الإعلام والتربية
الحمد لله المتفضل على عباده بهدايته ، والمنعم على خلقه برحمته ، يذيق من يشاء لذة عبادته ، ويمهل من أعرض ويفرح بتوبته .
له الحمد من إله ، حليم لا يعجل ، وكريم لا يبخل ،
مَلِكٌ له ظهر الفضاء وبطنه
لم تُبْلِ جِدَّةَ ملكِه الأزمان
ملك هو الملك الذي من حلمه
يعصى بحسن بلائه ويخان
يبلى لكل مسلطن سلطانه
والله لا يبلى له سلطان
أشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له في وحدانيته ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وصفيه وخليله ، جعله أفضل نبي وخير أمة أمته ، صلى الله عليه وعلى آله وصحابته ، وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد عباد الله :
التقوى وصية الله لنا ولمن كان قبلنا : } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ { فلنحرص على تقوى الله ـ أحبتي في الله ، وكما قال تبارك وتعالى : } وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ { ، } وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ، ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا { اسأله U في هذا اليوم المبارك أن يجعلني وإياكم من عباده المتقين .
أيها الأخوة المؤمنون :
بعث الله U النبي r ، في أمة أمية ، كما قال تبارك وتعالى : } هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ { وكان r وهؤلاء الأميون ، في مجتمع جاهلي ، فيه من المخالفات ما الله به عليم ، كل معصية يقشعر لها جلدك ، توجد في ذلك المجتمع !
تأمل أخي ، حال واحد من هؤلاء ، ذكره ابن كثير ـ رحمه الله ـ في تفسيره ، قال : جاء رجل إلى رسول الله r فقال : أرأيت رجلا عمل الذنوب كلها ، ولم يترك حاجة ولا داجة ، فهل له من توبة ؟ فقال r : (( أسلمتَ ؟ )) فقال : نعم ، قال r : (( فافعل الخيرات ، واترك السيئات ، فيجعلها الله لك خيرات كلها )) . قال الرجل : وغَدرَاتي وفَجَراتي ؟ قال : (( نعم )) . قال فما زال يكبر حتى توارى .
الشاهد ـ أيها الأخوة ـ ما كان عليه ذلك المجتمع ، عند بعثة النبي r : الربا ، الزنا ، الخمور ، القمار ، القتل ، إلى الشرك ـ نسأل الله السلامة ـ فقط الكعبة حولها مئات الأصنام يعظمونها ويطوفون حولها ويسألونها حاجاتهم .
فجاء النبي r ، وكلفه الله U بتبليغ الرسالة ، وتسلم زوجته خديجة ، ويسلم ابن عمه علي ابن أبي طالبه ، ويسلم أبو بكر الصديق ، ويكثر المسلمون يوما بعد يوم ، حتى صاروا يدخلون في دين الله أفواجا ، كما قال تبارك وتعالى : } إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا. فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا { ، دخل الناس في دين الله ، صار مجتمعهم مجتمعا ربانيا ، لا شرك لا خمر لا ربا لا قمار لا وأد بنات لا سرقات ، مجتمع متميز إلى درجة أن منهم من بشر بالجنة وهو حي يمشي على الأرض ومنهم من يقرأه جبريل السلام ، ومنهم من يأمر الله U جبريل ليتلوا عليه سورة من القرآن ، بل منهم من بلغ درجة رضا الله جل جلاله : } لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا { .
أيها الأخوة :
نوح ـ عليه السلام ـ أمضى من عمره في دعوة قومه أكثر من تسعمائة سنة ، كما قال تعالى : } وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ { ولكن النبي r ماهي الفترة التي أمضاها حتى أخرج لنا هذا الجيل الذين هم أفضل القرون ؟ ثلاث وعشرون سنة . أسلم فيها الطفل ( بمفهومنا ) الذي لم يبلغ العاشرة من عمره وأسلم الشيخ الكبير الذي تجاوز الخمسين .
نعم ـ أيها الأخوة ـ الذي بين أيديهم كلام الله ، وكلام النبي r ، تربوا على ذلك ، قال الله U وقال رسوله r هو الذي يوجههم ، هو مرجع أقولهم وأفعالهم ، عليه جعلوا حياتهم ، هو المؤثر فيهم ولا غيره ، عند الفعل يدفعهم ، وعند الترك يمنعهم ، فيا ترى ما هو مرجع المسلمين الآن وما هو الذي يؤثر بهم ؟ إنه موضوع حديثنا الذي أخرت ذكره لكي لا تسأموا : إنه وسائل الإعلام !
اسأل الله U أن يهدي ضال المسلمين ، إنه سميع مجيب ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أيها الأخوة المؤمنون :
لقد أثرت وسائل الإعلام في تربية الأمة ، وأبعدت كثيرا من الناس عن كتاب ربهم وسنة نبيهم ، صار المسلم يمضي عمره كله ، وكتاب الله U وسنة نبيه r في متناول يده ، ولكنه يموت وعنده من التقصير في دين الله الشيء الكثير ، بل والكبير أحيانا ، فقد يكون من أكلت الربا أو من مانعي الزكاة ، أو من الذين يفتخرون بالأنساب ويطعنون بالأحساب أو غير ذلك مما جاء الدين في التحذير منه وتحريمه ، والسبب هو أن وسائل الإعلام لم تتركه لكتاب ربه وسنة نبيه ، إنما هي تربيه منذ نعومة أظفاره على أفلام الكرتون ، وحتى يموت على بعض الأفلام الهابطة ، مرورا بنشرات الأخبار التي لا تنقل إلا مصائب الناس ومشاكلهم ، والبرامج التي تأصل القبلية ، وتبذر احتقار الناس وهو الكبر الذي حذر منه النبي r .
أيها الأخوة :
الذي يزعم عدم التأثر بهذه الوسائل ، نأمل منه أن يراجع نفسه ، فكم من زوج شك بزوجته ، لأنه يرى أفلام الخيانات الزوجية ، وكم من زوجة طلبت الطلاق من زوجها لأنه تزوج بأخرى ، لأنها ترى أفلام ظلم الزوجات ، وكم ، وكم ، وإلى الله المشتكى!
أيها الأخوة :
من شك في تأثره بوسائل الإعلام ، عليه أن ينظر في ما يشتريه من أغراض لبيته ، وما تطلب منه أسرته ، فسوف يجد أنه ما يعرض في بعض الإعلانات التجارية ، التي ينفق عليها مئات الآلاف ، لتصل بمن يشاهدها إلى درجة عالية من الإقناع لشرائها وترك غيرها حتى ولو كانت لا تنفع .
أيها الأخوة :
وقفة جادة صادقة ، أمام هذه الوسائل ، نطرح منها ما يفسد علينا ديننا ، ونبتعد عما يلهينا عن هدف خلقنا وإيجادنا ، وكما قال تعالى : } وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ، وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ { .
اسأل الله لي ولكم علما نافعا ، ورزقا واسعا ، وعملا خالصا ، إنه سميع مجيب .
اللهم إنا نسألك الإعانة على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ، والبعد عن معصيتك ومحبة طاعتك ، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى ، اللهم أحينا سعداء وتوفنا شهداء واحشرنا في زمرة الأتقياء يا رب العالمين .
اللهم ارفع عنا الغلا والوبا والربا والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين ، اللهم من أرادنا وأراد المسلمين بسوء فأشغله بنفسه واجعل كيده في نحره ، واجعل تدبيره سببا لتدميره يا رب العالمين ، اللهم أبرم لأمة الإسلام أمر رشد يُعز فيه أهل طاعتك ويهدى فيه أهل معصيتك ، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر إنك على كل شيء قدير. } رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ { } رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ {
عباد الله:} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { فاذكروا الله العظيم يذكركم ، واشكروه على وافر نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
|