خطبة جمعة يوم عيد الفطر
الحمد لله المتوحد بالبقاء والكبرياء ، والعز والجلال والبهاء ، المتعالي بعزه وقهره ، عن الأنداد والشركاء والأضداد ، المتنزه بجلاله وكماله ، عن الصاحبة والأولاد .
أحمده سبحانه ، هو الغني والكل إليه فقير ، وهو القوي ، وكل عسير عليه يسير ، } مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي { ، } وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ { .
وأشهد أن لا إله الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وصفيه وخليله ، وخيرته من خلقه ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ، ومن سار على نهجه إلى يوم التناد .
أما بعد عباد الله :
اتقوا الله U ، فقد أمركم ربكم بذلك فقال : } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ { جعلني الله وإياكم من عباده المتقين .
أيها الأخوة المؤمنون :
إننا في هذا اليوم ، نعيش مناسبة عظيمة ، مناسبة عيد الفطر المبارك ، مناسبة شرعها الله جل جلاله ، لهذه الأمة ، وجعلها بدلاً من أيام اللعب واللهو التي كانت في الجاهلية ، ففي الحديث عن أنس t أن النبي e قدم المدينة فوجدهم يحتفلون بعيدين ، فسألهم عن هاذين العيدين ، فأخبروه ، فقال e : (( كان لكم يومان تلعبون فيهما ـ أي في الجاهلية ـ وقد أبدلكم الله بهما خيرا منهما ، يوم الفطر ويوم الأضحى )) .
فاجعلوا ـ يا عباد الله ـ عيدكم عيدا ، وأهم شيئ تحاسبون أنفسكم عليه ، هو تآلفكم مع إخوانكم ، وخاصة أقاربكم وأرحامكم ، فالفرصة مهيأة ، والوضع مناسب ، لأن العيد فرصة ، للقضاء على التقاطع والتدابر ، وفرصة لصلة الرحم . فأحرص يا مسلم على صلة أرحامك فإن صلة الرحم واجبة ، وقطيعتها معصية وكبيرة من كبائر الذنوب .
يقول U : } وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً { . وفي البخاري ومسلم عن أبي هريرة t قال : قال النبي e: (( إن الله خلق الخلق ، حتى إذا فرغ من خلقه ، قامت الرحم فقالت : هذا مقام العائذ بك من القطيعة ، قال : نعم أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك ؟ قالت : بلى يا رب ، قال : فذاك لك . ثم قال رسول e : أقرءوا إن شئتم : } فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ، أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ {
فأمر صلة الرحم أمر عظيم ، وللصلة فوائد عظيمة ، ففي الحديث الصحيح عن أنس بن مالك t قال : قال رسول الله e : (( من سره أن يبسط له في رزقه )) أي : يوسع له في رزقه ، (( وينسأ له في أثره )) أي : يؤخر أجله (( فليصل رحمه )) ، فأين أكثر الناس عن هذا الحديث ، إطالة العمر ، وكثرت الرزق ، مطلب كثير من الناس ، فأين هم عن هذا الحديث العظيم .
منهم من قطع أرحامه خوفاً على دراهمه وما علم المسكين أنه بصلته لهم ، زيادة في رزقه ، وفي الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله e قال : (( إن الله ليعمر بالقوم الديار ، ويثمر لهم الأموال ، وما نظر إليهم منذ خلقهم بغضاً لهم )) ، قيل : وكيف ذلك يا رسول الله ؟ قال : (( بصلتهم لأرحامهم )) .
فحري بالمسلم ، الذي رضي بالله ربا وبالإسلام دينا ، أن لا يتأخر عن صلة أرحامه ، وأن يحذر حذرا شديدا من القطيعة ، لأن القطيعة شأنها أيضاً عظيم ، وأي شيء أعظم أيها الأخوة من عدم قبول العمل !! القاطع والعياذ بالله ـ يعمل الأعمال ولا تقبل منه نسأل الله العافية .
ففي الحديث الصحيح عن أبي هريرة ـ t قال : قال رسول الله e : (( إن أعمال ابن آدم تعرض كل خميس ليلة الجمعة فلا يقبل عمل قاطع رحم )) .
فالله الله أيها الأخوة بصلة الأرحام ومن فضل الله أن تيسرت سبل ذلك فبأقل جهد وبأقل وقت يستطيع الواحد منا أن يصل جميع أرحامه دون مشقة أو كلفة.
اسأل الله لي ولكم علما نافعا ، وعملا خالصا ، وسلامة دائمة ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أيها الأخوة المؤمنون :
اعلموا رحمني الله وإياكم أن من آداب العيد : غض البصر ، يقول سفيان الثوري ـ رحمه الله ـ أول ما نبدأ به في يومنا هذا ـ يعني يوم العيد ـ : غض البصر .
ورجع حسان بن أبي سنان من عيدٍ فقالت له امرأته كم من امرأة حسناء قد رأيت ؟ فقال : ما نظرت إلا في إبهامي منذ خرجت إلى إن رجعت . فغض البصر ينبغي للمسلم أن لا يغفل عنه وخاصة في العيد ، وخاصة أيضاً كثرت المناظر المحرمة ، التي لا ترضي الله فأحذر يا مسلم من إطلاق بصرك ، وقبل أن تسترق البصر تذكر من يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور . تذكر دائماً أمر الله لك بقوله : } قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ {. واعلم بأن المستفيد الأول في غضك لبصرك هو أنت.
وكنت متى أرسلت طـرفك رائـداً
لقلبـك يوماً أتعبتـك المناظـر
رأيـت الـذي لا كلـه أنت قـادر
عليه ولا عن بعضه أنت صـابر
أسال الله عز وجل أن يتقبل منا ومنكم صالح أعمالنا ، وأن يتجاوز عن زللنا وإجرامنا ، وأن يغفر لنا ذنوبنا وآثامنا إنه سميع مجيب .
اللهم إن نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى ، اللهم أحينا سعداء ، وأمتنا شهداء واحشرنا في زمرة الأتقياء .
اللهم إنا نسألك رضاك والجنة ، ونعوذ بك من سخطك والنار .
اللهم أكفنا بحلالك عن حرامك ، وأغننا بفضلك عمن سواك . اللهم إنا نعوذ بك من الهم والحزن ، ومن العجز والكسل ، ومن الجبن والبخل ، ومن غلبة الدين وقهر الرجال .
اللهم إنا نعوذ بك من علم لا ينفع ، ومن قلب لا يخشع ، ومن نفسٍ لا تشبع ، ومن دعوة لا يستجاب لها . اللهم أنصر الإسلام وأعز المسلمين ، وأحمي حوزة الدين ، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين . اللهم آمنا في أوطاننا واستعمل علينا خيارنا واجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك واتبع رضاك يا ارحم الراحمين .
} رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ{
عباد الله :
} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على وافر نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
|