وذرياتنا وأموالنا وأوقاتنا واجعلنا مباركين أينما كنا اللهم وأصلح لنا شأننا كله ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين اللهم وارفع عنا الغلاء والوباء والمحن والزلازل والفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا ذا الجلال والإكرام اللهم رحمتك نرجو فلا تكنا إلى أنفسنا طرفة عين وأصلح لنا شأننا كله اللهم اغفر لنا ذنبنا كله دقه وجله أوله وآخره سره وعلنه اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك وأنعم على عبد الله ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
|