وسائل الإعلام
الحمد لله الواحد الأحد ، الفرد الصمد ، } لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ { . له الحمد ، إله كريم لا يبخل ، وحليم لا يعجل ، المتوحد في الملك والقضاء ، فلا يتغير حكمه ولا يتبدل . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، الحكم حكمه ، والأمر أمره ، والملك ملكه ، فلا عما يدبر يُسأل :
لم يغب عنه همسة أو هتاف
للمنادين من جميع الفئات
نافع مانع قوي شديد
قاصم ظهر كل باغ وعات
كم تألى ذوو عناد وكفر
فاستحالت عروشهم خاويات
كم أتى بطشه فأردى شعوبا
لاهيات في دورها آمنات
ظاهر باطن حسيب رقيب
ليس يخفى عليه مثل القذاة
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وصفيه وخليله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد ، عباد الله :
اتقوا الله U: } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ { } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ { جعلني الله وإياكم من عباده المتقين.
أيها الأخوة المؤمنون :
لايخفى على ذي عقل ، ما لوسائل الإعلام من دور هام ، وتأثير بالغ على الفكر والسلوك والذوق والاهتمام ، لاسيما في زمن صار العالم فيه كالقرية الواحدة ، بل كالبيت الواحد ، وتنوعت هذه الوسائل وتعددت ، وصارت في متناول يد الصغير والكبير ، والذكر والأنثى ، والعاقل والجاهل ، إلى درجة أن بعض الناس ، صارت تؤثر فيه هذه الوسائل ، تأثيرا عجيبا ، صار بعض المسلمين ـ أيها الأخوة ـ يتأثر بهذه الوسائل أكثر مما يتأثر بغيرها ، ووالله ـ أيها الأخوة ـ أن بعضهم يتأثر بما يعرض في بعض القنوات أكثر تأثرا مما يسمع من خطيب الجامع ، ومما يتلقى من معلمه في المدرسة ، أو من أقرب الناس إليه ، بل بعضهم تؤثر فيه لقطة ما يشاهدها ، أكثر مما يؤثر فيه حديث من أحاديث النبي r ، والواقع أكبر برهان ، انظر ـ أخي ـ ماذا فعلت وسائل الإعلام في عقول الناس ، وكيف وصلت إلى تغيير قناعاتهم ، فجعلت الحق باطلا ، والباطل حقا ، تضع الرفيع ، وترفع الوضيع ، حتى تمرد بعض المسلمين على تعاليم دينهم ، وابغضوا كريم مبادئهم ، فهي ـ أعني وسائل الإعلام ـ منابر الجبناء ، ومنطلق الخونة والخبثاء ، ومتنفس أهل الشهوات والشبهات والفسقة ، فهي ما بين سياسية وإباحية ، وشركية و بدعية ، وشهوانية شيطانية ، وما نسبة الصالح فيها إلا كنسبة القطرة إلى المحيط ، والغيض من الفيض .
أيها الأخوة المؤمنون :
إن وسائل الإعلام ، بأنواعها وأشكالها ، صارت وسائل لتحقيق رغبات جامحة ، وأدوات لتحقيق أهداف دنيوية بحتة ، فهي طريق أرباب السياسة ، ومسار أهل البدعة والخرافة ، ووسيلة أصحاب الشهوة والنزوة ، وميدان المخربين والمفسدين ، فكل من رام أمرا لجأ إلى وسيلة من وسائل الإعلام ، بل المستطيع منهم يجعل له وسيلة خاصة به ، وقد نجحوا بجملتهم ، فصار الخروج على الحكام شجاعة وبسالة ، والانتحار شهادة ، والرذيلة فنا ومهنة ، والجاهلية حضارة ، ومن يستحق أن يعض بهن أبيه شاعر أمة ، والبهيمة صارت تباع بالملايين ، ولاعب الكرة لا يقل عن ميزانية دولة ، ويعرف أكثر مما يعرف الصحابة ، والعاهرات حفظت أسماءهن أكثر من أمهات المؤمنين الطاهرات ، وهذا كله من فعل وسائل الإعلام الموجه ، وبالمناسبة ، نسأل الله أن يوفق ولاة أمرنا ، في هذه البلاد ، الذين يقفون سدا منيعا لمنع ما يستطيعون منعه ، ولكن قد يتسع الشق على الراقع ، ما يصلنا فيه الشر الكثير ، والخطر الكبير ، فيبقى دوركم ـ أيها الأخوة ـ فولاة الأمر ليسوا شمسا شارقة ، أو رقباء في حجر بيوتكم.
أيها الأخوة المؤمنون :
إن وسائل الإعلام بأنواعها وتقنياتها ، نجحت نجاحا باهرا في جميع المجالات ، فقد أقنعت كثيرا من الناس لتنفيذ مخططاتها ، وتحقيق أهدافها ، مستخدمة مناظرها الجذابة ، ومعلوماتها المتدفقة ، وخبرات جيوش الأخصائيين الاجتماعيين والنفسانيين والسياسيين والاقتصاديين وبقية الاختصاصات كالتصوير والإضاءة والإخراج وغير ذلك . وهذا مما يجعلنا أشد حذرا من هذا الخطر ، والسعيد من وعظ بغيره والشقي من كان موعظة لغيره .
اسأل الله أن يهدي ضال المسلمين ، إنه سميع مجيب ، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أيها الأخوة المؤمنون :
لقد أودت وسائل الإعلام ، المشاهد منها والمقروء ، في أفكار كثير من المسلمين ، وضحت في معتقداتهم ، وهدمت كثيرا من أخلاقهم ، وقضت على أكثر عاداتهم ، فأوجدت فكر التكفير والتفجير ، وعلمت القتل والنهب والسلب ، وهونت من شأن السحر والشعوذة ، ونشرت التبرج والسفور والاختلاط ، وأضعفت القوامة ، وغير ذلك .
فحريٌ بنا كمسلمين أن نحذر هذه الوسائل الهدامة ، وأن نوجد وسائل هادفة ، تنشر ديننا ، وتساعدنا على تربية نشئنا ، ونؤدي من خلالها رسالتنا : } كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ { .
اللهم إنا نسألك أن تصلح أحوال المسلمين ، وأن ترحم ضعفهم ، وتجبر كسرهم ، وتعينهم على أنفسهم ، اللهم من أراد الإسلام والمسلمين بسوء فاللهم اشغله بنفسه ، واجعل كيده في نحره واجعل تدبيره سببا لتدميره يارب العالمين .
اللهم إنا نسألك رضاك والجنة ، ونعوذ بك من سخطك والنار ، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا ، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير ، واجعل الموت راحة لنا من كل شر .
اللهم إنا نسألك نصر الإسلام وعز المسلمين ، اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين ، اللهم واحمي حوزة الدين ، اللهم واجعل بلدنا هذا آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين .اللهم آمنا في أوطاننا ، واستعمل علينا خيارنا ، واجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك واتبع رضاك يا أرحم الراحمين .اللهم إنا نسألك حفظ أعراضنا ، وحفظ أموالنا ، وحفظ دمائنا ، اللهم من أرادنا بسوء اللهم أشغله بنفسه ، واجعل كيده في نحره ، واجعل تدبيره تدميرا له يا رب العالمين .
} رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ { } رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ {
عباد الله :
} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { فاذكروا الله العظيم يذكركم ، واشكروه على وافر نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
|