الإعلام والمصداقية
الحمد لله رب العالمين ، القائل في كتابه: } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ { أحمده حمدا يليق بكريم وجهه ، وبعظيم سلطانه ، إله الأولين والآخرين .
وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، لولا فضله ورحمته لكنا من الخاسرين .
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وصفيه وخليله ، وخيرته من خلقه أجمعين . صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .
أما بعد عباد الله :
يقول U : } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ { يقول ابن مسعود t : تقوى الله حق تقاته ، أن يُطاع فلا يُعصى، ويُذكر فلا ينسى، ويشكر فلا يكفر. فاتقوا الله عباد الله ، جعلني الله وإياكم من عباده المتقين .
أيها الأخوة المؤمنون :
ما زال حديثنا عن خطر الإعلام ، وفي هذا اليوم حديثنا عن الإعلام والمصداقية ، حيث أن المصداقية مطلب شرعي في كل الأمور ، فكما سمعتم في الآية الكريمة التي ذكرت في المقدمة : } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ { فهذا أمر من الله U بأن يكون المؤمن مع الصادقين ، الذين يجعلون الصدق مبدءا لهم في جميع شؤونهم ، في أقوالهم وأفعالهم وأحوالهم ، الذين أقوالهم صدق ، وأعمالهم ، وأحوالهم لا تكون إلا صدقا خالية من الكسل والفتور، سالمة من المقاصد السيئة ، مشتملة على الإخلاص والنية الصالحة ، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة ، كما في الحديث الذي رواه الإمام مسلم ، يقول النبي r : ((عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِى إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِى إِلَى الْجَنَّةِ وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقاً وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِى إِلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِى إِلَى النَّارِ وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّاباً )) .
أيها الأخوة المؤمنون :
فالمصداقية مطلب شرعي ، وهو ما يفتقده كثير من وسائل الإعلام ، وسبب ذلك أن الذين خلف هذه الوسائل ، أناس طغت عليهم أهدافهم ، وهيمنت عليهم شهواتهم ، فكل وسيلة تنم عن اتجاه أصحابها ، وتنفذ ما يخطط له القائمون عليها ، والدليل على صحة ما أقول ؛ استحالة أن تنقل لك هذه الوسائل ، ما يخالف ما تذهب إليه ، أو تعرض ما تعاب عليه ، ولذلك عقلاء الناس ، لا تخدعهم هذه الوسائل ، ولا تؤثر بهم ، أما الجهلة والسذج والسفهاء ، فإنها تفتك بهم فتك النار في الهشيم ، فهاهي مثيرة الفتن ، وهاهي قناة الإفساد ، وغيرهما كثير ، من مواقع وصحف ومنتديات ، تجد من ينطلي عليه أباطيلها ، ويستقي زيفها وضلالها .
أيها الأخوة المؤمنون :
إن عدم مصداقية وسائل الإعلام ، وإخفاءها لكثير من الحقائق ، ونشرها للأكاذيب والأباطيل ، أثمر شرا وخطرا على الأمة الإسلامية ، وأحدث أضرارا كبيرة ، فصار الهدم بناء ، والتخريب عمارا ، والخيانة أمانة ، والضعف قوة ، والفساد صلاحا والصلاح فسادا ، والظلم عدلا ، والعدل ظلما ، بل ـ أيها الأخوة ـ صارت بعض هذه الوسائل ، تتقرب إلى الله U بما حرم سبحانه ، كإشاعة الفاحشة ، والغيبة والقذف ، وإذاعة الأسرار ، وهتك الأستار ، والفتن والبدع ، ونشر كل باطل ، وقد يكون ضحية ذلك أناس أبرياء ، ورجال فضلاء ، وعظماء شرفاء ، وهل هناك أفضل من العلماء الربانيين ، الذين تنالهم بعض وسائل الإعلام بالسوء ، وتشكك في صدقهم ، وتحاول إسقاط هيبتهم وإبعاد الناس عن فتاواهم الشرعية .
في إحدى الوسائل ، المحسوبة على الدين ، والتي تزعم أنها تقوم بنشر الإسلام والدعوة إليه ، عرضت محاضرة لأحد دعاتها ، تكلم فيها عن علمائنا في هذه البلاد الطاهرة ، بلمزهم وغمزهم ، بأمر لا يد لهم به ، فكان مما قال : كيف تفلح أمة يقودها عميان ، لا يدركون ما حولهم !!!
هذه وسيلة محسوبة على الدين ، فكيف بالله عليكم ، بوسائل تعلن محاربة الدين بمسلسلاتها ، وبصفحاتها ، وبمندياتها ، وبملتقياتها ، لاشك أنها إلى ماهو أسوأ من ذلك أجرأ نسأل الله أن لا يحقق لهم غاية .
أيها الأخوة :
إن الأمة الإسلامية بحاجة إلى أعلام صادق ، بحاجة إلى وسائل تهدف إلى الرفعة بشأنها ، وتحقيق أهدافها ، وتلبية رغباتها ، كفى بعدا عن الإسلام أيتها الوسائل ، كفى تضليلا وتعتيما ، كفى قلبا للحقائق ، كفى تلميعا وتزييفا ، كفى كذبا وتزويرا ، اصدقوا ليثق الناس بكم ، ويحبونكم ويأتمنونكم ، بل اصدقوا لتسلموا من تبعات كذبكم ، فأكبر الكبائر بعد الشرك والعقوق ، قول الزور ، يقول عمر بن الخطاب t : لأن يضعني الصدق ـ وقلما يضع ـ أحب إلي من أن يرفعني الكذب ، وقلما يفعل .
اسأل ألله أن يهدي ضال المسلمين ، إنه سميع مجيب ، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أيها الأخوة المؤمنون :
إن التقنية الحديثة ، ساعدت على انتشار وسائل الإعلام ، ووصولها إلى القريب والبعيد ، والعاقل والسفيه ، وهذا مما يزيد في خطرها ، ويعظم ضررها ، فوجب التحذير منها ، وهو ما أردت في هذا الحديث وغيره عن وسائل الإعلام ، فكثير هم الذين يخدعون بما يعرض أمامهم ، وبما تسمعه آذانهم ، وتشاهده أعينهم ، والذي لا يعرض إلا بعد جهود مضنية ، تعمل على تزيينه وإخراجه ، ليكون مقنعا لمن يشاهده أو يقرأه أو يسمعه ، اسأل الله U أن يصلح أحوال المسلمين ، وأن يمن عليهم بالتزام دينه ، والعمل بكتابه ، والاقتداء بسنة نبيه محمد r .
اللهم من علينا بفضلك ورحمتك ، وأنعم علينا بجودك وكرمك ، ومتعنا بأمنك وعزتك ، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ، اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، وأذل الشرك والمشركين وأحمي حوزة الدين ودمر أعداء الملة ومن شايعهم وسائر الكفرة والملحدين ، اللهم ارفع عنا الغلا والوبا والربا والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين ، اللهم من أرادنا وأراد المسلمين بسوء فأشغله بنفسه واجعل كيده في نحره ، واجعل تدبيره تدميره يا رب العالمين ، اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا ، اللهم وأيد بالحق إمامنا وولي أمرنا ووفقه بتوفيقك ، وأعزه بطاعتك وارزقه البطانة الصالحة التي تدله على الخير وتعينه عليه . اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمد r وعبادك الصالحين ، اللهم أبرم لأمة الإسلام أمر رشد يُعز فيه أهل طاعتك ويذل فيه أهل معصيتك ، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر إنك على كل شيء قدير، } رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ { } رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ {
عباد الله:} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { فاذكروا الله العظيم يذكركم ، واشكروه على وافر نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
|