احفظ الله يحفظك
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله وصفييه وخليله وأمينه على وحيه ومبلغ الناس شرعه فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين .
أما بعد أيها المؤمنون عباد الله اتقوا الله جلا وعلا واعلموا رحمكم الله أن تقوى الله جلا وعلا هي خير زاد يبلغ إلي رضوان الله وفي هذا يقول الله تبارك وتعالى: ﴿وتزوَّدوا فإن خير الزاد التقوى واتَّقون يا أولي الألباب﴾ البقرة: ١٩٧
عباد الله إن عنوان سعادة العبد في هذه الحياة هو أساس فلاحه في الدنيا والآخرة أن يكون حافظا لحدود محافظا على أوامر حافظا نفسه في طاعة الله، ومن حفظ الله حفظه الله ومن اتقى الله وقاه.
عباد الله إن حفظ الله يعني حفظ حدوده وحقوقه وأوامره ونواهيه وحفظ ذلك هو الوقوف عند أوامره بالامتثال وعند نواهيه بالاجتناب وعند حدوده فلا يتجاوز ما أمر به وأذن فيه إلى ما نهى عنه ومن فعل ذلك فهو من الحافظين لحدود الله الذين مدحهم الله في كتابه , قال الله عز وجل: ﴿هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب﴾ ق: ٣٢ - ٣٣ وقد فسر الحفيظ هنا بالحافظ لأوامر الله وبالحافظ لذنوبه ليتوب منها.
عباد الله ومن أعظم ما يجب حفظه من أوامر الله الصلاة فإنها عماد الدين وأعظم أركانه بعد الشهادتين وقد أمر الله جلا وعلا بالمحافظة عليها فقال: ﴿حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى﴾ البقرة: ٢٣٨ومدح المحافظين عليها بقوله: ﴿والذين هم على صلواتهم يحافظون ﴾ المؤمنون: ٩ وقال النبي صلى الله عليه وسلم " من حافظ عليها كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة " وفي حديث آخر " من حافظ عليهن كن له نورا وبرهانا يوم القيامة ".
عباد الله ومما أُمر المسلم بالمحافظة عليه الطهارة فإنها مفتاح للصلاة قال النبي صلى الله عليه وسلم " لا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن " ومما يؤمر بحفظه الأيمان قال الله تعالى: ﴿ واحفظوا أيمانكم ﴾ المائدة: ٨٩ فإن الأيمان عباد الله يقع الناس فيها كثيرا و يهملها كثير منهم.
ومن ذلك عباد الله مما أُمر العباد بحفظه حفظ الرأس والبطن كما في حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى وتحفظ البطن وما حوى" خرجه الإمام أحمد و الترمذي وحفظ الرأس وما وعى يدخل فيه حفظ السمع والبصر واللسان من المحرمات , وحفظ البطن وما حوا يتضمن حفظ القلب عن الإصرار على المحرمات قال الله عز وجل: ﴿ واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه﴾ البقرة: ٢٣٥ وقد جمع الله ذلك كله في قوله: ﴿ إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا ﴾ الإسراء:٣٦ ويتضمن ذلك حفظ البطن من إدخال الحرام إليه من المآكل والمشارب.
ومن أعظم ما يجب حفظه من نواهي الله عز وجل ويدخل في ذلك، كذلك عباد الله حفظ اللسان و الفرج ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من حفظ ما بين لحييه وما بين رجليه دخل الجنة " خرّجه الحاكم.
وخرج الإمام أحمد من حديث أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من حفظ ما بين فقميه وفرجيه دخل الجنة " وأمر الله عز وجل بحفظ الفروج ومدح الحافظين لها فقال: ﴿ قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ﴾ النور: ٣٠، وقال الله عز وجل: ﴿ والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرةً وأجرا عظيما ﴾ الأحزاب: ٣٥، وقال الله عز وجل: ﴿ قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون ﴾ المؤمنون: ١ - ٢ إلى أن قال سبحانه: ﴿ والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين ﴾ المؤمنون: ٥ - ٦.
عباد الله هذه أنواع وأفراد مما ينبغي على المسلم أن يحفظه وإلا فإن حفظ الله جلا وعلا يتناول فعل الأوامر واجتناب النواهي والوقوف على حدوده تبارك وتعالى فلا تتجاوز إلى غيرها.
عباد الله إن من حفظ حدود الله وراعى حقوقه حفظه الله فإن الجزاء من جنس العمل
وحفظ الله للعبد يدخل فيه نوعان أحدهما حفظه له في مصالح دنياه كحفظه في بدنه وولده وأهله وماله , قال الله عز وجل: ﴿ له معقِّباتٌ من بين يديه ومِن خلفه يحفَظونه من أمر الله﴾ الرعد: ١١، قال ابن عباس رضي الله عنهما هم الملائكة يحفظونه بأمر الله فإذا جاء القدر خلوا عنه , وقال علي رضي الله عنه " إن مع كل رجل ملكين يحفظانه مما لم يقدر فإذا جاء القدر خليا بينه وبينه وإن الأجل جُنّة حصينة" .
والنوع الثاني من الحفظ وهو أشرف النوعين حفظ الله للعبد في دينه و إيمانه فيحفظه في حياته من الشّبهات المضلة ومن الشبهات المحرمة ويحفظ عليه دينه عند موته فيتوفاه على الإيمان ومن هذا القبيل ما ثبت في حديث عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه أن يقول " اللهم احفظني بالإسلام قائما واحفظني بالإسلام قاعدا واحفظني بالإسلام راقدا ولا تطع فيَّ عدوا و لا حاسدا " خرجه ابن حبان في صحيحه.
فنسأل الله جل وعلا بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يحفظ علينا وعليكم ديننا وأن يثبتنا على الإيمان وأن يهدينا إليه صراطا مستقيما وألا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين وأن يحفظنا جميعا من الفتن كلِّها ما ظهر منها وما بطن إنه تبارك وتعالى سميع الدعاء وهو أهل الرجاء وهو حسبنا ونعم الوكيل .
الحمد لله عظيم الإحسان واسع الفضل والجود والامتنان وأشهد ألا أله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد عباد الله اتقوا الله جل وعلا واحفظوا حدود الله وحافظوا على طاعة الله ما دمتم في دار الإمهال و العمل وليعلم كل واحد منا أن حفظه في هذه الحياة وحفظه في الحياة الآخرة مرتبط تمام الارتباط بالمحافظة على طاعة الله والتزام أوامر الله فمن حفط الله حفظه الله ومن اتقى الله وقاه فإن الجزاء من جنس العمل ,
ولتعلم أخي المسلم أن حاجتك إلى حفظ الله لك في هذه الحياة الدنيا وفي الآخرة أعظم الحاجات وضرورتك أشد الضرورات فعليك أن تأخذ بسبيل حفظ الله لك فتكون محافطا على طاعة الله ملتزما بأوامر الله قائما بما أمرك به تبارك وتعالى ليحفظك في نفسك ويحفظك في مالك ويحفظك في أهلك ويحفظك في دنياك وفي آخرتك , وأنت بحاجة إلى حفظ الله لك في كل صباح ومساء وفي كل يوم وليلة وفي كل قيام وقعود وفي جميع شؤونك ولهذا ثبت في سنن أبي داود و سنن ابن ماجه وغيرهما من حديث ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يدع هؤلاء الدعوات حين يمسي وحين يصبح " اللهم إني أسالك العافية في الدنيا والآخرة اللهم إني أسالك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي اللهم استر روعاتي وآمن عوراتي و احفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي و أعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي" فهو صلواته الله وسلامه عليه يسأل الله عز وجل أن يحفظه في كل صباح ومساء فأنت يا عبد الله بحاجة إلى حفظ الله لك في كل شؤونك وفي جميع أوقاتك فاحفظ الله يحفظك أسال الله جلّ وعلا أن يحفظنا وإياكم وأن يوفقنا جميعا لطاعته وأن يهدينا جميعا سواء السبيل.
وصلوا وسلموا رحمكم الله على إمام الحافظين لحدود الله المحافظين على طاعة الله الآمرين بحفظ أوامر الله محمد بن عبد الله صلواته الله وسلامه عليه كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: ﴿ إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما﴾ الأحزاب: ٥٦ وقال صلى الله عليه وسلم " من صلى علي واحدة صلى الله عليه بها عشرا " اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميد مجيد، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين أبي بكر الصديق وعمر الفاروق وعثمان ذي النورين وأبي السبطين علي وارض اللهم عن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بمنك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين , اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين واحم حوزة الدين يا رب العالمين, اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعلهم هداة مهتدين , اللهم انصر إخواننا المسلمين في كل مكان وفي فلسطين وفي كل مكان اللهم انصر من نصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم , اللهم آت نفوسنا تقواها زكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى وأعنه على البر والتقوى وسدده في أقواله وأعماله اللهم ووفق جميع ولاة أمر المسلمين للعمل بكتابك واتباع سنة نبيك صلى الله عليه وسلم واجعلهم رأفة ورحمة على عبادك المؤمنين ,اللهم أصلح ذات بيننا وألف بين قلوبنا واهدنا سبل السلام وأخرجنا من الظلمات إلي النور وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وقواتنا وأموالنا وأزواجنا واجعلنا مباركين أينما كنا اللهم إنا نسألك العافية في الدنيا والآخرة اللهم العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة اللهم استر عوراتنا وآمن روعتنا واحفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا وعن أيماننا وعن شمائلنا ونعوذ بعزتك ربنا أن نغتال من تحتنا , اللهم اغفر لنا ما قدّمنا وما أخّرنا وما أسررنا وما أعلنا وما أنت أعلم به منا اللهم اغفر لنا ذنبنا كله دقه وجله أوله وآخره سره وعلنه اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات اللهم اغفر ذنوب المذنبين وتب على التائبين واكتب الصّحة والسلامة والعافية لعموم المسلمين اللهم فرج همَّ المهمومين من المسلمين ونفس كرب المكروبين اللهم واشف مرضنا ومرضى المسلمين اللهم ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
عباد الله اذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون. |