لِلْمُسْلِمِينَ خَطَرُ إِتْيَانِ الْكُهَّانِ وَالْعَرَّافِينَ
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، إِلَهِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ
، وَقَيُّومِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرَضِينَ، وَخَالِقِ الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ ، أَحْمَدُهُ
حَمْدًا يَلِيقُ بِكَرِيمِ وَجْهِهِ ، وَعَظِيمِ سُلْطَانِهِ ، جَعَلَ الْعَاقِبَةَ
فِي الْآخِرَةِ وَالْأُولَى لِلْمُؤْمِنِينَ الْمُتَّقِينَ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا
إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، الْمَلِكُ الْحَقُّ الْمُبِينُ ،
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ أَجْمَعِينَ
، بَلَّغَ الرِّسَالَةَ وَأَدَّى الْأَمَانَةَ وَنَصَحَ الْأُمَّةَ وَجَاهَدَ فِي
اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ حَتَّى أَتَاهُ الْيَقِينُ؛ اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَيْهِ
وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ .
أَمَّا بَعْدُ ، فَيَا عِبَادَ اللهِ :
أُوصِيكُمْ بِوَصِيَّةِ اللهِ
لَكُمْ وَلِمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ؛ تَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ، يَقُولُ تَبَارَكَ
وَتَعَالَى: ]وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ
مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ[، فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ، وَاعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ بِأَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَذَّرَ مِنْ إِتْيَانِ الْكُهَّانِ وَالْعَرَّافِينَ،
وَبَيَّنَ أَنَّ فِي ذَلِكَ خَطَرًا عَلَى الْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى وَالدِّينِ، فَفِي
حَدِيثٍ صَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-،
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( مَنْ أَتَى كَاهِنًا، أَوْ عَرَّافًا،
فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )) . وَفِي حَدِيثٍ رَوَاهُ الْبَزَّارُ
بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ
رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَطَيَّرَ أَوْ تُطُيِّرَ
لَهُ ، أَوْ تَكَهَّنَ أَوْ تُكُهِّنَ لَهُ، أَوْ سَحَرَ أَوْ سُحِرَ لَهُ، وَمَنْ
عَقَدَ عُقْدَةً - أَوْ قَالَ : عُقِدَ عُقْدَةٌ لَهُ - وَمَنْ أَتَى كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ
بِمَا قَالَ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - )) .
فَإِتْيَانُ الْكُهَّانِ وَالْعَرَّافِينَ
مِمَّا يُنَافِي التَّقْوَى وَالْإِيمَانَ وَالدِّينَ ، وَالْكَاهِنُ
هُوَ مَنْ يَدَّعِي مَعْرِفَةَ الْغَيْبِيَّاتِ وَيُخْبِرُ عَنْهَا، وَقِيلَ:
هُوَ الَّذِي يُخْبِرُ عَمَّا فِي الْمُسْتَقْبَلِ عَنْ طَرِيقِ الْجِنِّ وَالشَّيَاطِينِ.
وَالْعَرَّافُ هُوَ الَّذِي يَدَّعِي مَعْرِفَةَ
الْأُمُورِ بِمُقَدِّمَاتٍ لِيَسْتَدِلَّ بِهَا عَلَى الْمَسْرُوقِ وَمَكَانِ الضَّالَّةِ
وَنَحْوِ ذَلِكَ . وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: إِنَّ الْعَرَّافَ
اسْمٌ لِلْكَاهِنِ وَالْمُنَجِّمِ وَالرَّمَّالِ وَنَحْوِهِمْ مِمَّنْ يَتَكَلَّمُ
فِي مَعْرِفَةِ الْأُمُورِ بِهَذِهِ الطُّرُقِ . وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: الْعَرَافَةُ
طَرْفٌ مِنَ السِّحْرِ .
بَعْضُ النَّاسِ - أَيُّهَا
الْإِخْوَةُ - لِضَعْفِ دِينِهِ، وَقِلَّةِ
تَقْوَاهُ وَيَقِينِهِ، يَذْهَبُ إِلَى هَؤُلَاءِ الْكَذَبَةِ الدَّجَّالِينَ، عَبِيدِ
الْجِنِّ وَالشَّيَاطِينِ، وَيُعَرِّضُ نَفْسَهُ وَدِينَهُ لِلْخَطَرِ، وَعِبَادَتَهُ
وَتَوْحِيدَهُ لِلضَّرَرِ، فَفِي حَدِيثٍ صَحِيحٍ ، يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: (( مَنْ أَتَى
عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ
صَلاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً )) ، فَالْعَاقِلُ لَا يُضَحِّي
بِدِينِهِ وَتَوْحِيدِهِ وَعِبَادَتِهِ مِنْ أَجْلِ شَيْءٍ حُذِّرَ مِنْهُ، وَأُخْبِرَ
عَنْهُ أَنَّهُ لَا شَيْءَ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا – قَالَتْ: سَأَلَ
أُنَاسٌ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الكُهَّانِ،
فَقَالَ لَهُمْ: (( لَيْسُوا بِشَيْءٍ )) ، قَالُوا:
يَا رَسُولَ اللهِ: فَإِنَّهُمْ يُحَدِّثُونَ أَحْيَانًا الشَّيْءَ يَكُونُ
حَقًّا!! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : (( تِلْكَ الْكَلِمَةُ مِنَ الْجِنِّ يَخْطَفُهَا
الْجِنِّيُّ، فَيَقُرُّهَا فِي أُذُنِ وَلِيِّهِ قَرَّ الدَّجَاجَةِ،
فَيَخْلِطُونَ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ كَذْبَةٍ )). فَاتَّقُوا اللهَ
عِبَادَ اللهِ ، فَالْغَيْبُ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَمَنِ
ادَّعَى ذَلِكَ فَهُوَ كَافِرٌ يَجِبُ الْحَذَرُ مِنْهُ وَالتَّحْذِيرُ عَنْهُ ، وَعَدَمُ
إِتْيَانِهِ وَلَا سُؤَالِهِ فَضْلًا عَنْ تَصْدِيقِهِ : ]قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ[ .
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ ،
وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ ،
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ ،
فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ .
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى
تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ
لَا شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ
وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ
وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ ، فَيَا عِبَادَ اللهِ :
إِنَّ وُجُودَ الْكَهَنَةِ وَالْعَرَّافِينَ فِي الْمُجْتَمَعِ ، وَرَوَاجَ بَاطِلِهِمْ
وَوُجُودَ مَنْ يَذْهَبُ إِلَيْهِمْ وَيُصَدِّقُهُمْ ، لَهُ أَضْرَارٌ بَلِيغَةٌ وَنَتَائِجُ
سَيِّئَةٌ ، لَعَلَّ مِنْ أَخْطَرِهَا ضَرَرَهُمْ عَلَى الْعَقِيدَةِ وَالدِّينِ ،
وَكَمَا سَمِعْتُمْ فِي أَحَادِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ )) ، ((لَيْسَ مِنَّا)) ، (( لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةٌ أَرْبَعِينَ
لَيْلَةً )) ، ((لَيْسُوا
بِشَيْءٍ )) ، وَإِنْ كَانَ - أَيُّهَا الْإِخْوَةُ
- مَنْ يَأْتِي أَحَدًا مِنْهُمْ يَكْفُرُ ، وَأَرْبَعُونَ يَوْمًا يُصَلِّي وَلَا
تُقْبَلُ صَلَاتُهُ ، فَكَيْفَ بِالْكَاهِنِ نَفْسِهِ ؟!
فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ ، احْذَرُوا وَحَذِّرُوا مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُجْرِمِينَ
، وَخَاصَّةً النِّسَاءَ؛ فَسُوقُ بَعْضِهِنَّ رَائِجَةٌ عِنْدَ هَؤُلَاءِ ؛ لِضَعْفِ
إِيمَانِهِنَّ ، وَقِلَّةِ تَوَكُّلِهِنَّ ، وَضَعْفِ صَبْرِهِنَّ ، فَمَا إِنْ تُصَابُ
إِحْدَاهُنَّ بِمُصِيبَةٍ أَوْ تُبْتَلَى بِبَلِيَّةٍ، إِلَّا وَتَطْرُقُ أَبْوَابَ
هَؤُلَاءِ الدَّجَّالِينَ ، لِحَسَدٍ تَمَكَّنَ فِي نَفْسِهَا ، أَوْ حِقْدٍ طَغَى
فِي قَلْبِهَا ، أَوْ مُحَاوَلَةِ إِزَالَةِ نِعْمَةٍ أَنْعَمَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا عَلَى غَيْرِهَا .
فَمِنْ أَوْجَبِ الْوَاجِبَاتِ - أَيُّهَا الْإِخْوَةُ- التَّعَاوُنُ عَلَى الْقَضَاءِ
عَلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُرَوِّجُ لِمُنْكَرِهِمْ، أَوْ يَرْضَى بِهِ، بِإِبْلَاغِ
الْمُخْتَصِّينَ لِلْقَضَاءِ عَلَيْهِ ، وَعَمَلِ مَا يَلْزَمُ مِنْ أَجْلِهِ . أَسْأَلُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَهْدِيَ ضَالَّ
الْمُسْلِمِينَ إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ .
أَلَا وَصَلُّوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ، وَالسِّرَاجِ
الْمُنِيرِ، فَقَدْ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ، فَقَالَ جَلَّ
مِنْ قَائِلٍ عَلِيمًا: ] إِنَّ اللَّهَ
وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[ ، فَاللَّهُمَّ صَلَّ
وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، صَاحِبِ الْوَجْهِ الْأَنْوَرِ
وَالْجَبِينِ الْأَزْهَرِ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ صَحَابَتِهِ الْغُرَرِ، أَبِي
بَكْرٍ وَعُمَر وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ ، وَعَنْ بَقِيَّةِ الصَّحَابَةِ
أَجْمَعِينَ، وَعَنِ التَّابِعِينَ وتَابِعِي التَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ
بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِعَفْوِكَ وَجُودِكَ
وَكَرَمِكَ وَرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ .
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ نَصْرَ الْإِسْلَامِ وَعِزَّ
الْمُسْلِمِينَ ، اللَّهُمَّ انْصُرِ الْإِسْلَامَ وَأَعِزَّ الْمُسْلِمِينَ ،
وَاحْمِ حَوْزَةَ الدِّينِ ، وَاجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا
وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ ، اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا ،
وَاسْتَعْمِلْ عَلَيْنَا خِيَارَنَا ، وَاجْعَلْ وِلَايَتَنَا فِي عَهْدِ مَنْ
خَافَكَ وَاتَّقَاكَ وَاتَّبَعَ رِضَاكَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ .
] رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً
وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ[ .
عِبَادَ اللهِ :
] إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ
وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ
وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [ . فَاذْكُرُوا اللهَ
العَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى وَافِرِ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ ،
وَلَذِكْرُ اللهِ أَكبَرُ ، وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ عبيد الطوياوي تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=120 |