وجُوبُ
التَعَلُّقِ بِاللهِ، والتَحْذِيرُ مِن
التمائِمِ
إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ
باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ
فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا
اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ،
صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد،
أيها الناس: اتقوا اللهَ تعالى، وتَعَلَّقُوا
بِهِ، واحْذَرُوا مِن التَعَلُّقِ بِغَيْرِهِ، فإِنَّكُمْ عاجِزُونَ عَنْ
تَحْقِيقِ ما يَنْفَعُكُم ودَفْعِ ما يَضُرُّكُمْ، إلا بِاللهِ وَحْدَه، فَمَنْ
تَعَلَّقَ بِغَيْرِ اللهِ، وَكَلَهُ اللهُ إلى هذا الغَيْرِ، وَلَمْ يَجْنِ إلا
النَّقْصَ والخَسارَةَ. وَمَنْ تَعَلَّقَ بِاللهِ واسْتَعانَ بِاللهِ، وَوَثَقَ
بِه، وبَذَلَ الأَسْبابَ، أَعانه اللهُ وَوَفَّقَهُ وكَفاه. قال تعالى: ( أَلَيْسَ
اللهُ بِكافٍ عَبْدَه ). قال أَهْلُ العِلْمِ: " الكِفايَةُ مِن اللهِ عَلَى
قَدْرِ العُبُودِيَّةِ "، أيْ عَلى قَدْرِ تَوْحِيدِهِ وتَوَكُّلِهِ
وإخْلاصِهِ وإقْبالِهِ عَلى الله.
وقال
تعالى: (وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِن
يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )، أَيْ وإِنْ يَمْسَسْكَ
اللهُ بِشِدَّةٍ وبَلِيَّةٍ مِنْ فَقْرٍ أو مَرَضٍ أَو عُسْرٍ أَوْ هَمٍّ أَو
غَمٍّ أَو نَحْوِه. فلا رافِعَ لَه إلا هُو وحْدَه لا شَريكَ له، وإنْ يَمْسَسْكَ
بِخَيْرٍ وعافِيَةٍ ونِعْمَةٍ، فَهْو سُبْحانَه عَلى كٌلِّ شيءٍ قَديرٌ، مِن
الخَيْرِ والشَّرِّ.
وقال تعالى: ( ما يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنّاسِ
مِن رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها وما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ
وهْوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ ). وهذه الآيَةُ العَظِيمَةُ العَجِيبَةُ، تَدْعُو
صاحِبَ القَلْبِ الحَيِّ إلى الوُقُوفِ عِنْدَها، والتأَمُّلِ فيها، فإنَّها
تَبْعَثُ في قَلْبِ الْمؤمِنِ كَمالَ التعَلُّقِ بِاللهِ، والثِّقَةَ بِهِ،
والافْتِقارَ إلَيْهِ مِنْ جَمِيعِ الوُجُوهِ، وعَدَمَ الالتِفاتِ بِقَلْبِهِ إلى
المَخْلُوقِ أَيًّا كانَ، لأَنَّ مَفاتِيحَ الخَيْرِ ومَغالِقَه كُلَّها بِيَدِهِ
وَحْدَه، لا يَمْلِكُها إلا هُو، وأَنَّه ما شاءَ كانَ، وما لَمْ يَشَأْ لَمْ
يَكُنْ، وأَنَّه لا مانِعِ لِما أَعْطَى، ولا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعَ، ولِذلكَ قال
الله تعالى لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم: ( قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ
ضَرًّا وَلَا رَشَدًا )، أيْ: لَيْسَ لِي مِن الأَمْرِ وَلا مِن التَصَرُّفِ
شَيْءٌ، ولا أَقْدِرُ أَنْ أَدْفَعَ عَنْكُمْ ضَرًّا، ولا أَسُوقُ إِلَيْكُم
خَيْرًا، وإِنَّما الذي يمْلِكُ ذلك هو اللهُ وَحْدَه.
فإذا كانَ الرسُولُ صلى الله عَلَيْهِ وسلم،
وهُوَ أَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ، وسَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ، يَقُولُ ذلك، فَمِن بابِ
أَوْلَى مَنْ دُونَه، لا يَمْلِكُ شَيئًا مِن ذلك.
وإذا كانَ الرسولُ صلى اللهِ عَلَيْهِ وسلم،
الْمُؤَيَّدُ بِالوَحْيِ، وهُوَ عَلى قَيْدِ الحياةِ، قَدْ أُمِرَ أَنْ يَقُولَ
ذلك، فَكَيْفَ يُطْلَبُ مِن الأَمْواتِ جَلْبُ مَنْفَعَةٍ، أَو دَفْعُ مَضَرَّةٍ، كَما هو الحاصِلُ اليَوْمَ في كَثيرٍ مِن بُلْدانِ المًسْلِمين مَعَ الأَسَفِ!!!
إنَّ هذا لَمِنْ أَعْجَبِ العُجابِ، أَنْ تَرى هذا العَمَلَ الشِّرْكِيَ دُونَ
نَكيرٍ أَوْ تَغْيِيرٍ.
عِبادَ اللهِ: إِنَّ مِنْ الأَعْمالِ
الشِّرْكِيَّةِ، التي لا تَزالُ تَجِدُ رَواجًا عِنْدَ بَعْضِ الْمُسْلِمينَ،
تَعْلِيقَ التَمائِم والحُجُبِ والأَساوِرِ والخَواتِمِ والقَلائِدِ والجُلُودِ،
بِقَصْدِ دَفْعِ العَيْنِ والحَسَدِ والآفاتِ، أوْ جَلْبِ النَّفْعِ والبَرَكَةِ،
أَوْ جَلْبِ المَوَدَّةِ والمَحَبَّةِ، سَواءً كانَ يَفْعَلُه الشخصُ لِنَفْسِهِ،
أَوْ أَوْلادِه، أَو دَوابِّهِ أَو سَيَّارَتِهِ، أَو بَيْتِهِ أَوْ دُكَّانِه،
أَو غَيْرِ ذلك. فإنَّ ذلك كُلَّه مِن الشِّرْكِ، لِمَا في ذلك مِن التَعَلُّقِ
بِغَيْرِ اللهِ، واعْتِقادِ حُصُولِ مَنْفَعَةٍ أَوْ دَفْعِ مَضَرَّةٍ مِنْ غَيْرِ
اللهِ، قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ( مَنْ عَلَّقَ تَمِيمَةً فَقَدْ
أَشْرَكَ ).
قال أَهْلُ العِلْمِ: إِذا كانَ فاعِلُ ذلك
يَعْتَقِدُ أَنَّ هذِهِ الأَشْياءَ المُعَلَّقَةَ أَوْ الْمَلْبوسةَ، سَبَبٌ لِـحُصُولِ
الْمَنْفَعَةِ أَوْ دَفْعِ الْمَضَرَّةِ، فَهذا شِرْكٌ أصْغَر. وإذا كانَ
يَعْتَقِدُ أَنَّها تَنْفَعُ بِنَفْسِها، فَهذا شِرْكٌ أَكْبَرُ والعِياذُ بالله.
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي
وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا
تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ
ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ
للهِ عَلى إِحسانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوفِيقِهِ وَامتِنَانِهِ، وَأشهدُ أن
لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وَأشهدُ أنَّ مُحمّداً عَبدُهُ وَرسولُهُ،
صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلمَ تسليماً كثيراً . أَمّا بَعدُ
عِبادَ الله: اتَّقُوا اللهَ تعالى،
واعْلَمُوا أَنَّه لا يَجُوزُ تَعْلِيقُ التَمائِمِ وَلَوْ كانَ فيها شَيْءٌ مِن
القُرْآنِ أَوْ الأَدْعِيَةِ المَشْرُوعَةِ:
أَوَّلاً: لِعُمُومِ قَوْلِ النبيِّ صلى
الله عليه وسلم: (مَنْ عَلَّقَ تَميمَةً فَقْدْ أَشْرَكَ).
ثانِيًا: لأَنَّ التَمِيمَةَ إذا كانَت مِن
القُرآنِ أَو الأَدْعِيَةِ، فإنَّها عُرْضَةٌ لِلاِمتِهانِ، لأَنَّ الشَّخْصَ قَدْ
يَدْخُلُ فِيها الخَلاءَ، وكذلك لا يَسْلَمُ لابِسُها مِن اللَّغْوِ وفِعْلِ مالا
يَليقُ.
ثالِثًا: أَنَّ لُبْسَها وَسِيلَةٌ إلى لُبْسِ التمائِمِ الْمُشْتَمِلَةِ
عَلى الشِّرْكِ، فَقَدْ وُجِدَ مَنْ يَلْبَسُ التَمِيمَةَ المُشْتَمِلَةَ عَلى
الطّلاسِمِ، أَو دُعاءِ غَيْرِ اللهِ، وَهُوَ يَدَّعِي أَنَّها مِن القُرآنِ.
فاتَّقُوا اللهَ أَيُّها المسلمون،
وحافِظُوا عَلى عقِيدَتِكُم مِن كُلِّ ما يَنْقُضُها أَو يُنَقِّصُها، فإنَّها
رَأْسُ مالِكُم، وعِصْمَةُ أَمْرِكُمْ. وَلا تَتَهاوَنُوا في ذلك.
اللهم
عَلّمْنا ما يَنْفعُنا، وانْفَعْنا بِمَا عَلَّمْتَنا، واحْفَظْ لَنا دِيننا،
وأَعِذْنا مِن الشِّرْكِ صَغِيرِهِ وكَبيرِه، وارزقنا تحقيق التوحيد يا رب
العالمين ، اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليّها ومولاها، اللهم
خلصنا من حقوق خلقك، وبارك لنا في الحلال من رزقك، وتوفنا مسلمين وألحقنا
بالصالحين، اللهم أصلح أحوال المسلمين، اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاماً
ومحكومين، اللهم إنا نعوذ بك من جهد البلاء ودرك الشقاء وسوء القضاء وشماتة
الأعداء، اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك وفجأة نقمتك وجميع سخطك، اللهم
ارفع عنا الوباء والبلاء يا أرحم الراحمين، اللهم احفظ بلادنا من كيد الكائدين
وعدوان المعتدين، اللهم أخرجها من الفتن والشرور والآفات ومن هذا البلاء، واجعلها
أقوى مما كنت، وأمكن مما كانت، وأغنى مما كانت، وأصلح مما كانت، اللهم أصلح حكامها
وأهلها واجمع كلمتهم وألف بين قلوبهم واجعلهم يدا واحدة على من عداهم يا قوي يا
عزيز، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك
سميع قريب مجيب الدعوات ( وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ
الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا
تَصْنَعُونَ ) .
وللمزيد من
الخطب السابقة للشيخ أحمد العتيق تجدها هنا :
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=119
|