المشاكل الزوجية
الحمد لله عالم الخفيات ، خالق الأرض والسموات ، } جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ { .
أحمده حمدا يليق بكريم وجهه ، وبعظيم سلطانه ، جعل الحسنات يذهبن السيئات.
وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، تعالى عن الشركاء والبنين والبنات.
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وصفيه وخليله ، وخيرته من خلقه ، أنزل عليه آيات بينات ، ليخرج الناس إلى النور من الظلمات ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ، ومن سار على نهجه وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد عباد الله :
اتقوا الله U ، فالتقوى وصية الله لكم ، ولمن كان قبلكم ، يقول سبحانه : } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ { فاتقوا الله ـ عباد الله ـ جعلني الله وإياكم من عباده المتقين .
أيها الأخوة المؤمنون :
الحياة الزوجية ، نعمة عظيمة ، ينعم بها الله U على عباده ، فمن خلالها الراحة النفسية ، تأمل أخي المسلم ، بيئة الحيوانات ، تجدها تتزاوج وتنجب وتتكاثر ، ولكن بعضها ينزو على الآخر ، وبعضها يفترس الآخر ، وزوجة هذا أول النهار ، هي زوجة الآخر آخره ، ليس هناك مودة ولا رحمة ، ولذلك ذكر الله عباده بهذه النعمة التي تفضل بها عليهم فقال : } وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ { ، } أَنْ خَلَقَ لَكُمْ { أي ليس لغيركم ، } مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا { أي من جنسكم ، فهي ـ ورب الكعبة ـ نعمة عظيمة ، بل أخي تأمل بقية الآية : } لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً { هذا الشيء الذي لا يمكن أن يجده الإنسان إلا مع زوجه ، الرجل يستحيل أن يجده إلا مع زوجته ، والمرأة يستحيل أن تجده إلا مع زوجها ، ولذلك قال بعض أهل العلم والعقل : رجل بلا امرأة مسكين ، وامرأة بلا رجل مسكينة، مسكينة ، مسكينة!
فالحياة الزوجة ، في ضل الأسرة نعمة عظيمة ، ولكنها لا تكون كذلك ، إلا إذا قام كل واحد منهما بواجباته ، وأدى ما عليه من حقوق ، أما ـ والعياذ بالله ـ إذا تركت الواجبات ، وأهملت الحقوق ، فإن الحياة الزوجية تكون تعاسة وشقاء وعناء ، وعندها لا تسل عن النزاع وكثرة المشاكل ، بل قد تنتهي وتكون المودة بغضا ، والرحمة كرها وحقدا ، وفي النهاية طلاق وفراق .
أيها الأخوة المؤمنون :
ولكي لا يكون هذا الأمر الخطير ، ولكي تستمر الحياة الزوجية في أجواء تسودها المحبة ، وتحفها المودة ، يجب على المسلم ، وكذلك المسلمة ، أن يراقب كل واحد منهما الله U في زوجه ، وأن تكون حياتهما الزوجية حسب ما يقتضيه الشرع ، ويستوجبه الدين ومن ذلك طريقة التعامل مع المشاكل التي لا يخلو منها بيت ، والتي لا بد منها ، ولو كان لأحد أن يسلم منها ، لسلم منها بيت النبي r ، فقد ثبت أنه هجر بعض أزواجه r أربعين يوما ، وجاء في كتاب الله U أنه r خيرهن بالله والدار الآخرة وبالحياة الدنيا ، } يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا ، وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآَخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا { وجاء عن أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ في صحيح مسلم أنها قالت : قال لي رسول الله r : (( إني لأعلم إذا كنت عني راضية وإذا كنت علي غضبى )) تقول : فقلت : ومن أين تعرف ذلك ؟ قال r : (( أما إذا كنت عني راضية ، فإنك تقولين : لا ورب محمد . وإذا كنت غضبى قلت : لا ورب إبراهيم )) فإذا كانت هذه حال الطاهرة المبرأة أم المؤمنين عائشة ، فكيف بنسائنا ـ أيها الأخوة .
إذا لا بد من وجود ما يعكر صفو الحياة الزوجية ، ولكن كيف التعامل ، ولا شك ـ أيها الأخوة ـ أن مسؤولية التعامل تقع أولا وأخيرا على عاتق الزوج ، فهو صاحب القوامة ، وهو الذي بيده إنهاء الحياة الزوجية أو بقائها بعد الله U ، أما المرأة فهي الضعيفة المسكينة ، ولا أدل على ذلك من أن أمرها ليس بيدها ، فإن شاء الرجل أبقاها وإن شاء فارقها ، ولذلك أوصى بها النبي r كما في الحديث الصحيح : (( استوصوا بالنساء خيرا ، فإنهن خلقن من ضلع وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه ، فإن ذهبت تقيمه كسرته ، وإن تركته لم يزل أعوج ، فاستوصوا بالنساء خيرا )) .
أيها الأخوة المؤمنون :
هذا الحديث مما يدل على صدق رسالة النبي r وأنه لا ينطق عن الهوى ، كما قال U ، فأخطر ما في المرأة صاحبة المشاكل ، لسانها ، وهو الذي أشار إليه النبي r في الحديث (( فإنهن خلقن من ضلع وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه )) فجسم المرأة متعة للرجل ، ليس عندنا مشكلة إلا اللسان ، أعلا ما في الضلع ، فلا بد من الصبر ، وعدم التسرع في بعض الأمور الخطيرة ، كالضرب واللعن والقذف والطلاق ، تمتع بها وفيها عوج ، إنها ضعيفة مسكينة ، تجلد كجلد العبد أول النهار ثم تضاجع آخر الليل ، ولذلك قال النبي r : (( لا يفرك )) يعني لا يبغض ولا يكره (( مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي منها آخر )) ولا تدري أخي لو أن الخير فيما كرهت ، اسمع إلى قول الخبير بخلقه ، الرحيم بعباده : } وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا { .
فالصبر مهم ، وهو كما قالوا : مفتاح الفرج ، حدثت مشكلة بين رجل وزوجته ، فذهبت الزوجة إلى بيت أهلها ، ومنعته من أن يرى طفلة له منها ، فاحتد النزاع حتى وصل الأمر إلى القاضي ، فوعدهما لجلسة تكون في الأسبوع التالي ، وقبل موعد الجلسة بيوم ، توفي الزوج ، فندمت الزوجة على ما فعلت بزوجها ، وكانت أمنيتها أن لو رأى ابنته قبل وفاته.
اسأل الله U أن يهدي ضال المسلمين ، إنه سميع مجيب ، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فإنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا
أما بعد أيها المسلمون :
وأما المرأة المسلمة ، فعليها أن تعلم أن السعادة الزوجية المعمورة بالمودة والرحمة ، لن تحصل إلا إذا كانت هي ذات عفة ودين ، تعرف مالها فلا تتجاوزه ، ولا تطلب غيره ، وتدرك ما عليها فتؤديه ولا تقصر بشيء منه ، تعترف بلسان حالها ومقالها بأهمية زوجها ، وحاجتها إليه ، فتطيعه وتحفظه في نفسها وماله ، تتقن عملها وتقوم به دون تأخير ولا إهمال ، تعتني في نفسها لتكون متعة لزوجها ، وتعتني ببيتها ليكون واحة راحة لشريك حياتها .
السعادة الزوجية ، والراحة النفسية ، للزوج لا تكون إلا إذا كانت زوجته تعترف بجميله ، ولا تنكر فضله وحسن عشرته ، وهذا ما حذر منه النبي r النساء ، كما في الحديث الصحيح ، حيث قال r : (( أُريت النار فإذا أكثر أهلها النساء يكفرن )) قيل : أيكفرن بالله قال r : (( لا . يكفرن العشير ، لو أحسنت لإحداهن الدهر ثم رأت منك شيئا قالت : ما رأيت منك خيرا قط )) .
اللهم صلي على محمد ، أخي المسلم لا تستغرب ، عندما تقول لك زوجتك : ماذا رأينا منك ، ما رأيت منك خيرا قط ، أو عندما تضرب لك زوج أختها ـ عديلك ـ مثلا . لا تغضب أخي ، لأن أختها مثلها تضرب بك المثل لزوجها ، هي هكذا طبيعة النساء ، بشهادة النبي r : (( يكفرن العشير )) الذي هو الزوج . فوسع صدرك أخي ، وأنت ـ أختي المسلمة ـ احذري فإن كفران العشير من أسباب دخول النار نسأل الله العافية .
أيها الأخوة :
ولتعلم المرأة التي تريد الله والدار الآخرة ، أن أولى الناس بالطاعة والتقدير والاحترام هو الزوج ، ففي الحديث الصحيح يقول الرسول r : (( لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر ، ولو صلح أن يسجد بشر لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها ، والذي نفسي بيده لو أن من قدمه إلى مفرق رأسه قرحة تنبجس بالقيح والصديد ثم أقبلت تلحسه ما أدت حقه )) ، فاتقوا الله معشر الأزواج ، وراقبوه في تعاملكم مع بعضكم ، قوموا بواجباتكم ، وخيركم خيركم لأهله كما قال النبي r .
} رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا { اللهم أصلح أحوالنا ، اللهم أصلح أحوالنا ، اللهم جنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن ، اللهم وفقنا لهداك واجعل عملنا في رضاك برحمتك يا أرحم الراحمين .
اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل ، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل برحمتك يا أرحم الراحمين .
اللهم آمنا في أوطاننا ، واستعمل علينا خيارنا ، واجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك ، واتبع رضاك يا رب العالمين .
اللهم إنا نسألك وأنت في عليائك ، وأنت الغني ونحن الفقراء إليك ، اللهم أسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، اللهم أغثنا ، اللهم اسقنا غيثا مغيثا ، هنيئا مريئا سحا غدقا مجللا نافعا غير ضار ، عاجلا غير آجل ، اللهم غيثا تحيي به البلاد ، وتغيث به العباد ، وتجعله بلاغا للحاضر والباد ، اللهم سقيا رحمة لا عذاب ولا هدم ولا غرق ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان ، وبلادنا بالأمطار ، اللهم اسقنا غيثا تنبت به الزرع ، وتدر به الضرع برحمتك يا أرحم الراحمين .
} رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ { } رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ {
عباد الله :
} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ {
فاذكروا الله العظيم يذكركم ، واشكروه على وافر نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
|