علامات ضلال الجماعات
الحمد لله منزل الكتاب ومسبب الأسباب ، القائل في كتابه : } إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآَيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ {
أحمده حمدا يليق بكريم وجهه ، وبعظيم سلطانه ، يقبل التوبة من عباده وهو التواب .
وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، } أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ { .
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وصفيه وخليله ، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ، ولو كره كل مبتدع كذاب . صلى الله عليه وعلى الآل والأصحاب ، وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد عباد الله :
اتقوا الله U ، فالتقوى هي وصية الله لكم ولمن كان قبلكم : } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ { جعلني الله وإياكم من عباده المتقين .
أيها الأخوة المؤمنون :
البدع تكثر في آخر الزمان ، وينشط أهلها والمروجون لها ، والدليل على ذلك الحديث الحسن عن النبي r ، والذي رواه العرباض بن سارية t : (( إِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلاَفًا كَثِيرًا فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِى وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ )) ، وقد يشكل ـ أيها الأخوة ـ على بعض الناس ، ويلتبس أمر من وقع بالاختلاف الكثير ، الذي حذر منه r في الحديث ، لاسيما ـ أيها الأخوة ـ أننا في زمان قل فيه الفقه في الدين ، وندر فيه طلب العلم الشرعي ، وانتشرت فيه البدع وزينت وروج لها ، مما جعل كل مخالف ، يزعم ويدعي أنه على منهج النبي r ومنهج أصحابه وعلى ما كان عليه السلف الصالح ، فهاهم ـ أيها الأخوة ـ بعض المسلمين يجلدون أنفسهم حتى تسيل دماؤهم ، ويتقربون إلى الله بذلك ، وهاهي فئة من المسلمين ، عندها الانتحار قربة إلى الله U لإزهاق أرواح إخوانهم ، وكذلك ـ أيها الأخوة ـ بعض الجماعات ، من مبادئها الفاسدة ، عدم السمع والطاعة إلا لمن وافقهم ، ومثلهم وفي خط سيرهم الذين يطعنون في الثقات من علمائهم ، ومثلهم وأكثر سوءا منهم ، من يرجع إلى أهل المزارات والأضرحة والقبور . ولو سألت كل واحد من هؤلاء ، لقال لك : إننا على منهج النبي r ومنهج أصحابه ومنهج السلف الصالح !
فكيف نعرف هؤلاء ـ أيها الأخوة ـ كيف نميز بينهم وبين أهل المنهج الصحيح ، الذين هم كما ذكر النبي r في حديث الفرقة الناجية ، أهل السنة والجماعة ، حينما قال : (( من كان على ما أنا عليه اليوم وأصحابي )) وفي رواية : (( هم الجماعة )) .
أيها الأخوة المؤمنون :
يقول الرسول r في الحديث الصحيح : ((تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك )) فلا مجال للاجتهادات ، ولا مجال للآراء المبنية على الأهواء ، البعيدة عن نصوص الكتاب والسنة ، فكل من عمل عملا ، ليس عليه دليل شرعي ، فهو على بدعة ، عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة ، يقول النبي r في الحديث الصحيح : (( وَمَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ )) .
أيها الأخوة :
فمما يميز أهل البدع ، ويعرف به المبتدعة ، اعتمادهم على أقوال رؤسائهم وأمرائهم وقادتهم ، ومرشديهم ، فقول أحد هؤلاء عندهم ، يقدمونه على الآية من كتاب الله ، وعلى الحديث الصحيح الصريح من أقول النبي r ، لأنهم أيها الأخوة ، لا يعملون الأعمال من أجل الدليل ، إنما يحاولون إيجاد الدليل من أجل أعمالهم ، فإذا كان العمل تقتضيه قواعد منهجهم ، ويأمر به كبراؤهم ، وتستحبه جماعتهم أو حزبهم ، طفقوا جادين ، لإيجاد دليل يؤيد مذهبهم ، وينصر منهجهم ، حتى ولو كان بالتأويل الخاطئ ، أو بلي عنقه ، وهكذا هم أهل البدع .
فهذه علامة يعرف به أهل البدع ، أما أهل السنة والجماعة ، والفرقة الناجية ، والطائفة المنصورة ، فما قاله الله تعالى ، وما صح عن رسوله r ، وما كان عليه خير القرون ، فإنه المعمول به وإن خالفوا بذلك كل مخالف .
أيها الأخوة المؤمنون :
ومن علامات أهل البدع ، الذين هم ليسوا على منهج النبي r ولا أصحابه ، الدعوة إلى أنفسهم ، دعوتهم ليست إلى الله ورسوله ، إنما هي إلى أحزابهم وجماعاتهم ، فالمهم عندهم أن يكثر من يدعون سوادهم ، ويوافقهم على منهجهم ، وقد يتفقون فيما بينهم على محاربة أهل السنة والجماعة ، فتجدهم للمخالفين من أمثالهم يقولون : كل على ثغرة ، ولكن عندما يذكر أهل المنهج الصحيح ، تجدهم ينعتونهم بما ينفر منهم ، ويبعد السفهاء عنهم ، فمثلا يرمونهم بأنهم من دعاة السلاطين ، ومن أذناب السلطة ، أو ممن يوالي اليهود .
وهذا ـ أيها الأخوة ـ يجعلنا نذكر العلامة الخطيرة من علامات المخالفين لأهل السنة والجماعة ، ألا وهي عداوة ولاة الأمر ، فمنهم من يعلن ذلك صراحة ، أما بقناة أو منتدى ، ومنهم من يستعمل التقية بذلك ، والدليل على ذلك أن كل الجماعات الموجودة في الساحة ، ماهي إلا دولة داخل دولة ، ولذلك تجد لهم أمراء ، ومستشارون ، ولهم اجتماعات سرية ، ولهم موجهون ومخططون من خارج البلاد وغير ذلك ، فالسمع والطاعة الذي ذكر النبي r وقال : (( وإن تأمر عليكم عبد )) عند جميع الجماعات والأحزاب تكون لغير من ولاه الله الأمر ببيعة الناس المعلنة ، هذه حقيقة ـ أيها الأخوة ـ فاعرفوا بها الفرق الهالكة .
اسأل الله أن يهدي ضال المسلمين ، وان يجعلنا من الفقهاء بهذا الدين ، المتمسكين بكتابه العاملين بسنة نبيه r ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا
أما بعد أيها المسلمون :
ومما يتميز به المخالفون لمنهج أهل السنة والجماعة ، وخاصة في زماننا هذا ، غيبة ولاة الأمر من الأمراء والعلماء ، والطعن في ولايتهم ، وعدم الاعتراف بهم ، ولا شك ـ أيها الأخوة ـ أن الغيبة كبيرة من الكبائر ، ولكنها في حق ولاة الأمر أكبر وأضر وأخطر ، يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : الأمراء وولاة الأمور ، ليست غيبتهم كغيبة غيرهم ، وليست غيبة غيرهم كغيبتهم ؛ لأنك إذا اغتبت ولاة الأمور أو نشرت معايبهم بين الناس كرههم الناس ، وصاروا إذا أمروا بالحق قال الناس : هذا باطل ، وتمردوا عليهم ، وماذا يحصل للأمة إذا تمردت على أمرائها !؟ تحصل الفوضى ، وربما يصل الأمر إلى أن تسيل الدماء ، ولا يخفى علينا جميعًا ما وقع في بعض البلاد العربية بناءًا على هذا ، والواجب علينا إذا سمعنا وتأكدنا عن الأمراء ما لا ينبغي أن نناصحهم ، أن نبذل لهم النصيحة ، كما قال النبي r : (( الدين النصيحة ، الدين النصيحة ، الدين النصيحة ، قالوا : لمن يا رسول الله !؟ قال : لله ولكتابه ولرسوله ، ولأئمة المسلمين وعامتهم )) .
فهؤلاء ـ أعني الجماعات والأحزاب ـ يغتابون الأمراء والعلماء لأن لهم أمراء خاصين ، وعلماء معروفين ، فأميرهم المنظر لهم ، ومن يرجعون إليه في قوانين جماعتهم أو حزبهم ، وعلماؤهم كبراؤهم وسادتهم ، فالواحد عندهم من هؤلاء ، هو العالم المجاهد ، الذي لا تأخذه في الله لومة لائم ، أما غيره ـ وخاصة ممن هم من أهل السنة والجماعة بحق ـ فهو الجبان الذي لايفقه شيئا من الواقع ، الذي لا تؤثر فيه جراحات الأمة ، ولا يأبه لمشاكلها .
أيها الأخوة المؤمنون :
هذه من علامات المخالفين لمنهج أهل السنة والجماعة ، وهي باختصار : الخروج على الحكام والزعماء ، والملوك والأمراء ، حتى ولو كان يترتب على ذلك مفاسد كبيرة ، وترك الأدلة الشرعية التي تنافي مبادئهم ، وكذلك دعوة هؤلاء للناس تكون من أجل اتباعهم وتكثير سوادهم ، وغيبة الأمراء والعلماء ، والتشكيك بمقاصدهم .
فلنحذر أيها الأخوة ، وليحذر هؤلاء ، وخاصة المخدوعين من أتباعهم ، من هذه المناهج الباطلة ، والجماعات المخالفة ، والأحزاب الضالة ، وليكن ولاء المسلم لدينه واتباعه لما كان عليه نبيه r وأصحابه ـ رضي الله عنهم .
اسأل الله أن يجنبني وإياكم الابتداع ويرزقني وإياكم الإتباع ، إنه سميع مجيب .
اللهم أصلح أحوال المسلمين ، واجعلهم هداة مهتدين ، ولا تجعلهم ضالين مضلين ، اللهم جنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن ، اللهم ارفع عنا الغلا والوبا والربا والزنا والزلازل والمحن .
اللهم إنا نسألك رضاك والجنة ، ونعوذ بك من سخطك والنار ، برحمتك يا أرحم الراحمين .
اللهم آمنا في أوطاننا ، واستعمل علينا خيارنا ، واجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك ، واتبع رضاك يارب العالمين .
اللهم عجل لنا بشفاء ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين ، اللهم وانصر به دينك وكتابك وسنة نبيك محمد r ، اللهم لا ترفع في عهده لمبتدع راية ، ولا تحقق لمخالف لسنة النبي r في عهده غاية يارب العالمين .
اللهم إنا نسألك وأنت في عليائك ، وأنت الغني ونحن الفقراء إليك ، اللهم أسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، اللهم أغثنا ، اللهم اسقنا غيثا مغيثا ، هنيئا مريئا سحا غدقا مجللا نافعا غير ضار ، عاجلا غير آجل ، اللهم غيثا تحيي به البلاد ، وتغيث به العباد ، وتجعله بلاغا للحاضر والباد ، اللهم سقيا رحمة لا عذاب ولا هدم ولا غرق ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان ، وبلادنا بالأمطار ، اللهم اسقنا غيثا تنبت به الزرع ، وتدر به الضرع برحمتك يا أرحم الراحمين .
} رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ { } رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ {
عباد الله :
} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ {
فاذكروا الله العظيم يذكركم ، واشكروه على وافر نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
|