الحياء .. الحياء
الحمد لله العلي الكبير ، السميع البصير ، } غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ { ، أحمده حمدا يليق بكريم وجهه ، وبعظيم سلطانه ، إله العالمين ، وأكرم الأكرمين ، } لَهُ الْحَمْدُ فِي الْآَخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ {.
وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، تعالى عن الند والضد والظهير ، } ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ { وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، البشير النذير ، والسراج المنير ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد عباد الله :
اتقوا الله U ، فالتقوى وصية الله لكم ولمن كان قبلكم ، يقول U : } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ { فاتقوا الله ـ عباد الله ـ جعلني الله وإياكم من عباده المتقين .
أيها الأخوة المؤمنون :
من الخصائص العظيمة ، التي خص الله U بها الإنسان ، وميزه عن غيره ، خاصية الحياء ، تلك الصفة النبيلة التي وجدت منذ خلق آدم ـ عليه السلام ـ وقصته وزوجه حواء ، مثبتة في كتاب الله تعالى ، تدل على ذلك ، يقول تبارك وتعالى : } فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ { آدم وحواء عليهما السلام ، لما زين لهما الشيطان فأكلا من الشجرة الممنوعة ، ظهرت عورة كل منهما بعد ما كانت مستورة ، كما قال ابن سعدي في تفسيره ، } وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ { صارا ـ عليهما السلام ـ يجمعان من ورق الجنة ، ويضعانه على عوراتهما .
فالإنسان يستحيي من التعري فطرة ، ولا يتعرى إلا إذا فسدت فطرته ، وانقاد للأبالسة من الجن والإنس .
أيها الأخوة المؤمنون :
إننا في زمان قلّ فيه الحياء من بعض الناس ، حيث صار العري تمدن وحضارة ، بل حرية شخصية ، فرحم الله الحياء ، الذي قرره الأنبياء ـ عليهم جميعا الصلاة والسلام ـ ففي الحديث الذي رواه البخاري ، يقول r : (( إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى : إذا لم تستح فاصنع ما شئت )) أي أفعل ما تشاء ، لأنك قليل حيا ، أزعج المسلمين في بيوتهم ، أرعب أطفالهم ، أسرق سياراتهم ، اكتب على جدرانهم ، غشهم تحايل عليهم ، عطل مصالحهم إلا برشوة ، استغل حاجتهم ، فالذي لا يستحيي يصنع ما يشاء كما قال النبي r .
المرأة التي لا تستحيي ، لا تتورع عن الخلوة المحرمة ، ولا تبالي بإظهار زينتها ورائحة طيبها ، للأجانب عنها ، وهذا مما جرأ السفهاء ، للبحث عن زول أي امرأة ، تأملوا ـ أيها الأخوة ـ نظرات بعضهم للنساء وهن مع محارمهن ، عند الإشارات وفي الأسواق وغير ذلك .
نعم ـ أيها الأخوة ـ لقد نزع الحياء ، عندما ضقنا بفطرتنا ، ولوثناها بعادات الغرب وأذنابهم ، وما يعرضه أصحاب الشهوات بقنواتهم ، فأبعدنا عن ديننا ، وبعضنا أبعد حتى عن عروبته ، لأن العرب قبل الإسلام ، وهم في جاهليتهم ، كان للحياء قيمة ووزن بينهم ، يقول أبو سفيان ، لما سأله هرقل قبل أن يسلم ، عن النبي r ، يقول : لولا الحياء من أن يؤثروا علي كذبا لكذبت عليه . يستطيع أن يكذب ولكن الحياء منعه من الكذب .
أيها الأخوة المؤمنون :
يقول الرسول r في الحديث الصحيح : (( الحياء لا يأتي إلا بخير )) فإذا وجد الحياء وجد الخير ، ولا خير ـ والله ـ فيمن فقد الحياء ، ولذلك عرف الحياء بأنه خلق سني يبعث على ترك الأمور القبيحة ، فيحول بين الإنسان وارتكاب المعاصي ، ويمنعه من التقصير في حق ذي الحق .
بل ـ أيها الأخوة ـ الحياء من الإيمان ، فأكمل الناس إيمانا هم أشدهم حياء ، ولهذا جاء في وصف النبي r بأنه أشد حياء من العذراء في خدرها ، وعثمان بن عفان t كان عند الاغتسال لا يتجرد من ثيابه حياء ، وفي الحديث يقول الرسول r : (( الإيمان بضع وسبعون ، أو بضع وستون شعبة ، فأفضلها : لا إله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ، والحياء شعبة من الإيمان )) وفي حديث آخر يقول ـ صلوات ربي وسلامه عليه : (( الحياء والإيمان قرناء جميعا ، فإذا رفع أحدهما رفع الآخر )) . فقلة الحياء دليل على ضعف الإيمان ، فلا تستغرب ـ أخي المسلم ـ عندما تجد من لا يبالي في معاصي الله ، ويجاهر بها ، ومن يعلن تمرده على شرع الله تبارك وتعالى :
إذا لم تخش عاقبة الليالي
ولم تستح فاصنع ما تشاء
فلا والله ما في العيش خير
ولا الدنيا إذا ذهب الحياء
يعيش المرء ما استحيا بخير
ويبقى العود ما بقي اللحاء
أيها الأخوة المؤمنون :
فالحياء خلق نبيل ، ينبغي للمسلم أن يتخلق به ، وأن يحرص عليه ، وخاصة النساء ، فالحياء بحق النساء آكد من الرجال ، وكما سمعتم في وصف النبي r : أشد حياء من العذراء في خدرها ، والعذراء هي البنت البكر ، التي لم تتزوج .
أيها الأخوة :
النساء بدون حياء ، مصيبة المصائب ، وكارثة الكوارث ، فإذا نزع الحياء من النساء ، وجد ت الفواحش والفجور ، وانتشر التبرج والسفور ، وظهر العري وكثرت الشرور . فالمرأة العاقل ، المرأة التي تريد الله والدار الآخرة ، تحذر كل أمر ينافي حياءها !
اسأل الله U أن يهدي ضال المسلمين ، إنه سميع مجيب ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا
أما بعد أيها المسلمون :
الحياء صفة من صفات الله U ، ففي الحديث يقول الرسول r : (( إن ربكم حيي كريم ، يستحيي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرا )). فلندعوا الله U ـ أيها الأخوة ـ ولنحرص على هذه العبادة العظيمة ، يقول تبارك وتعالى : } وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ { .
اسأل الله U لي ولكم علما نافعا ، ورزقا واسعا ، وعملا خالصا ، إنه سميع مجيب .
اللهم إنا نسألك الهدى ، والتقى والعفاف والغنى ، اللهم أحينا سعداء ، وتوفنا شهداء ، واحشرنا في زمرة الأتقياء ، يارب العالمين .
اللهم إنا نسألك رضاك والجنة ، ونعوذ بك من سخطك والنار ، برحمتك يا أرحم الراحمين .
اللهم أصلح أحوال المسلمين ، واجعلهم هداة مهتدين ، ولا تجعلهم ضالين مضلين ، اللهم جنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن ، اللهم ارفع عنا الغلا والوبا والربا والزنا والزلازل والمحن .
اللهم آمنا في أوطاننا ، واستعمل علينا خيارنا ، واجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك ، واتبع رضاك يارب العالمين .
اللهم إنا نسألك وأنت في عليائك ، وأنت الغني ونحن الفقراء إليك ، اللهم أسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، اللهم أغثنا ، اللهم اسقنا غيثا مغيثا ، هنيئا مريئا سحا غدقا مجللا نافعا غير ضار ، عاجلا غير آجل ، اللهم غيثا تحيي به البلاد ، وتغيث به العباد ، وتجعله بلاغا للحاضر والباد ، اللهم سقيا رحمة لا عذاب ولا هدم ولا غرق ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان ، وبلادنا بالأمطار ، اللهم اسقنا غيثا تنبت به الزرع ، وتدر به الضرع برحمتك يا أرحم الراحمين .
} رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ { } رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ {
عباد الله :
} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ {
فاذكروا الله العظيم يذكركم ، واشكروه على وافر نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
|