فتنة النساء ومفاسد الاختلاط
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعود بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، ومبلغ الناس شرعه، وصلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه أجمعين وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد أيها المؤمنون عباد الله: اتقوا الله تعالى واعلموا أن تقوى الله جلّ وعلا، هي أساس الفلاح وعنوان السعادة في الدنيا والآخرة، وتقوى الله جلّ وعلا، أن يعمل العبد بطاعة الله على نور من الله يرجو ثواب الله، وأن يترك معصية الله على نور من الله يخاف عقاب الله.
عباد الله : إن نعمة الله على المرأة المسلمة عظيمة، ومنته عليها كبيرة جسيمة حيث هيئ لها في الإسلام أسباب سعادتها وصيانة فضيلتها وحراسة عفتها وتثبيت كرامتها، ودَرْءَ المفاسد والشرور عنها، لتبقى زكية النفس طاهرة الخلق منيعة الجانب مصونة عن موارد التهتك والابتذال محمية عن أسباب الزيغ والانحراف والانحلال،
لقد أكرم الإسلام المرأة المسلمة أعظم إكرام وصانها أحسن صيانة وتكفّل لها بحياة كريمة، شعارها الستر والعفاف ودثارها الطُّهر والزكاة ورايتها إشاعة الأدب وتثبيت الأخلاق وغايتها صيانة الشرف وحماية الفضيلة، وستبقى المرأة المسلمة رفيعة الجانب عزيزة المنال صيّنة الأخلاق مادامت متمسكة بدينها محافظة على أوامر ربها مطيعة لنبيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، مُسْلِمة وجهها لله، مذعنة لشرعه وحكمه بكل راحة وثقة واطمئنان غير ملتفتة إلى الهمل من الناس من دعاة الفاحشة والفتنة، ﴿والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما﴾ النساء: ٢٧ .
عباد الله: إن المرأة المسلمة في هذه الأزمان، تتعرض لهجمات شرسة ومؤامرات حاقدة ومخططات أثيمة تستهدف الإطاحة بعفتها وهتك شرفها ودك كرامتها ووأد فضيلتها وخلخلة دينها وإيمانها، وإلحاقها بركب العواهر والفاجرات، وذلك من خلال قنوات فضائية مدمرة ومجلات خليعة هابطة وشغلها بأنواع من الألبسة الكاسية العارية، وتهييج قلبها إلى حب التشبه بغير المسلمات ممن يمشين على الأرض دون إيمان يردع أو خلق يزع أو أدب يمنع، وجرها من وراء ذلك كله إلى منابذة الشريعة وجر أذيال الرذيلة والبعد عن منابع العفة والفضيلة، لا مكنهم الله مما يريدون .
عباد الله: ولقد دلت النصوص الشرعية أن الفتنة بالمرأة إذا وقعت، ترتب عليها من المفاسد والمضار وسوء العواقب، ما لا يُدرك مداه ولا تحمد عقباه، روى البخاري ومسلم من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" ما تركتُ بعدي فتنة هي أضرُّ على الرجال من النساء "، وروى ومسلم في صحيحه عن أبى سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " اتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء "، وقال صلى الله عليه وسلم: " المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان "، أي اتخذها غرضا لها لتهييج الفاحشة وإشاعة الرذيلة وفتن الرجال بها، لاسيما إذا خرجت متجملة متعطرة متزينة مُظهرة لبعض مفاتنها مبدية لبعض محاسنها فهنالك يعظم الشر ويتزايد الفساد .
عباد الله: ومن يتأمل التاريخ على طول مداه، يجد أن من أكبر أسباب انهيار الحضارات وتفكك المجتمعات وتحلل الأخلاق وفساد القيم وفُشو الجرائم، هو تبرج المرأة ومخالطتها للرجال ومبالغتها في الزينة وخلوتها مع الأجانب وارتيادها للمنتديات والمجالس العامة وهي في أتم زينتها وأبهى حلتها وأكمل تعطرها،
قال ابن القيم رحمه الله: ولا ريب أن تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال، أصل كل بلية وشر، وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة، كما أنه من أسباب فساد أمور العامة والخاصة، واختلاط الرجال بالنساء سبب لكثرة الفواحش والزنا، وهو من أسباب الموت العام والطواعين المتصلة، انتهى كلامه رحمه الله .
عباد الله: والإسلام لم يفرض على المرأة الحجاب ولم يمنعها من تلك الأمور إلا ليصونها عن الابتذال وليحميها من التعرض للريبة والفحشاء، وليمنعها من الوقوع في الجريمة والفساد وليكسوها بذلك حلة التقوى والطُهر والعفاف، وسد بذلك كل ذريعة تفضي إلى الفاحشة، قال الله تعالى: ﴿وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى﴾ الأحزاب: ٣٣ ، وقال تعالى: ﴿وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن﴾ الأحزاب: ٥٣ ، وقال تعالى: ﴿وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجَهُنَّ ولا يُبدينَ زينتهنَّ إلاَّ ما ظهر منها وليضربن بخُمُرهنَّ على جُيُوبِهنَّ﴾ النور: ٣١ الآية، وقال تعالى: ﴿يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يُدنين عليهنَّ من جلابيبهنَّ ذلك أدنى أن يُعرفنَ فلا يُؤذين وكان الله غفورًا رحيمًا﴾ الأحزاب: ٥٩ ، إلى غير ذلك من النصوص العظيمة التي تهدف إلى صيانة المرأة المسلمة وتحقيق عفتها وحفظ كرامتها وإبعادها عن أسباب الشر وبذور الفساد.
فنسأل الله الكريم بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يحفظ نساءنا ونساء المسلمين من كل شر وبلاء، وأن يجنبهن الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يرد كيد من أراد بهن شرا في نحره إنه سميع الدعاء وهو أهل الرجاء وهو حسبنا ونعم الوكيل.
الحمد لله عظيم الإحسان، واسع الفضل والجود والامتنان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى، فإن تقوى الله جلّ وعلا هي خير زاد يبلغ إلى رضوان الله وهي وصية الله للأوّلين والآخرين من خلقه وهي وصية الرسول صلى الله عليه وسلم لأمّته، وهي وصية السلف الصالح فيما بينهم، ونسأل الله جلّ وعلا أن يجعلنا جميعا من أهل التقوى، وأن يوفقنا لتحقيقها .
عباد الله: روى الإمام أحمد في مسنده بإسناد جيد عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحفظت فرجها وأطاعت زوجها قيل لها ادخلي الجنة من أيِّ أبواب الجنة شئت "، فهنيئا للمرأة المسلمة هذا الموعود الكريم والفضل العظيم إن عاشت حياتها مطيعة لله ممتثلة أوامره محافظة على ما أمر به سبحانه مبتعدة عن نواهيه، فإن عاشت حياتها كذلك فإنها تعيش عيشة كريمة وحياة طيبة، ولها يوم القيامة موعود كريم وفضل عظيم وذلك برضي الرب جلّ وعلا عنها ودخولها جنات النعيم ونجاتها من عذاب الله تبارك وتعالى، أما إذا اغترت المرأة بزخرف الحياة الدّنيا وفتنها المتنوعة ولهوها الباطل وزيفها المنصرم، فإنها تفتن في دينها ويضيع منها خلقها وتذهب عنها عفتها وتترحّل عنها الأخلاق والقيم والآداب،
ولهذا فإن على المرأة المسلمة أن تتقي الله جلّ وعلا وأن تحافظ على طاعة الله وأن تمتثل أوامره جلّ وعلا وأن تبتعد كلّ البعد عن أسباب الزّيغ والانحراف، وعلى أولياء الأمور أن يتقوا الله في نسائهم وبناتهم وأن يحققوا القوامة فيهن، بحسن رعايتهن وتمام تأديبهن وأخذهن بآداب الشريعة وضوابطها القويمة المستقيمة،
ونسأل الله جلّ وعلا أن يوفقنا جميعاً لكل خير يحبه ويرضاه، وأن يعيذنا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، وأن يعيذنا من نزغات الشيطان الرجيم .
وصلوا رحمكم الله على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: ﴿إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما﴾ الأحزاب: ٥٦، وقال صلى الله عليه وسلم :" من صلى علي واحدة، صلى الله عليه بها عشرا" ، اللهم صلِّ على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنّك حميد مجيد، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديين، أبى بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنّا معهم بمنك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذلّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، اللهم احم حوزة الدين يا رب العالمين، ، اللهم انصر إخواننا المسلمين في كل مكان، اللهم انصرهم في فلسطين وفي كل مكان، اللهم انصرهم نصرا مؤزرا، اللهم أيدهم بتأييدك واحفظهم بحفظك، اللهم عليك باليهود المعتدين الغاصبين فإنهم لا يعجزونك، اللهم مزّقهم شر ممزق، اللهم خالف بين قلوبهم وشتت شملهم واجعل عليهم دائرة السَّوْء، اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبعي رضاك يا رب العالمين، اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى وأعنه على البر والتقوا، اللهم وفق جميع ولاّة أمر المسلمين للعمل بكتابك واتباع سنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم آت نفوسنا تقواها زكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، والموت راحة لنا من كل شر، اللهم ما أصلح ذات بيننا وألف بين قلوبنا وأهدنا سبل السلام وأخرجنا من الظلمات إلى النور وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وقواتنا وأموالنا وأزواجنا وذرياتنا واجعلنا مباركين أينما كنا، اللهم اغفر لنا ذنبنا كله، دقه وجله أوله وآخره، اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعلنا وما أنت أعلم به منا، أنت المقدم وأنت المؤخر لا لإله إلا أنت، اللهم اغفر ذنب المذنبين من المسلمين وتب على التائبين واكتب الصحة والعافية والسلامة لعموم المسلمين، اللهم فرج همّ المهمومين ونفِّس كرب المكروبين واقض الدين عن المدينين واشف مرضانا ومرضي المسلمين، ربنا إنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
|