الإعلام والعلماء
الحمد لله الملك القدوس السلام ، شرع الشرائع وأحكم الأحكام ، وبين الحلال وحرم الحرام ، أحمده حمدا يليق بكريم وجهه ، وبعظيم سلطانه ، على خيراته المتتالية ، ومننه المتتابعة وفضائله الجسام .
هو الملك العزيز وكل شيء
سواه فهو منتقص ذليل
وما من مذهب إلا إليه
وإن سبيله لهو السبيل
وإن له لمنّاً ليس يحصى
وإن عطاءه لهو الجزيل
اسأله U أن يغفر ذنوبنا ، وأن يستر عيوبنا ، وأن يتجاوز عنا ، برحمته فهو أرحم الراحمين .
وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لاشريك له ، ذو الجلال والإكرام .
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وصفيه وخليله ، وخيرته من خلقه ، بعثه رحمة للأنام . صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد عباد الله :
اتقوا الله U : } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ { جعلني الله وإياكم من عباده المتقن .
أيها الأخوة المؤمنون :
كان الحديث في الجمعة الماضية عن خطر وسائل الإعلام ، التي أفسدت كثيرا من المسلمين ، وتفننت في هدم أخلاقهم ، وتدمير مبادئهم ، وتلويث فطرتهم } فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ { ومما أحدثته تلك الوسائل الخبيثة ، التهوين من شأن العلماء الربانيين ، الذين يدعون إلى ما كان عليه النبي r وأصحابه ، العاملين بعلمهم ، المحاربين للبدع ، فقد طالهم شر هذه الوسائل ، ولحقهم ضررها ، فعلى حسابهم لمعت من لا يستحق التلميع ، وأبرزت من لا يستحق البروز ، وتبنت من ضل وأضل ، حتى خدعت فئاما من الناس بالمتعالمين من المهرجين والمهيجين ، والسحرة والمشعوذين ، والكهنة والدجالين ، والنتيجة هي ما ترون ـ أيها الأخوة ـ فتاوى باطلة ، وأحكام جائرة ، وآراء فاسدة ، ومخالفات صريحة واضحة باسم الدين ، وذلك كله من أثر التأثر بوسائل الإعلام .
أيها الأخوة المؤمنون :
إننا في زمن ـ نعوذ بالله من شره ، ونسأل الله السلامة من خطره ـ انقلبت فيه الموازين ، واختلط فيه الحابل بالنابل ، فصار عند بعض الناس كل بيضاء شحمة ، صار كل ذي عمامة وبشت ، عالما يؤخذ بقوله ولا يرد ، ولوسائل الإعلام في هذا العمل المشين ؛ النصيب الأوفر ، ولا شك أنها آثمة هي والقائمين عليها ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة t يقول النبي r : (( ومن دعا إلى ضلالة فعليه وزرها ووزر من اتبعها لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئا )) .
أيها الأخوة المؤمنون :
إن من علامات الإنحراف والضياع ، والفساد والهلاك ، ومن السبل التي تؤدي إلى المستقبل الخطير ؛ قضية الطعن في العلماء ، والسعي إلى التقليل من شأنهم ، والعمل على أن لايكون له قيمة في المجتمع .
نعم ـ أيها الأخوة ـ عندما يطعن في العلماء ، ويشكك في نياتهم ، وتشوه صورتهم ، وتتهم مقاصدهم ، هذا معناه الرد الواضح الصريح للحق الذي يدعون إليه ، والعلم الذي يسعون إلى تبليغه ، وهذه قضية خطيرة ، ووسيلة من أخطر الوسائل التي تبعد الناس عن تعاليم دينهم .
أيها الأخوة :
المشركون في زمن النبي e ، فطنوا لهذه المسألة ، فطعنوا به صلوات ربي وسلامه عليه ، طعنوا به لأنه نبي ، لم يطعنوا به لأنه محمد بن عبدالله ، الذي كان يعرف بينهم ، بأنه الصادق الأمين ، إنما طعنوا به ، لأنه رسول الله e ، فالصادق جعلوه كذابا ، والأمين جعلوه ساحرا ، وقصدهم من ذلك ، التأثير على عقول الناس ، لئلا يقبلوا ما معه ، ولئلا يستسيغوا ما يدعو إليه .
وهذا هو أسلوب بعض وسائل الإعلام ، الطعن في العلماء الموثوقين ، والتقليل من شأنهم ، والتهكم عليهم ، في المنتديات وأعمدة الصحف ، بل وحتى في بعض المسلسلات والأفلام ، بهدف تصغيرهم في أعين الناس ، ولكن ليخسئوا :
وسنة ربنا فيمن تأذى
بهم أعلامنا حتما تراها
رويبضة تولت كبر قول
حوى فهما سقيما قد غشاها
شقي القوم ظن العلم رأي
وظن العقل دوما لا يضاهى
كأنهم من الأعداء هبوا
بتشكيك البرية في هداها
فأنتم في البلاد لشر قوم
تفوقون الخوارج في عماها
لئن سفكوا الدماء بغير حق
فزعزعة العقائد لا تضاهى
نعم ـ أيها الأخوة ـ إنهم ، بسوء صنيعهم ، وقدحهم وتشكيكهم بعلماء معتبرين افاضل شهد لهم البعيد قبل القريب ، فيه دليل على فسادهم , وسوء أهدافهم .
اسأل الله U أن لا يحقق لهم غاية ، إنه سميع مجيب ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أيها الأخوة المؤمنون :
قد رفع الله قدر العلماء ، وميزهم عن غيرهم ، فأفضل الناس هم ، وأكثر الناس أجرا هم ، وأقرب الناس إليه هم ، وأولى الناس بالأنبياء هم . هذا ما دلت عليه نصوص القرآن والسنة .
يقول الله تعالى : } أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ { والله لا يستوون ، الويل لكم أيها الخبثاء ، الويل لكم أيها الأشقياء ، } أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ { تستهزئون بهم في مقالاتكم ، وتسخرون منهم في مسلسلاتكم ، وتأكلون لحومهم في منتدياتكم ، فابشروا بخيبة آمالكم .
يقول أبو الدرداء t : سمعت رسول الله r يقول : (( من سلك طريقا يبتغي فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة ، وإن الملائكة لتضع أجنِحَتَها لطالب العلم رضا بما يصنع ، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء ، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب ، وإن العلماء ورثة الأنبياء ، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم ، فمن أخذه أخذ بحظ وافر )) .
نعم أيها الأخوة ، قد يقع العلماء في أخطاء ، نحن لا ندعي العصمة لهم أو لأحد منهم ، ولكننا نحذر من اتباع الناعقين عبر وسائل الإعلام ، الذين جعلوا لحوم علمائنا فاكهة لشاشاتهم أو أعمدة لمقالاتهم أو صفحات لمنتدياتهم ، لأن هذا الأمر ، يمتد إلى هذا الدين الذي يمثلونه ، والمنهج الصحيح السليم الذي يدعون إليه ، ويجرأ سفهاء العقول على أمثالهم ، ويجعل فتاواهم ليس لها قيمة ، ويذهب هيبتهم عند عامة الناس ، وهذه الأشياء إذا ظهرت في الأمة فعليها السلام . أغسل يديك من أمة ليس لأهل الفضل فيها كلمة .
أيها الأخوة المؤمنون :
إن مكانة العلماء سامية ، ومنزلتهم رفيعة ، ووجودهم نعمة ، وأذيتهم ليست كأذية غيرهم ، أذية الناس عامة كبيرة من كبائر الذنوب ، ولكن أذية العلماء ، وأصحاب الكلمة في المجتمع تكون أكبر وأعظم ، يقول أبن عباس t : من آذى فقيها فقد آذى رسول الله . ويقول أبو حنيفة والشافعي رحمهما الله : إن لم يكن العلماء أولياء الله فليس لله ولي .
يكفي هؤلاء ـ أيها الأخوة ـ أن الله U أمر بطاعتهم ، وقرنها بطاعته جل جلاله ، فقال تعالى : } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ { قال المفسرون : أولي الأمر هم الأمراء والعلماء .
فعلى المسلم أن يحذر أن يكون خصمه يوم القيامة عالم أو داعية أو قاضي ، بسبب وسيلة فاسدة ، فلحوم العلماء مسمومة ، وعادة الله في هتك أستار منتقصهم معلومة .
اسأل الله U أن يصلح أحوال المسلمين ، اللهم إنا نسألك أن تصلح أحوال المسلمين ، وأن ترحم ضعفهم ، وتجبر كسرهم ، وتعينهم على أنفسهم ، اللهم من أراد الإسلام والمسلمين بسوء فاللهم اشغله بنفسه ، واجعل كيده في نحره واجعل تدبيره سببا لتدميره يارب العالمين .
اللهم إنا نسألك رضاك والجنة ، ونعوذ بك من سخطك والنار ، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا ، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير ، واجعل الموت راحة لنا من كل شر .
اللهم إنا نسألك نصر الإسلام وعز المسلمين ، اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين ، اللهم واحمي حوزة الدين ، اللهم واجعل بلدنا هذا آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين .اللهم آمنا في أوطاننا ، واستعمل علينا خيارنا ، واجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك واتبع رضاك يا أرحم الراحمين .اللهم إنا نسألك حفظ أعراضنا ، وحفظ أموالنا ، وحفظ دمائنا .
} رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ { } رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ {
عباد الله :
} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { فاذكروا الله العظيم يذكركم ، واشكروه على وافر نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
|